المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بن غفير (إلى اليمين) متشبها بباروخ غولدشتاين. (من تقرير قناة 11).
بن غفير (إلى اليمين) متشبها بباروخ غولدشتاين. (من تقرير قناة 11).

بعد عام على مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل التي نفذها باروخ غولدشتاين العام 1994 وقتل خلالها 29 مصليا فلسطينيا، وأصاب 130 آخرين، قبل أن يلقى مصرعه، أحيى مستوطنون في مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أرض المدينة الفلسطينية ذكرى مقتل غولدشتاين. ظهر أحد المحتفلين في مقابلة تلفزيونية أجريت العام 1995 وهو يرتدي زي الأطباء الأبيض، وعلى كتفيه رتبة عسكرية كالتي ارتداها غولدشتاين عند ارتكابه المجزرة. كان الشاب يلصق على وجهه شعرا مستعارا ليبدو بلحية طويلة تشبّهاً بغولدشتاين واستعداداً للاحتفال بعيد المساخر المتزامن مع ذكرى المذبحة، وكان يضع على صدره ورقة مكتوباً عليها "باروخ القديس.... الذي يطلق النار.. ويثق الله به". ويقول الشاب في المقابلة: "غولدشتاين يعتبر بطلا بالنسبة لي، لذلك أنا ارتدي زيّاً مثل زيّ غولدشتاين... إنه بطلي".

بعد ستة وعشرين عاما من هذه المقابلة، بات هذا الشاب المدعو إيتمار بن جفير زعيما لحركة تسمى "قوة يهودية"، وعلى وشك أن يصبح عضوا في الكنيست، كي يحقق بنيامين نتنياهو هدفه بالبقاء رئيسا للحكومة الإسرائيلية.

غولدشتاين قديس لأتباع كهانا

في تقرير مصور لقناة التلفزة 11 العبرية، أواخر شباط الماضي، تناولت القناة الذكرى السابعة والعشرين لمذبحة الحرم الإبراهيمي التي وقعت فجر الجمعة الخامس والعشرين من شباط 1994، الموافق للخامس عشر من شهر رمضان. عرض التقرير مقاطع من التغطية الإخبارية التلفزيونية لأحداث المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين ضد المصلين الفلسطينيين وهم ساجدون في فجر يوم الجمعة الذي صادف أول أيام عيد المساخر ("بوريم") اليهودي، قبل أن يلقى مصرعه على يد المصلين.

وأشار التقرير إلى أنه فيما كان الفلسطينيون يشيعون قتلاهم، كان المستوطنون في كريات أربع قرب الخليل يحتفلون بعيد المساخر ويدلون بآرائهم المؤيدة للجريمة التي ارتكبها غولدشتاين.

كما علق منظمو جنازة غولدشتاين من مؤيدي من حركة "كاخ" ملصقات تنعاه تحت عنوان "بطل إسرائيل"، ووصفه المشاركون في الجنازة بأنه "قدّيس ضحى بنفسه في سبيل الرب".

دُفن غولدشتاين في كريات أربع، وبات قبره مزارا لمؤيدي حركة "كاخ" التي أسسها مائير كهانا المحظورة في إسرائيل. وكتب على قبره: "القديس الدكتور باروخ كابل غولدشتاين... ضحى بنفسه من أجل شعب إسرائيل وتوراته وأرضه، طاهرَ الكف وصادقاً".

"كاخ" حاضرة رغم الحظر

بدأت حركة "كاخ" نشاطها في إسرائيل العام 1971 بعد هجرة مؤسسها كهانا من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وتحولت الى حزب سياسي قبل انتخابات الكنيست العام 1973، وفاز كهانا بمقعد واحد في انتخابات الكنيست الحادي عشر العام 1984.
وكانت تقوم فكرة الحزب على العنصرية المتطرفة الموجهة ضد الفلسطينيين بمن فيهم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من خلال "سن قانون بترحيل العرب من كل أرض إسرائيل قبل أن يتحولوا إلى أغلبية ويضعوا حداً لوجود دولة اليهود".

لاحقا أدخل الكنيست تعديلات على قانون أساس: الكنيست، بإضافة بند 7(أ) الذي يمنع مشاركة قائمة في انتخابات الكنيست في حالة دعوتها للعنصرية والتمييز تجاه مجموعة من الناس بناء على انتمائها القومي أو الديني، لهذا تم رفض قبول تسجيل الحزب لانتخابات الكنيست الثالث عشر عام 1988.

إثر ذلك قام حزب "كاخ" بتنظيم مظاهرات وتوزيع منشورات تحريضية ضد الحكومة الإسرائيلية وضد العرب، وتمركز نشاط الحزب في الحي اليهودي في الخليل ومستوطنة كريات أربع. وبعد مجزرة الحرم الإبراهيمي تم حظر الحزب حسب القانون الإسرائيلي.

لكن مؤيدي الحركة لا يزالون حاضرين بقوة خاصة في الخليل، ومن أبرزهم إيتمار بن غفير وباروخ مارزل، صديق غولدشتاين المقرب، والمعروف بعدائه الشديد للفلسطينيين والمسجلة ضده عشرات القضايا، وهو حاليا من قادة حركة "قوة يهودية".

ولد بن غفير العام 1976 وكان من شبيبة حركة كاخ وأتباعها، وأدى نشاطه المعادي للفلسطينيين إلى توجيه أكثر من خمسين تهمة ضده حتى 2015، حسب القناة العبرية السابعة، أدين في ثمان منها، وتراوحت التهم ما بين الشغب وتخريب الممتلكات وإعاقة عمل الشرطة وحيازة مواد تحريضية لصالح منظمات إرهابية والتحريض على العنصرية وتأييد منظمات إرهابية.

درس القانون ورفض طلبه العام 2011 للحصول على تصريح مزاولة مهنة المحاماة من قبل نقابة المحامين الإسرائيليين، لكنه طعن في قرار النقابة، وحصل على قرار قضائي يمنحه الحق في خوض امتحانات المزاولة، فحصل على عضويتها في منتصف عام 2012.

نشاط قضائي لصالح قتلة الفلسطينيين

برز بن غفير في نشاطه في الدفاع عن المستوطنين المتورطين بهجمات دامية راح ضحيتها فلسطينيون. ومن أبرز الذين تولى بن غفير قضاياهم عميرام بن أوليئيل، قاتل الطفل علي دوابشة ووالديه سعد وريهام الذين قضوا حرقا في قرية دوما قرب نابلس العام 2015، وكذلك القاصر المشتبه به بالشراكة بالجريمة، وهو مشتبه به أيضا بمحاولة إحراق كنيسة رقاد السيدة العذراء في القدس، وبإحراق مخزن يملكه مقدسيون.

كما تولى الدفاع عن المستوطن المشتبه به بقتل الفلسطينية عائشة الرابي بحجر قرب حاجز زعترة جنوب نابلس في العام 2018، والذي لا تزال محاكمته مستمرة، ولم ينشر اسمه لأنه كان قاصرا عند حدوث الجريمة.

وكان بن غفير أيضا محامي ينون رؤوفيني، الذي أدين بتنفيذ هجوم حرق متعمد في 2015 ضد كنيسة الطابغة الأثرية الواقعة على ضفاف بحيرة طبريا.

كما يتولى الدفاع عن فتى يهودي في السابعة عشرة من عمره، طعن في 2015 أربعة عمال في ديمونة لأنهم عرب، وهم من النقب ومن الضفة.

وقائمة المدانين أو المشتبه بهم الذين مثلهم أو يمثلهم بن غفير تضم مستوطنين نفذوا اعتداءات على فلسطينيين من مجموعات "شبيبة التلال" الاستيطانية، ومنفذي الهجمات المسماة "تدفيع الثمن"، وكذلك تضم منفذي الاعتداءات على ناشطين يساريين إسرائيليين، ومنهم اليميني المتهم بمحاولة دهس متظاهرين يساريين ضد نتنياهو في أيلول من العام الماضي.

صورة غولدشتاين في منزل بن غفير

مع تأسيس بن غفير حركة "قوة يهودية" قبل جولة الانتخابات الأولى العام 2019، قال الحاخام حاييم دروكمان، وهو من قادة "الصهيونية الدينية"، إن هناك خلافا أيديولوجيا بين الحركتين، وهو خلاف كشف عنه الكاتب الحاخام يعكوف مدان في مقالاته، وأشار إلى أنه لا يمكن تشكيل تحالف بين "الصهيونية الدينية" "وقوة يهودية" ما لم ينزل بن غفير صورة باروخ غولدشتاين من صالون منزله كشرط مسبق للتحالف بين الحركتين. بن غفير رفض ذلك، وقال في مقابلة مع قناة 11 العبرية إنه لن ينزل صورة غولدشتاين من صالون منزله، "فهو طبيب أنقذ حياة الكثير من اليهود، وهذا هو السبب الذي يجعله يضعها في منزله".

لاحقا ومع تتابع الجولات الانتخابات وتغير خرائط التحالفات المحتملة، وافق بن غفير في بدايات العام 2020 على إنزال صورة غولدشتاين، وقال في تصريحات بثتها القناة 12 العبرية إنه قرر ذلك لأن "هناك إمكانية أن يشكل اليسار حكومة بالتحالف مع أيمن عودة (القائمة العربية المشتركة)، وهي حكومة قد تقوم بتفكيك مستوطنات، لذلك قررت إنزال الصورة في الصالون... والهدف هو إنقاذ حكومة اليمين".

ويقصد بذلك أنه تنازل عن الصورة من أجل إزالة أية عقبة في طريق أية تحالفات في كتلة اليمين قد تتسبب بخسارتها الانتخابات.
"عرس الدم"

بعد جريمة حرق أسرة دوابشة بخمسة شهور، نشرت القناة 12 مقطع فيديو لحفل زفاف شارك فيه مستوطنون وهم يرفعون بنادق آلية وزجاجات حارقة كالتي استخدمت في إحراق عائلة دوابشة، وسكاكين طعنوا بها صورا للطفل علي دوابشة وحاولوا إحراقها وهم يغنون مقاطع تحرض على المزيد من عمليات الانتقام من الفلسطينيين، فيما عرف لاحقا باسم "عرس الدم".

تظهر بين الحضور صورة بن غفير وهو يراقب ما يحدث وابتسامته تعلو وجهه. وادعى لاحقا أنه حاول تهدئة الأجواء التحريضية في حفل الزفاف، كما ادعى أنه لم ير صور الطفل دوابشة. واتهم بن غفير جهاز الشاباك بأنه يسعى خلفه بسبب اتهامه للجهاز بتعذيب المشتبه بهم من المستوطنين الذين يتولى الدفاع عنهم من "شبيبة التلال".

في الذكرى الثالثة لجريمة قتل عائلة دوابشة طلب بن غفير العام 2018، من المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية إلغاء قرار الكنيست، الذي يعتبر "كاخ" حركة إرهابية. ونقل موقع "كيباه" الإخباري، المقرب من المستوطنين، عن بن غفير تبريره لرفع الحظر عن حركة "كاخ" بأنه "يوجد في الكنيست نشطاء من القائمة المشتركة، يحرضون على إسرائيل، لكنهم يلقون معاملة لينة".

وفي مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال بن غفير إنه لا يزال مؤمنا بأفكار "مائير كهانا"، لكنه يسلك طريقا مختلفا، فبدلاً من المشاركة في التظاهرات، يلجأ إلى القضاء لتغيير الواقع.

كما أكد أنه في حال فوزه في الانتخابات فلن يتوقف عن الدفاع عن المستوطنين الناشطين في مجموعات "شبيبة التلال"، التي نفذت عشرات الهجمات والاعتداءات بحق فلسطينيين. وقال إنه درب في مكتبه عددا من المحامين القادرين على تولي قضايا المستوطنين، بحسب موقع "القناة السابعة".

أحفاد كهانا على أبواب الكنيست

مع اقتراب الانتخابات العامة الإسرائيلية، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، وبعد نحو شهر من الذكرى السابعة والعشرين لمذبحة الحرم الإبراهيمي، يقدم نتنياهو لأتباع غولدشتاين فرصة جديدة لدخول الكنيست عبر الحركات القومية الدينية الاستيطانية.
نتنياهو بذل في الأسابيع الأخيرة جهودا لتوحيد حركتي "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، و"قوة يهودية" بزعامة بن غفير، لضمان اجتيازهما نسبة الحسم المطلوبة لدخول الكنيست، لتعزيز فرص كتلة اليمين في زيادة عدد مقاعدها، ولضمان عدم تشتيت أصوات الناخبين اليمينيين وشطبها في حالة عدم اجتياز الحزبين منفصلين نسبة الحسم.

وبعد ضغوط من نتنياهو وافق سموتريتش وبن غفير على خوض الانتخابات في قائمة واحدة، مقابل ضم مرشح من حزبهما في قائمة مرشحي الليكود، كما تلقى سموتريتش تعهدا بتعيينه أو تعيين أحد أعضاء كتلته عضوا في لجنة تعيين القضاة.
كتب زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد على حسابه على "فيسبوك" مهاجما نتنياهو بشدة: "بن غفير هو مؤيد للإرهاب.. وحقيقة أن بن غفير وأشباهه هم جزء من المجتمع الإسرائيلي هي عار قومي.. وحقيقة أن بنيامين نتنياهو يفعل كل ما بوسعه - ويبدو أنه تمكن من ذلك- لإدخال هذا الشخص للكنيست المقبل، هذه لطخة لا يمكن إزالتها، لا عنه (نتنياهو) ولا عن دولة إسرائيل".

وأضاف لبيد "نتنياهو لن يُدخل بن غفير إلى الكنيست فقط، بل سيجعله جزءا من الائتلاف الحكومي... فماذا سيكون الموقف الرسمي لحكومة إسرائيل تجاه المذبحة التي نفذها غولدشتاين؟ كيف يمكن أن تدعي أنها ضد المذبحة؟ وماذا سيحدث لنا أمام العالم؟ وكيف ستكون علاقات إسرائيل مع إدارة بايدن الجديدة؟ حتى الإيباك (اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة) رفض فكرة أن يكون بن غفير جزءا من النظام السياسي الإسرائيلي لأنهم يدركون هناك أن ذلك سيكون مدمرا للعلاقات مع الولايات المتحدة".

إخفاق دفع نتنياهو للتدخل

فشلت حركة "قوة يهودية" في اجتياز نسبة الحسم في جولتي الانتخابات الأخيرتين، ففي انتخابات الكنيست الثاني والعشرين في أيلول 2019 خاض بن غفير الانتخابات دون تحالف مع أحزاب أخرى. وخاضت "قوة يهودية" الانتخابات بعد حصولها على قرار قضائي من المحكمة العليا يسمح لها بذلك، رغم رفض لجنة الانتخابات المركزية السماح لها بالترشح في البداية. لكن المحكمة العليا سمحت لبن غفير بخوض الانتخابات، ومنعت القياديين في حركته وهما باروخ مارزل وبنتسي غوبشتاين من الترشح بتهمة التحريض على العنصرية.

حصلت "قوة يهودية" على 83.609 أصوات في الانتخابات، لكنها لم تجتز نسبة الحسم، وبقيت خارج الكنيست.

وفي الانتخابات الثالثة والعشرين الأخيرة في آذار 2020 اتفق بن غفير وزعيم حزب "البيت اليهودي" رافي بيرتس على خوض الانتخابات في قائمة موحدة، لكن قبيل الموعد النهائي لتسجيل القوائم المتنافسة قرر بيرتس خوض الانتخابات مع تحالف يميني يضم "يمينا" و"اليمين الجديد" دون "قوة يهودية" فخاض بن غفير الانتخابات منفردا مرة أخرى، ولم يجتز نسبة الحسم مرة أخرى بعد حصوله على 19.362 صوتا فقط.

هذه النتائج لـ"قوة يهودية"، وتقديرات استطلاعات الرأي أن "الصهيونية الدينية" منفردة قد لا تجتاز نسبة الحسم، أثارت خشية نتنياهو من خسارة كتلة اليمين أصواتهما، ما دفعه في الأسابيع الماضية للضغط عليهما للتحالف في قائمة واحدة. ولم يكتف نتنياهو بذلك بل وقّع حزب الليكود اتفاقية فائض أصوات مع قائمة "الصهيونية الدينية".

وحسب عشرات استطلاعات الرأي التي رصدتها هيئة البث الإسرائيلية فإن تحالف سموتريتش- بن غفير قد يجتاز نسبة الحسم بحصوله على أربعة مقاعد تؤهله لدخول الكنيست، ليدخل أتباع كهانا الكنيست من الباب الذي فتحه لهم رئيس الحكومة الإسرائيلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات