تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

عمرام متسناع، جنرال (احتياط) في الجيش الإسرائيلي، ومن القياديين البارزين في حزب العمل. قضى معظم فترة خدمته العسكرية في سلاح المدرعات وحصل على وسام البطولة من قائد الأركان في حرب تشرين (أكتوبر) 1973.

من مواليد سنة 1945 في كيبوتس "دوفرات" في الجليل. تعلم في مدرسة داخلية عسكرية، وقد كتبت "هآرتس" (الأربعاء 14 آب 2002) أنه كاد يفصل من الدراسة بعد الإمساك به يقود سيارة كوماند كار عسكرية بدون رخصة سياقة.

شارك متسناع في أربع حروب، وخلال خدمته العسكرية جُرِحَ مرتين: في حرب الأيام الستة (جُرِحَ أثناء خدمته في سلاح المدرعات)، وفي حرب 73 (أُصيبَ مجدداً أثناء القتال، وفقد صابونة رجله)، وشارك في حربي الإستنزاف ولبنان.

تدّرَجَ في سلّم الوظائف العسكرية وأصبح قائداً لكلية الضباط العسكرية، وأشرف على عملية إخلاء مستوطنة "يميت" في سيناء، بموجب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل من العام 1979.

في حرب لبنان كان رئيس قيادة التجنيد، وبعد انتهاء المعارك الكبيرة طالب، في إجتماع للضباط في أيلول 1982 بإستقالة وزير الدفاع في تلك الحرب أريئيل شارون، معلناً أنه سيستقيل من الخدمة إذا لم يحدث ذلك. لكنه لم ينفذ تهديده وبقي بالزي العسكري، بعد تدخل رئيس الأركان العسكرية في حينه، رفائيل إيتان، لِيُعَّيَن بعد عدة شهور رئيساً لشعبة العمليات في الجيش. في يناير 1986 رُفِّع إلى رتبة جنرال، كمساعد لرئيس المخابرات العسكرية، وفي أيار 1987 عُيِّنَ قائداً للمنطقة العسكرية الوسطى.

خلال هذه الفترة إندلعت الإنتفاضة الفلسطينية، ليتولى مهمة محاربتها، ما عرُّضه لإنتقادات شديدة من كل الجهات: من المستوطنين، الذين احتجوا على توجهاته الليبرالية" في التصدي للفلسطينيين، ومن أوساط اليسار الإسرائيلي، التي احتجت أكثر من مرة على سياسة "القبضة الحديدية" التي لجأ إليها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتنازلاته المبالغ بها للمستوطنين.

بعد سنتين في هذا المنصب، خرج في إجازة تعليمية عُيِّنَ في ختامها رئيساً لشعبة التخطيط في قيادة الأركان.

في سنة 1993 وبعد أن يَئِسَ من إحتمالاته في الترشيح على منصب رئيس هيئة الأركان العسكرية العامة، سُّرِحَ من الجيش في سن الثامنة والأربعين وأنتخب في إنتخابات داخلية مفتوحة مرشحاً عن حزب العمل لرئاسة بلدية حيفا، متغلباً على رئيس البلدية آنذاك أرييه غورئيل. في نوفمبر من ذلك العام أنتخب لرئاسة البلدية بأغلبية كبيرة، وفي تشرين الثاني 1998 أنتخب لفترة رئاسية ثانية. خلال هاتين الدورتين الرئاسيتين شكَّلَ متسناع إئتلافاً واسعاً بمشاركة "الليكود"، الأمر الذي سهّل مهماته البلدية.

يحمل متسناع درجة الماجستير في العلوم السياسية، وهو متزوج من عليزه، المعلمة في إحدى مدارس المدينة، وأب لبنت وولدين.

الإنتصار على الرمز:

منذ تسريحه من الجيش تردد اسم متسناع أكثر من مرة كمرشح لمناصب رسمية خارج الإطار البلدي. وهو يبلغ اليوم من العمر 57 عاماً، وفي تشرين الثاني 2003 يكون قد استكمل الفترة الرئاسية الثانية في بلدية حيفا، بعد أن "هبط" إلى هذا المنصب بدعم كامل من رئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين.

كانت نقطة التحول لدى متسناع سنة 1989، بقراره السفر إلى الدراسة العسكرية في الولايات المتحدة، خلافاً لرغبة وزير الدفاع في الإنتفاضة الأولى اسحاق رابين، الذي أراد إبقاءه في جبهة الإنتفاضة، وخلافاً لرغبات المقربين إليه، الذين اعتقدوا إن إصراره على إنهاء عمله في قيادة المنطقة الوسطى سيعود بضرر غير قابل للإصلاح على سيرته العسكرية، فالجهاز سينتقم منه وسيحذف اسمه من لائحة المتنافسين على منصب نائب رئيس الأركان، وبطبيعةالحال – عل منصب الرئيس.

في نهاية دراسته الأمريكية، عاد متسناع ليصبح رئيساً لشعبة التخطيط كما ورد سابقاً. بدت هذه الخطوة لأوساط صحفية وسياسية إسرائيلية مطلعة محطة مهمة في الإنتقال من ساحة القتال إلى الحياة العامة والسياسة. وبرأي الصحافي الإسرائيلي المعروف ناحوم برنياع (في مقال له في "يديعوت أحرونوت" من 21 آب 1989) فإن قراره مغادرة الجيش والسفر إلى أميركا سيؤثر بصورة أكبر بكثير من رسالة الإستقالة التي طيرها في أيلول 1982 احتجاجاً على سلوك وزير الدفاع شارون في حرب لبنان. في تلك الفترة اختلف مع شارون لكنه حظي بدعم قائد الأركان إيتان، وبتأييد صامت من الضباط الكبار في الجيش، ناهيك عن الجهاز السياسي. بفضل هذا الدعم لم يتمكن شارون من قطع الطريق عليه أمام رتبه الجنرال.

لكن متسناع بقراره السفر أغضب الجميع. فقد وضع الإسرائيليون علىأكتافه أعباء من التوقعات لم يكن قادراً على حملها، ونشأت حوله هالة اليساري، والمتردد، والمتصلب برأيه، والمتشدد. أصبح الشخص رمزاً، وفر للجميع إجابات مريحة على أسئلة صعبة كثيرة، ومخيفة، شهدتها السنتان الأخيرتان من خدمته العسكرية. وفي ذلك يكتب ناحوم برنياع: "يعكس قراره ترك قيادة المركز والسفر انتصاراً للشخص على الرمز: كفى! من الآن فصاعداً لن يكون لديكم عمرام متسناع مشجباً تعلقون الإنتفاضة عليه"!

"استمد حصانته الأخلاقية من البيت"

مرة سُئِلَ متسناع عن سبب تسمية "عمرام"، فهو اسم "يمني"، فكم بالحري "متسناع". قال: إن ذلك قد يعود إلى طبيعة العلاقات الخاصة التي نشأت عشية ولادته بين أبيه وبين عمرام ريفيد، سائق باص في شركة "إيجد". بعد ذلك روى والده في مقابلة صحفية القصة التالية:

في سنة 1945 كانا أعضاء في فرقة عمل في جدعونه، بالقرب من عين حارود. كان والده محاسباً مالياً. وكان عليه السفر كل صباح إلى البلدة، في نطاق عمله. كان يبكر بالنهوض ويقطع مسافة طويلة سيراً على الأقدام، من جدعونه إلى شارع المرج (مرج ابن عامر). عمل عمرام سائقاً في "إيجد" على نفس الخط، وعندما كان المحاسب يتأخر عن موعد الباص، كان عمرام يراعي ذلك ويوقف الباص على جانب الطريق مؤخراً الجميع بإنتظاره، وقد كان بن تسفي متسناع الوالد يقول له تعبيراً عن امتنانه أنه سيسمي ابنه عمرام إذا رزق بولد".

سكنت مريام وبن تسفي متسناع في "كريات حاييم" في الشمال، وهي إحدى اخر "المحميات الطبيعية" التابعة لحركة "مباي" التاريخية. كان لهما بيت من طابق أرضي تحيط به ساحة كبيرة. كان والده مدير الإنتاج في شركة "هزورياع"، وهي شركة لرعاية البذور. أما والدته فكانت مديرة حسابات في شركة للبناء. "في محيطنا – تقول في نفس المقابلة الصحفية – يملك الجميع رأياً واحداً. أعرف أن هناك إسرائيل أخرى، لكننا هنا لا نسمع بها كثيراً. يبدو وأننا لسنا طرفا فيها".

هاجرت والدة متسناع إلى فلسطين سنة 1933 مع ذويها، أما والده فهاجر سنة 1938 في نطاق حملة "هجرة الشبيبة". كان كلاهما "ألمانيان" لفترة قصيرة – فقد هاجرت عائلاتهما إلى ألمانيا من شرق أوروبا (بولونيا)، وكان جده عمرام متسناع "إصلاحياً" متحمساً. كان يسافر مسافات طويلة ليستمع إلى زعيم "الإصلاحيين" زئيف جابوتنسكي خطيباً، ولكنه، بمعزل عن هذا كله، سعى لأن "يذوب في الأغيار". أصبح الإسم "ميزني" البولوني "ميزنا" بالألمانية، وبعد سنوات، عندما اعتزمت وزارة الخارجية إرساله للخارج، للعمل مرشداً في دول أجنبية لشؤون الزراعة والبذور، ألزمته غولده مئير بعبرنة الإسم، فاستبدل حرف "الزاي" بالصاد وأصبح "مِصناع" بدلاً من "مزناع". وبموجب قاموس ابن شوشان فإن "متسناع" تعني "الملاذ، المخبأ". لكن الأب ينفي أن تكون لذلك أية دلالة، ويقول أنها مجرد كلمة بنبرة عبرية.

عشية حرب 1948 كان والداه من مؤسسي كيبوتس "دوفرات"، لكنهما غادراه بعد سنتين. ولديهما آراء قاطعة في "الحركة الكيبوتسية". في مقابلة صحفية من أواخر الثمانينات، قال والده بن تسفي: "منذ تلك الأيام بدا أن المشروع ليس ناجعاً". أما والدته مريم فقالت:" كانت تلك دفيئة للبلطجيين. أنهم يحصدون اليوم ما زرعوه في تلك الأيام".

ورداً على سؤال صحفي عما إذا كانا ربيّا ابنهما عمرام بروح تعاليم وأفكار حركة العمل العبري، قال الأب: "اليوم، عندما تذكر حركة العمل، فإن ذلك يشي بنوع من السذاجة. لا اعتقد أن رامي (لقب عمرام متسناع) تلقى في البيت تربية بروح حزب العمل. من جهة أخرى، من يعيش سنوات طويلة في إطار اجتماعي معين، تبقى لديه قيم معينة. احترام الآخرين، مثلاً، وقيمة العمل. والاستقامة".

بمفهوم معين، كان والدا متسناع غير مسيسين. لكن تأييدهما لحزب "مباي" بروح تلك الأيام كان "عملاً وطنياً" وتعبيراً عن مواطنة صالحة، وليس عملاً سياسياً. وقد أجابا بتردد على سؤال عما إذا كان متسناع تربى في بيت مسيس بـ "نعم" خفيضة. بعد ذلك قالا انهما يضحكان في كل مرة يوصف فيها متسناع بأنه "يساري".

وعندما سئلا في نفس المقابلة الصحفية عن الأسباب التي دفعته لإرسال كتاب الإستقالة في حرب لبنان، قال والده: "لم تكن مشكلته صبرا وشاتيلا. أغضبه أن شارون يدير الجيش بصورة مباشرة. أغضبه الزحف على بيروت، من خلال تضليل الوسط السياسي، وأعتقد أن القشة التي قصمت ظهر البعير كان إعلان شارون في الكنيست أن جيش الدفاع مذنب بوقوع المذبحة السابقة في تل الزعتر".

متسناع في مواجهة شارون-التاريخ يعيد نفسه-

كان رامي (وهو الإسم الذي نودي بع عمرام متسناع إلى أن أشغل منصب قائد المنطقة الوسطى) برتبة بريغادير جنرال وقائد مدرسة القيادة العسكرية، في الوقت الذي أكتسبت فيه الأحداث من حوله بُعداً دراماتيكياً مليئاً بالتناقضات. كانت الصورة مشوشة، وعليها بنيت أسطورة "عمرام المحب للعرب". في الحقيقة، هبّ متسناع لمجابهة ما بدا له "مَسّاً بالسمعة الطيبة وبنقاء يدي جيش الدفاع". هذا ما حرّكه في الصدام مع شارون سنة 1982 وهذا ما وجهه في حربه ضد الإنتفاضة الأولى. "الجيش هو الأساس"، قال مرة في مقابلة مع مجلة الجيش الرسمية "بمحنية".

في 22 أيلول 1982 وبعد مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بإسبوع، جرى في الكنيست نقاش حول إقتراح لجدول الأعمال قدمه حزب "العمل" حاول وزير الدفاع شارون القول لمعارضيه من "العمل" أن "أية فظاعة ارتكبتها أنا، قمتم بها أنتم من قبلي". وتوجه إلى شمعون بيريس قائلاً: "أريد أن أسألك سيد بيريس – في فترتك، وبعلم مسبق، كانت هناك قضيةأخرى، ولم أكن لأثيرها لو لم تنحدروا إلى الهاوية. في عهدك كوزير للدفاع كانت هناك قضية في لبنان، في تل الزعتر. لن أسرد التفاصيل هنا، ولكن: ألم يؤنبك ضميرك آنذاك؟ الآلاف من البشر ذبحوا، فأين كان ضابط جيش الدفاع في تل الزعتر؟ كان ذلك متوقعاً، فأين كانوا؟".

كان متسناع في سيارته يستمع إلى الراديو ناقلاً وقائع جلسة الكنيست. في الحال قرر الجلوس وكتابة رسالة استقالته من الخدمة العسكرية، إلى أن يستقيل وزير الدفاع شارون من منصبه. لكن الرسالة أدت دوراً كبيراً في خدمة رئيس الأركان إيتان، الذي أدرك في تلك الأيام أن الأفضل له إبعاد نفسه وإبعاد الجيش من محيط شارون، وإبقاء شارون لوحده مع المسؤولية عن الحرب التي لم توفق في إحراز أهدافها وورطت إسرائيل في مذبحة مريعة.

سارع رئيس الأركان لترتيب لقاء بين متسناع ورئيس الوزراء مناحم بيغن، الذي أبلغه أنه ارتكب فعلة لم يكن عليه ارتكابها، بعد ذلك ضغط إيتان على متسناع لكتابة رسالة ندم، وما كان من متسناع، وليس لآخر مرة في حياته، إلا أن كتب رسالة يسحب فيها استقالته ويعلن عن ندمه عنها!

عن ذلك تقول ضابطة عملت معه في الجيش: "متسناع لا يحب التهويل. حتى أن لديه شيء طفولي. هو ساذج، ونظيف. أنه ولد – جندي. أعتقد أنه عمل كمواطن. عندما سمع بالمذبحة، فكر بالولد من جيتو وارسو، الذي يبدو في الصورة رافعاً يديه إلى أعلى".

البعض يقول أنه انجرف مع تيار الشارع المتصاعد. أشغله ما يقوله الناس في الشارع. تأثر بما يجري في الجبهة الداخلية أكثر مما كان يدور في جبهة القتال. وهو خط ميَّزهُ في مواجهته مع الإنتفاضة.

رابين، متسناع والإنتفاضة الأولى

في أيار 1987 تسّلم عمرام متسناع مهام عمله قائداً للمنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي.

لم يتوقع اسحاق رابين الذي وقف وراء هذا التعيين إندلاع الإنتفاضة، كما كان الحال مع كثيرين في إسرائيل ممن استبعدوا وقوعها. كان متسناع يأمل باستغلال وقت الفراغ لمواصلة دراسته الجامعية. فالقيادة الوسطى كانت دائماً منطقة الجنرالات الذين لا يحبون العمل الصعب.

لكن عمل متسناع كان "صعبا" منذ اللحظة الأولى. كان يتنقل من مستوطنة لأخرى، ومن حاخام لآخر. لم يلهث وراء قادة المستوطنين، لكنه أرادهم أن يعرفوا أن "نواياه حسنة". كانوا يشكون به لأنه أدار بحزم وبلا محاباة حماية إخلاء مستوطنة "يميت" من سيناء. أعلن يوفال نئمان في حينه أنه "فقد الثقة به". مع ذلك، أعجب متسناع كثيراً بما وصفه بالجانب الطليعي والوطني لدى "غوش أمونيم"، لذلك اهتم بتحسين أمنهم وكان مستعداً لأن يسمح لهم بتفعيل "حرس مدني" في الشوارع المؤدية إلى مستوطناتهم، وهي فكرة رفضها رابين في حينه.

وقع الإنفجار في السادس من حزيران 1987 في مخيم الدهيشة للآجئين. دخلت مجموعة من المستوطنين المخيم، وأطلقت النار واعتدت على الناس وهاجمت قائداً في الجيش الإسرائيلي برتبة قائد لواء.

