قبل أكثر من 10 أعوام صدر للأستاذ الجامعي الإسرائيلي عامي بداتسور عن منشورات جامعة أكسفورد كتاب بعنوان "انتصار اليمين المتطرّف في إسرائيل". ووفقاً لهذا الكتاب، فإن الانتصار المذكور كان من نصيب "يمين متطرّف جديد" يتسّم، كما يقول المؤلف، بعدة خصائص أبرزها ما يلي: 1- "وطنيّة متطرفة" ترى أن دولة إسرائيل يجب أن تكون لليهود وفقط لهم؛ 2- سلطوية من ناحية رؤية ماهية الحكم واعتبار الدولة والزعيم السلطة الأعلى وعلى باقي السلطات الانسجام مع توجهاتهما؛ 3- شعبوية. ومع أن المؤلف يقرّ بأن كل واحدة من هذه السمات الثلاث رافقت الحركة الصهيونية ومجتمع دولة إسرائيل على مرّ الأعوام، وتجسّدت في أشكال مختلفة ووسط أجزاء متعدّدة من ذلك المجتمع، إلا إنه في الوقت عينه يشير إلى أن اجتماعها معاً هو ما بات يميّز اليمين المتطرّف الجديد الذي أصبح جالساً على سدّة الحكم في إسرائيل.
شكّل قيام الكنيست الإسرائيلي، يوم 9 كانون الثاني 2023، بإقرار مشروع قانون تمديد العمل بأنظمة الطوارئ التي تطبّق القانون الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية (والمعروف باسم قانون الأبارتهايد) بالقراءة الأولى، فرصةً لمزيد من توضيح ما لا ننفك نؤكده وهو أن الجدل المحتدم هذه الأيام، على خلفية تأليف الحكومة الأكثر تطرّفاً وتديناً في تاريخ إسرائيل، يخصّ بالأساس قضايا داخلية ولا ينطوي على خرق لتخوم شبه الإجماع حيال القضية الفلسطينية والموقف من الفلسطينيين في الداخل، وهو شبه إجماع يسم الأغلبية الساحقة من الأحزاب الإسرائيلية التي حظيت بتمثيل في الكنيست الحاليّ.
أعلن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين (الليكود) يوم الأربعاء الماضي (4/1/2023) عن "خطة إصلاح" شاملة وواسعة النطاق ومثيرة للجدل بشأن النظام القانوني والمنظومة القضائية في إسرائيل، والتي في حال إقرارها، ستكون بمثابة أكثر التغييرات جذرية على الإطلاق في نظام الحكم في إسرائيل.ومن المتوقع أن تؤدي التغييرات التي حدّدها ليفين خلال مؤتمر صحافي في الكنيست، إلى الحدّ بشدّة من سلطة محكمة العدل العليا، وإلى منح الحكومة الإسرائيلية السيطرة على لجنة اختيار القضاة، وإلى الحدّ بشكل كبير من سلطة المستشارين القانونيين للحكومة والوزارات المختلفة.
مع انتقال المزيد من تفاصيل الاتفاقيات الائتلافية، التي جرى توقيعها بين حزب الليكود وحلفائه في الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي ستكون السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو، من غيابة الظلام إلى دائرة الضوء، ومن الغموض إلى الوضوح، يتبين أكثر فأكثر أن هذه الحكومة ستكون الأشد تطرفاً في تاريخ إسرائيل، سواء بالنسبة إلى الاحتلال والاستيطان والقضية الفلسطينية، أو فيما يتعلق بالسياسة الداخلية.
الصفحة 15 من 48