بالرغم من أن إسرائيل حظيت بدعم واسع من عدد كبير من دول العالم عقب هجوم 7 أكتوبر، بما في ذلك أبرز الدول الغربية ودعمًا شبه مطلق من الولايات المتحدة، فإن هذا الدعم بدأ يتآكل تدريجيًا مع انكشاف حجم المذابح والدمار في قطاع غزة، وتصاعد الاستيطان العنيف في الضفة الغربية، واتهام إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية وصدور مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت. تنبع أهمية تآكل مكانة إسرائيل وشرعيتها من كونه يحدث تحديدًا في الغرب (الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية) الذي شكّل تاريخيًا القاعدة المركزية لشرعيتها، لا في العالم العربي أو الإفريقي. تستند هذه الورقة إلى تقارير ودراسات وإحصائيات تشير إلى أن إسرائيل تواجه عزلة دولية متسارعة تدفعها نحو مسار "الدولة المنبوذة"، مع تفاقم الانقسامات الدولية حول الحرب وسياسات إسرائيل العدوانية. تركّز الورقة على تحليل التحوّلات الجارية في صورة إسرائيل عالميًا، مع اهتمام خاص بمواقف الدول الغربية، وتقيّم السيناريوهات المحتملة في حال استمرار هذا التحوّل العالمي.
يتناول القسم الأول الإطار المفاهيمي لمفهوم "الدولة المنبوذة"، مبرزًا دور القوى الغربية في تفعيل هذا التصنيف وجعله مؤثرًا. ويستعرض القسم الثاني السياق التاريخي (1948–2023) الذي تقاذفت فيه إسرائيل موجات من النبذ العربي والدولي مقابل الحصانة التي وفّرتها لها الدول الغربية. أما القسم الثالث، وهو المحور الرئيس، فيعرض التحوّلات غير المسبوقة (من حيث الاتساع وقابلية الاستقطاب) التي تشهدها مكانة إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023. ويختتم القسم الرابع بقراءة للسيناريوهات المتوقعة ضمن هذا المسار نحو "النبذ"، مع التركيز على: (1) تفاعلات الانقسام الإسرائيلي الداخلي معه؛ (2) الانقسام السياسي داخل دول أوروبا الغربية؛ (3) تفاعلات دول الشمال والجنوب حول هذه القضية؛ و(4) فرص قيام الأمم المتحدة ومحاكمها ومنظماتها باتخاذ إجراءات أكثر جدية وفعالية تجاه إسرائيل.
أولًا: كيف ومتى تتحوّل الدولة إلى "منبوذة"؟
يُستخدم مصطلح الدولة المنبوذة (Pariah state) في الأدبيات السياسية للإشارة إلى دولة معزولة سياسيًا، ودبلوماسيًا، واقتصاديًا، وأخلاقيًا، من قِبل طيف واسع من الفاعلين في المجتمع الدولي ويشمل دولًا، ومنظمات دولية، وأحزابًا، ونقابات، وحركات شعبية، وشركات ربحية، وغيرها.[2]
مفهوم "الدولة المنبوذة" هو مفهوم سياسي-خطابي وليس قانونيًا. وكما يوضح خبير القانون الدولي أنطونيو كاسيزي (Antonio Cassese)، فإن هذا المفهوم لا يرد في أي معاهدة أو اتفاقية أو قرار صادر عن الأمم المتحدة، بل هو صفة تتكوّن عبر عملية تراكمية وتتحوّل إلى "وسم" يُلصق بدولة تنتهك قواعد آمرة وملزمة في القانون الدولي (Jus Cogens)، مثل حظر العدوان واستخدام القوة (ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2/4)، حظر الإبادة الجماعية ( اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية 1948، المادة 1)، حظر الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الجسيمة (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998، المواد 7 و8)، حظر الفصل العنصري والتمييز العنصري (الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري 1973، المادة 1)، حقّ الشعوب في تقرير المصير (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، المادة 1)، وغيرها. ويرى كاسيزي أن تراكم هذه الانتهاكات وتحوّلها إلى "عمل مستمر وممنهج" تمارسه الدولة هو ما يمنح هذا التوصيف قوّته وشرعيته الخطابية في المجال الدولي.[3]
مع ذلك، فإن تحوّل دولة ما إلى "منبوذة" لا يرتبط حصرًا بارتكابها انتهاكات فاضحة للقانون الدولي الإنساني، بل يتوقف أيضًا على طبيعة استجابة المجتمع الدولي لهذه الانتهاكات. فوسم دولة بالمنبوذة لا يتم بشكل تلقائي، بل يخضع لمعادلات القوة والاعتبارات الدبلوماسية للدول المؤثرة خصوصًا القوى الغربية، كما يتأثّر بقدرة الدولة ذاتها على استثمار تحالفاتها لتخفيف عزلتها. في حالة إسرائيل، فإن انخراط/عدم انخراط الدول الغربية المؤثرة لعب دورًا أساسيًا في السابق. مثلًا في السبعينيات (1970s)، واجهت إسرائيل ذروة في المقاطعات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية من دول عربية وإفريقية، ورغم ذلك لم تنخرط القوى الغربية الكبرى أو الاتحادات الدولية في حظر شامل، ما أبقى إسرائيل داخل المجتمع الدولي، والأسواق العالمية، والمنظمات الأممية على الرغم من تنامي الخطاب الذي يسم إسرائيل بالعنصرية.
وبما أن الغاية النهائية لوسم دولة ما بأنها "منبوذة" هو إجبارها تحت وطأة العزلة والإقصاء على تعديل سياساتها، أو التوقف عن انتهاكاتها، فإن قراءة سريعة لحالات متعدّدة لدول تم تصنيفها (أو كانت على وشك أن تصنف) كدول منبوذة تظهر أنّ هذه العملية مشروطة بتوازنات القوى وبُنية النظام الدولي. فمن جهة، نجحت عملية النبذ الدولي في بعض الحالات في فرض عزلة شاملة أفضت إلى تحوّلات جذرية في هذه الدول، كما في حالات جنوب أفريقيا في ظل نظام الأبارتهايد (1948–1994)، وروديسيا التي أصبحت لاحقًا زيمبابوي في فترة حكم الأقلية البيضاء (1965–1979)، وليبيا في عهد القذافي بعد تفجير لوكربي (1988). في المقابل، في حالات أخرى تم تقويض محاولات النبذ وعرقلتها ومنع تبلورها بشكل كافٍ يجبر الدولة على تعديل مسارها، إما بفعل قدرات الدول المستهدفة على المناورة واستثمار مصالحها مع الغرب، أو بفعل غياب توافق دولي واسع، كما في سريلانكا أثناء الحرب الأهلية (1983–2009)، والصين رغم سياساتها القمعية في شينجيانغ والتبت (منذ خمسينيات القرن العشرين)، وروسيا رغم غزوها جورجيا (2008) ثم أوكرانيا (2014 و2022).
وتكشف هذه الحالات أن عملية النبذ تخضع لتجاذب بين قوتين:
- من جهة، تعتمد على اتساع وسرعة وعمق الاعتراف بخطورة ممارسات الدولة من قِبل طيف واسع من الفاعلين (بعثات دبلوماسية، وسائل الإعلام، النقابات، الأحزاب، المنتديات والمنظمات الدولية)؛
- من جهة أخرى، على قدرة الدولة المستهدفة على تعطيل هذه العملية عبر توظيف تحالفاتها الاستراتيجية مع القوى الكبرى.
مع ذلك، يظلّ مسار تحويل دولة إلى منبوذة هشًّا وقابلًا للإجهاض ما لم تنخرط فيه القوى الغربية الكبرى، إذ يشكّل ثقلها السياسي والاقتصادي والإعلامي ركيزة أساسية لتحويل وصمة الدولة المنبوذة إلى واقع مؤسسي فاعل.[4] ففعالية هذه الوصمة وما يترتب عليها من عقوبات حقيقية وعزلة سياسية واقتصادية لا تعتمد على دول الجنوب أو الأطراف، مهما اتسع نطاقها أو تصاعدت إداناتها الأخلاقية، لأن هذه الدول لا تمتلك أدوات إنفاذ فاعلة في النظام الدولي. في المقابل، تحتكر القوى الغربية الكبرى النفوذ داخل المؤسسات الأممية، وتمتلك أدوات الحماية والدعم العسكري، وتسيطر على شرايين النظام المالي العالمي، ما يجعل مشاركتها شرطًا حاسمًا لتحويل الوصم من مجرد إدانة خطابية إلى ضغط فعلي قادر على تعديل سلوك الدولة المستهدَفة.[5]
ثانيًا: ما بين المقاطعة و"الدولة المنبوذة": إسرائيل (1948-2023)
من المهم التمييز بين مجرّد مقاطعة إسرائيل وبين تحوّلها إلى دولة منبوذة بالقدر الذي يجبرها على تغيير سياساتها. فمنذ تأسيسها عام 1948 ونكبة الشعب الفلسطيني، تموضعت إسرائيل كجزء من المنظومة الغربية، وتكوّنت مكانتها الدولية ضمن شدّ وجذب بين مساعي دمجها في الغرب ومحاولات عزلها ومقاطعتها من الدول العربية وحلفائها. وقد بلغت هذه المساعي ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، إذ شكّلت حرب 1973 نقطة تحوّل مفصلية؛ أعقبها حظر نفطي فرضته منظمة الدول العربية المصدّرة للنفط (OAPEC) على الدول الداعمة لإسرائيل،[*] واستمر نحو خمسة أشهر وتسبب بأزمة طاقة عالمية مرتبطة مباشرة بالصراع العربي–الإسرائيلي.[6] وفي إفريقيا، قطعت معظم الدول علاقاتها مع تل أبيب بنهاية العام نفسه، ولم تحتفظ إسرائيل سوى بخمس علاقات من أصل 31، ما عكس انهيارًا دبلوماسيًا واسعًا.[7] أما في الأمم المتحدة، فقد تبنّت الجمعية العامة القرار 3379 في تشرين الثاني 1975، باعتبار "الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية"، بدفع من دول عربية ومسلمة وكتل سوفيتية وإفريقية، قبل أن يُلغى لاحقًا في كانون الأول 1991.
على الصعيد العربي، فعّلت جامعة الدول العربية نظام المقاطعة الاقتصادية المتعددة المستويات، وضغطت على شركات ودول ثالثة ضمن المقاطعة الثانوية والثالثية، خاصة في ظل أزمة النفط، مما ضاعف من تأثيرها السياسي والاقتصادي.[8] وفي إفريقيا، ربطت منظمة الوحدة الإفريقية ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين في الأرض المحتلة بالأنظمة العنصرية في روديسيا وجنوب إفريقيا، ما أسهم في قطيعة جماعية بعد 1973 ضمن اصطفاف أفرو-عربي بدا وازنًا ومؤثرًا.[9] وقد حافظت دول عدم الانحياز أيضا على خط موازٍ من الرفض والمقاطعة.[10]
لكن ابتداءً من التسعينيات وعلى إثر انهيار الاتحاد السوفيتي وتوقيع اتفاقيات أوسلو (1993)، بدأ الانحسار الجزئي للعزلة التي كانت مفروضة بالأساس من دول الجنوب (خصوصًا دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز)، حيث تراجع الالتزام الخليجي بالمقاطعة ووقعت المملكة الأردنية (1994) اتفاقيات سلام مع إسرائيل. هذا السياق، أنهي بشكل متسارع، لكن ليس كليًّا، العزلة التي مفروضة على إسرائيل، ودخلت دول جديدة في علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أهمها الصين والهند (في العام 1992)، والفاتيكان (1993)، وعشرات الدول الإفريقية، والآسيوية. كما أُلغي قرار 3379 عام 1991، فأنهى الوصم الأممي بأن إسرائيل/الصهيونية عنصرية، وأعاد إسرائيل تدريجيًا إلى المنتديات الدولية.
مع أن تسعينيات القرن الماضي أنهت السياق الذي تشكّل في السبعينيات من مساعي مقاطعة إسرائيل وعزلها، فإن العقدين الأولين من الألفية الثانية شهدا عودة تدريجية للاستقطاب حولها على الساحة الدولية. فقد أسهمت الانتفاضة الثانية، والحروب المتكرّرة على غزة ولبنان (2006، 2008، 2014، 2018، 2021)، إلى جانب سياسات الاستيطان التوسعية، وتنصّل إسرائيل من التزاماتها تجاه السلطة الفلسطينية، ورفضها الانصياع للموقف الدولي بشأن علاقتها بالفلسطينيين وإغلاقها كل منافذ التسوية السياسية، في إعادة إحياء الانقسام العالمي حولها، وظهرت في هذا الإطار نزعتان متناقضتان:
- نزعة شعبية متصاعدة لوصم إسرائيل كدولة معتدية يجب محاسبتها
منذ مؤتمر ديربان (2001–2004)[†] بدأت حملات المقاطعة تتبلور بشكل مؤسسي، مع تأسيس حركة BDS (عام 2005)، ثم اللجنة الوطنية للمقاطعة (BNC) عام 2007. منذ انطلاقها سعت حركة المقاطعة إلى عزل إسرائيل في ثلاثة مسارات: 1) المقاطعة الأكاديمية والثقافية، 2) سحب الاستثمارات، 3) العقوبات الاقتصادية. إلا أنّ نتائجها بقيت متواضعة، رغم أهميتها وتأثيرها، لعدم انخراط الفاعلين الدوليين الكبار. مثلًا، في الجامعات الغربية، وهي مركز نشاط BDS الأساسي، طُرحت 150 لائحة مقاطعة بين 2005 و2022، فشلت 98 ونجحت 53 فقط (بنسبة فشل 65%)، ولم تغيّر سياسات الاستثمار الجامعي فعلًا، لأن الإدارات الجامعية الكبرى مثل هارفرد وستانفورد وMIT رفضت الانصياع. في سحب الاستثمارات المؤسسية، انحصر التأثير ببعض صناديق صغيرة (هولندية ونرويجية)، بينما امتنعت الصناديق السيادية الكبرى (كصندوق التقاعد الكندي، والبريطاني، وصناديق وول ستريت) عن الانضمام، ما أبقى التدفقات المالية إلى إسرائيل مستقرة. في المقاطعة الثقافية والرياضية، اقتصرت الإنجازات على فنانين أفراد أو اتحادات نقابية صغرى، دون انضمام شركات إعلامية كبرى (ديزني، نتفليكس) أو اتحادات رياضية دولية (فيفا، اللجنة الأولمبية).[11] ومع ذلك، شكلت الـ BDS تهديدًا سياسيًا ورمزيًا لإسرائيل عبر سعيها لتقويض شرعيتها وتشويه صورتها في الجامعات والرأي العام الغربي، مما قد يهدد الدعم الشعبي والسياسي الغربي لها على المدى البعيد. وقد دفعت هذه المخاوف إسرائيل وحلفاءها إلى إطلاق عشرات المشاريع المضادة شملت تشريعات في 35 ولاية أميركية، وحملات إعلامية، وبرامج دعم أكاديمي للتصدي لـBDS، مما يشير إلى نجاح الحركة رغم عدم تحوّلها بعد إلى حركة تؤثر على القوى النافذة داخل الدول الغربية.
في الوقت نفسه، بدأت تقارير حقوقية وأممية بارزة في الأعوام الأخيرة بتوصيف سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين باعتبارها ترقى إلى جريمة الأبارتهايد وتمثل شكلًا من الاستعمار الاستيطاني، بما يعزز حملات الدعوة إلى العزل السياسي والاقتصادي والثقافي لإسرائيل ويضفي عليها زخمًا إضافيًا. فقد خلص تقرير هيومن رايتس ووتش (2021) إلى أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد ضد ملايين الفلسطينيين ضمن سياسة هيمنة ممنهجة بين النهر والبحر، مع انتهاكات جسيمة خاصة في الأراضي المحتلة.[12] كما وثّقت العفو الدولية (2022) ممارسات إسرائيل في مصادرة الأراضي، والتشريد القسري، والقيود على الحركة، وحرمان اللاجئين من حق العودة، وطالبت بالمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية وتفعيل الولاية القضائية العالمية.[13]
منذ عام 2000، تُعدّ الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) ومجلس حقوق الإنسان (HRC) المنصّتين الأساسيتين لاستهداف إسرائيل بقرارات وإدانات متكرّرة، بينما نادرًا ما يعتمد مجلس الأمن قرارات ضدها بسبب الفيتو الأميركي. وبين 2015 و2023 أصدرت الجمعية العامة نحو 154 قرارًا ضد إسرائيل مقابل 68 فقط ضد باقي دول العالم مجتمعة، أي بمعدل 14–17 قرارًا سنويًا.[14] ومنذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان عام 2006 حتى 2023، أصدر حوالى 100 قرار ضد إسرائيل (أكثر من ثلث جميع قراراته القطرية)، بمعدل 4–8 سنويًا، مدفوعة ببند دائم خاص بفلسطين والجولان.[15]
- نزعة اتساع رقعة التطبيع الرسمي مع إسرائيل
بين عامي 2000 و2023، تمتّعت إسرائيل بانفتاح اقتصادي واسع على الغرب بفضل مسار التطبيع المتسارع، ما مكّنها من التحوّل إلى مركز عالمي للتكنولوجيا الفائقة. جذبت بيئة الابتكار فيها تدفقات هائلة من رؤوس الأموال الأجنبية، وخاصة من شركات أميركية كبرى مثل (Google) و(Microsoft) و(Amazon) و(Apple) و(Intel)، التي أنشأت مئات مراكز البحث والتطوير في إسرائيل. تجاوز عدد هذه المراكز 300 بحلول 2023، وتشغّل نحو ثلث القوى العاملة في القطاع التقني وتسهم بنحو 40% من الإنفاق على البحث والتطوير.[16]
احتلّت إسرائيل المرتبة الأولى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بنسبة إنفاق على البحث والتطوير بلغت نحو 5.4% من الناتج المحلي بحلول 2021، بينما جمعت شركاتها الناشئة نحو 95 مليار دولار وأُسست أكثر من 9,000 شركة بين 2012 و2022، معظم تمويلها من مستثمرين أجانب. هذه البنية عززت اندماج إسرائيل العميق في الاقتصاد الغربي وربطتها ببنية الابتكار العالمية.[17]
في ما يخص علاقة إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي، فقد ترسّخت ذروة الازدهار مع توقيع اتفاقية الشراكة عام 1995 ودخولها حيز التنفيذ في 1 حزيران 2000، فأسست الإطار القانوني للتجارة والحوار السياسي وربطت العلاقة بشرط حقوق الإنسان في مادتها الثانية. اتفاقية الشراكة جاءت في سياق أوسلو وتوسّع سياسة الجوار الأوروبية، ما سهّل تعميق التعاون البحثي والتقني. لاحقًا، ارتقت الشراكة البحثية مع انضمام إسرائيل إلى Horizon Europe في 6 كانون الأول 2021، مانحةً الجامعات والشركات الإسرائيلية مشاركة شبه مكافئة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
في السنوات الأخيرة قبل 7 أكتوبر، اتسعت دائرة تطبيع الدول العربية مع إسرائيل وانخرطت عدة دول رسميًا في اتفاقات أبراهام وفتحت قنوات تعاون علني سياسي واقتصادي وأمني مع إسرائيل، شملت الإمارات والبحرين والمغرب (2020)، ومسار إعلان نوايا للتطبيع مع السودان (2020)، ومفاوضات متقدمة مع السعودية (قبل 7 أكتوبر 2023). كما واصلت إسرائيل تلقي دعم عسكري ومالي سخي ومستقر من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تُعدّ الضامن الاستراتيجي الأبرز لأمنها وتفوقها النوعي. وعلى الرغم من تكرار الانتقادات في المحافل الدولية، فإنّ اعتماد واشنطن المتواصل لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وتحالفات إسرائيل المتينة مع قوى دولية كبرى، مكّناها من الإفلات من أي تبعات فعلية لمبادرات المقاطعة أو العقوبات. حتى الحركات الكنسية الغربية المتعاطفة مع الفلسطينيين لم تشكّل يومًا مصدر ضغط فعلي على صانعي القرار في الغرب، ولم تُحدث انقسامًا حادًا في مواقف النخب السياسية وصانعي السياسات تجاه دعم إسرائيل، الذي بقي ثابتًا كركيزة رئيسة في سياساتهم الخارجية.[18]
ثالثًا: هل الحَرب محطّة فارقة في تحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة؟
منذ الأسابيع الأولى لحرب غزة، انتقل المزاج الأممي من التعاطف الأولي مع إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 إلى إدانة واسعة للعنف الإسرائيلي المفرط، ومؤشرات ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة، وبدأ العالم يُموضع هجوم 7 أكتوبر ضمن سياق تاريخي أوسع لعلاقة إسرائيل بالفلسطينيين يبدأ من النكبة. خلال 2024-2025، بدأت إسرائيل تواجه سلسلة متصاعدة من الإشارات السلبية المرتبطة بسمعتها ومكانتها القانونية في النظام الدولي، وبمؤشرات عزلة سياسية وثقافية واقتصادية متنامية تتماشى مع ديناميكيات تحوّل الدول إلى "دول منبوذة". وقد انعكست هذه التطورات بوضوح في استطلاعات الرأي، وتوجهات سياسات الدول الديمقراطية الغربية، ومواقف المنظمات الدولية وأوساط المجتمع المدني العالمي. إن استعراض هذه التحوّلات يشكّل خطوة ضرورية لفهم تبعاتها المحتملة واستشراف السيناريوهات المستقبلية التي قد تترتب عليها (انظري القسم الأخير).
- الأمم المتحدة والمحاكم الدولية: إجراءات قانونية تضع إسرائيل في موضع المساءلة
منذ بداية 2024، تشهد المحافل الدولية تحوّلا نوعيًّا في التعامل مع إسرائيل بما يشمل مؤسسات الأمم المتحدة وأرفع المحاكم الدولية، على نحو يُظهر تعاملًا متزايدًا معها كدولة خارجة عن القانون الدولي:
- في كانون الأول 2023، رفعت جنوب أفريقيا دعوى إبادة جماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فأصدرت المحكمة في كانون الثاني 2024 أوامر مؤقتة تلزم إسرائيل بوقف أي أفعال قد ترقى إلى إبادة، وضمان دخول المساعدات والسماح للمحققين الأمميين بالوصول، في خطوة اعتبرها خبراء القانون الدولي من أخطر الإدانات الموجهة لإسرائيل في تاريخها.[19]
- في 21 تشرين الثاني 2024 أصدر المدعي العام كريم خان مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع بتهم تشمل استخدام التجويع والحصار كوسائل حرب، إلى جانب مذكرات بحق قادة من حماس، في سابقة تاريخية ضد قادة إسرائيليين.
- في 19 تموز 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا، اعتبر تاريخيًا، بأن استمرار الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وألزمت إسرائيل بإنهائه سريعًا ووقف الاستيطان وتعويض المتضررين، وعلى الدول عدم الاعتراف أو المساعدة في الإبقاء عليه.
- في حزيران 2024، أُدرجت إسرائيل لأول مرة في "قائمة العار" الصادرة عن الأمم المتحدة لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة، إلى جانب روسيا والسودان وتنظيم داعش، في خطوة أحدثت صدمة دبلوماسية كبيرة ووضعتها رسميًا في مصاف دول وكيانات منبوذة دوليًا.[20]
تُدرك إسرائيل أن مجرد إدراجها في سياق الإبادة والجرائم الدولية يخلق وصمة عار تقيّد قدرة الحكومات الغربية على دعمها علنًا دون تكلفة سياسية. كما أن انخراط المحكمة الجنائية في ملاحقة مسؤولين إسرائيليين يكرّس تصورًا عالميًا لإسرائيل كدولة خارجة عن القانون، شبيهة بدول منبوذة خضعت لمسارات عقابية دولية كالسودان في عهد عمر البشير وصربيا خلال حرب البوسنة.
- الولايات المتحدة: انقسامات في الرأي العام آخذة بالاتساع
يُمثّل التبدّل في الرأي العام والمؤسسات الأميركية تحوّلًا وازنًا في بيئة صناعة القرار، إذ يقوّض الإجماع التقليدي على دعم غير مشروط لإسرائيل ويُدخل حسابات انتخابية وتشريعية وإعلامية جديدة على السياسات الحزبية. وبما أن الولايات المتحدة فاعلٌ أساسي في دعم تسليح إسرائيل وتمويلها وتسليحها، فإن مصير هذا التحوّل ومآلاته في حال تراكم واستمر يمثل تحوّلًا جوهريًا على موضعة إسرائيل بين الدول المنبوذة. تنعكس هذه التحوّلات في:
- انخفاض التأييد العام للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى مستوى قياسي بلغ 32% (بتراجع 10 نقاط عن عام 2024)، مقابل 60% معارضين وفق استطلاع غالوب (Gallup World Poll) في تموز 2025.[21] وأظهر استطلاع بيو (PEW)[‡] أن غالبية البالغين في الولايات المتحدة باتوا يحملون نظرة سلبية لإسرائيل (53%) مقارنة بـ42% في 2022، مع تراجع ملحوظ خصوصًا بين الشباب والديمقراطيين.[22]
- 71% من الجمهوريين يؤيدون أفعال إسرائيل مقابل 8% فقط من الديمقراطيين، و9% فقط من الأميركيين دون 35 عامًا، ما يشير إلى إعادة اصطفاف جيلي. تلحظ التحليلات الإعلامية واستطلاعات الرأي تدهورًا مستمرًا في دعم الديمقراطيين والشباب الأميركي لإسرائيل، بينما يبقى تأييد الجمهوريين مرتفعًا نسبيًا لكن ليس محصنًا ضد الجدل الداخلي.[23]
- وثّق مركز أبحاث الكونغرس (CRS) عشرات حالات التصويت في مجلسي النواب والشيوخ منذ تشرين الأول 2023 حول وقف إطلاق النار، ومبيعات السلاح، والمساءلة، ما يعكس الجدل المستمر داخل الكونغرس. ورغم رفض مجلس الشيوخ محاولات حظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل، حصدت التصويتات التي قادها السيناتور بيرني ساندرز دعمًا غير مسبوق، كاشفة انقسامات ديمقراطية متسعة ونسبة تاريخية تؤيد تقييد نقل الأسلحة.[24]
- استقال ما لا يقل عن 12 مسؤولًا أميركيًا (في وزارات الخارجية والدفاع والتعليم والداخلية) احتجاجًا على سياسة غزة، مؤكدين في بيان مشترك أن الدعم الأميركي يجعل واشنطن متواطئة، وداعين إلى تغييرات فورية. أكّد هؤلاء أن السياسة الحالية أضرّت بمصداقية الولايات المتحدة وأمنها، واقترحوا قيودًا قانونية على شحنات السلاح، وزيادة المساعدات الإنسانية، وحماية حرية التعبير.[25]
- باتت أصوات تيار ماغا (MAGA)[§] أكثر انتقادًا لسلوك إسرائيل، وبدأ التيار يشكك في كلفة ودوافع الدعم المفتوح لها من قبل الولايات المتحدة رغم استمرار دعم المؤسسة الجمهورية التقليدية.[26] وفي سابقة لافتة داخل التيار الجمهوري المقرّب من ترامب، وصفت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين (Marjorie Taylor Greene) ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية، بينما ظل قادة جمهوريون آخرون متمسكين بدعم قوي لإسرائيل، ما يبرز اتساع الانقسام الداخلي في الحزب.[27]
- أنفقت أيباك وذراعها الانتخابي (United Democracy Project) أكثر من 100 مليون دولار في دورة 2024 لاستهداف منتقدين تقدميين لإسرائيل.[28] هذه الأرقام غير اعتيادية تاريخيًا؛ فهي من بين الأعلى على الإطلاق لإنفاق جهة ضغط واحدة على سباقات أولية وحزبية، وتعكس انتقال اللوبي إلى استراتيجية إنفاق كثيف ومركّز لإسقاط أصوات ناقدة، وهو ما يجعل دورة 2024 سابقة معيارية لحجم التدخل المالي وحدّة الاصطفاف السياسي.
- دول أوروبا الغربية: انتقادات من المستويين الرسمي والشعبي
شهدت أوروبا تحوّلًا جذريًا في موقفها تجاه إسرائيل منذ تصاعد الحرب على غزة. فعلى المستوى الرسمي، أبدت حكومات أوروبية كانت تقليديًا حليفة لإسرائيل انتقادات حادة وتبنّت خطوات ضغط ملموسة:
- في 20 أيار 2025، أعلنت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي إطلاق مراجعة لـ "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل" الموقعة عام 1995 والمطبّقة منذ 2000، وتشكل الإطار القانوني الأوسع لتنظيم العلاقات السياسية والتجارية والعلمية بين الجانبين. تتضمن الاتفاقية مادة جوهرية (المادة 2) تشترط احترام حقوق الإنسان والديمقراطية، وتمنح الاتحاد حق اتخاذ تدابير تصل إلى تعليق الامتيازات إذا أخلّت إسرائيل بها. خلال حرب غزة، أطلق الاتحاد مراجعة لامتثال إسرائيل لهذه المادة بقيادة هولندا ودعم 17 دولة، مع مقترحات لتعليق جزئي للركنين التجاري والبحثي (مثل Horizon Europe)، وهو نقاش برز تحت ضغط أكثر من 180 جهة حقوقية أوروبية طالبت بتفعيل الشرط الحقوقي وتعليق امتيازات التجارة مؤقتًا.[29] بالتوازي، أعلنت بريطانيا (من خارج الاتحاد الأوروبي) تجميد مفاوضات اتفاق التجارة الحرة.[30]
- مع أن هناك انقسامات بين دول الاتحاد واتخاذ قرارات حاسمة يشترط الإجماع فإن هذه النقاشات الأوروبية تشير إلى تنامي التصدعات الداخلية مدفوعة بسؤال: هل لا تزال دول أوروبا تتشارك القيم نفسها مع إسرائيل.[31] فقد صرّح المستشار الألماني فريدريش ميرتس بأن إيذاء المدنيين "لم يعد ممكنًا تبريره بمكافحة إرهاب حماس"، محذرًا إسرائيل من تجاوز حدود قد لا يتحملها "حتى أفضل أصدقائها".[32]
- ألمانيا التي تعتبر حصنًا منيعًا لدعم اسرائيل، أعلنت حكومتها في 8 آب 2025 وقف جميع تراخيص وتوريدات الأسلحة التي قد تُستخدم في غزة، في أول تجميد معلن من ألمانيا التي تعتبر ثاني أكبر مزوّد سلاح لإسرائيل.[33]
- في هولندا، أصدرت محكمة الاستئناف في 12 شباط 2024 قرارًا بوقف تصدير أو عبور مكونات طائرات F-35 لإسرائيل بسبب "خطر واضح" بارتكاب انتهاكات جسيمة.[34] في إسبانيا، فُرض تجميد فعلي منذ 7 تشرين الأول 2023، وتحوّل في أيلول 2025 إلى حزمة حظر رسمية شملت منع الشراء والبيع وعبور شحنات السلاح أو عبور الطائرات العسكرية.[35] في المملكة المتحدة، تم تعليق جزئي لبعض تراخيص التصدير للسلاح.[36]
- في آب 2025 أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي تصفية حصصه في 11 شركة إسرائيلية، وإنهاء عقود إدارة أصول، بسبب الحرب وتدهور الأوضاع الحقوقية في غزة والضفة. لاحقًا استبعد ست شركات أخرى مرتبطة بأنشطة في الأراضي المحتلة، مؤكّدًا استمرار المراجعة الأخلاقية.[37] بالتوازي، صعّدت نقابات وحملات مدنية الضغط لتجريد الصندوق من استثمارات الاحتلال. أكاديميًا، أعلنت جامعات عدة مثل ستافنغر (UiS) وأوسلو مت (OsloMet) تعليق أو إنهاء شراكاتها المؤسسية مع الجامعات الإسرائيلية بسبب الانتهاكات الجسيمة في غزة.[38]
- تحرّكت المجتمعات الأوروبية أسرع من حكوماتها في الموقف من حرب غزة؛ إذ شهدت القارّة موجات احتجاج ضخمة بينما بقيت مواقف الحكومات حذرة أو محايدة. يرى كثير من الأوروبيين أن حكوماتهم تميل لإسرائيل أو للحياد، بينما يفضّلون موقفًا أكثر توازنًا. بحلول حزيران 2025، قال نصف البريطانيين إن أفعال إسرائيل في غزة غير مبرّرة، وسجلت صورة إسرائيل أدنى مستوياتها في الاستطلاعات (ألمانيا -44، فرنسا -48، الدنمارك -54، إيطاليا -52، إسبانيا -55).[**] في أيار 2025 وحده، خرجت أكثر من 370 مظاهرة مؤيدة لفلسطين، وهو أعلى عدد منذ تشرين الأول 2024، بينها مظاهرات كبرى في لاهاي (نحو 100 ألف في 18 أيار) ولندن (نحو 500 ألف في 17 أيار). كما يُظهر الشباب الأوروبي، وخصوصًا جيل Z، مواقف أكثر انتقادًا لإسرائيل، ويدعمون بقوة فرض حظر على السلاح ومحاسبتها، ويربطون القضية الفلسطينية بقيم المساواة والحرية عالميًا.
- الإعلام: انقلاب السردية ووصم إسرائيل بـ"المجرمة"
منذ حرب غزة، شهدت التغطية الإعلامية الغربية تحوّلا نوعيًّا، إذ بدأت منصّات كبرى تنتقد علنًا الاستراتيجية الإسرائيلية، تسريع الضم في الضفة، واستخدام الحصار والتجويع كسلاح، باعتبارها قضايا محورية وليست هامشية:
- نشرت فايننشال تايمز مقالات حادة ضد نهج نتنياهو في غزة محذّرة من تقويض أسس قيام دولة فلسطينية.[39] واعتبرت ذي إيكونوميست أنّ اتهامات الإبادة لم تعد "تابو"، ما يعكس انتقال هذا الخطاب إلى التيار السائد.[40] في نيويورك تايمز تزايدت التغطيات والآراء الداعية لوقف إطلاق النار وكشف الحسابات السياسية لتمديد الحرب.[41]
- الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان (وهو مؤلف وصحفي في نيويورك تايمز معروف بعلاقاته الوثيقة بإسرائيل) كتب في آب 2025 مقالةً بعنوان "حملة إسرائيل في غزة تجعلها دولة منبوذة".[42] كما وقّع أكثر من 750 صحافيًا رسالة مفتوحة أواخر 2023 تندّد بفشل غرف الأخبار وبقتل صحافيين في غزة، ما ضغط لتوسيع تمثيل المعاناة الفلسطينية.[43]
- في 2025 نظّمت مؤسسات CPJ وRSF رسالة مفتوحة جديدة وقّعها قادة من AP وBBC وFT وNPR وLe Monde وThe Globe and Mail تطالب بوصول إعلامي حر إلى غزة وتوثّق مقتل نحو 200 صحفي.[44] كما أظهرت تحليلات X وإنستغرام تصاعد المحتوى المتضامن وتحوّل الاهتمام نحو الضحايا المدنيين.[45]
- بدأ يظهر اسم إسرائيل ضمن صفحة ويكيبيديا حول الدول المنبوذة مع إشارة إلى فظائع الحرب على غزة.[46] وتشير دراسات في الإعلام والاقتصاد السياسي إلى أن التغطية الغربية اتسمت تاريخيًا بانحياز لإسرائيل، لكن شدة حرب غزة وتزايد التدقيق الحقوقي ومحكمة الجنايات الدولية فرضت تركيزًا أكبر على معاناة المدنيين الفلسطينيين، ويُستشهد بهذه الدراسات في المنتديات السياسية لتفسير تحوّل نبرة الإعلام الغربي وتراجع شرعية إسرائيل.[47]
- تدهور علاقات إسرائيل الدبلوماسية
منذ الأسابيع الأولى للحرب، بدأت إسرائيل تشهد موجة من سحب السفراء، قطع العلاقات، وتغير في الخطاب الدبلوماسي الرسمي لبعض الدول:
- بوليفيا قطعت علاقاتها مع إسرائيل في 31 تشرين الأول 2023 متهمةً إياها بجرائم ضد الإنسانية؛ ودولة بيليز اللاتينية علّقت العلاقات في 14 تشرين الثاني 2023 وسحبت اعتماد السفير الإسرائيلي، وكولومبيا أنهت علاقاتها نهائيًا في 1 أيار 2024.
- دول أخرى اكتفت بسحب سفرائها من إسرائيل وشملت تشيلي، هندوراس، الأردن، تركيا، جنوب أفريقيا، تشاد، البحرين، والبرازيل.
- عدد من الحكومات استخدم لغة شديدة وحدّة غير معهودة في إدانة سلوك إسرائيل في غزة، شملت مصطلحات كـ "إبادة جماعية" و"هولوكوست" و"فصل عنصري". أهمها من الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي شبه الحرب الإسرائيلية بالهولوكوست،[48] ما أدى إلى أزمة دبلوماسية مع إسرائيل. الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو وصف أفعال إسرائيل بالإبادة، إما الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا فاتهمها بجرائم حرب وأفعال ترقى إلى إبادة جماعية.
- قرّرت تركيا في آب 2025 قطع جميع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع إسرائيل وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الحكومية الإسرائيلية وشحنات السلاح، في خطوة احتجاجية على حرب إسرائيل في غزة. جاء القرار بعد وقف تجارة ثنائية قُدّرت بـ7 مليارات دولار سنويًا، وفرض موانئها رقابة تمنع مرور شحنات مرتبطة بإسرائيل. الإجراء سيُطيل زمن رحلات الطيران الإسرائيلي إلى دول مثل جورجيا وأذربيجان بنحو ساعتين.
- الاعترافات بدولة فلسطين: ضربة دبلوماسية لإسرائيل
خلال 2024-2025، بدأت بوصلة الموقف الدولي تميل نحو خطوات ملموسة للاعتراف بدولة فلسطين الأمر الذي من شأنه أن يزيد عزلة إسرائيل دبلوماسيًا دون تفكيك تحالفاتها الجوهرية
- شهدت الأعوام 2024–2025 توسّعًا ملحوظًا في الاعتراف بدولة فلسطين، إذ اعترفت إسبانيا وإيرلندا والنرويج (28–29 أيار 2024) ثم سلوفينيا (3–4 حزيران) وأرمينيا (21 حزيران)، جميعها ربطت الاعتراف بإنهاء كارثة غزة الإنسانية واستئناف مسار الدولتين.
- ثم في 21 أيلول 2025، أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها بدولة فلسطين، في خطوة شكّلت أول اعتراف من دول مجموعة السبع وتحوّلًا مهمًا في مواقف الحلفاء الغربيين. وفي اليوم التالي، في 22 أيلول 2025، انضمت فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو وأندورا إلى الإعلان خلال قمة في نيويورك مرتبطة بمبادرة الأمم المتحدة لحل الدولتين، ما وسّع نطاق الاعتراف الغربي الأوروبي بشكل ملحوظ.
- أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة "إعلان نيويورك" بأغلبية 142 مقابل 10 وامتناع 12، دعت فيه إلى خطوات "ملموسة ومرتبطة بسقف زمني ولا رجعة فيها" نحو حل الدولتين، مع إدانة هجمات حماس، والمطالبة بإطلاق الرهائن، وإنهاء الحرب على غزة، وانتقال الأمن في غزة إلى السلطة الفلسطينية.
تمثّل هذه الاعترافات المتناسقة من دول أوروبية، مدعّمة بتصويت أممي واسع، تحوّلًا لدى معسكر غربي وسطي–يساري نحو استخدام الاعتراف كأداة ضغط سياسية، لكن دون أن يعني إعادة تموضع غربية كاملة؛ إذ لا تزال دول كبرى متحفظة، وتستمر البنية الأمنية للتحالف مع إسرائيل دون تغيّر جذري.
- المقاطعة والعزل في المحافل الدولية
شهدت مقاطعة اسرائيل قفزة كبيرة بعد حرب 7 أكتوبر، وأصبحت تستهدف المؤسسات والشركات والأفراد الإسرائيليين ضمن سياق تصاعدي يشبه أثر الدومينو:
- المقاطعة الأكاديمية
- سجّل تقرير لفريق مكافحة المقاطعات الأكاديمية التابع لرؤساء الجامعات الإسرائيلية نحو 500 حادثة مقاطعة بين أيلول 2024 وشباط 2025، بزيادة 66% مقارنة بالأشهر الأولى للحرب. تتركز المقاطعات الأكاديمية في الولايات المتحدة وبلجيكا وإسبانيا وإنجلترا، تليها هولندا وإيطاليا وكندا، وتشمل تعطيل التعاون، منع باحثين إسرائيليين من حضور مؤتمرات، وتراجع المشاركة الأجنبية في مؤتمرات داخل إسرائيل، وصعوبات في نشر أبحاث بالخارج.[49]
- أقرّت رابطة علماء الإبادة الدولية (IAGS) قرارًا تاريخيًا وصف الوضع بأنه عند عتبة الإبادة، فيما أصدر أكثر من 55 باحثًا في دراسات الهولوكوست والإبادة بيانًا يحذّر من اتساع الفظائع، وربط القتل والتجويع والتهجير بخطاب التحريض الرسمي. كما وقّع أكثر من 800 باحث قانوني على بيان يحذّر من الإبادة ويدعم دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وترافقت هذه التحركات مع رسائل مفتوحة من كتّاب وفنانين تطالب بوقف فوري لإطلاق النار وإغاثة المدنيين.
- المقاطعة الفنية والثقافية
- تواجه إسرائيل مقاطعة متصاعدة في مسابقة اليوروفيجن، إذ أفادت تقارير أن المنظمين أوصوا بانسحابها المؤقت من نسخة 2026 أو مشاركتها بلا علم وطني لتفادي طردها، بعد تهديد ست دول (بينها إسبانيا، أيرلندا، سلوفينيا، آيسلندا، هولندا) بالانسحاب إن شاركت إسرائيل.[50]
- تخللت مهرجان برلين السينمائي 2024 (Berlinale) خطابات من الفائزين تتهم إسرائيل بالإبادة. أما في مهرجان كان والبندقية (Cannes & Venice)، فوقّع أكثر من 380 شخصية سينمائية (منهم رالف فاينس، ريتشارد غير، سوزان ساراندون، بيدرو ألمودوفار، روبن أوستلوند) رسالة تندد بالإبادة في غزة؛ كما أُطلقت حملة Venice4Palestine قبل البندقية 2025 (Venice Film Festival) بمشاركة مخرجين إيطاليين كبار تطالب بإدانة الإبادة والتطهير العرقي. وشهد صندانس 2024 (Sundance Film Festival) احتجاجات شارك فيها ممثلون كميليسا باريرا وإينديا مور، وامتدت الدعوات لمقاطعة أفلام إسرائيلية عبر مهرجانات تورونتو (Toronto International Film Festival) وفينيسيا (Venice) وغيرها خلال 2025، فيما تردّد بعض المخرجين في عرض أفلامهم تحت العلم الإسرائيلي. كما انسحب فنانون من مهرجان ذا غريت إسكايب 2024 (The Great Escape) بسبب رعاة مرتبطين بصناعات دفاعية إسرائيلية، مما أجبر على تقليصه وتغيير الرعاة لاحقًا.
- شهدت بلجيكا موجة مقاطعة في الموسيقى الكلاسيكية، أبرزها إلغاء مهرجان فلاندرز (غنت) حفل أوركسترا ميونخ بقيادة الإسرائيلي لاهف شاني في 18 أيلول 2025 لعدم وضوح موقفه من حرب غزة، ما عُدّ تعبيرًا عن المقاطعة الثقافية لإسرائيل.[51]
- بحلول أيلول 2025، وقّع أكثر من 4,000 فنان وصانع أفلام على تعهد بمقاطعة مؤسسات السينما الإسرائيلية المتهمة بالتورط في الإبادة والفصل العنصري في غزة. من أبرز الموقعين خواكين فينيكس (Joaquin Phoenix)، إيما دارسي (Emma D’Arcy)، إليوت بيج (Elliot Page)، إريك أندريه (Eric Andre)، وغاي بيرس (Guy Pearce)، إضافة إلى مارك رافالو (Mark Ruffalo)، أوليفيا كولمان (Olivia Colman)، وخافيير بارديم (Javier Bardem). يستهدف التعهد مهرجانات كبرى مثل مهرجان القدس وحيفا ودكافيف، ضمن ضغط متزايد لإنهاء الحرب والجرائم في غزة.[52]
- حصل فيلم "صوت هند رجَب" عن مقتل الطفلة هند رجب في غزة على تصفيقٍ قياسي استمر أكثر من 23 دقيقة في مهرجان البندقية السينمائي يوم 4 أيلول 2025، ليصبح أطول تصفيق في تاريخه. ورفع الممثل معتز ملحيس العلم الفلسطيني وسط هتافات "فلسطين حرة"، لتتحوّل الفعالية إلى منصة بارزة للتنديد بجرائم إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية فنيًا.[53]
- مقاطعة معارض أمنية-عسكرية
- في 2024، فرضت فرنسا حظرًا كاملًا على مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض Eurosatory (أكبر معرض دفاع أوروبي)، مستهدفة أكثر من 70 شركة إسرائيلية. وبالمثل، أعلنت بريطانيا استبعاد الوفد الحكومي الإسرائيلي من DSEI 2025، ما دفع وزارة الدفاع الإسرائيلية لإلغاء الجناح الوطني والاكتفاء بمشاركة شركات خاصة فردية. وفي معرض FIDAE 2024 بتشيلي، مُنعت الشركات الإسرائيلية لأول مرة بسبب ضغط محلي مرتبط بغزة. امتدت القيود إلى معارض فرنسية بحرية مثل Euronaval، مقابل استمرار المشاركة الإسرائيلية البارزة في IDEX/NAVDEX 2025 في أبو ظبي و Airshow 2024في سنغافورة، ما أبرز تحوّلًا أوروبيًا نحو استبعاد رسمي لإسرائيل، وجعل الوصول للسوق أكثر صعوبة.
رابعًا: شروط تعزّز مسار "إسرائيل دولة منبوذة"
في 15 أيلول 2025، وخلال مؤتمر اقتصادي بعنوان "خمسون ولاية – إسرائيل واحدة" في القدس، اعترف نتنياهو بأنّ إسرائيل تعيش "نوعًا من العزلة" الدولية بعد قرابة عامين من حربها على غزة، داعيًا إلى التحوّل نحو الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الدول الأجنبية. وشبّه وضع إسرائيل بإسبارطة القديمة، قائلًا: "يجب أن نصبح أثينا وسوبر-إسبارطة معًا"،[††] مؤكدًا أن إسرائيل بحاجة إلى أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها والهجوم على أعدائها.
يأتي تصريحه في سياق تراجع مكانة إسرائيل عالميًا، وتصاعد الدعوات لمقاطعتها، وضغوط دولية متزايدة على خلفية حرب غزة، ما جعله يطرح استراتيجية تقوم على الانكماش القومي والاعتماد على الذات بدل التحالفات الدولية التقليدية. وصف زعيم المعارضة يائير لابيد حديثه بأنه "جنوني"، مؤكدًا أن العزلة ليست قدرًا، بل نتيجة سياساته الفاشلة. قال رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك إن نتنياهو "فقد السيطرة" وإن فكرة "سوبر-إسبارطة" تعني نهاية إسرائيل اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.[54]
يشير هذا الخطاب إلى مسعى اليمين الشعبوي في إسرائيل، بعد تبيّن تداعيات حرب الإبادة على الساحة الدولية، إلى إعادة تأطير التراجع العالمي في مكانة إسرائيل بوصفه حافزًا للتعبئة القومية بدل أن يكون مدعاة لمراجعة السياسات القائمة. وتُظهر هذه الدراسة أنّ مؤشرات التراجع ليست مجرّد ردود فعل مؤقتة اعتادتها إسرائيل بسبب ممارساتها المستمرة منذ عقود، بل تمثّل منعطفًا نوعيًا يتجلّى بوضوح في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، ومن غير المستبعد أن يتوسع ليشكّل انقسامًا حقيقيًا داخل الغرب نفسه. إنّ هذا التحوّل، إذا استمر وتعمّق، قد يفضي فعليًا إلى تحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة، بما يحمله ذلك من انعكاسات جوهرية لا خطابية على مكانتها وشرعيتها وقدرتها على الاستمرار بنفس النهج العدواني، والإنكاري لحقوق الفلسطينيين.
في ما يلي، أربعة مسارات محتملة قد تساعد في توطد مكانة إسرائيل كدولة منبوذة:
- انقسام سياسي داخل إسرائيل في ما يتعلق بنتائج العزلة
إن الانقسام الداخلي في إسرائيل، والذي يُنظر اليه على أنه بنيوي وآخذ بالتعمق، يشكل أحد العوامل الموضوعية الكامنة، والتي في حال تفاقم مسار نزع الشرعية عن إسرائيل ونبذها، قد يفضي لتشكل مجموعة ضغط داخل إسرائيل لوضع حد لهذا التدهور عبر تقديم تنازلات سياسية حقيقية أمام المجتمع الدولي، وفي ما يتعلق بالفلسطينيين.
في حال ترتب إجراءات ملموسة على مسار إقصاء إسرائيل في دول أوروبا الغربية تحديدًا، فسيكون مرشحًا تبلور معسكرين متصادمين داخل المجتمع الإسرائيلي:
- المعسكر الأول، يعبر عن النخب الليبرالية، والعلمانية-الأشكنازية، في الاقتصاد ومؤسسات الدولة، والقضاء، والأكاديميات، وجانب من المجتمع المدني، ويتركز في مدن الساحل الكبرى وداخل قطاعات التكنولوجيا. يسعى هذا التيار الى الحفاظ على صورة إسرائيل كدولة شرعية بين الأمم، وتتشارك مع الغرب في القيم والمبادئ الديمقراطية، والحداثة، ودول العالم الأول المتقدمة. في حال استمرت التحوّلات في الدول الغربية تحديدًا، فإن من شأن هذا التيار أن يرى في استمرار الحرب والتوسع الاستيطاني يساهمان بشكل المباشر في تآكل مكانة إسرائيل. بدأت ملامح الانقسام داخل النخب الإسرائيلية بالظهور مع تصاعد الانتقادات غير المسبوقة من شخصيات بارزة: فقد حذّر يائير غولان، رئيس حزب الديمقراطيين وأحد أبرز زعماء التيار المناهض للحكومات اليمينية، من أنّ إسرائيل "في طريقها لتصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا"، وندّد بأن "دولة عاقلة لا تقتل الأطفال كهواية".[55] من جهته، صرّح رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت بأن إسرائيل "أصبحت دولة منبوذة" نتيجة اتساع الفجوة بين فظائع 7 أكتوبر وما ترتكبه حاليًا في غزة.[56]
- أمّا المعسكر الثاني فيرتكز إلى الشعبوية، واليمين الجديد، والصهيونية الدينية والذي تمثله الحكومة الحالية، وطيف واسع من المجتمع المدني اليميني، والتجمعات الاستيطانية، والحريديم، فيتبنى خطاب "شعب يسكن وحيدًا" ويعتبر النبذ الخارجي دليلًا على أصالة المشروع الصهيوني الخلاصي.[‡‡] وردت هذه العبارة في سفر الأعداد (23: 9) على لسان بلعام حين تنبّأ لشعب إسرائيل قائلًا: "شعب يسكن وحيدًا، ولا يُحتسب بين الأمم".[57] يُستدعى هذا الشعار اليوم لتبرير سياسات العزل، رفض الانتقادات الغربية، والحرب باعتبارها وسيلة للحفاظ على الكيان، بينما أن الحملات التي تنادي بنبذ إسرائيل، أو انتقاد ممارساتها تجاه الفلسطينيين، فإنها موجات معاصرة من معاداة السامية، ويطلب من إسرائيل أن لا تساوم على مشروعها الخلاصي الرباني.
اتساع الفجوة قد يحوّل العزلة الغربية إلى عامل تفكيك داخلي يهدد الدولة الإسرائيلية، دافعًا إياها إما لتعديل سياساتها لاستعادة الشرعية أو للانغلاق الأيديولوجي الذي يعمّق عزلتها ويكرّسها كدولة منبوذة.
- استقطابات اليمين-اليسار داخل دول أوروبا الغربية
إنّ أحد المسارات الحاسمة التي قد تحدّد مصير إسرائيل في سياق تحوّلها إلى دولة منبوذة يتمثّل في الانقسام الأيديولوجي العميق والمتصاعد داخل الدول الغربية نفسها، ولا سيما في أوروبا الغربية، بين معسكرين متضادين على نحو بنيوي: من جهة، معسكر اليمين الجديد، الشعبوي، القومي المعادي للمهاجرين، والتيارات المتنوعة التي تتبنى رؤى "صهيونية مسيحية"، والذي يرى في إسرائيل حصنًا متقدّمًا للغرب ونموذجًا للدولة القومية القوية. يستند هذا المعسكر أيضًا إلى تحالف وثيق مع دوائر رأس المال، والشركات متعددة الجنسيات، التي تنظر إلى إسرائيل باعتبارها شريكًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا وأمنيًا استراتيجيًا، وتقيّم علاقتها معها من منظور المنفعة والمردود المادي بعيدًا عن أي اعتبارات حقوقية أو إنسانية. ومن جهة أخرى، تقف قوى اليسار واليسار–الليبرالي، والحركات التقدمية، والنقابات العمالية واتحادات الطلبة، وحركات المناخ وحقوق الإنسان، التي باتت ترى في إسرائيل نموذجًا استيطانيًا وعنصريًا يناقض القيم الليبرالية وحقوق الإنسان التي تدّعي أوروبا الدفاع عنها.
في غرب أوروبا، تبنت أحزاب اليمين الحاكم في النمسا (Austrian Right)، واليمين في التشيك (Czech Right) والمجر (Fidesz)، ومعظم الأحزاب الشعبوية اليمينية الكبرى مواقف داعمة بشدة لإسرائيل في خطابها وسياساتها. في ألمانيا، أيّد حزب الديمقراطيين المسيحيين (CDU/CSU) وقطاعات واسعة من الحزب الليبرالي المحافظ (FDP) أهداف إسرائيل في الحرب، بينما تبنّى حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) خطابًا مؤيدًا بشدة لإسرائيل رغم انقساماته الداخلية واتهامات متكررة له بمعاداة السامية. في فرنسا، قدّم المحافظون واليمين الشعبوي رواية تركز على حماية "القيم الغربية" واعتبروا دعم إسرائيل ضرورة أمنية ضد "التهديدات الإسلامية" وحركة حماس.[58] في إيطاليا، ركّز حزب إخوة إيطاليا (Brothers of Italy) الحاكم على أمن إسرائيل ورفض الانتقادات باعتبارها غير منصفة، وبالمثل اتخذ حزب الحرية الهولندي (PVV) موقفًا مؤيدًا قويًا لإسرائيل واعتبر الانتقادات لها شكلًا من معاداة السامية. في البرلمان الأوروبي، تبنّى حزب الشعب الأوروبي (EPP) مواقف تميل للدفاع عن إسرائيل، حيث ركزت بياناته المشتركة على إدانة هجمات حماس وضمان وصول المساعدات دون الدعوة لفرض حظر سلاح. وفي أميركا الشمالية، دعم الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة (Republican Party) بأغلبية ساحقة استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية حتى تحقيق أهدافها، فيما تبنّى الحزب المحافظ الكندي (Conservative Party) موقفًا مؤيدًا لأداء إسرائيل ورافضًا لفرض عقوبات أو حظر سلاح.
في المقابل، تبنّت حكومات يسارية وتقدمية في إسبانيا (Podemos وحلفاؤها)، إيرلندا، النرويج، وسلوفينيا مواقف مبكرة دعت للاعتراف بدولة فلسطين ووقف فوري للحرب وتعليق صادرات السلاح، ووصفت سلوك إسرائيل بأنه انتهاك جسيم للقانون الدولي. في ألمانيا، عارض حزب اليسار (Die Linke) وتيارات يسارية جديدة الحرب وطالبوا بوقف إطلاق النار وفرض قيود على السلاح، كما برز تحوّل واسع في مزاج الناخبين اليساريين بسبب غزة. في بريطانيا وفرنسا، اتجهت قيادات يسار الوسط نحو الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار مع تفاقم الكارثة الإنسانية. وفي البرلمان الأوروبي، أصدرت كتل (S&D) و(Greens/EFA) و(The Left) و(Renew) موقفًا مشتركًا يطالب بوقف الحرب وضمان وصول المساعدات،[59] ما عكس ضغطًا متزايدًا من اليسار والوسط الليبرالي. كما أظهرت استطلاعات في الولايات المتحدة أنّ غالبية ناخبي الحزب الديمقراطي (Democratic Party) وكثيرًا من المشرعين التقدميين باتوا يرفضون استمرار الحرب ويدعمون وقفها وربط المساعدات بشروط حقوقية، ما يبرز تعمّق الانقسام الحزبي حول دعم إسرائيل.
وعليه، فإن مستقبل مسار نبذ إسرائيل في أوروبا الغربية قد يتوقّف على نتيجة هذا الصراع الأيديولوجي الداخلي.[60] فإذا واصل المعسكر التقدّمي كسب الرأي العام الشبابي والنقابات والجامعات، فسيُنتج ضغوطًا متزايدة على الحكومات لتبنّي سياسات عزل ومساءلة. أمّا إذا واصل اليمين الشعبوي صعوده داخل مؤسسات الحكم والبرلمانات الأوروبية، فسيشكّل درعًا سياسيًا يحدّ من فاعلية حملات العزل. لكن تعمق حدة الصراع يتعلق أيضا بالاستمرارية، وفي حال انتهى هذا النقاش القيمي داخل أوروبا مع انتهاء الحرب، أو خَبا، فإن فرص حصول تحوّلات حقيقية في موقف الغرب من إسرائيل قد تكون قليلة.
- اصطفاف عالمي ما بين الشمال/الغرب والجنوب/العالم ثالثي
إنّ ترسيخ إسرائيل كدولة منبوذة قد يتسارع في حال ترافق مع إعادة اصطفاف عالمي بين محور الشمال/الغرب ومحور الجنوب/العالم الثالث، بما يعيد إدراج القضية الفلسطينية ضمن صراع كوني. من جهة، يشكّل المناخ الدولي الحالي بيئة مواتية لولادة هذا الاصطفاف الجديد؛ فهناك تنام واضح في التوترات بين الجنوب والغرب في ملفات المناخ والديون والنظام المالي العالمي، وعودة خطاب "العدالة ما بعد الاستعمار" داخل الأمم المتحدة وحركات المجتمع المدني، مما يمنح القضية الفلسطينية إمكانية أن تصبح رمزًا جامعًا لاحتجاجات الجنوب على هيمنة الغرب. كما أنّ تنامي المقاطعات الثقافية والحقوقية لإسرائيل في أوروبا، يقابله احتضان متزايد في إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا لخطاب مقاومة الاستعمار، ما يفتح نافذة لتوسيع تحالفات سياسية ضد إسرائيل ضمن المنظمات الدولية والإقليمية.
لكن في المقابل، فإن تحقق هذا السيناريو يقتضي توافر شروط، أهمها وجود بنية تنظيمية عابرة للحدود تتجاوز نموذج BDS التقليدي نحو تحالفات دائمة داخل مؤسسات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية. وثانيها، رأس مال سياسي موحّد للجنوب قادر على تخطي الانقسامات الإقليمية.
إذا تحققت هذه الشروط، فقد تتحوّل القضية الفلسطينية إلى محور لإعادة اصطفاف دولي طويل الأمد، يضع إسرائيل في موقع المواجهة مع أغلبية دولية ويُرسّخ عزلتها كدولة منبوذة.
تشكّلت "مجموعة لاهاي" بوصفها مبادرة تقودها دول من الجنوب العالمي، وتهدف إلى تنسيق الجهود الحكومية لفرض تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بحق إسرائيل، وفرض حظر توريد السلاح، وتقييد مرور شحنات الأسلحة في الموانئ، وتفعيل الولاية القضائية العالمية ضد الجرائم المرتكبة في غزة، إلى جانب الدفع الجماعي نحو وقف فوري لإطلاق النار. وتتبنى المجموعة خطابًا واضحًا يقدّمها كمنصة جنوبية مستقلة تواجه الانفلات الإسرائيلي من المساءلة الدولية.
انعقد الاجتماع التأسيسي الطارئ للمجموعة في بوغوتا بين 16 و17 تموز 2025، بمشاركة وفود من 30 دولة، وأعلنت 12 دولة التزامها الفوري بتنفيذ الإجراءات المقترَحة، وهي: بوليفيا، كولومبيا، كوبا، إندونيسيا، العراق، ليبيا، ماليزيا، ناميبيا، نيكاراغوا، عُمان، سانت فنسنت والغرينادين، وجنوب أفريقيا. وقد أُطلق المسار التحضيري للمجموعة مطلع عام 2025 بجهد مشترك من كولومبيا وجنوب أفريقيا اللتين تتوليان رئاستها المشتركة.
وتُعد هذه المبادرة تتويجًا لتراكم مسار تنسيقي أوسع داخل الجنوب العالمي بعد حرب غزة، إذ سبقتها إعلانات وزراء خارجية وقادة مجموعة بريكس (BRICS) في 2024–2025 التي طالبت بوقف فوري لإطلاق النار، وعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وخطة لإعادة إعمار غزة، ما رسّخ موقع "بريكس" كمنتدى جنوبي لبلورة مواقف منسّقة بعد 7 أكتوبر. كما صدرت عن قمة الجنوب الثالثة لمجموعة الـG77 + الصين (كانون الثاني/يناير 2024) بيانات متتالية دعمت إقامة دولة فلسطينية ونددت بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، في مؤشر إلى اصطفاف جنوبي واضح داخل منظومة الأمم المتحدة.
- هل العالم مستعد لاتخاذ إجراءات بحق إسرائيل؟
بالإضافة إلى التحوّلات الجارية في مواقف الرأي العام والنخب الغربية، لا يمكن تقدير فرص تحوّل إسرائيل إلى "دولة منبوذة" دون التوقف عند عاملين بنيويين متوازيين يؤثران مباشرة في هذا المسار. فمن جهة، تمثل مسارات التطبيع العربي شبكة دعم سياسية واقتصادية وأمنية تقلّل من أثر العزلة المفروضة على إسرائيل وتوفر لها شرعية إقليمية رمزية. إذ ما تزال اتفاقيات "أبراهام" قائمة، وتواصل دولها تعزيز التعاون مع إسرائيل في مجالات الطاقة، الأمن السيبراني، التكنولوجيا، والتجارة. هذه القنوات تتيح لإسرائيل الإيحاء بأنها ليست معزولة إقليميًا، ويمنحها أدوات دعائية ودبلوماسية مضادة تضعف أثر الضغوط الغربية المتزايدة.
في المقابل، يشكّل التحوّل التدريجي في المحافل الدولية نحو أخذ الانتهاكات الإسرائيلية على محمل الجد مسارًا معاكسًا يمكن أن يعمّق عزلتها. فقد بدأت محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية، وهيئات الأمم المتحدة في اعتماد مقاربات أكثر حزمًا، شملت أوامر ملزمة لوقف أفعال قد ترقى إلى إبادة، وإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، وقرارات تلزم الدول بعدم الاعتراف بالاحتلال أو المساعدة في استمراره. وإذا ترافق ذلك مع التزام فعلي من الدول العالم بتنفيذ هذه القرارات بدل الاكتفاء بالتنديد الخطابي، فسيؤدي إلى تحويل ملف الانتهاكات الإسرائيلية إلى قضية دولية ضاغطة تحتاج إلى حلّ شامل وليس مجرد إدارة للأزمات.
المراجع
[*] بدأت المقاطعة في إطار جهد قاده العاهل السعودي فيصل بن عبد العزيز، واستهدفت بدايةً كندا واليابان وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ثم وسّعت الحظر ليشمل البرتغال وروديسيا وجنوب أفريقيا. رُفع الحظر في آذار 1974 بعد أن ارتفع سعر النفط بنحو 300% من 3 إلى 12 دولارًا للبرميل، ما تسبب في أزمة نفط عالمية.
[†] مؤتمر ديربان (2001–2004) هو المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، عُقد أول مرة في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا عام 2001 برعاية الأمم المتحدة، وتبِعته مؤتمرات تقييم لاحقة حتى 2004، وشكّل منصة بارزة لطرح انتقادات واسعة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
[‡] يُعدّ استطلاع غالوب العالمي من أهم أدوات قياس الرأي العام العالمي، إذ يُجرى سنويًا منذ عام 2005 في أكثر من 140 دولة، ويقدّم بيانات مقارنة موثوقة حول المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما يجعله مرجعًا رئيسيًا لصانعي السياسات والباحثين والمؤسسات الدولية. أما مركز بيو للأبحاث Pew Research Center فيعتبر من أبرز مؤسسات استطلاع الرأي والدراسات الاجتماعية في العالم، إذ يوفّر بيانات وتحليلات معمّقة حول الاتجاهات السياسية والدينية والاجتماعية والإعلامية، ويُستند إلى دراساته الواسعة والمنتظمة لفهم الرأي العام العالمي، مما يجعله مرجعًا موثوقًا للباحثين وصنّاع القرار.
[§] حركة "ماغا" (MAGA – Make America Great Again) هي تيار سياسي شعبوي داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، ارتبط أساسًا بدونالد ترامب منذ حملته عام 2016. تركز على القومية الاقتصادية، تقييد الهجرة، رفض النخب والمؤسسات التقليدية، وتعزيز فكرة "أميركا أولًا"، وأثّرت بعمق في الخطاب والسياسات الجمهورية.
[**] مقياس "الصورة الصافية" (Net Favorability) يُستخدم في استطلاعات الرأي لقياس مدى شعبية دولة أو شخصية عامة، ويُحسب بطرح نسبة الآراء السلبية من نسبة الآراء الإيجابية (التأييد الصافي = % المؤيدين − % غير المؤيدين). فعلى سبيل المثال، إذا كانت صورة إسرائيل في ألمانيا -44، فهذا يعني أن الآراء السلبية تفوق الإيجابية بـ 44 نقطة مئوية.
[††] تُحيل أثينا إلى دولة-المدينة اليونانية القديمة التي اشتهرت بالديمقراطية المفتوحة والبحرية القوية والازدهار التجاري والثقافي والفكري، وتُستخدم استعاريًا للدلالة على نموذج الدولة المنفتحة التي تستمد قوتها من الابتكار والاقتصاد والتأثير الثقافي بدل العسكرة. في المقابل، تُحيل إسبارطة إلى دولة-المدينة اليونانية القديمة المعروفة ببنيتها العسكرية الصارمة ومجتمعها المنغلق الذي كرّس موارده للحرب والانضباط الجماعي والاكتفاء الذاتي، مقابل تهميش التجارة والفنون والحريات الفردية، وتُستخدم استعاريًا للدلالة على نموذج الدولة المحصّنة والمعسكرة التي تضع الأمن فوق القانون والاقتصاد.
[‡‡] وبينما أن استخدام هذه العبارة كان يراد منه في السابق إبراز فرادة إسرائيل وعلاقتها الخاصة بالله ووعدها التوراتي وتميّزها عن الأمم الأخرى، فإن الاستخدام الحالي في الخطاب القومي الإسرائيلي بات يدل على فكرة أن الشعب اليهودي مُقدَّر له أن يعيش بمعزل، مستقلًا عن التوقعات والمُعايير الدولية.
[1] Jerusalem Post Staff, “Trump: Israel Is Losing the War of Public Relations, Congressional Support Shrinking,” Jerusalem Post/US Politics, September 1, 2025, updated September 2, 2025. See: https://www.jpost.com/american-politics/article-866019.
[2] Ari B. Weiss, Revolutionary Identities and Competing Legitimacies: Why Pariah States Export Violence (Honors thesis, Southern Illinois University Carbondale, 2012). See: http://opensiuc.lib.siu.edu/uhp_theses/351.
[3] Cassese, Antonio. International Law (Oxford: Oxford University Press, 2005).
[4] Chris Alden, “‘A Pariah in Our Midst’: Regional Organisations and the Problematic of Western-Designated Pariah Regimes — The Cases of SADC/Zimbabwe and ASEAN/Myanmar,” Working Paper No. 73 (Crisis States Working Papers Series No. 2, London School of Economics and Political Science, May 2010). See: https://www.lse.ac.uk/international-development/Assets/Documents/PDFs/csrc-working-papers-phase-two/wp73.2-pariah-in-our-midst.pdf.
[5] Adler-Nissen, Rebecca. “Stigma Management in International Relations: Transgressive Identities, Norms, and Order in International Society.” International Organization 68, no. 1 (2014): 143–76.
[6] Hamilton, James D. "Historical oil shocks." In Routledge handbook of major events in economic history, pp. 239-265. Routledge, 2013.
[7] Levey, Zach. "Israel's exit from Africa, 1973: the road to diplomatic isolation." British Journal of Middle Eastern Studies35, no. 2 (2008): 205-226.
[8] Weiss, Martin A. Arab League Boycott of Israel. Congressional Research Service, 2013.
[9] Peteet, Julie. "Beyond Compare." Middle East Report 253 (2009).
[10] Keethaponcalan, S.I. Reshaping the Non-Aligned Movement: challenges and vision.Bandung J of Global South 3, 4 (2016)
[11] Oxnevad, Ian. "The Company They Keep: Organizational and Economic Dynamics of the BDS Movement." National Association of Scholars (2023).
[12] Shakir, Omar. A threshold crossed: Israeli authorities and the crimes of apartheid and persecution. Human Rights Watch, 2021.
[13] Amnesty International. "Israel’s apartheid against Palestinians: cruel system of domination and crime against humanity." Amnesty International (2022).
[14] United Nations, 2022 UNGA Resolutions on Israel vs. Rest of the World, November 14, 2022. See: https://unwatch.org/2022-2023-unga-resolutions-on-israel-vs-rest-of-the-world/.
[15] Brett Schaefer, “The UN Human Rights Council Is Broken,” Politics, July 26, 2023. See: https://www.gisreportsonline.com/r/human-rights-council/.
[16] Startup Nation Central, Annual Report 2024: The Power of Scale – Israeli Tech Global Edge (14 January 2025). See: https://finder.startupnationcentral.org/reports/2024-annual-report.
[17] OECD (2023), OECD Economic Surveys: Israel 2023, OECD Publishing, Paris
[18] Hallward, Maia. "Mainline Protestants and Divestment as International Economic Activism." In Oxford Research Encyclopedia of Politics. 2019.
[19] انظري: https://www.icj-cij.org/node/203447
[20] Watchlist on Children and Armed Conflict. “UN: New Report Finally Holds the Israeli Forces and Palestinian Armed Groups Accountable for Violations Against Children.” Press release, June 13, 2024. See: https://watchlist.org/wp-content/uploads/2024-annual-report-press-release-final.pdf
[21] انظري: https://news.gallup.com/poll/692948/u.s.-back-israel-military-action-gaza-new-low.aspx
[22] انظري: https://www.pewresearch.org/short-reads/2025/04/08/how-americans-view-israel-and-the-israel-hamas-war-at-the-start-of-trumps-second-term/
[23] انظري: https://news.gallup.com/poll/692948/u.s.-back-israel-military-action-gaza-new-low.aspx
[24] أنظري: https://www.congress.gov/crs-product/R48289
[25] Kanishka Singh and Humeyra Pamuk, “Gaza Protests: U.S. Officials Who Have Quit over Biden’s Support of Israel,” Reuters, July 2, 2024. See: https://www.reuters.com/world/middle-east/us-officials-who-have-resigned-protest-over-bidens-gaza-policy-2024-07-02/
[26] Adam Wren with Dasha Burns, “Playbook: Trump’s Turning Point on Gaza,” Politico, July 29, 2025. See: https://www.politico.com/newsletters/playbook/2025/07/29/trumps-turning-point-on-gaza-00480948
[27] Domenico Montanaro, “The MAGA World Was on the Side of Israel, Now It Is Split over Gaza,” NPR, Morning Edition, August 6, 2025. See: https://www.npr.org/2025/08/06/nx-s1-5492440/the-maga-world-was-on-the-side-of-israel-now-it-is-split-over-gaza
[28] Jake Johnson, “‘Very Bad Sign for Democracy’: AIPAC Has Spent Over $100 Million on 2024 Elections,” Common Dreams, August 28, 2024. See: https://www.commondreams.org/news/aipac-100-million
[29] European Union, AT A GLANCE: Review of the EU–Israel Association Agreement (20 May 2025). See: https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/ATAG/2025/772892/EPRS_ATA(2025)772892_EN.pdf.
[30] The Associated Press, “U.K. Suspends Free Trade Talks with Israel and Announces Sanctions,” NPR, May 21, 2025. See: https://www.npr.org/2025/05/21/nx-s1-5406072/uk-israel-free-trade-sanctions-palestinians-west-bank
[31] Executive Committee of the European Union, “The European Union Will Reexamine Their Association Agreement with Israel: An Important Step Forward Which Must Be Completed,” resolution adopted May 21, 2025
[32] Sarah Marsh, Matthias Williams, and Thomas Escritt, “Germany Shifts Tone on Israel over ‘Incomprehensible’ Gaza Carnage,” Reuters, August 26, 2025. See: https://www.japantimes.co.jp/news/2025/05/27/world/politics/germany-israel-tone-shift/
[33] Kirsti Knolle and Riham Alkousaa, “Germany Halts Arms Exports That Israel Can Use in Gaza,” Reuters, August 8, 2025. See: https://www.reuters.com/world/europe/germany-halts-arms-exports-that-israel-can-use-gaza-2025-08-08/
[34] “Court Orders Dutch Government to Halt the Export of F-35 Parts to Israel: Implications for the War in Gaza and Beyond,” PRIF Blog, March 6, 2024. See: https://blog.prif.org/en/2024/03/06/court-orders-dutch-government-to-halt-the-export-of-f-35-parts-to-israel-implications-for-the-war-in-gaza-and-beyond/
[35] Sondos Asem, “Spain Announces Nine Measures against Israel, Including Arms Embargo: Prime Minister Pedro Sanchez Accuses Israel of Genocide and Says His Country Will Ban Israeli Officials from Entering Spain,” Middle East Eye, September 8, 2025. See: https://www.middleeasteye.net/news/spain-declares-nine-measures-israel-full-arms-embargo
[36] “Map of Countries That Have Stopped Weapons Exports to Israel,” Newsweek, August 8, 2025. See: https://www.newsweek.com/map-countries-weapons-exports-israel-2110947
[37] Gwladys Fouche and Louise Rasmussen, “Norway Wealth Fund Excludes Six Israeli Companies Linked to West Bank, Gaza,” Reuters, August 18, 2025.
[38] Leila Nezirevic, “Norwegian University Cuts All Ties with Israel over Violations of International Law,” Anadolu Agency, June 6, 2024.
[39] The Editorial Board, “The West’s Shameful Silence on Gaza: The US and European Allies Should Do More to Restrain Benjamin Netanyahu,” Financial Times, February 14, 2024. See: https://www.ft.com/content/f5fd6f8d-06a7-4d1f-b842-752e3aca9272
[40] “Israeli Sentiment on the War in Gaza Is Shifting: More and More People Are Outraged by the Conduct of Their Government,” The Economist, July 11, 2024. See: https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2025/08/07/israeli-sentiment-on-the-war-in-gaza-is-shifting
[41] Patrick Kingsley, Ronen Bergman, and Natan Odenheimer, “How Netanyahu Prolonged the War in Gaza to Stay in Power,” The New York Times, July 11, 2025, July 23, 2025. See: https://www.nytimes.com/2025/07/11/magazine/benjamin-netanyahu-gaza-war.html
[42] Thomas L. Friedman, “Israel’s Gaza Campaign Is Making It a Pariah State,” The New York Times, August 25, 2025. See: https://www.nytimes.com/2025/08/25/opinion/international-world/friedman-israel-gaza-hamas.html
[43] Hundreds of Journalists Sign Letter Protesting Coverage of Israel,” The Washington Post, November 9, 2023, accessed September 14, 2025.
[44] Committee to Protect Journalists (CPJ) and Reporters Without Borders (RSF). “Open Letter from Media and Press Freedom Organizations on Gaza Access.” June 5, 2025. See: https://cpj.org/wp-content/uploads/2025/06/Gaza-Sign-on-EN.pdf
[45] Elmasry, Mohamad Hamas. "Images of the Israel-Gaza war on Instagram: A content analysis of Western broadcast news posts." Journalism & Mass Communication Quarterly (2024).
[46] “Pariah State,” Wikipedia, last modified August 27, 2025. See: https://en.wikipedia.org/wiki/Pariah_state
[47] Tarek Cherkaoui, “Framing the Gaza Conflict: Media Bias, Violence, and the Battle of Narratives,” The Political Economy of Communication 11, no. 1 (2024/2025): 85–99.
[48] “Brazilian President Compares Gaza War to the Holocaust,” AP News, February 18, 2024. See: https://www.upi.com/Top_News/World-News/2024/02/18/brazil-lula-compares-palestinian-genocide-to-the-holocaust/5681708272755/
[49] Zev Stub, “Facing 66% Rise in Academic Boycotts, Israeli Universities Gear Up to Fight Back,” The Times of Israel, February 25, 2025. See: https://www.timesofisrael.com/with-66-rise-in-academic-boycotts-israeli-universities-gear-up-to-fight-back/
[50] TOI Staff and Agencies, “Eurovision Organizers Said to Recommend Israel Withdraw or Perform without Flag,” The Times of Israel, September 15, 2025.
[51] Associated Press, “Belgian Festival’s Decision to Cancel a Concert Led by an Israeli Conductor Draws Criticism,” Associated Press, September 14, 2025.
[52] TOI Staff, “Over 4,000 Actors, Filmmakers Sign Pledge to Boycott Israeli Film Industry over Gaza,” The Times of Israel, September 11, 2025.
[53] Paul Glynn, “Film about Gaza Child’s Killing Gets Record Ovation at Venice,” BBC News, September 4, 2025.
[54] Jonathan Lis, “We Are Sparta: Netanyahu Says Israel Is Facing Isolation, Must Shift to Self-reliance,” TheMarker, September 15, 2025.
[55] Sam Sokol and TOI Staff, “Left-Wing Politician Dropped from World Jewish Congress Confab,” The Times of Israel, May 20, 2025. See: https://www.timesofisrael.com/outrage-as-opposition-party-leader-golan-says-israel-killing-babies-as-a-hobby-in-gaza/
[56] “Israel Becomes Pariah on Global Stage, Former PM Says,” TASS Russian News Agency, August 4, 2025. See: https://tass.com/world/1997849
[57] Amir Ben-David, Do’ar HaYom: A Daily Popular Newsletter with Amir Ben-David, newsletter, September 14, 2025. See: https://www.zman.co.il/newsletter/2025-09-14/ .
[58] Bart Schut, “Germany’s Rising Far-Right AfD Is Split over Israel. Jews Call Party ‘a Danger’ Either Way,” The Times of Israel, February 23, 2025. See: https://www.timesofisrael.com/germanys-rising-far-right-afd-is-split-over-israel-jews-call-party-a-danger-either-way/
[59] European Parliament, Political Groups of the EPP, S&D, Renew Europe, Greens/EFA, and The Left, “Statement by EPP, S&D, Renew Europe, Greens/EFA and The Left on the Situation in the Gaza Strip,” May 10, 2025 https://www.socialistsanddemocrats.eu/newsroom/statement-epp-sd-renew-europe-greensefa-and-left-situation-gaza-strip
[60] The Unit for Political Studies, Transformations in European Attitudes toward the Genocidal War on Gaza (Doha: Arab Center for Research and Policy Studies, June 4, 2025), accessed September 9, 2025. See: https://arabcenterdc.org/resource/transformations-in-european-attitudes-toward-the-genocidal-war-on-gaza/
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, انقلاب, حق العودة, باراك, الحزب الليبرالي, رئيس الحكومة