استدعى متسناع ممثلين عن الأهالي في الدهيشة واعتذر لهم عما حصل، وبعدها خرج إلى الصحفيين قائلاً: "وقعت فعلة بشعة في الدهيشة لم يسبق لها مثيل".

يقول أحد الضباط الذين عملوا معه: "أضاءت هذه القضية عدداً من مزاياه. فإيهود باراك وأمنون لفكين شاحاك ما كانا ليعتذرا أمام العرب. فالثمن السياسي مرتفع جداً. من جهة أخرى، بعد أن اندلعت الفضيحة الكبرى، تراجع متسناع عن موقفه. ندم مرة أخرى، كما في أيلول 1982".

" إبن الكيبوتس الكاذب هذا ينسج التهم العبثية"، قال عنه تسفي كاتسوفر من "كريات أربع"، وهو شقيق بيني كاتسوفر من "ألون موريه". أما الحاخام لفنغر الأب الروحي لأبناء كاتسوفر ولغيرهم من المستوطنين، فقد أحب كثيراً كراهيته لمتسناع، وانشقت هوة كبيرة بينهما.

لم ينجح متسناع بسبر أغوار "شريكيه الأساسيين" في الأراضي الفلسطينية – العرب والمستوطنون. يقول أحد ضباطه السابقين: "لم يفهم متسناع العرب على حقيقتهم. وفي الشهور الأولى لم يبد أي فضول معين للقائهم".

ضابط آخر، خدم في غزة أولاً، قارن العرب الفلسطينيين في غزة بأخوانهم في الضفة، وقال: "أنهم لم ينظروا أبداً مباشرة في عيوننا. دائماً خفضوا أبصارهم. أما هنا فإنهم يتحدثون إلينا الند بالند".

كانت الإنتفاضة بالنسبة لمتسناع مدرسة طويلة الأمد ومضنية. وعدا العرب والمستوطنين، كان عليه أن يجابه ضغط وحداته الميدانية، والشركاء في الجبهة الخلفية، ووزير الدفاع وهيئته الخاصة بالمناطق المحتلة، وقائد الأركان وكبار الضباط، والصحافة الإسرائيلية والأجنبية، والجهاز السياسي، والرأي العام. ويمكن القول أنه لم يسبق أن عمل ضابط في الجيش إزاء هذا الإهتمام المدني المتزايد، والمتواصل، والشكاك.

في إجمال عشرين شهراً من مجابهته مع الإنتفاضة يقول متسناع أنه كان منفس طنجرة الضغط الكبيرة، وإنجازاته تقاس بما نجح بمنع وقوعه من جانب اليهود، فقد كان عاملاً مركزياً في تخفيف حدة موقف وإنتقادات اليسار لإداء إسرائيل خلال الإنتفاضة، وفي عهده استصعب اليسار تطوير ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، فقد اعتقد كل الوقت أنه من المهم إبقاء اليسار داخل إطار الإجماع القومي.

وقعت قضية "بيتا" (تكسير العظام بالحجارة) في عهده. وقد عمل على التقليص من الضغط الناجم عنها في الرأي العام الإسرائيلي والعالمي. مع ذلك، عارض متسناع باستمرار إعادة فتح المدارس، وعندما طالب منسق شؤون الإحتلال شلومو غورن بفتحها، عارض متسناع ذلك. واستمر في معارضته عندما فتحت في غزة والقدس الشرقية، قائلاً إن فتح المدارس يرفع مستوى العنف. وقد لجأ إلى أساليب قاسية في قمع الإنتفاضة في القرى، بواسطة الإغلاق ومنعهم من الوصول إلى محاصيلهم الزراعية.

***

على امتداد سيرته العسكرية، لم يكن متسناع واضحاً ومفهوماً للجميع. وحساسيته القديمة لسمعة الجيش الإسرائيلي بدت لكثيرين حُباً متزايداً للعرب، وكراهية للمستوطنين.

بالنسبة لليمين واليسار معاً، كان من المريح تحويله إلى بطل سياسي. لكن الحقيقة هي أن نظرته الإيجابية للمستوطنين، لم تتغير أبداً.


الهدف: إنزال "حدبة" الصراع

يأتي ترشيح متسناع لنفسه في ضوء أزمة قيادية يمر بها حزب العمل، الشريك في إئتلاف شارون الحكومي، وفي إستهلاك الفرية الرسمية عن "غياب الشريك الفلسطيني". وخلال المؤتمر الصحفي (المنعقد صباح الثلاثاء الماضي 13/8) الذي أعلن فيه رسمياً دخوله حلبة الصراع الدائر على رئاسة حزب العمل والترشيح لرئاسة الحكومة، وصف عمرام متسناع قراره بالتنافس بأنه أصعب قرار اتخذه في حياته. وقد أوضح ذلك قائلاً: "إنني لا أقوم بذلك بهدف البحث عن عمل. من يعيش في هذه البلاد ومن يهمه مستقبل هذه البلاد لا يستطيع الجلوس مكتوف اليدين إزاء ما يجري في الدولة، التي تضيع من بين أيدينا. إننا نقترب من الهاوية يومياً ... عملية انتحارية تلو أخرى ... المزيد من الثكل والدمار... وإذا لم يكن هذا كافياً ... كل يوم ينخفض مستوى حياتنا أكثر ... للكثير من الناس كمية طعام أقل مما كان عندهم في الماضي ... المزيد من الناس يفقدون الأمل".

وفي خطابه أمام المؤتمر الصحفي، لم يحِد رئيس بلدية حيفا عن الإجراءات المتبعة لدى غالبية كبار قياديي حزبه – الذي يسعى الآن إلى احتلال قيادته – في مثل هذه الأوضاع. وفي سيرة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لم يأبه متسناع بتزويد وسائل الإعلام بالعنوان الكبير الذي انتظرته منه – برنامجه السياسي أو مبادرته الجديدة، وبدلاً من ذلك اكتفى بإيحاءات عامة حول الصراع، "كأنه كان يقول للصحفيين: اكتفوا بي" على حد تعبير جريدة "هآرتس" (14/8). "أنا الرسالة. هناك قضية الشخصية، التي توحي بالمصداقية"، قال لهم.

يرى متسناع أن الصراع هو المشكلة الفورية التي تتفرع عنها المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي تواجهها إسرائيل: ويتساءل: "لماذا تخصص الحكومة للفرد في الضفة الغربية (المستوطنات) أكثر بـ 20 مرة من مواطن في قرية تطويرية؟ وهل علينا أن نؤجل كل شيء حتى تنشأ لدى الطرف الآخر قيادة حسب ذوقنا؟ نحن في ضيق من الوقت. علينا البدء بمفاوضات عاجلة مع الفلسطينيين ليعود الشعبان إلى طريق الأمل. لا حاجة لشروط مسبقة، إذا كان بالإمكان التوصل إلى حل، فليكن، وإذا تعذر ذلك، علينا العمل بشكل أحادي الجانب لما فيه مصلحة عليا لدولة إسرائيل".

يؤيد متسناع حلاً دائم مع الفلسطينيين، وفي مؤتمره الصحفي المذكور أوضح أنه يؤيد أن يتم إزالة مستوطنات في نطاق الحل، وإذا لم يكن هناك شريك للسلام فهو يؤيد حلاً أحادي الجانب لما فيه مصلحة إسرائيل. وهو يقول موجهاً حديثه إلى الفلسطينيين، ومطالباً إياهم بعدم التريث عند مسألة صمود المجتمع الإسرائيلي أمام التحديات، موضحاً: "سنحارب الإرهاب تحت كل الظروف وبكامل القوة وبكل الوسائل كي نهدمه وندمره ".

متسناع يؤكد أنه لن يؤسس إطاراً حزبياً جديداً، على الرغم من وجود اقتراحات في الأشهر الأخيرة، وفي المؤتمر الصحفي عقب على جميعها بالقول: "حزب العمل هو بيتي وهو الإطار الذي يجب أن يستخدم لتغيير صورة المجتمع الإسرائيلي عبره، وعلى الحزب أن يفتح أبوابه لكي يدب الحماس والأمل. أدعو جميع أعضاء الحزب للتجند إلى هذه المهمة.

***

مع أن متسناع يبدو للكثيرين في حزبه وغيره بمثابة "المخّلِص" الذي سينقذ إسرائيل من محنتها الحالية، إلا أن منتقديه يشيرون إلى غياب لتجربة لديه في العمل الحكومي أو البرلماني، فهو لم يكن أبداً وزيراً في الحكومة ولا نائباً في البرلمان، وهو ما يعتبره خصومه "نقصاً في شخصيته".

وفي ذلك يقول أنه يملك تجربة كافية في الجيش، وفي رئاسة بلدية حيفا (يشغل هذا المنصب منذ تسع سنوات)، مضيفاً أن "غياب التجربة في إسرائيل في هذه الظروف ميزة إيجابية".

من الناحية السياسية، وضع متسناع نفسه في اليسار، مع يوسي بيلين، عندما نادى بالبدء بمفاوضات فورية مع الفلسطينيين (أي: مع ياسر عرفات)، بدون شروط مسبقة. وفي هذا السياق تبدو المقارنة بينه وبين جنرال آخر ارتفع نجمه في الجيش وفي السياسة لاحقاً، أمرا حتمياً. إنه الجنرال أمنون لفكين شاحك، الذي حلّقَ عالياً وتهاوى مرة واحدة، ولم ينجح بقيادة حزبه (الوسط) في الإنتخابات على رئاسة الحكومة عام 1999. وكما كان عليه الحال مع أمنون لفكين شاحك، فإن متسناع أيضاً، الذي صارع ضد هيئته العسكرية، إختار استخدام تعابير مخففة في إنطلاق حملته إلى رئاسة الحكومة، مثل "تحويل الدولة إلى مكان يكون العيش فيه ممتعاً، واستبدال اللغة بلغة أخرى، وإعادة الأمل والنظر إلى الناس مباشرة في العيون". في هذه كلها أعاد متسناع إلى الأذهان أقوال شاحك، وبدلاً من مقولة" نتنياهو خطر علىالدولة "التي قالها شاحاك وأضرت به في حملته، قال متسناع أن خصمه من حرب لبنان أريئيل شارون" يقود إسرائيل إلى كارثة"، وهي مقولة قاطعة يبدو من الصعب – كما تكتب "هآرتس" – على غالبية سكان إسرائيل تأييدها، ومن شأنها أن تحرك ضده مؤيدي "الليكود".

حالياً، يتنافس متسناع داخل حزبه، ولم يتوصل بعد إلى المنافسة بين المعسكرات على رئاسة الحكومة. وتققول أوساط المراقبين أن ما سيقرر هو عملية الإنضمام (الإنتساب) إلى حزب العمل، التي تتم هذه الأيام، وكذلك مدى التزام الناشطين والقدرة التنظيمية وتحريك الناخبين، وهي صفات يتميز بها بنيامين بن اليعزر على منافسيه، بفضل تجربته الغنية والبنية التحتية القوية التي طورها في منافسات سابقة. وترى "هآرتس" أن متسناع في هذا المجال يمكنه تقديم رد حاسم على بن اليعزر بمساعدة شخص واحد هو أبراهام بورغ، الذي يأمل أنصار متسناع أن يوافق على الإنضمام إليه، وهو نفس الأمل الذي يمني نفسه به حاييم رامون أيضاً، المتنافس أمام بن اليعزر على رئاسة الحزب. وترى تقديرات المطلعين في حزب العمل أن متسناع إذا نجح بتجنيد عشرة الآف عضو في الحزب فقد ينجح في التنافس بمساعدة الحركة الكيبوتسية، وأعضاء لواء حيفا في الحزب.

بالنسبة لرامون وبن اليعزر، هذا صراع البقاء. فقد يخسر بن اليعزر ليدخل التاريخ باعتباره أول رئيس لحزب العمل لم يصبح رئيس حكومة. ولا يقل وضع رامون عن ذلك تعقيداً. فقد تهاوت اسهمه في إستطلاعات الرأي بشكل مأساوي. وهناك أوساط واسعة في حزبه تراه مسؤولاً عن إنهيار الهستدروت، وهو الذي قاد حملة الإنفصال عن الفلسطينيين بجدار، التي تبناها بن اليعيزر ودعمها شارون، بعد إرتفاع وتيرة ومستوى العمليات الفدائية ضد إسرائيل.

***

حالياً، يحاول رئيس حزب العمل وزير الدفاع الإسرائيلي، بنيامين بن إليعيزر، إلتزام ضبط النفس، وقد قال في تعقيب أولي له على خطاب متسناع أثناء قيامه بجولة تفقدية في شمال إسرائيل: "أشعر بالهدوء وأنا أرى المنظر الطبيعي أمامي. أشعر بأعلى درجات الإطمئنان وأنا بين جنود الجيش الإسرائيلي".