المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تظهر استطلاعات الرأي خلال معركة الانتخابات الحالية للكنيست حدوث تراجع كبير في شعبية حزب "يسرائيل بيتينو" ("إسرائيل بيتنا") برئاسة وزير الخارجية،أفيغدور ليبرمان. وتوقعت جميع الاستطلاعات هبوط تمثيل هذا الحزب من 13 عضو كنيست في الدورة الحالية، و15 عضو كنيست في الدورة السابقة، إلى ما بين 4 إلى 6 أعضاء كنيست في الدورة المقبلة، ما يعني أن هذا الحزب قد يلامس نسبة الحسم.

ويعزو المحللون سبب هذا الهبوط في شعبية حزب "يسرائيل بيتينو" إلى فضيحة الفساد الكبرى، التي يشتبه عدد كبير من قياديين وأعضاء بارزين في هذا الحزب بالتورط فيها. وترددت أنباء في الأيام الأخيرة، قالت إنه ليس مستبعدا أن تطال الشبهات في قضية الفساد هذه ليبرمان نفسه.

إلا أن قضية الفساد هذه ليست السبب الرئيس، على ما يبدو، في تدهور شعبية ليبرمان وحزبه، الذي كان في الماضي يمثل ويجذب الناخبين من المهاجرين الروس، اليهود وغير اليهود، إلى إسرائيل. وتدل تقارير نُشرت مؤخرا على أن عدد الناخبين التقليديين لحزب "يسرائيل بيتينو" أخذ يتراجع، وأن أبناء الطبقة الوسطى في صفوف المهاجرين الروس ابتعدوا عن هذا الحزب، والأهم من ذلك أنه تجري تحولات لديهم وهناك العديد من التنظيمات الصغيرة المؤلفة من شبان، أي أبناء المهاجرين، الذين يحملون أفكار اليسار الصهيوني.

وتشير هذه التحولات إلى أن الرياح الجديدة التي تهب لدى جمهور الروس، بعد 25 عاما من بدء هجرتهم الكبرى إلى إسرائيل لدى انهيار الاتحاد السوفييتي، لم يعودوا ينظرون إلى ليبرمان وحزبه عنوانا لهم، عشية انتخابات الكنيست المقبلة.

هل انتهى "حزب الروس"؟

أعلن ليبرمان، الشهر الماضي، عن قائمة مرشحي حزب "يسرائيل بيتينو" لانتخابات الكنيست. وتبين من هذه القائمة أنه لا يتبوأ الأماكن المضمونة فيها، عندما كانت الاستطلاعات تمنحه سبعة أو ثمانية مقاعد، سوى ثلاثة مرشحين من المهاجرين الروس، علما أن هذا الحزب كان يمثلهم في الماضي ويطلق عليه "حزب الروس".

واحتلت المكان الثاني في قائمة هذا الحزب بعد رئيسه ليبرمان مباشرة، عضو الكنيست أورلي ليفي – أبكسيس، وهي من أصول مغربية وابنة وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، دافيد ليفي. وعدد المرشحين من أصول روسية في "يسرائيل بيتينو" في الانتخابات الحالية هو الأدنى قياسا بكافة القوائم التي خاض هذا الحزب الانتخابات من خلالها.

وعقب سفير إسرائيل السابق في روسيا، تسفي ماغين، بالقول لموقع "واللا" الالكتروني، في 20 كانون الثاني الفائت، إنه لم يعد هناك مبرر لوجود "حزب روسي"، خاصة وأن الأحزاب كلها في إسرائيل تتوجه وتخاطب الصوت "الروسي". واعتبر أن "على الروس الاندماج في المؤسسة السياسية العامة" وأن يتوقفوا عن تشكيل جمهور خاص ومنعزل. وقدّر ماغين أن عددا كبيرا من الناخبين "الروس" توقف عن التصويت لحزب "يسرائيل بيتينو" ولذلك فإن هذا الحزب أخذ يفقد قدرته على البقاء كحزب يمثل جمهورا معينا.

كذلك نقل موقع "واللا" عن مجموعة من الشبان الروس، اجتمعت لاستيضاح موقفها من التصويت إلى "يسرائيل بيتينو"، قولها إن ليبرمان نفسه كان أول من أدرك أنه لم يعد هناك تصويت بموجب مجموعات سكانية. وأوضح هؤلاء الشبان "الروس" أن آباءهم وأمهاتهم ما زالوا يصوتون لصالح "يسرائيل بيتينو" بينما الجيل الشاب منهم يصوت لجميع الأحزاب ووفقا لمواقفهم السياسية.

وأشار تقرير مطول، نشرته صحيفة "هآرتس" في نهاية الشهر الفائت، إلى أن تراجع شعبية ليبرمان وهبوط قوته المتوقع في الكنيست المقبلة هما "نتيجة حتمية لتآكل الناخب الروسي، في أعقاب انخفاض عدد المصوتين من كبار السن، أي أولئك الذين هاجروا في سن 50 عاما فما فوق ووجدوا لدى ليبرمان بيتهم الطبيعي". وهناك ظاهرة أخرى، وهي "خروج مكثف لعائلات شابة ناطقة بالروسية من الطبقة الوسطى" من خلال الهجرة، وخصوصا إلى كندا.

إلى جانب ذلك، فإن أحد أسباب تراجع تأييد "الروس" لليبرمان، هو أن الأخير، إن كان ذلك بسبب إدراكه للتحولات الحاصلة لدى هذا الجمهور أو بسبب عزمه شق طريقه نحو منصب رئاسة الحكومة، سعى في السنوات الأخيرة إلى طمس العنصر الفئوي "الروسي" في حزبه، مثلما فعل عشية الانتخابات الماضية عندما تحالف مع حزب الليكود ليضع نفسه زعيما للإسرائيليين كلهم. كذلك فإنه أبعد قضايا متعلقة بـ"الروس"، مثل السكن الحكومي وتأمين التقاعد والزواج المدني، عن أجندة حزبه واستبدلها ببرنامج سياسي متطرف مثل "ليبرمان وحده فقط الذي يعرف التعامل مع العرب".

الانضمام إلى "الغيتو اليهودي الإسرائيلي"

يتبين أن هذه التحولات لدى الجمهور الروسي وفي توجهات ليبرمان قد أثرت على تراجع شعبية "يسرائيل بيتينو". وأشارت "هآرتس" إلى دراسة ستصدر قريبا عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" تبين أنه في المدن "الروسية"، أي تلك التي تسكنها نسبة عالية من المهاجرين، مثل معلوت وكرميئيل وأشدود وكريات شمونه، كانت نسبة التصويت لمندوبي حزب "يسرائيل بيتينو" منخفضة. لكن هذا لم يمنع "الروس" في هذه المدن من التصويت لقائمة "الليكود – يسرائيل بيتينو" ولأحزاب يمينية أخرى في انتخابات الكنيست الماضية.

ورأى ميخائيل فيليبوف، الذي يدرس في الجامعة العبرية في القدس للحصول على شهادة الدكتوراه وباحث في تبلور المواقف السياسية، أن إستراتيجية ليبرمان، المتمثلة بمحاولة إخفاء إخفاقاته في المجال الاجتماعي بواسطة حملة أمنية تحمل العرب واليسار الإسرائيلي على أنهما سبب كافة المصائب، لا يمكنها أن تجد تعبيرا في إطار التحالف مع حزب الليكود، كونه حزبا يتمتع بصفة رسمية أكثر من "يسرائيل بيتينو".

ونتيجة لذلك بدأت تتعالى تساؤلات في الشارع "الروسي" حول الانجازات القليلة التي حققها منتخبو "يسرائيل بيتينو" على مدار السنين الماضية. وأوضح فيليبوف أن "قسما من الشبان ("الروس") مستمرون في التوجه اليميني ويصوتون لبيبي (رئيس الحكومة وحزب الليكود بنيامين نتنياهو) ولنفتالي بينيت (رئيس حزب "البيت اليهودي"). كذلك فإن خطاب يائير لبيد (رئيس حزب "يش عتيد")، الذي يمثل طبقة وسطى علمانية، يتحدث إليهم، وحصل يش عتيد في الانتخابات الماضية على ثلاثة أو أربعة مقاعد في الكنيست من الوسط الروسي. واليسار يكاد يكون ليس خيارا، لأنهم تربوا على كراهية عميقة لليسار".

من جانبها، رأت رئيسة قسم الأنثروبولوجيا في جامعة بن غوريون في بئر السبع، الدكتورة يوليا ليرنر، أن "ميل الناطقين بالروسية نحو اليمين يتغير. وهم لا يصبحون قريبين أكثر من اليسار، لكن يمينيتهم تتغير. ليبرمان مثّل يمينية روسية – سوفييتية جدا، تستند إلى مفهوم علماني، براغماتي، وإلى منح الشرعية للدولة القوية والمسيطرة على تحريك مجموعات، تغيير هويات، المطالبة بالولاء، تدريج مواطنين وحقوقهم لدرجة أولى وثانية. ويبدو لي اليوم أن هذه اليمينية هي أكثر إسرائيلية، ومرتبطة أكثر باليهودية، الجيش الإسرائيلي، وخطاب التهديد الدائم (على إسرائيل). وهذه لم تعد يمينية تستند إلى المفهوم الامبريالي السوفييتي، وإنما إلى مفهوم الغيتو اليهودي الإسرائيلي".

"روس" يساريون

على الرغم من ميول "الروس" نحو أحزاب اليمين، بسبب غسيل الدماغ الذي تعرضوا له منذ أن وطئت أقدامهم في البلاد، إلا أن هناك مجموعات يسارية تندرج في إطار اليسار الصهيوني. أحد النشطاء في هذه المجموعات هو ميريك شطيرن (36 عاما) وهو نجل عضو الكنيست السابق عن حزب "يسرائيل بيتينيو" يوري شطيرن، الذي توفي في العام 2007 وكان معروفا بأفكاره ومواقفه اليمينية.

وقال شطيرن، الذي يعد رسالة الدكتوراه في موضوع السياسة والحكم في جامعة بن غوريون، إن أفكاره السياسية تبلورت في البداية بتأثير من أفكار والده، لكن بعد ذلك أثرت عليه أحداث، بينها خدمته في الجيش الإسرائيلي خلال حملة "السور الواقي"، التي اجتاح الجيش خلالها الضفة الغربية في العام 2002. وأضاف أن تغييرات كثيرة طرأت على أفكاره، خلال الـ15 عاما الماضية، وصوت خلالها لأحزاب "اليسار".

وشطيرن هو مؤسس حركة جديدة للإسرائيليين الناطقين بالروسية باسم "جيل 5ر1"، التي تنشط من أجل نهضة "روسية" بكل ما يتعلق بالهوية والثقافة والأفكار المسبقة وانعدام المساواة الاجتماعي. وأوضح "إننا نتحدث عن شبان كبروا هنا، وامتصوا ثقافة إسرائيلية، ويتحدثون العبرية، وبعضهم تعرض لصحوة سياسية أثناء الاحتجاجات الاجتماعية (في صيف العام 2011) ويحاولون تحدي الثقافة السياسية الفئوية، ويبحثون في الفجوة بينهم وبين مفاهيم الجيل السابق. والفكرة هي عدم ’التحول إلى اليسار’ فيما يتعلق بجيل الأهل، وإنما طرح أسئلة حول سبب عدم فهمهم لنا ولمجمل المجتمع الإسرائيلي".

وأضاف شطيرن أن "النظرة مزدوجة: تدقيق نقدي نحو داخلنا ومواجهة اتجاهات شوفينية وقومية، إلى جانب كشف أفكار مسبقة وعنصرية لدى المجتمع العام تجاه الجمهور الروسي. فقد وضع الإسرائيليون، عموما، الروس في الركن اليميني، كفاشيين وقوميين، وكان الجميع مرتاحين في هذا المكان. وفكرتنا الآن هي الخروج منه، وأن نفتح أمام الروس إمكانيات أخرى في الحيز الثقافي – السياسي بحيث يكون بالإمكان التعاطف معه وجعل المجتمع الإسرائيلي يتوقف عن النظر إلى الروس بصورة ضحلة وسطحية كهذه".

وإلى جانب "جيل 5ر1" تشكلت خلايا "روسية" أخرى تحمل أفكارا ديمقراطية ومنفتحة على التعددية، وبعضها يتماثل علنا مع اليسار الاجتماعي واليسار السياسي الإسرائيلي. وإحدى هذه الخلايا، على سبيل المثال، موقع "ريليفانت" الالكتروني، الذي تأسس قبل سنتين، بدعم من "الصندوق الجديد لإسرائيل"، ويشمل مضامين إسرائيلية باللغة الروسية. وقد تأسس هذا الموقع ليشكل ردا على الصحافة "الروسية" المحسوبة على اليمين.

وهناك جمعية "الديمقراطية هي تراثنا"، التي أسستها الدكتورة إيلا شاينسكايا، وهي ناشطة قديمة في حزب ميرتس. وقالت "هآرتس" إن هذه الجمعية أخذت تحتل مكانا هاما في خطاب الناطقين بالروسية. كما تنشط مجموعة من الناطقين بالروسية في الفرع الإسرائيلي لـ"انتربيس"، وهي مبادرة دولية للأمم المتحدة وتتقدم في مناطق النزاعات.

وهناك مجموعات صغيرة يطلقون على أنفسهم اسم "شيوعيين – فوضويين". وعموما، يلاحظ وجود عدة مجموعات صغيرة راديكالية نشطة، وأحد الأمور التي تعبر عنها هو نشوء خطاب نسوي بارز.

وفي هذه الأثناء يعمل مشروع من أجل تأهيل صحافيين ومدونين. وقالت عالمة الاجتماع من جامعة بن غوريون، الدكتورة يوليا زملينسكي، إن "الفكرة من هذا المشروع هي انكشاف الطلاب على أكبر عدد ممكن من القضايا في المجتمع الإسرائيلي، من عنف الشرطة مرورا بالمساكن العامة وحتى مكانة البدو وعرب يافا. وهدفنا مزدوج، أولا أن يندمج خريجونا في الصحافة الروسية وأن يؤثروا من الداخل. فالصحافة الروسية معزولة عن الخطاب العام، وليست نقدية أبدا تجاه الدولة ومؤسساتها، وهذا الوضع يجب تغييره. وثانيا، سنكون مسرورين إذا اندمجوا في وسائل الإعلام الإسرائيلية وربما بذلك سيشكلون تمثيلا أكثر تعقيدا وتتراجع الأفكار المسبقة تجاه المهاجرين".

وهناك مبادرة أخرى، بعيدة عن الأنظار حتى الآن، وغايتها عقد لقاءات بين إسرائيليين ناطقين بالروسية ومواطنين عرب في إسرائيل، "وبذلك يتم تفكيك المعادلة التي عمل ليبرمان جاهدا من أجل غرسها لدى جمهور ناخبيه، وبموجبها أن الخطر الأكبر على مستقبل الأمة يأتي من منطقة وادي عارة والمثلث" وهي المنطقة التي يعلن ليبرمان عن ضرورة نقلها إلى الدولة الفلسطينية أي اتفاق مستقبلي. وحلقة الوصل بين "الروس" والعرب، في هذا المشروع، هي رابطة خريجي جامعات الاتحاد السوفييتي التي تضم حوالي أربعة آلاف عربي يتحدثون اللغة الروسية.

معطيات حول "الروس"

أولا: يعيش في إسرائيل اليوم قرابة 934 ألف مواطن هاجروا من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وهاجر 7280 شخصا من هذه الدول في العام 2013، وبينهم 4620 روسيا.

ثانيا: نسبة البطالة بين "الروس" مشابهة لنسبة البطالة العامة في إسرائيل، وهي 6ر5%. لكن هذه النسبة ترتفع إلى 7ر6% بين "الروس" الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد العام 1998. وتبين المعطيات أن "الروس" يشكلون 48% من العاملين في شركات القوى العاملة بشكل عام، و3ر44% من العاملين في فرعي الحراسة والنظافة بواسطة هذه الشركات، و9ر56% من العاملين في فرع التمريض بواسطة هذه الشركات.

ثالثا: يبلغ متوسط الدخل الشهري للعائلة "الروسية" 11340 شيكلا، بينما متوسط الدخل العام في إسرائيل هو 15945 شيكلا.

رابعا: 47% من "الروس" و8ر75% من اليهود في إسرائيل يملكون سيارة واحدة على الأقل؛ 15% من "الروس" و2ر49% من اليهود يملكون مجفف غسيل؛ 20% من "الروس" و5ر47% من اليهود يملكون آلة جلي الأواني.

خامسا: يسكن 6ر49% من "الروس" و8ر66% من العائلات اليهودية في شقة بملكيتهم. وينفق "الروس" على السكن 2719 شيكلا شهريا، بينما تنفق العائلة اليهودية 4061 شيكلا شهريا.

سادسا: 59% من "الروس" لديهم دراسة فوق ثانوية أو أكاديمية، و5ر13% يحملون شهادات تمكنهم من مزاولة مهن أكاديمية. كذلك فإن 9ر27% من "الروس" يحملون شهادة الماجستير، بينما هذه النسبة تنخفض إلى 5ر7% بين اليهود.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات