المظاهرات الواسعة والصاخبة التي نظمتها أوساط من اليهود الحريديم في مدن مختلفة في إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة، في أعقاب اعتقال شاب فارّ من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أعادت إلى واجهة النقاش العام أسئلة عديدة حول الخلفيات الحقيقية لها (لهذه المظاهرات) وما تعكسه من صراعات مريرة على موقع الريادة والقيادة بين اليهود الحريديم في داخل إسرائيل، على اختلاف أجنحتهم ومشاربهم وولاءاتهم، الدينية والأيديولوجية والسياسية.
أجرت وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة ("ماحَش") في النيابة العامة الإسرائيلية (والتابعة، رسميا، لوزارة العدل)، خلال العام المنصرم 2016، تحقيقات جنائية "تحت طائلة التحذير" في 773 ملف شكاوى قُدِّمت إليها ضد أفراد من الشرطة الإسرائيلية، أغلقت منها 543 ملفًا (ما يعادل أكثر من 70 بالمئة من مجموع الشكاوى التي جرى التحقيق فيها في ذلك العام) ، بينما انتهت 230 منها (ما يعادل 30 بالمئة) بتقديم أفراد من الشرطة إلى محاكمات جنائية أو تأديبية، وهو ما يعكس زيادة طفيفة في نسبة الشكاوى والملفات التي استطاعت وحدة "ماحش" التوصل في نهايتها إلى قرار يثبت صدق الشكوى وصحتها، من منظورها هي ـ 68 المئة في العام 2016، مقابل 66 بالمئة في العام الذي سبقه، 2015.
تُطرح في الخطاب الإسرائيلي العام بوتيرة متزايدة مصطلحات ومفاهيم ومبادئ وأفكار كثيرة من قبيل "حقوق الإنسان"، "الحقوق الوطنية"، "دولة جميع مواطنيها"، و"دولة يهودية".
ويمكن اعتبار هذه المصطلحات كمفاهيم مناقضة أو قائمة في المسافة الواقعة بين القومية والعالمية. وفضلاً عن مضمونها، فإن لكل واحد منها مغزى عاطفيا ينبع من طريقة استخدامه ومن التاريخ الاجتماعي المرافق له ومن الكيفية التي يُعرض بها. هذه المصطلحات والمفاهيم تحتل حيزاً في النقاش الاجتماعي كما أنها جزء من الأرضية المُشَكِّلة لتفسيرنا لمن نحن ولما يحدث من حولنا. وكما كتب الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور في مقالة بعنوان "سياسة الوعي" (2003): "نحن نعرف هويتنا دائما في خضم [حوار مع..]، وأحيانا في خضم [صراع ضد] الأمورِ والأشياء التي يُريد [الآخرون المهمون] رؤيتها فينا". وإلى جانب الجدل الاجتماعي الضروري في الديمقراطية، تنمو وتزدهر أيضا سياسة صراعات ضد أيديولوجيات الآخرين ومحاولات لإقصائهم من الحيز العام.
يكاد لا يخلو يومٌ إخباري واحد من عنوان حول فصول الحملة المتواصلة التي يشنها رئيس حكومة اليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الصحافة والصحافيين. وهو يخصص، إلى جانب ذلك، مساحة كبيرة من صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، والمقاطع المصوّرة من الاجتماعات البرلمانية والحكومية الرسمية، كي يهاجم الصحافة ويدمغها بشتى أوصاف الإدانة بغية هزّ أعمدة شرعيتها ومهنيّتها، وبالتالي ضرب مصداقية نقدها وتحقيقاتها لممارساته العامة والخاصة.
طريق مسدود
على الرغم من إعلان الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بأنهما ملتزمان بحل الدولتين استنادا إلى حدود العام 1967، إلا أن الفجوات فيما يتعلق بشروط وكيفية التنفيذ ظلت قائمة على حالها.
يستعد اتحاد النقابات الإسرائيلية العامة "الهستدروت" لإجراء انتخابات عامة، في أواخر شهر أيار 2017. وحتى الآن يبدو وكأنه ستجري انتخابات بين كتلتين تجمع كل واحدة منها أحزابا، الأولى يرأسها الرئيس الحالي آفي نيسانكورين من حزب العمل، والثانية برئاسة النائبة من ذات الحزب شيلي يحيموفيتش، إلا أن الأخيرة تواجه مشكلة دستورية، تكمن في أحقيتها برئاسة كتلة "البيت الاجتماعي"، وهو ما ستبت به المحاكم في الأسابيع المقبلة.
الصفحة 270 من 338