للوهلة الأولى، قد تبدو الحملة الانتخابية المركزة التي يوجهها بنيامين نتنياهو ومن بعده بقية أحزاب اليمين واليسار الإسرائيلية على حد سواء، للمجتمع العربي في الداخل، ساذجة وعديمة الجدوى من حيث مردودها الانتخابي وحجم الأصوات الذي يمكن أن تعود به على هذه الأحزاب، إلا أنها في جوهرها، وإلى جانب المكاسب الانتخابية الحسابية والآنية، تعكس توجها مختلفا، ووعيا متزايدا بالدور والمنحى الآخذ في الاستقلال والندية الذي ينحو إليه المجتمع العربي، والذي بلغ ذروته في الحملة الانتخابية السابقة وقدرة القائمة المشتركة على "كنس" الأحزاب الصهيونية من صندوق الاقتراع في المجتمع العربي من جهة، ورفع نسبة التصويت لصالح القائمة المشتركة، وتمليكها قوة سياسية غير مسبوقة داخل الكنيست جعلتها القوة الثالثة من حيث الحجم، وهو ما جعلها تشكل حجر عثرة أساسيا، ورقما صعبا، أمام مساعي نتنياهو للعودة إلى الحكم، وتشكيل حكومة تنقذ حكم اليمين وتبعد عنه شبح السجن.
حظي حزب ميرتس اليساري الإسرائيلي بنصيب وافر من الجدل والنقاش مؤخرا في الصحافة، وفي أوساط النخب والمثقفين الإسرائيليين، ولم يكن مبعث ذلك وقوع تطورات دراماتيكية في برامج الحزب أو تكوينه القيادي، وإنما ببساطة لأنه بات مهددا بالفشل في اجتياز نسبة الحسم (3.25 في المئة) في الانتخابات القريبة، وبالتالي الاختفاء نهائيا من المشهد السياسي الإسرائيلي، بعدما شهد تراجعا مطّردا على امتداد العقود الثلاثة الماضية، على غرار ما جرى مع حليفه التاريخي، حزب العمل.
قدمت منظمة "الحركة من أجل جودة الحكم" في إسرائيل التماساً بشأن حرية المعلومات للمحكمة المركزية في القدس، كي تصدر أمراً للشرطة يلزمها بتقديم معلومات بشأن "نظام توجيه بيانات التصفح في شبكة الإنترنت"، والذي تفعّله الشرطة على المنشورات المختلفة لتجمع من خلاله معلومات عن المواطنين الذين يتصفحون الإنترنت. وهو الأمر الذي رفضته الشرطة تماماً.
في هذا الحوار مع الدكتور وليد حدّاد، الخبير في مجالِ الإدارة العامة والمتخصص في بحثِ سياسة مكافحة الجريمة والمخدرات داخل الخطّ الأخضر، أودّ معالجةِ موضوعين أساسيين: الأوّل، تطوّر الجريمة المنظمّة في المجتمع العربيّ والتطرّق إلى مجالات عملها وطُرقها. والثاني، كيف نفهم انتقال الجريمة المنظمّة من المجموعةِ اليهوديّة وماذا حصلَ في تلكَ الفترة تحديداً، وكيف تكوّنت ثنائيّة سلاح جنائيّ وسلاح أمنيّ، فيما يتعلق بتعاطي الشرطة وأجهزة الدولة مع انتشار السلاح والجريمة المنظمّة في المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل. وأخيراً، سنتحدّث عن إمكانيّات الخروج أو محاربة الجريمة المتعارف عليها.
من يقرأ دون خلفيّة ولا معلومات سابقة هذا النص على موقع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية: "صادقت الحكومة اليوم (1 آذار) على مقترح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بدعم بلدات المجتمع العربي والحد من الإجرام فيها بقدر 150 مليون شيكل"، يظن أن خطوة كبيرة ومهمة قد قطعتها هذه الحكومة. لكن يكفي التوقف عند المحطات السابقة لهذا القرار، لهذه المحطة الأخيرة عملياً، كي يدرك أن الصورة مختلفة تماما.
من الصعب في هذا المقام حصر التوصيفات التي صدرت في إسرائيل و تراوحت بين "تاريخيّ" و"كارثيّ" لوصف قرار الحكم القضائي الذي صدر عن المحكمة الإسرائيلية العليا أخيراً بشأن الاعتراف بالتهويد حسب منهج التيارين الإصلاحي والمحافظ في الديانة اليهودية، كما أنه من غير الممكن الإحاطة بكل تفاصيل وتشعبات العاصفة الكبيرة التي أثارها هذا القرار، الذي يضع على المحكّ وفي الامتحان موضوع العلاقة الرسمية بين الدين والدولة في إسرائيل، بما ينطوي عليه هذا من وضع المحكمة ذاتها، ثم السلطة التشريعية (الكنيست)، على سكة تصادميّة مباشرة مع المؤسسة الدينية الرسمية، الموسومة بالتزمت والتشدد إجمالاً والمهيمنة رسمياً، ليس في القضايا الدينية فحسب، وإنما في مفاصل سياسية مؤسساتية عديدة، والتي تفوق قوتها في مواضع وأحيان كثيرة قوة الحكومة والجيش، بل قوة القانون نفسه أيضاً، وهو ما قد انعكس، على الفور، في تهديد الجناح الديني الأرثوذكسي المتشدد في الخارطة السياسية ـ الحزبية الإسرائيلية بأنه يشترط انضمامه إلى أي ائتلاف حكومي قادم بعد الانتخابات الوشيكة (في 23 الجاري) بتعهد مسبق منذ الآن بإلغاء قرار الحكم القضائي هذا بواسطة تشريع قانوني خاص يسنه الكنيست الجديد فور انتخابه وبدء دورته الجديدة. وقد كان لهذ التهديد/ الاشتراط أثره الفوري الذي تجسد في بيانات متسارعة صدرت عن حزب الليكود وأحزاب اليمين الأخرى تضمنت هجوماً على المحكمة العليا وقرارها وتعهداً بإلغائه، مقابل بيانات الدفاع عن المحكمة وامتداح قرارها من جانب أحزاب "الوسط ـ يسار"، خصوصاً. وستكون لهذا القرار تداعياته على سلوك الحريديم وحزبيهما السياسيين (يهدوت هتوراة وشاس)، إضافة إلى أحزاب "التيار الديني الوطني" الصهيونية اليمينية، في كل ما يتعلق بالتحالفات والائتلاف الحكومي المستقبلي في إسرائيل وما يترتب على ذلك بشأن قدرة اليمين بشكل عام على تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على الثبات والاستمرار.
الصفحة 137 من 338