تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تحليلات إسرائيلية: في حال التوصل إلى اتفاق سيكون ذلك بمثابة حدث تاريخي مؤسس سيؤثر من الآن فصاعدا على أداء كل واحدة من الدول في الشرق الأوسط

 هاجم رئيس حكومة إسرائيل المنتخب لولاية ثالثة على التوالي، بنيامين نتنياهو، مجرد احتمال التوصل إلى اتفاق بين الدول الكبرى (5 + 1) وإيران، خلال المفاوضات الجارية بصورة مكثفة في مدينة لوزان السويسرية في الأيام الأخيرة، واعتبر أن إبرام اتفاق كهذا هو بمثابة منح جائزة لـ"العدوانية" الإيرانية، بينما وصف إسرائيل بأنها في مقدمة الدول "المعتدلة والمسؤولة"!

 

وقال نتنياهو، وفقا لبيان صادر عن مكتبه أمس الاثنين، إن "الاتفاق الآخذ بالتبلور في لوزان يوجه رسالة مفادها أن من يمارس العدوان لا يدفع أي ثمن عليه،  بل بالعكس إيران تتلقى المكافأة مقابل عدوانها".

واعتبر أن "الدول المعتدلة والمسؤولة في المنطقة وفي مقدمتها إسرائيل والعديد من الدول الأخرى، ستكون في مقدمة المتضررين من هذا الاتفاق"، وأن "لا يمكن تفهم كيف أنه عندما تواصل قوات مدعومة من قبل إيران احتلال المزيد من الأراضي في اليمن، تتغاضى الدول العظمى في لوزان عن هذا العدوان. لكن نحن لا نتغاضى وسنواصل التصدي لأي تهديد".

وكان نتنياهو قد افتتح اجتماع حكومته الانتقالية، أول من أمس الأحد، بالقول إنه التقى عضوين في مجلس الشيوخ الأميركي، و"أعربت في محادثاتي معهما عن قلقنا العميق إزاء التسوية المرتقبة مع إيران في إطار المحادثات حول ملفها النووي. وهذا الاتفاق، مثلما تبدو الأمور حاليا، يؤكد جميع مخاوفنا وحتى أكثر من ذلك".

وأضاف أنه "في موازاة الاتصالات التي تجري من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق الخطير، يحتل وكلاء إيران في اليمن (يقصد الحوثيين) أجزاء كبيرة من هذه الدولة ويحاولون الاستيلاء على مضيق باب المندب الاستراتيجي، مما يغير توازن الملاحة وإمدادات النفط العالمية".

وتابع نتنياهو أنه "بعد المحور الذي ربط بين بيروت ودمشق وبغداد، تقوم إيران بعملية كماشة أيضا في الجنوب من أجل الاستيلاء على الشرق الأوسط كله واحتلاله. إن المحور الذي يربط بين إيران ولوزان واليمن يشكل خطرا كبيرا على البشرية ويجب التصدي له وإيقافه".

كذلك اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، أن الاتفاق الآخذ بالتبلور في لوزان هو اتفاق "سيء جدا"، والتوقيع عليه سيشكل "مأساة" للغرب وللدول المعتدلة في الشرق الأوسط.

 

"مسيرة الأغبياء"

 

أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن أي اتفاق مع إيران لا يوقف برنامجها النووي برمته سيكون اتفاقا سيئا، خاصة في حال رفع العقوبات المفروضة عليها.

وأشار الصحافي والسفير الإسرائيلي السابق في موريتانيا، بوعز بيسموت، في صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم)، أمس، إلى أن المفاوضات الحالية شبيهة إلى حد كبير بتلك التي جرت عشية توقيع الاتفاق الأولي بين الدول الكبرى وإيران بعد "أيام من التوتر" و"مشاورات دراماتيكية في اللحظة الأخيرة"، ولذلك فإن ثمة احتمالا كبيرا بأن يوقع الاتفاق في جنيف، اليوم.

وأضاف بيسموت أن هذا الاتفاق، في حال توقيعه "سيشكل العمود الفقري للاتفاق الدائم الذي سيوقع في 30 حزيران المقبل وسيحظى بسهولة بلقب ’مسيرة الأغبياء’". ويقصد الكاتب بـ"الأغبياء" الدول الكبرى، التي لا ترى، برأيه، استغلال إيران لأية ثغرة من أجل التوسع، وأن "الإيرانيين، الذين بمفهومهم هم استمرار للثورة الإسلامية، يواجهون صعوبة في تصديق إلى أي درجة العالم أعمى من شدة غبائه، أو حتى أسوأ من ذلك: يفعل ما يفعله طواعية".

واعتبر بيسموت أن "أكثر ما هو رهيب في هذه القصة هو أنه يتوقع أن يعيد العالم إيران إلى عائلة الشعوب، وإزالة العقوبات التي تحققت بجهد بالغ عنها والسماح لها بالحفاظ على قدرة نووية خطيرة ولا حاجة لها، فقط لأن العالم لا يكترث بنتائج وانعكاسات ذلك. دعوا زعماء الغرب يرفعون شارة النصر ويعودون إلى عواصمهم. وإسرائيل والدول السنية ستضطر إلى التنظيف خلفهم... ربما قرروا في البيت الأبيض أنه لا ينبغي وقف هذا الاتفاق".

وأضاف بيسموت أن البديل للاتفاق المتبلور في لوزان هو أنه "تعين على المفاوضات منح إيران الحد الأدنى. وبدلا من ذلك حصلت على مكانة دولة عظمى تكاد تكون مطابقة للدول التي تتفاوض معها. أنظروا إلى إيران في العام 2003، وانظروا إليها اليوم، وهذا بعد ثماني جولات من العقوبات في مجلس الأمن الدولي ومراقبة اللجنة الدولية للطاقة الذرية. وتخيلوا كيف ستبدو بعد إزالة كل هذا عنها".

وحول الاتفاق المحتمل نفسه، كتب بيسموت "دعونا نضع أنفسنا، نحن دولة اليهود، جانبا للحظة. أولا، الاتفاق يضمن لآيات الله سنوات طويلة في الحكم بدلا من إلقائهم في سلة نفايات التاريخ، مثلما كان بالإمكان فعله في العام 2009، وإن لم يكن ذلك من أجل أحد فمن أجل أبناء شعبهم. لكن في العام 2009 كان الغرب في حالة طيار أوتوماتيكي وتمت برمجته لتحقيق أمر واحد: اتفاق".

وتابع أنه "واضح أن هذا الاتفاق سيقود إيران لأن تصبح دولة عظمى إقليمية خطيرة وقبل أن يصل أولادنا إلى المدرسة الثانوية ستُرفع الرقابة عنها. كيف يمكن أن أحدا لم يفكر بأنه طالما يحكم نظام كهذا، يجب أن تكون دائما مراقبة إذا كانوا سيذهبون نحو اتفاق سيء كهذا؟".

 

"تراث دمار" أميركي

 اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أول من أمس، أنه "يتوقع أن تحصل إيران على اعتراف دولي بمكانتها كدولة عتبة نووية. وهذا حدث تاريخي مؤسس سيؤثر من الآن فصاعدا على أداء كل واحدة من الدول في الشرق الأوسط".

وأردف فيشمان أن "ثمة شكا في ما إذا كان سيتذكر أحد باراك أوباما أو جون كيري اللذين قادا هذه العملية، لكن تراث الدمار الذي أبقياه وراءهما في كل ركن لمساه في الشرق الأوسط سيرافقنا لسنوات طويلة".

واعتبر فيشمان أنه "ليس مستغربا أن وزير الدفاع، موشيه يعلون، ورئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، أصدرا تعليمات لجهاز الأمن والجيش الإسرائيلي بالاستعداد لوضع تدخل فيه إيران رسميا إلى حيز يسمح لها بأن تكون دولة عتبة نووية، متحررة من معظم قيود العقوبات. ويعني ذلك أن إيران، بعد إزالة كافة الممنوعات عنها بالتدريج، ستستمر من دون عائق في نشاطها التآمري في الشرق الأوسط".

ولفت المحلل إلى أن لتوقيع اتفاق بين إيران والدول الكبرى انعكاسا على ميزانية الأمن الإسرائيلية وعلى خطة العمل المتعددة السنوات للجيش الإسرائيلي، "وبكلمات أخرى، الجيش وأجهزة الاستخبارات سيركزون القدرات الاستخباراتية والعسكرية استعدادا لإمكانية اتخاذ قرار بوقف هذا التهديد في أي نقطة زمنية" في إشارة إلى هجوم إسرائيلي في إيران.

واعتبر فيشمان أن اتفاقا محتملا كهذا يشكل "فشلا إستراتيجيا" لإدارة أوباما، "إذ أنه الآن بالذات تتصارع في اليمن قوى مؤيدة لأميركا، السعودية ومصر والأردن ودول الخليج، وبمساعدة أميركية، ضد قوى شيعية تعمل تحت رعاية السلاح الإيراني نفسه وبالتنسيق مع طهران".

ووصف فيشمان السياسة الأميركية في هذا السياق بأنها "منزوعة عن الواقع"، وأن أداء الولايات المتحدة "متناقض"، معتبرا أن "من يمنع اليوم نشر السلاح الإيراني بين المتمردين في اليمن هم ليسوا الأميركيين أو الأوروبيين، وإنما أسلحة الجو في إمارات الخليج التي أغلقت مسارات الطيران بين اليمن وإيران".

وأضاف فيشمان أن الأميركيين "استسلموا في عدة جبهات خلال المفاوضات مع إيران"، بأن سمحوا لإيران بإجراء أبحاث نووية وتطويرها، وبأن الإيرانيين يمتنعون عن كشف معلومات حول حجم التطوير النووي العسكري لديهم، وبتخفيف العقوبات، وعدم ذكر الاتفاق لتطوير الصواريخ الإيرانية العابرة للقارات.

وخلص فيشمان إلى أن الاتفاق سياسي وهو "اتفاق سيء"، وسيسمح بالهدوء حتى نهاية ولاية أوباما، "لكنه يبقي سحابة نووية في سماء الشرق الأوسط لسنوات طويلة أخرى".

وتجاهل فيشمان، كالمعتاد، الترسانة النووية الإسرائيلية، التي تمكن إسرائيل من التلويح بها بين الحين والآخر لمنع تحرك مناهض لسياستها الاستعمارية.

 

إسرائيل لن تهاجم إيران في الظروف الحالية

 

رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، أمس، أنه ما زال من السابق لأوانه وضع تقديرات مؤكدة حول ما إذا كان سيتم التوقيع على "اتفاق المبادئ" بين الدول الكبرى وإيران وما سيتضمنه هذا الاتفاق بالضبط.

وأشار إلى أن الأيام الأخيرة قبل انتهاء الموعد المحدد لتوقيع الاتفاق، اليوم، هي "المرحلة التي تعمل فيها ماكينة الخدع الإعلامية للمفاوضين ساعات إضافية، بهدف محاولة التأثير على الصيغة النهائية للاتفاق. ورغم أن كلا الجانبين يعبران عن رغبة ظاهرة بالوصول إلى اتفاق وعن تفاؤل معين حيال إمكان تحقيقه، إلا أنه لا تزال هناك إمكانية لانعطاف في اللحظة الأخيرة".

وأوضح هارئيل أن "الدور الإسرائيلي في هذه الدراما، والتي لم تحدث فيها بعد تطورات مثيرة، يتلخص بطقطقة كلامية وتوبيخ من المدرج. ومن خلال صدامه الضوضائي مع إدارة أوباما، الذي وصل أوجه في خطابه في الكونغرس في بداية الشهر الحالي، وضع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه في مكانة الذين لا أحد مستعد للاستماع له بجدية. فقد أهدر نتنياهو فرصة التأثير مباشرة على طبيعة الاتفاق عن طريق الرئيس أوباما، الذي ثمة شك في ما إذا كان مستعدا لقبول ادعاءات نتنياهو منذ البداية".

وأضاف هارئيل أنه في الوضع الحاصل، بقيت بيدي نتنياهو بطاقتان: "التحذير علنا من دمار، وممارسة ضغوط سياسية غير مباشرة بواسطة الجمهوريين في الكونغرس". ولفت إلى أنه "من الناحية الفعلية، يعترف مسؤولون إسرائيليون بأنه في الظروف الناشئة، كانوا سيعارضون أي اتفاق مطروح مع إيران، من دون علاقة مع تفاصيل مضمونه".

وأشار هارئيل إلى أنه توجد أسباب موضوعية للقلق الإسرائيلي من الاتفاق الآخذ بالتبلور مع إيران، "لكن كالمعتاد، ينبغي التعامل مع هذه التحذيرات بصورة تناسبية. ومثال جيد على ذلك، من مجال آخر، هو تراجع نتنياهو، يوم الجمعة الماضي، عن تجميد تحويل أموال الضرائب الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية. فجأة، بعد ثلاثة شهور من مطالبات قادة جهاز الأمن، تذكر رئيس الحكومة أن الوضع الأمني يستوجب إلغاء التجميد. ولم يكن هناك أي ذكر في بيانه أنه أرجأ التغيير في موقفه إلى ما بعد انتخابات الكنيست، خشية انتقادات من أحزاب اليمين، وأن هذا جاء على خلفية الرغبة في الامتناع عن مواجهة أخرى مع الإدارة الأميركية".

وأردف المحلل أنه "بالقدر نفسه، ثمة مكان لإبداء تشكيك صحي حيال سيناريوهات الرعب التي تنثرها إسرائيل حاليا حيال الاتفاق النووي. وتدل تجربة الماضي أكثر من مرة، على أن تصريحات الوزراء لا تطابق بالضرورة مواقف الأشخاص المهنيين".

رغم ذلك، عدد هارئيل المخاطر النابعة من اتفاق محتمل مع إيران، من وجهة النظر الإسرائيلية:

الخطر الأول يتعلق بالقدرات التي ستبقى بيدي إيران، وخاصة المدة الزمنية التي سيكون بإمكانها خلالها أن تنطلق قدما، من اتخاذ قرار بخرق الاتفاق وحتى تكون بحوزتها كمية كافية من اليورانيوم المخصب بمستوى عال لصنع قنبلة نووية واحدة. ويتحدث المفاوضون الأميركيون في هذا السياق عن تمديد هذه المدة من عدة شهور في الماضي، إلى سنة كاملة بموجب الاتفاق الآخذ بالتبلور.

الخطر الثاني، من وجهة النظر الإسرائيلية، يتعلق بوتيرة إزالة العقوبات وتناسبية ذلك مع المدة المتبقية لفترة سريان الاتفاق. وإسرائيل تريد، وفقا لهارئيل، أن تتم إزالة الحصار الاقتصادي عن إيران بصورة تدريجية وبوتيرة بطيئة قدر الإمكان وأن تسري القيود على البرنامج النووي الإيراني لفترة طويلة.

الخطر الثالث، بالنسبة لإسرائيل، يتعلق بـ"تجاهل" الدول العظمى لممارسات إيران الحالية في المنطقة.

وأضاف هارئيل أنه "ليس فقط أن كل هذه الأمور لم تُذكر أبدا في مفاوضات لوزان، وإنما في إطار السياسة المليئة بالتناقضات التي تديرها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تتعاون مع إيران في محاربة داعش في سورية والعراق، فيما هي تساعد استخباراتيا في الغارات الجوية للدول السنية ضد المتمردين في اليمن".

واستبعد هارئيل شن هجوم عسكري إسرائيلي منفرد ضد إيران.

وكتب أن "هناك خطوة إسرائيلية واحدة في أعقاب الاتفاق المتوقع ليست واردة في هذه الأثناء. فهجوم جوي مستقل ضد المنشآت النووية يبدو غير معقول أبدا في الظروف التي ستتوحد فيها الدول العظمى في تأييدها للاتفاق. وفي واقع كهذا ستستمر إسرائيل في التحذير من المخاطر، وستعزز جهود جمع المعلومات الاستخباراتية بالأساس، من أجل أن تتأكد من أن إيران لا تلتف على الاتفاق، ومن أجل أن تكون أول من يرصد ما إذا كانت إيران تريد أصلا القيام بذلك".