المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تمثل منطقة غور الأردن، التي تبلغ مساحتها 2400 كيلومتر مربع، حوالي ثـُلث مساحة الضفة الغربية، ويقع معظمها على طول الجانب الشرقي من الأراضي القريبة من الحدود الأردنية. وتقع معظم أراضي غور الأردن في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية، التي تسيطر إسرائيل على 60 في المئة منها فعلياً.

غور الأردن هو القطاع الشرقي للضفة الغربية، والذي يمتد على طول حوالي 120 كيلومتراً، من منطقة عين جدي قرب البحر الميت جنوباً ولغاية "الخط الأخضر" جنوبي بيسان (بيت شان) شمالاً. ويبلغ عرض هذا القطاع حوالي 15 كيلومتراً. يعيش اليوم في هذا القطاع أكثر من 60 ألف فلسطيني، في حوالي عشرين بلدة ثابتة، بما في ذلك مدينة أريحا، وبضعة آلاف في بلدات مؤقتة.

منذ احتلال الضفة الغربية، اعتبرت جميع حكومات إسرائيل هذا القطاع بمثابة "الحدود الشرقية" لدولة إسرائيل ولم تغب يوماً نوايا ضمه إليها. ومن أجل تعزيز سيطرتها على المنطقة، أقامت إسرائيل في الأغوار، منذ مطلع سنوات السبعينيات، 26 مستوطنة، يسكن فيها اليوم حوالي 9 آلاف مستوطن إسرائيلي، من أصل 400 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية التي بنيت على أراضي الفلسطينيين، البالغ تعدادهم 7ر2 مليون نسمة.

على مدار السنين، منذ احتلاله، أعلنت إسرائيل عن الغالبية العظمى من أراضي هذا القطاع "أراضي دولة"، وجرى ضمها إلى مناطق النفوذ التابعة للمجالس الإقليمية "عرفوت هيردين" و"مجيلوت" التي تعمل في إطارها معظم المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة. وفي إطار اتفاقية أوسلو، تم تعريف هذه المنطقة، باستثناء جيب يضم مدينة أريحا وبعض المساحات التي تحيط بها، على أنها مناطق C، التي تسيطر عليها إسرائيل سيطرة تامة.

لمنطقة غور الأردن أهمية كبيرة من الناحية الإستراتيجية وتتخذ العديد من الشركات الإسرائيلية منها مقراً لها، وخصوصا الشركات الزراعية.

يسعى الفلسطينيون لأن يكون غور الأردن الحد الشرقي لدولة لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنهم يرون إن السيطرة الإسرائيلية على عمق الضفة الغربية تنهي فعلياً ونهائياً إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.

ويعتبر المسؤولون السياسيون والعسكريون في إسرائيل، ومنذ فترة طويلة، أن غور الأردن منطقة إستراتيجية "لا يمكن التخلي عنها أبداً"!! وتعلن إسرائيل منذ فترة طويلة أنها تعتزم الحفاظ على السيطرة العسكرية هناك، حتى في ظل أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

تراجعت إسرائيل عن بناء الجدار الفاصل الشرقي الذي خططت لبنائه على امتداد الحدود الغربية لغور الأردن، وذلك بسبب موجة الانتقادات الدولية الشديدة، وفي أعقاب القرار الصادر عن "محكمة العدل العليا" في حزيران 2004. لكن، ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه بهذه الوسيلة، قامت به بطريقة أخرى. فمنذ العام 2005، تفرض إسرائيل في غور الأردن سياسة مشددة من التقييد على حركة وتنقل الفلسطينيين. وقد جاءت هذه السياسة لتحل محل الجدار الفاصل المُلغى.

إلى الغرب من غور الأردن، أقامت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة أربعة حواجز ثابتة. في العام 2005، شدد الجيش بصورة ملحوظة من التقييدات المفروضة على هذه الحواجز وأتاح المرور فقط لسكان غور الأردن على أساس بطاقة الهوية، شرط أن يكون العنوان المسجل في بطاقة الهوية هو إحدى قرى الغور. أما باقي سكان الضفة الغربية، فيُطلب منهم في هذه الحواجز إبراز تصريح خاص يتم إصداره من قبل "الإدارة المدنية". وبدون هذا التصريح، لا يتيح الجيش الإسرائيلي المرور إلا في "الحالات الإنسانية" فقط. ولا يسري هذا المنع على دخول المواطنين من الضفة الغربية إلى مدينة أريحا، غير أن السفر من أريحا شمالاً إلى باقي أجزاء الأغوار محظور على الفلسطينيين، وبضمنهم سكان أريحا أنفسهم، باستثناء حملة التصاريح. فـ"الفلسطينيون الذين يتم ضبطهم في الأغوار بدون تصريح، يتم تحويلهم إلى الشرطة"، كما يقول المتحدث الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي.

وفي رده على توجه منظمة "بتسيلم" حول هذا الأمر، في كانون الثاني 2006، يعقد المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي تمييزاً واضحاً بين "مناطق يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) وبين "الأغوار". ويتضح من هذا التمييز أن إسرائيل لا ترى في الأغوار وحدة جغرافية واحدة مع باقي مناطق الضفة الغربية.

يشكل فصل القطاع الشرقي عن باقي الضفة الغربية مساً صارخاً بحقوق الفلسطينيين الأساسية في تلك المنطقة. فالشارع رقم 90، الذي يشق المنطقة على امتدادها، كان يُستعمل في الماضي شارعاً رئيسيا بين شمالي الضفة الغربية وبين أريحا وجسر اللنبي، حيث المعبر الوحيد بين الضفة الغربية والأردن وباقي العالم. ومع انطلاقة الانتفاضة، حظر الجيش الإسرائيلي سفر السيارات الخصوصية على هذا الشارع، غير أنه سمح لسيارات الأجرة والسيارات الخصوصية المزودة بتصريح بمواصلة السفر عليه. ومنذ إغلاق الأغوار خلال العام 2005، يتم تحويل مسالك سفر السيارات الخصوصية الفلسطينية إلى شوارع ثانوية، من خلال زيادة تكلفة السفر وإطالة مدته.

الفلسطينيون الذين يسكنون خارج الأغوار ويمتلكون أراضي زراعية في نطاقها، جرى فصلهم عن أراضيهم. ويتضح من التحقيق الذي أجرته منظمة "بتسيلم" أن الكثير من الفلسطينيين، ونتيجة لإغلاق الأغوار، فقدوا مصادر رزقهم، وخاصة منهم من يعيشون في القرى المحاذية للأغوار وكانوا يعتاشون من العمل في الأراضي الزراعية.

يمنع الجيش الإسرائيلي سكان القرى الفلسطينية الواقعة شمالي جيب أريحا من استضافة أقاربهم وأصدقائهم الذين يعيشون خارج الأغوار وفي أريحا. فتنظيم مناسبة كثيرة المشاركين، مثل حفل زواج أو جنازة، أصبح مهمة شبه مستحيلة. النساء اللاتي تزوجن من رجال يسكنون في الأغوار وانتقلن للعيش معهم في المنطقة دون أن يبدلن البند الخاص بالعنوان في بطاقة الهوية، لا يخرجن من منطقة القرى خشية منعهن من العودة إلى بيوتهن. وقد توقف الكثير من مزودي الخدمات عن الوصول إلى هذه القرى.
في نيسان 2007، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، رداً على توجه "جمعية حقوق المواطن" إليها، أنه ابتداء من نهاية أيار 2007 سيتم إلغاء منع الحركة الذي يحول دون دخول الفلسطينيين إلى غور الأردن. وأضافت أنه في ختام الفحص المجدد بخصوص الحاجة إلى الاستمرار في فرض القيود على الحركة في الأغوار، تقرر رفع القيود على حركة التنقل بحيث يكون الدخول إلى منطقة غور الأردن متاحاً لجميع سكان الضفة، طبقاً للفحص الأمني في نقاط الفحص المختلفة.

بالإضافة إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على حرية الحركة في منطقة الأغوار، فقد فرضت في أيار 2005 حظراً جارفاً وشاملاً على دخول الفلسطينيين إلى منطقة شمال البحر الميت، الموجود في مناطق الضفة الغربية. وقد تم فرض هذا الحظر بواسطة منع مرور الفلسطينيين عبر حاجز "ألموج". وقد كان الجزء الشمالي الشرقي من البحر الميت على مدار سنوات كثيرة منطقة ترفيه أساسية لسكان الضفة الغربية، غير أن هذه الشواطئ جرى فصلها عن باقي مناطق الضفة، بما في ذلك غور الأردن، واليوم يحظر الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين زيارتها. في السنوات الأخيرة، سُمح بالمرور عبر حاجز "ألموج" بصورة عامة، فقط لمن يحملون تصاريح عمل في المستوطنات المجاورة وتصاريح دخول إلى إسرائيل. وابتداء من شهر أيار 2007، تحظر إسرائيل الدخول حتى على هؤلاء. كما يعتبر البحر الميت مورداً اقتصادياً من الدرجة الأولى، في مجال الصناعات والسياحة، غير أن إسرائيل، ومنذ بداية الاحتلال، تمنع الفلسطينيين من استغلاله من خلال التقييدات التي تفرضها عليهم.

وتعتبر منظمة "بتسيلم" أن السياسة التي تطبقها إسرائيل في القطاع الشرقي، إلى جانب تصريحات المسؤولين الرسميين الكبار حول هذه القضية، تشير إلى أن "الدافع من وراء سياسة إسرائيل ليس أمنياً بل سياسيّ: ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل من الناحية الفعلية"!

 

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الإدارة المدنية, بتسيلم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات