المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
المرشحان: إيال زامير (يمين) وهرتسي هليفي.  (واي نت)
المرشحان: إيال زامير (يمين) وهرتسي هليفي. (واي نت)

مع ظهور ملامح انهيار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي السابق برئاسة نفتالي بينيت- يائير لبيد، في حزيران 2022، سارع وزير الدفاع بيني غانتس إلى نبش قضية تعيين رئيس جديد لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي خلفاً لرئيس هيئة الأركان الحالي، أفيف كوخافي، المتوقع أن تنتهي ولايته مع نهاية العام الجاري. وفقاً لتوجيهات المستشار القانوني للحكومة، ينبغي كقاعدة عامة الامتناع خلال فترة التحضير للانتخابات العامة عن تعيين المناصب العليا، مثل تعيين رئيس هيئة الأركان العامة للجيش. بيد أن إسرائيل، كانت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، باستمرار في حالة تحضير للانتخابات ولم تستطع تشكيل حكومة مستقرة قادرة على إجراء تعيينات في الصفوف الأولى للأجهزة الأمنية بدون أن تتداخل السياسة (والمنافسة بين الحزبية، والمناكفات الداخلية) مع العسكر (خصوصا المناصب القيادية التي يفترض أن يتم تعيينها بـ"مهنية طاهرة" بعيدا عن التجاذبات الحزبية).

بتاريخ 27 حزيران 2022، التقى غانتس المستشارة القانونية للحكومة لإيجاد مخرج قد يمكنه من تعيين رئيس هيئة أركان حتى في ظل الحكومة الانتقالية، وقد كان تبريره مشتقاً من روحية القانون المعمول به الذي ينص على "أنه على الرغم من وجوب الامتناع عن تعيين رئيس هيئة أركان في مرحلة الانتخابات، فإن هناك استثناءات خصوصاً إذا كانت ثمة حاجة عسكرية ملحة تستدعي وجود رئيس هيئة أركان ثابت له كامل الصلاحيات". لكن على ما يبدو، ليست هناك بالفعل أسباب عسكرية وشيكة تستدعي مثل هذا الإسراع في عملية تعيين رئيس هيئة أركان جديدًا، بل يمكن الاعتقاد بأن غانتس يرغب بإملاء توجهاته السياسية على أهم مؤسسة في إسرائيل (وهي الجيش)، قبل أن تُنتخب حكومة جديدة (قد تكون برئاسة بنيامين نتنياهو) تستفرد في خيارات التعيين. تلقي هذه المقالة الضوء على منصب رئيس هيئة الأركان، والتقاطعات التي يفرضها هذا المنصب بين الساسة والعسكر.

رئيس هيئة الأركان هو من أكثر المناصب حساسية في الجيش، فهو صاحب الرتبة العسكرية الأعلى في الجيش الإسرائيلي (رتبة فريق). وهو مسؤول عن قيادتين: القيادة الأولى هي "العمليات التنسيقية" وتضم: رئيس قسم العمليات، ورئيس قسم التخطيط، ورئيس قسم الاستخبارات، ورئيس قسم التعبئة والحماية، ورئيس قسم التكنولوجيا واللوجستيات، ورئيس قسم الموارد البشرية. أما القيادة الثانية، القيادة التنفيذية الموحدة، فتضم قادة أسلحة الجو، والبحر، والجبهة الداخلية، المظليين، والمدرعات، والمدفعية، والهندسة، والاستخبارات، واللوجستيات، والتعبئة، والتسليح، والطب، والموارد البشرية، والشرطة العسكرية، والتربية، والمشاة، بالإضافة إلى الحاخام الأعلى للجيش والمنسق (منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة)، وآخرين. وبينما أن منصب رئيس هيئة الأركان، تقليديا، كان يتعلق بالحرب وإدارة العسكر، فإنه تطور مع السنوات، وأصبح رئيس هيئة الأركان بمثابة صلة الوصل بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة السياسية، وتقع ضمن صلاحياته قضايا استراتيجية ذات بعد مهني غاية في الأهمية مثل: وضع ميزانيات للجيش، والتشبيك مع مؤسسات الدولة الأخرى، ووضع استراتيجيات عمل قد تكون لها تبعات مباشرة على مؤسسات دولة أخرى. مثلا، أحد أهم الأمور التي تنتصب أمام رئيس هيئة أركان جديد خلفا لكوخافي، هي بناء حلف عسكري إقليمي (ربما على شاكلة الناتو) وما يتبع ذلك من ضرورة إشراك مستويات سياسية، ومدنية ودبلوماسية، قد يكون العقل المدبر لها هو رئيس هيئة الأركان. أو قد يكون من مهماته، في مثال آخر، مواجهة التهديد السيبراني الإيراني من خلال وضع خطة استراتيجية قد تنعكس على دوائر مختلفة في الجامعات من ناحية التخصصات، وطبيعة أفواج الخريجين الذين يرغب الجيش بأن يراهم بعد نحو 3-5 سنوات... إلخ.

لكن القضية الأهم المتعلقة بمنصب رئيس هيئة الأركان هي في كونه يشكل صلة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. حسب القانون، يقوم وزير الدفاع بترشيح شخصين أو ثلاثة لشغل المنصب الجديد لرئاسة هيئة الأركان، ثم بعد مشاورات مع كل مرشح، يستقر رأي وزير الدفاع على مرشح واحد يُرفع اسمه إلى الحكومة الإسرائيلية للمصادقة عليه. ولا بد من التذكير أن رئيس هيئة الأركان قد يلعب، في حالات معينة، دوراً أهم بكثير من الدور الذي تلعبه الحكومة الإسرائيلية في رسم سياسات دولة إسرائيل. حسب تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي، هناك قدرة لدى رئيس هيئة الأركان على دفع الحكومة الإسرائيلية كلها نحو التصعيد العسكري (مثلا، إسحق رابين قبيل حرب العام 1967، أو شاؤول موفاز عند اندلاع الانتفاضة الثانية، أو غادي أيزنكوت في تدخله ضد إيران داخل سورية). في الوقت نفسه، يمكن لرئيس هيئة الأركان أن يكبح جماح الحكومة الإسرائيلية ويمنعها من التصعيد الذي قد يكون مدفوعاً بأسباب سياسية حزبية (هو الدور الذي لعبه غابي أشكنازي، على سبيل المثال، في ما يتعلق بنيّة حكومة نتنياهو مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في العام 2010). كما أن رؤساء أركان سابقين لعبوا دوراً رئيساً في تهيئة الساحة السياسية والرأي العام لعمليات سياسية مثل موشيه ليفي في دعمه لانسحاب الجيش من لبنان عام 1985، أو أمنون ليبكين- شاحك في دعمه لتحركات أوسلو في منتصف التسعينيات.

وعليه، فإن رؤساء المستوى السياسي، وخصوصا الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة، يولون حساسية بالغة لمنصب رئيس هيئة الأركان. مثلاً، كان واضحاً أن رئيس هيئة الأركان موشيه يعلون (2002-2005) يعارض قرار حكومة أريئيل شارون في حينه القيام بانسحاب أحادي الجانب من غزة، وبدلاً من تمديد ولاية يعلون لعام رابع، غيّره شارون على الفور. أما في أثناء تعيين رئيس هيئة الأركان الثاني والعشرين (في نهاية العام 2018) فقد رشح وزير الدفاع في حينه، أفيغدور ليبرمان، ثلاثة أشخاص هم: نيتسان ألون (رئيس قسم العمليات سابقاً)، أفيف كوخافي (في حينه كان نائب رئيس هيئة الأركان أيزنكوت)، إيال زامير (قائد سابق لمنطقة الجنوب العسكرية). حصل خلاف حادّ بين وزير الدفاع ليبرمان ورئيس الحكومة نتنياهو حول الشخص الذي على ليبرمان أن يرشحه في نهاية المطاف. وبينما كان نتنياهو يرغب بتعيين زامير لأنه شغل سابقاً منصب المستشار العسكري لنتنياهو وأصبح من "أتباعه المخلصين"، فإن ليبرمان كان متمسكاً تماماً بألون. وعليه، تم ترشيح كوخافي وتعيينه كحل وسط لإرضاء الطرفين. في حين أن مثل هذه المناكفات تدل على فصل السلطات (عدم قدرة رئيس الحكومة على التحكم التام بمؤسسة الجيش) فإنها تدل أيضاً على نقيضها، أي تداخل السلطات (التحكم في التعيين قد يتيح تحكم الساسة في العسكر).

حاليا، أمام غانتس خياران في ما يخص منصب رئيس هيئة الأركان الذي ينتهي مع نهاية العام. وهما: أولا، تمديد فترة رئيس هيئة الأركان الحالي، أفيف كوخافي، لعام رابع وهو أمر يتيحه القانون. بيد أن هذا السيناريو قد يعني أن تعيين رئيس أركان جديد سيحل بعد عام واحد وبالتحديد خلال فترة ولاية الحكومة الإسرائيلية القادمة (بعد انتخابات تشرين الثاني 2022)، وقد تكون هذه حكومة تحت رئاسة نتنياهو. الخيار الثاني، أن يقوم غانتس باستباق الأمور، والالتفاف على القانون من خلال تقديم مسوغات قانونية وأمنية تتيح له الخروج عن المألوف وتعيين رئيس أركان في ظل حكومة انتقالية. خلال الشهرين الأخيرين، مضى غانتس في الخيار الثاني من خلال ترشيح شخصيتين عسكريتين: الأولى إيال زامير (العسكري نفسه الذي دفع نتنياهو نحو تعيينه قبل ثلاث سنوات) والثاني هرتسي هليفي، وهو صاحب الحظوظ الأكبر في التعيين حسب الإعلام الإسرائيلي. وهليفي المولود عام 1967، في مدينة القدس، يعتبر من أهم الضباط الحاليين في الجيش الإسرائيلي وحاصل على ماجستير من جامعة الأمن القومي في واشنطن، ومتزوج من حفيدة الحاخام كوك الابن، الزعيم الروحي للصهيونية الدينية.

المراجع:
(*) ياغيل ليفي، ما هي المغالطات في تعيين رئيس الأركان في إسرائيل؟، معهد أبحاث الأمن القومي. "بمات مدينيوت"، المجلد 23، النشرة 1 للعام 2020. أنظر/ي الرابط التالي: https://strategicassessment.inss.org.il/articles/levy/

(*) طوفا تسيموكي، اتفق غانتس والمستشار القانوني للحكومة على تعيين رئيس الأركان: وزارة الدفاع ستعد مقترحاً لفحص الأمر، يديعوت أحرونوت، 27 حزيران 2022. أنظر/ي الرابط التالي: https://www.ynet.co.il/news/article/hk1wxup55

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات