تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أمران اثنان كانا أول ما تبادر إلى أذهان الإسرائيليين في أعقاب عملية إطلاق النار في مركز "سارونا" التجاري في وسط تل أبيب، مساء يوم الأربعاء الماضي، والتي أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين.

الأمر الأول، هو التأكيد أن الهبة الشعبية الفلسطينية لم تنته، وأن تقييمات أجهزة الأمن الإسرائيلية، في الأسابيع الأخيرة، بأن الهبة في حالة أفول كانت سابقة لأوانها.

الأمر الثاني يتعلق بوزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، أفيغدور ليبرمان. فقد طرحت تساؤلات من قبيل: كيف سيتعامل مع هذه العملية، ماذا سيقول، هل سيستمع إلى نصائح المستوى المهني في وزارته، أي إلى المستشارين وقيادة الجيش، أم أنه سينفلت بتصريحات تحريضية وعنصرية، كالتي اعتادها الإسرائيليون منه في السنوات الماضية؟.

وبدا ليبرمان، في الساعات والأيام القليلة التي تلت العملية، "رسميا" في تصريحاته، بحسب المقاييس الإسرائيلية. فقد تجول غداة العملية في مركز "سارونا"، وأطلق تصريحا مقتضبا قال فيه إنه "لا نية لي بالاكتفاء بالأقوال فقط"، مضيفا أنه "لا أنوي إعطاء تفاصيل بشأن الخطوات التي نعتزم تنفيذها".

وتجاوزه وزراء آخرون مطلقين تصريحات منفلتة واستفزازية، مثل وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال إن عملية إطلاق النار "تستوجب ردا غير مألوف وشديد ومؤلم"، وأن بلدة يطا "يجب أن تحصل على علاج جذري مانع بحيث يتذكره التاريخ لسنوات طويلة. ومن يمنح مأوى للإرهاب هو جزء من الإرهاب".

وقرر المستوى السياسي الإسرائيلي رفع الإغلاق المفروض على الضفة الغربية عند منتصف الليلة الفائتة، وتخفيف الطوق المفروض على بلدة يطا، بحيث يسمح بالدخول والخروج من البلدة بعد إخضاع المواطنين للتفتيش، ولا يسمح للشبان في سن 15 – 24 عاما بالخروج من البلدة أو الدخول إليها.

وقبل ذلك ترددت أنباء أمس، الأحد، مفادها أن ليبرمان قد يقرر تمديد الإغلاق الشامل المفروض على الضفة الغربية، منذ منتصف ليلة الخميس – الجمعة ويفترض أن ينتهي عند منتصف الليلة الفائتة، ليوم إضافي، بحيث ينتهي عند منتصف الليلة المقبلة.

وذكر موقع "واللا" الالكتروني أن ليبرمان سيتخذ قرارا بهذا الخصوص في ختام مداولات وبناء على توصيات مستشاريه والجيش والشاباك، علما أن فرض الإغلاق على الضفة جاء في إطار سياسة الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق الضفة في الأعياد اليهودية، وهذه المرة بمناسبة حلول عيد "شفوعوت" (عيد "البواكير" أو عيد "نزول التوراة").

ووفقا للموقع الالكتروني، فإن المسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي "لا يتجاهلون الصمت النسبي من جانب قيادة السلطة الفلسطينية وحماس في وسائل الإعلام الفلسطينية، وذلك على الرغم من النشاط العسكري الإسرائيلي الواسع في المناطق".

وأضاف موقع "واللا" أن "هذا الصمت يُنسب إلى الارتداع والتخوف من ليبرمان، الذي لم يصرح بتوسع عن سياسته".

وفي هذه الأثناء، يواصل الجيش الإسرائيلي محاصرة بلدة يطا، التي جاء منها منفذا عملية تل أبيب، محمد وخالد مخامرة. وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) قرر خلال اجتماعه، يوم الخميس الماضي، سحب أكثر من 200 تصريح عمل بحوزة عمال من حمولة مخامرة، وسحب حوالي 83 ألف تصريح دخول لإسرائيل من الفلسطينيين من أنحاء الضفة.

وأشار المحلل الأمني في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، إلى أن ليبرمان وافق على موقف الشاباك والجيش الإسرائيلي بأنه "لا ينبغي تغيير السياسة التي تسمح لأكثر من 100 ألف فلسطيني بالعمل في إسرائيل والمستوطنات وإعالة عائلاتهم".

وأضاف ميلمان أن "هذه سياسة تقول إنه يجب عزل منفذي الإرهاب عن مجمل السكان الفلسطينيين، من خلال السماح لهم بالاستمرار في حياتهم كالمعتاد. ولهذا السبب امتنعت إسرائيل دائما عن فرض إغلاقات وأطواق على مناطق واسعة، مثلما كانت تفعل في الانتفاضتين الأولى والثانية... ويحرك هذه السياسة التخوف من أن العقاب الجماعي سيؤدي إلى اليأس والإحباط وسيوسع دائرة أولئك الذين سينضمون إلى الإرهاب وينفذون عمليات".

إلا أن ميلمان رأى أنه "طالما أن الحكومة لا تنفذ خطوة سياسية أو لفتة تسمح بتغيير الأجواء، فإن كل ما يتبقى لجهاز الأمن هو مواجهة موجة الإرهاب، على الرغم من استمرار التعاون والتنسيق الأمني مع السلطة".

ليبرمان تحت المجهر

خلال اليومين اللذين قضاهما نتنياهو في موسكو، الأسبوع الماضي، ترددت في إسرائيل أصداء شبهات فساد ضده، وحتى أنها احتلت العناوين الرئيسية، وهذه الشبهات تتعلق بقضية الملياردير اليهودي الفرنسي، أرنو ميمران، الذي شهد أمام المحكمة أنه تبرع لحملة نتنياهو الانتخابية بمبلغ كبير نسبيا، 170 ألف يورو، لكن نتنياهو لم يقدم تقريرا حول هذا التبرع السخي إلى السلطات ذات العلاقة.

وأشار محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، يوم الجمعة الماضي، إلى أن نتنياهو ربما وجد عزاء في عملية تل أبيب.

وكتب فيرتر أنه "بصورة طبيعية، عندما يعود ’الأمن’ إلى مقدمة المسرح، وحتى إذا كانت عودته مرصوفة بدماء مواطنات ومواطنين أبرياء، يعود نتنياهو إلى طبيعته. وهذا تناقض معروف: عندما يتم قمع الإرهاب، يتفاخر باجتثاثه. وعندما يكون هناك إرهاب، يطرح نفسه كأنه الوحيد القادر على معالجته. والجمهور العريض يقتنع بذلك".

واعتبر هذا المحلل أن من حظ نتنياهو أن عملية تل أبيب وقعت بعد دخول أفيغدور ليبرمان إلى منصبه كوزير للدفاع. و"لا شك في أن نتنياهو شعر براحة كبيرة. ومن المؤكد أنه تخيل ماذا كان ليبرمان سيقول وماذا كان سيكتب في صفحته على فيسبوك لو أنه كان لا يزال في المعارضة. أي مطر من التهجمات كان سيُسقط على رئيس الحكومة، وكيف كان سيسخر من السياسة المتهادنة والمترددة التي يقودها نتنياهو ويعالون، وكان سيطالبهما بحماسة أن يستقيلا على خلفية انتشار الفلسطينيين الذين لا يحملون تصاريح دخول إلى إسرائيل في شوارعنا. (لكن) عندما يتواجد ليبرمان داخل الخيمة (أي الحكومة)، فإنه عمليا لا توجد معارضة" لأن رئيس المعارضة، إسحاق هيرتسوغ، "منشغل في شق طريقه إلى داخل الحكومة".

ورأى المحللون العسكريون أن أداء ليبرمان في أعقاب عملية تل أبيب يتلاءم مع التوقعات منه حتى الآن، وأن هذا أداء يحكمه منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، وأنه "أداء منضبط".

ورأى المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن "ليبرمان يدرك الآن أنهم يتابعون أداءه تحت المجهر، ويتوقعون أن يحرق النادي. وفي الوقت نفسه، يدققون في حجم وزنه في القيادة الأمنية، وكيف يقف أمام رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي وهيئة الأركان العامة".

واعتبر فيشمان أن ليبرمان "لا يزال حريصا على عزل نفسه عنهم، يظهر ببذلة وربطة عنق، ليقول إنه لا يعتزم التنكر بزي رجل عسكري، وإنه مدني يشرف على الجيش".

وأضاف فيشمان أنه إذا أراد ليبرمان السير على أرض صلبة، خلال الأشهر الأولى لولايته على الأقل، "عليه أن يلتزم (بخبرة) المهنيين، في الجيش والاستخبارات، وبالحقائق والمصالح الباردة، وأن يضع العواطف جانبا".

وحول العقاب الجماعي على الفلسطينيين في الضفة بتجميد 83 ألف تصريح دخول إلى إسرائيل، كتب فيشمان أن "هذه بطاقة مساومة" تدل على طبيعة الاحتلال الإسرائيلي. "التسهيلات هي مسألة تتغير مع الظروف: نحن نمنح تسهيلات لكي يكون هناك شيء يمكننا أن نأخذه".

من جانبه أشار المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن التقديرات لدى الجيش الإسرائيلي والشاباك هي أنه "تتشكل في الضفة خلايا أخرى، ستنفذ عمليات مشابهة لتلك التي وقعت في سارونا".

وأضاف هرئيل أن "ليبرمان سيكتشف أن ترسانة الخطوات التي بحوزته في الظروف السياسية الراهنة، وفيما لا تريد إسرائيل كسر العلاقة مع السلطة، محدودة للغاية".

جيل جديد في السجون

غير أن هرئيل لفت، يوم الجمعة الماضي، إلى جانب آخر يتعلق بالهبة الفلسطينية الحالية، يرتبط بالتوازن الداخلي بين الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وبحسب هذا المحلل يبلغ عدد الأسرى اليوم حوالي 6500 أسير، ينتمي نصفهم إلى حركة فتح، وينتمي الباقون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وهناك مواطنون عرب في إسرائيل أدينوا بتهم أمنية، ولا ينتمون إلى أي فصيل فلسطيني، إضافة إلى أسرى فلسطينيين بدون انتماء تنظيمي.

وأشار هرئيل إلى أن المجموعة الأخيرة تزايدت بشكل كبير في أعقاب حملات الاعتقال التي نفذها الجيش الإسرائيلي منذ اندلاع الهبة الحالية.

وأضاف أنه يوجد في السجون الإسرائيلية 460 أسيرا قاصرا، و40 امرأة فلسطينية وحوالي 400 أسير فوق سن 18 عاما، وجميع هؤلاء من دون انتماءات تنظيمية. وثلثا الأسرى فوق سن 18 عاما من الضفة والثلث من القدس الشرقية.

ووفقا لهرئيل، فإن سلطة السجون الإسرائيلية اعتمدت سياسة منذ سنوات، تقضي بالفصل بين أسرى التنظيمات الإسلامية وأسرى التنظيمات الأخرى، ويقبع الأسرى الذين اعتقلوا في الأشهر الأخيرة إلى جانب أسرى فتح.

ونقل هرئيل عن مصادر في جهاز مخابرات السجون قولهم إن هذه الخطوة تسببت باستياء لدى قادة أسرى حماس، بادعاء أنهم أرادوا تجنيد الأسرى الجدد، الذين لا يتوقع أن يقضوا فترة طويلة في السجن، إلى صفوف حماس والانخراط في نشاط الحركة بعد الإفراج عنهم وعودتهم إلى الضفة.

وبحسب هرئيل، فإن هناك نزاعات وصراع قوى بين أسرى فتح، وهذه الصراعات تمزق قيادة الحركة خارج السجون. كذلك فإن معظم أسرى فتح هم قدامى ويكادون لا يمارسون نشاطا مناهضا للاحتلال الإسرائيلي.

وأضاف هرئيل أن الانطباع السائد لدى سلطة السجون الإسرائيلية هو أن الخلفية الأيديولوجية للأسرى الجدد، الذين اعتقلوا منذ اندلاع الهبة الحالية، ضعيفة. ويوضح الأسرى الذين اعتقلوا أثناء تنفيذهم عمليات أنهم اتخذوا قرارهم بسرعة وقبل التنفيذ بوقت قصير جدا، كما أن معرفتهم بتاريخ الصراع وبالإسرائيليين ضئيلة للغاية.

لكن في الوقت نفسه، لا يسارع الأسرى الجدد، وغالبيتهم شبان صغار، إلى قبول سلطة الأسرى القدامى.

وقال مصدر في مخابرات السجون الإسرائيلية إن "هذا جيل وقح ومُتحَدٍ. فهم لا يكترثون بما يقوله الكبار. لا يأبهون بهم ويقولون رأيهم للكبار في وجههم: ’لسنا جزءا من ألاعيبكم’. وهذا التوجه يقود إلى مواجهات كثيرة عندما يصل الأسرى الجدد إلى السجن".

وأضاف المصدر أن "كونهم غير منظمين، ورفضهم للحركات الكبرى مثل حماس وفتح، يستمران في السجن. لكن في هذه الأثناء هم ليسوا مركزيين ولا يقودون أية خطوة".