المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثارت الحلبة الإسرائيلية من جديد على نهج مراقب الدولة العام، متنياهو أنجلمان، الذي انتخب قبل نحو عام، بضغط من بنيامين نتنياهو، وسط توقعات منذ ذلك الحين، بأن من اختاره نتنياهو شخصيا سيعمل على تطبيق أجندته، وهو إفراغ جهاز مراقب الدولة من مضمونه، بمعنى أن يخفف الرقابة على المؤسسات الرسمية وخاصة الحكومة، وهذا ينخرط في ذات نهج التيار الذي يقوده نتنياهو لتحييد المحكمة العليا عن كل الحياة السياسية، ولاحقا سحب صلاحياتها في نقض قوانين وقرارات تصدر عن الحكومة والكنيست.

في الأيام الأخيرة أصدر أنجلمان تقرير المراقب العام السنوي، وكان العنوان الأكثر انتشارا في الصحافة الإسرائيلية أن التقرير تم إفراغه من مضمونه الانتقادي، ولم يوجه أي انتقادات اسمية. وبشكل خاص لم يصل التقرير إلى أي مستوى من شأنه أن يحمّل رئيس الحكومة، الذي يقف على رأس الهيئة التنفيذية في مؤسسة الحكم، أي مسؤولية مباشرة.

وهذا ليس التقرير الأول الذي توجه فيه الاتهامات لمراقب الدولة أنجلمان. ففي خريف العام الماضي 2019، أوقف تقريرا صادرا عن مكتبه ينتقد مسألة استفحال العجز في الموازنة العامة، الذي لامس في تلك الأيام نسبة 4%، دون أن تكون أية أزمة اقتصادية. وأفرغ أنجلمان التقرير من كل بند فيه تحميل المسؤولية لأي جهة أو شخص وبات التقرير باهتا.

ويقول تقرير لصحيفة "ذي ماركر" إن كل مراقبي الدولة على مر السنين اهتموا في تقاريرهم "بتحديد المكان والأم والوالد لكل إخفاق، وبالتأكيد عندما يتعلق الأمر بمكتب رئيس الحكومة. إلا أن أنجلمان يفكر بشكل مختلف".

تروي ثلاثة فصول من تقرير مراقب الدولة شيئا عن العمليات العميقة التي نقلها متنياهو أنجلمان إلى مكتب مراقب الدولة، فهو لم يذكر في التقرير الاستنتاجات على المستوى الشخصي، وامتنع عن طرح الأسئلة الأولية. وحسب الصحيفة، فإنه خلال المداولات في مكتب مراقب الدولة قبل صدور التقرير، اندلعت نقاشات حادة بينه وبين موظفين في مكتبه لم يستوعبوا نهج المراقب الجديد.

إحدى النقاط التي ظهر فيها خلاف حاد بين أنجلمان ومعدي التقرير يتعلق بوثيقة موجودة في وزارة الاتصالات، والتي يعتقد موظفو مكتب المراقب أن من أعدها كان مستشارو الوزير (في حينه) أيوب قرا أو حتى الوزير ذاته. وتبين من الوثيقة أنه تم توثيق إخلاص المرشحين للمناصب والوظائف في سلطة البث الثانية حزبيا، بمعنى المقربين من حزب الليكود، أو حتى أنهم أعضاء فيه: وكانت تطلق تسميات مثل: "ليكودي" و"ناشط في الليكود". وهذه قضية يعاقب عليها القانون، وعدد من الوزراء تورطوا أمام المحاكم على هذه الخلفية، أبرزهم الوزير تساحي هنغبي، في سنوات مضت.

في النسخة الأصلية من التقرير، جاء أن "نتائج التقرير تشير إلى اتجاه مثير للقلق لمحاولات القضاء على استقلالية سلطة البث، بما في ذلك استقلالية هيئات البث. ويضع التقرير علامة تحذير بشأن العلاقة بين المستوى السياسي والمنظمين والجهاز المهني في سلطة البث". ومع ذلك اختار أنجلمان حذف هذه العبارة أيضا.

وتضمن التقرير الأصلي انتقادات شديدة للقيادة السياسية بسبب فشل إنشاء هيئة اتصالات مستقلة على مدى الأعوام العشرين الماضية. ووصف التقرير الأصلي مخاوف من أن القيادة السياسية تحافظ على النظام التنظيمي الحالي "لأسباب لا تهم"، وفقط من أجل الحفاظ على الوضع الحالي. وقد تم وصف هذا السلوك في التقرير الأصلي بأنه "إخفاق هيكلي" و"إخفاق حقيقي للحكومة"، من خلال عدم إنشاء هيئة اتصالات كان من المفترض أن تخلق حاجزا بين السياسي والهيئة. إلا أن المراقب أنجلمان أسقط كل هذه المقاطع، من أجل تجنيب المستوى السياسي الانتقادات المباشرة.

كما تم حذف أجزاء من التقرير الخاص بوزارة الاتصالات، والتي تتعلق بالعلاقة بين الوزير السابق أيوب قرا، ورئيسة مجلس الكوابل آنذاك في ما يتعلق بمعالجة القناة 20. على سبيل المثال، ذكر التقرير الأصلي أن قرا أعلن على الملأ أنه ينوي حل مجلس الكوابل على خلفية رفض رئيسة مجلس الكوابل التجاوب مع طلب المستوى السياسي المصادقة على القناة الـ 20 لتبث أخبارا خلافا لتعليمات رخصة القناة.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في موقعها على شبكة الإنترنت، إن التقرير واجه انتقادات من الخبراء "الذين يدعون، من بين أمور أخرى، أن طبيعة التقارير تتغير". فقد تضمنت مقدمة التقرير رؤية أنجلمان: "يقوم جهاز الرقابة بتدقيقات بناءة وموضوعية تهدف إلى التحديات المستقبلية، وتزيد من مسؤولية الهيئات الخاضعة للمراجعة، وتبسط أنشطتها، وتعزز تحقيق رسالتها وتعزز الفوائد التي يمكن للجمهور الاستفادة منها". وقال أنجلمان "سنستخدم تدقيق الدولة كمراجعة للمجالات الأساسية للهيئة، مع التركيز على القضايا ذات الطابع الاجتماعي ووجهة نظر المواطن إلى جانب المخاطر المادية التي تؤثر على أنشطة المدققين، إلى جانب قضايا الحكم الجيد والنقاء". وتؤكد المحامية عدنا هرئيل فيشر، رئيسة برنامج الحكومة لمكافحة الفساد في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، ليديعوت أحرونوت: "نرى في بيان المراقب أن لديه رؤية مختلفة، مع تأكيدات مختلفة بشأن الغرض من قانون مراقب الدولة"، وهذا يعزز الشعور غير المريح.

وتقول فيشر إن "الانطباع هو أن المراقب يختار أهداف السياسة الحكومية التي يريد المساعدة في الترويج لها. هذه هي الطريقة التي يساعد بها المراقب الهيئة التنفيذية. فقد أكد مراقب الدولة السابق أن مراقبة الدولة ليست مراقبة داخلية، ولكنه ملتزم للجمهور، كسلطة منفصلة، وعلى الأقل كمساعدة للكنيست في دوره الرقابي. إن التزام جهاز رقابة الدولة هو العمل من أجل الصالح العام، وليس لصالح السياسيين".

وأضافت أن تقارير مراقب الدولة الجديدة "لا تطرح أسئلة حاسمة حول تفاصيل السياسة، ولا يتم فحص تدابير السياسة الرئيسة من حيث نقاء الأبعاد. وهذا بارز جدا في تقرير الإجراءات الحكومية للحد من العبء على الشركات. هذه قضية مهمة جدا في سياسة الحكومة وفي جوانب عديدة".

جاء لخدمة أهداف نتنياهو

كما ذكر، فإن بنيامين نتنياهو هو من سعى جاهدا لانتخاب متنياهو أنجلمان، بعد انتخابات نيسان 2019، حينما لم تكن لديه أغلبية مطلقة في الكنيست، وتم في تلك الأيام حل الكنيست والتوجه لانتخابات أخرى، جرت في أيلول 2019، ولكن ليس قبل أن يضمن نتنياهو انتخاب مراقب الدولة، وهذا من صلاحيات الهيئة العامة للكنيست، التي انتخبت أنجلمان بأغلبية ضئيلة.

ونتنياهو يعرف تماما من يأتي به ليقف على رأس أحد أهم الأجهزة في مؤسسة الحكم، هذا الجهاز الذي كانت له مساهمة جدية في فتح تحقيقات بالفساد ضد نتنياهو، ومنها ما انتهى بتقديم لوائح اتهام. كما أن هذا الجهاز مسؤول عن لجان حساسة في مؤسسة الحكم، مثل "لجنة المصادقات"، وهي لجنة تفحص طلبات استثنائية من السياسيين، تتعلق بتمويلات لهم وأمور أخرى. فمثلا، هذه اللجنة رفضت في السنة الماضية أن يحصل نتنياهو على "قروض" من مقربين له لتمويل محاكمته. وفي شهر تموز الماضي، قرر أنجلمان حل هذه اللجنة، وتم تشكيل لجنة جديدة صادقت لنتنياهو على ما أراد.

ومنذ اللحظة الأولى لانتخابه، أعلن أنجلمان أنه سيعيد النظر في هيكلية جهاز رقابة الدولة. فمثلا في شهر آذار الماضي قرر حل قسم "المهمات الخاصة" في جهاز مراقب الدولة، وهو القسم الذي كان يحقق في قضايا فساد الحكم، وجعله قسما لمتابعة قضايا المعلوماتية الإلكترونية، مثل السايبر وغيره.

وحينما بدأ العمل في منصبه، كانت تقارير جاهزة على مكتبه من المراقب السابق يوسف شابيرا، وبضمنها التقرير السابق ذكره عن العجز في الموازنة العامة. إلا أن أنجلمان جمّد كل هذه التقارير، وطلب إعادة النظر في مضمونها، وعمل على شطب أجزاء منها، وحتى حسب مراقبين، وعارفين في الأمور، أجهض تقارير ومنها التقرير عن العجز المالي.

وذكرت سلسلة من التقارير الصحافية في السنة الأخيرة أن أنجلمان دخل عدة مرات في صدامات مع المستوى المهني في مكتبه، حول التقارير الواجب إصدارها. واتهمه موظفون في دائرته، في تسريبات للصحف، بأنه ينسق مضامين التقارير مع نتنياهو. ووصل الأمر في شهر آب الماضي، إلى حد استقالة عدد من كبار الموظفين في جهاز مراقب الدولة، بعد أن اتهموا أنجلمان بأنه يتدخل في واجباتهم، ويحرّف تقاريرهم.

كما واجه أنجلمان في اليوم الأخير من العام الماضي 2019، انتقادات حادة في وسائل الإعلام، وأيضا من جهات ذات شأن، بعد أن أقدم على تغيير نظام أحد التقارير المركزية التي يصدرها جهاز مراقب الدولة، إذ شطب كل المقدمات المختصرة للتقرير العام، التي كانت تسهل قراءة التقارير. ورأى كثيرون أنه بذلك بات من الصعب فهم التقرير ووصف أوجه القصور والتوصيات الخاصة بالمراقب.

والانطباع السائد هو أن نتنياهو نجح كليا في إحكام قبضته على جهاز مراقب الدولة، الذي عانى منه على المستوى الشخصي، لأن الكثير من قضايا الفساد وخرق القوانين في نهج نتنياهو بدأت من مكتب مراقب الدولة. فخلال السنوات الـ 11 التي يجلس فيها نتنياهو في رئاسة الحكومة، اصطدم مع مراقبين اثنين، والثاني منهما يوسف شابيرا، كان تعيينه برغبة نتنياهو، لكنه لم يسر في التلم الذي أراده نتنياهو. والآن أحضر الأخير من أراده بالضبط.

بذلك يكون نتنياهو قد أنهى حلقة أخرى من عدة حلقات للاستفراد بالحكم من دون معيقات قانونية وقضائية، وهذا ما يسعى لإنجازه في المحكمة العليا في الفترة المقبلة، من خلال عملية بدأت لإحداث انقلاب كلي في هيئة القضاة الـ 15 التي تتشكل منها هذه المحكمة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات