تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أكد رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وجود خلافات عميقة داخل المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) فيما يتعلق بإدارة الحرب العدوانية على قطاع غزة وأهدافها، بعد أن وجه انتقادات إلى وزراء في الكابينيت، وفي مقدمتهم وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت.
وقال نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام اجتماع الكابينيت يوم الأربعاء الماضي: "إنني أتوقع من الجميع أن يتحلّوا بالمسؤولية، وعدم إلقاء الكلام والشعارات الفارغة التي لا تصمد أمام اختبار الاعتبارات التي ينبغي أن نأخذها بالحسبان. فهناك اعتبارات عسكرية وسياسية واقتصادية وغير ذلك".


ورغم أن نتنياهو لم يكشف عن طبيعة هذه الخلافات، إلا أن الأمور كانت واضحة بالنسبة للإسرائيليين، أن هذه الخلافات تدور حول إدارة الحرب وأهدافها.

ووفقا لهذه التقارير فإن نتنياهو، ويؤيده في ذلك وزير الدفاع، موشيه يعلون، ورئيس هيئة أركان الجيش، بيني غانتس، يعارض شن عملية برية واسعة في قطاع غزة بهدف إسقاط حكم حماس، لكنه يحاول إضعاف الحركة، تحسبا من دخول منظمات متطرفة جدا إلى الفراغ الذي سيحدثه القضاء على حكم حماس.

في مقابل ذلك، يطالب ليبرمان وبينيت، منذ اليوم الأول للحرب، باحتلال قطاع غزة والقضاء على حكم حماس فيه. وقال ليبرمان أمورا واضحة جداً، خلال مقابلة معه بثتها القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي.

ومما قاله إن "غايتنا الإستراتيجية كدولة هي تحقيق حسم أو إخضاع مقابل حماس. الحسم يعني أن ترفع حماس الراية البيضاء وتتوسل من أجل وقف إطلاق النار من دون شروط ومطالب. والإخضاع يعني ألا تكون لدى حماس القدرة على إطلاق الصواريخ، ولا على صنع الصواريخ أو ترميم الأنفاق".

وتطرق ليبرمان إلى الخلافات داخل الكابينيت، وقال "يتحدثون عن التحريض أو عن حرب استنزاف. وبينيت وليفني (وزيرة العدل تسيبي ليفني) يقولان إنه لا يجوز التحدث مع حماس وإن ثمة حاجة إلى خلق واقع جديد (من خلال خطوات تنفذها إسرائيل بشكل) أحادي الجانب. أنا لا أؤمن بأحادية الجانب، فقد رأينا كيف انتهى ذلك بعد خطة الانفصال (عن قطاع غزة). وينبغي السعي إلى غاية إستراتيجية يكون معناها الحسم، خاصة بعد أن رفضت حماس الاقتراحات المصرية" لوقف إطلاق النار.

ولا يرى ليبرمان إمكانية لحل سياسي، من خلال التوصل إلى تسوية مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن). واعتبر أن "أبو مازن فشل في قطاع غزة وخسره لصالح حماس، وهو لم يقم بمهامه حينها وليس قادرا على ذلك اليوم أيضا. وفيما حماس تركز على الأنشطة الإرهابية، فإن أبو مازن قاد خطا عدوانيا ويحرض ضد دولة إسرائيل" في إشارة إلى انضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية.

وأضاف أنه "عندما شكل أبو مازن حكومة مع حماس، طالب نتنياهو بعدم الاعتراف بها، وفجأة أصبح أبو مازن خشبة الإنقاذ؟ وهذا تناقض صارخ".

ورغم أن ليبرمان هو وزير خارجية يتعين عليه أن يمثل الموقف الإسرائيلي الرسمي أمام العالم، إلا أنه قال "أنا ووزراء غيري نطرح مواقفنا، والنقاش الدائر على المستوى السياسي – الحزبي هو نقاش شرعي. أنا لا أعرف ما هو خط الحكومة، ولا يوجد خط واحد واضح. ومع ذلك، فإني أحترم رئيس الحكومة ونحن نحافظ على علاقات عمل سليمة".

وأضاف أن "على الكابينيت اتخاذ قرارات واضحة وحاسمة، وتوجد فيه خلافات. وأنا لا أعتزم الاستقالة وتفكيك الائتلاف، ويجب التوصل إلى حسم واضح ونحن قريبون من ذلك. وعندما يتخذ قرار بذلك، سوف أوافق عليه، والآخرون أيضا".

وقال ليبرمان إنه لا يرفض تسوية سياسية، لكن تسوية كهذه يجب أن تشمل برأيه الفلسطينيين والأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل، في إشارة إلى خطته لتبادل الأراضي والسكان.

واقترح ليبرمان أن تتبنى إسرائيل "مبادرة السلام السعودية" وليس "مبادرة السلام العربية"، بادعاء أن الأولى لا تتحدث عن قضية اللاجئين.

"فشل المفهوم الإسرائيلي"

إن المواقف التي عبر عنها يعلون لا تختلف كثيرا عن مواقف نتنياهو. فكلاهما يعارضان التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، لا مع الرئيس عباس ولا مع حماس، سواء حول قطاع غزة أو حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

وحول ذلك، أعدّ الباحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الدبلوماسي شمعون شتاين، ورئيس برنامج العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين شلومو بروم، ورقة، يوم الأربعاء الماضي، طالبا من خلالها بتغيير السياسة الإسرائيلية بشأن إدارة الصراع بين إسرائيل وحماس.

ورأى الباحثان أن "نشوب جولة حربية ثالثة في غضون ست سنوات يدل على أن المفهوم الذي وجّه إسرائيل حتى الآن مُني بالفشل".

واقترح الباحثان مفهوما مختلفا "تكمن فيه القدرة على إحداث تغيير تدريجي وعلى مدار فترة زمنية  وبما يشمل مفاهيم حماس أيضا، التي تمثل أمامها إمكانيتان: إما أن تندمج في عملية تحقيق الاستقرار في غزة وعندها ستجد نفسها في وضع تتزايد فيه القيود عليها وتضطرها إلى تغيير مفاهيم أساسية، وإمّا التمسك بالعنف فتتحول تدريجيا إلى حركة ضعيفة سياسيا وليست ذا صلة بالواقع".

وأضاف الباحثان أن "مواقف إسرائيل كما تم التعبير عنها في المفاوضات التي جرت بوساطة مصر حتى يوم 19 آب الجاري، تدل على انعدام أي تغيير في المفهوم الإسرائيلي حول إدارة الصراع ضد حماس في غزة، باستثناء عدة تطبيقات تكتيكية يستوجبها الوضع. وبكلمات أخرى، فإن الاستمرارية ما زالت تتحكم بتوجّه صناع القرار. وكل هذا على الرغم من أن الفترات الزمنية التي أخذت تقصر بين جولات القتال الثلاث مع حماس في السنوات الأخيرة كان ينبغي أن تدفع إلى التشكيك بشأن جدوى هذا المفهوم".

اعتقادات إسرائيلية تمنع تغيير المفهوم

لخص الباحثان المفهوم الحالي الذي يوجه صناع القرار في إسرائيل بما يلي:

أولا: الاعتقاد بأن الصراع بين إسرائيل وحماس هو لعبة صفريـة. وثمة تجاهل من أنه قد تكون هناك أوضاع يربح فيها الجانبان. وهكذا، على سبيل المثال، فإن تحسن وضع السكان الغزيين جيد لحماس ولإسرائيل على السواء. ورغم أنه يمكّن حماس من استعراض إنجازات، فإنه في الوقت نفسه يحدث ضغطا عليها من أجل الحفاظ على الهدوء، إذ أن من ليس لديه ما يخسره، سيؤيد تفجير الوضع بواسطة استخدام العنف.

ثانيا: الاعتقاد بأنه من أجل إضعاف حماس ينبغي الاستمرار في احتجاز قطاع غزة في وضع معيشي تحت الحد الأدنى، أي بدون أزمة إنسانية، ولكن ليس أكثر من ذلك بكثير. ومثال على ذلك هو الاعتقاد بأن النشاط الاقتصادي في غزة يجب أن يبقى محدودا، وأن تتحرك الشاحنات باتجاه واحد فقط وأن تدخل البضاعة إلى القطاع، لكن لا يكون هناك تصدير من القطاع.

ثالثا: الإدمان على مصطلح "صورة الانتصار". بإمكان حماس أن تعرض أي تغيير في السياسة الإسرائيلية تجاه غزة كانتصار، ولذلك لا ينبغي تغيير هذه السياسة. "وينبغي التذكير في هذا السياق، أنه في نهاية حرب أكتوبر العام 1973، طرحت مصر على مواطنيها صورة انتصار في ظل الوضع الذي تواجدت فيه قوات إسرائيلية غربي قناة السويس فيما كان الفيلق الثالث محاصرا، ورغم ذلك لم تتضرر المصالح الإسرائيلية. وثمة من يدعي بأن هذا كان أحد الأسباب التي حركت تغييرا قاد إلى السلام مع مصر".

رابعا: تأييد استمرار عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية. ويستند هذا الموقف إلى وهم فرق تسد وفرضية أن بالإمكان الفصل بين المنطقتين من خلال التعامل مع كل واحدة بشكل منفصل من دون أن تؤثر منطقة على أخرى.

خامسا: لا يتم اعتبار عباس شريكا، وبالتأكيد ليس كمن بمقدوره أن يقود الضفة والقطاع إلى اتفاق مع إسرائيل، ولذلك يجب معارضة حكومة وحدة مع حماس.

سادسا: الخشية والتحسب من تدخل دولي وفي إطاره يجري إشراف على تطبيق الاتفاقيات.

مفهوم جديد

رأى الباحثان أن السؤال الذي ينبغي طرحه هو "على ضوء الفشل المتعاقب في السنوات الأخيرة في تقليص المحفز بالنسبة لحماس لإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، ألم يحن الوقت وخاصة بعد عملية ’الجرف الصامد’، من أجل محاولة إحداث نقطة تحول في توازن الجوانب التي تؤثر على المعنويات الإيجابية والسلبية لحماس، وذلك عن طريق أداء إسرائيلي مختلف؟. وإذا لم يتغير المفهوم الإسرائيلي، فإنه على الأرجح سيكون استئناف القتال مجرد مسألة وقت. وبإمكان تغيير أساس فقط في المفهوم أن يخلق أملا بعدم العودة إلى دائرة القتال بعد حين".

ووفقا للباحثين، فإن هناك ثلاثة عناصر إستراتيجية مركزية ينبغي أن توجّه إسرائيل من الآن فصاعداً، وهي:

أولا: الانفصال عن المفهوم الذي فشل بأن إدارة الصراع هي بديل لتسوية الصراع، والعودة إلى المفهوم الذي يسعى إلى حل الصراع.

وأشار الباحثان إلى أن هذا لا يعني أنه ينبغي تجاهل الواقع السياسي لدى الجانبين، والذي على ما يبدو لا يسمح بتسوية الصراع خلال جدول زمني قصير. وهذه عملية ستكون صعبة وتدريجية، لكن ثمة أهمية لملء مضمون جديد إلى داخل طريقة تسوية الصراع، تكون في أساسه خطة واضحة وذات قدرة على الدفع نحو تسوية، وتنتج عنها خطوات تدريجية من أجل تحقيق التسوية.

وأضافا أن خطوات كهذه يمكن أن تكون، إلى جانب المفاوضات، على شكل اتفاقيات جزئية وخطوات أحادية الجانب أيضا. "والجدير بالذكر في هذا السياق أن حماس نفسها تبنت مفهوم الاتفاق الجزئي مع إسرائيل على شكل هدنة طويلة الأمد".

ثانيا: استبطان الواقع، الذي فشل فيه مفهوم الفصل بين غزة والضفة، ومن هنا الحاجة إلى السعي إلى إعادة دمج غزة مجددا في السلطة الفلسطينية. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه يجب أن تكون الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية والاستعداد للعمل معها. إضافة إلى ذلك يجب الاهتمام بأن تنفذ جهود ترميم وإعمار غزة عن طريق السلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق، يجب اشتراط فتح المعابر وتسهيل الترتيبات قرب الحدود بين غزة وإسرائيل بوجود قوات أمن تابعة للسلطة الفلسطينية في الجانب الغزي.

ثالثا: ثمة حاجة إلى السعي من أجل نشوء واقع حياة اقتصادية سليمة في غزة بقدر الإمكان، وبضمن ذلك التصدير والاستيراد طبعا. ولا يوجد أي سبب بأن لا يصدر القطاع إلى إسرائيل خضاراً ومنتجات أخرى. ويجب السعي إلى وضع كان قائما في الماضي، وتعود فيه مصانع إسرائيلية إلى العمل مع مقاولين ثانويين غزيين. كذلك ثمة حاجة إلى توسيع المجال البحري الذي يكون بإمكان صيادي غزة الاصطياد فيه.

نحو تجريد غزة من السلاح!

اعتبر الباحثان أنه "في موازاة ترميم غزة من الناحية الاقتصادية، ستكون هناك حاجة إلى منع تعاظم قوة حماس وباقي المنظمات الإرهابية مجددا كمرحلة في الطريق نحو تحقيق الهدف، الذي يبدو غير واقعي اليوم، بنزع سلاح القطاع أو بكلمات أخرى تجريد حماس وباقي المنظمات من سلاحها".

وأضافا أن "انفتاحا أكبر تجاه احتياجات المواطنين في غزة سيسهل التعاون الإقليمي والدولي في منع تسلح حماس. وتطبيق هذين الهدفين، الاقتصادي والأمني، لن يكون بالإمكان تنفيذه من دون مشاركة دول أخرى. وينبغي السعي إلى تشكيل ’تحالف الراغبين’ الذي يكون هدفه مساعدة الجانبين في إنشاء واقع جديد في غزة. وعلى هذا التحالف أن يضم دولا مثل مصر، التي سيكون لها دور في تغيير الواقع حول غزة، والسعودية ودول الخليج باستثناء قطر، والأردن".

وتابع الباحثان أن "القاسم المشترك بين هذه الدول، وبضمنها إسرائيل، هو، من جهة، النفور من حماس التي تنتمي بنظرهم إلى المحور الراديكالي/ الإسلامي، الذي يضم إيران وتركيا وقطر، ومن الجهة الأخرى تدعم هذه الدول الرئيس عباس، ونتيجة لذلك من الواجب عودة السلطة إلى غزة وإقصاء حماس. وسيكون بالإمكان دمج هذه الدول في هذه العملية فقط من خلال السياق الذي ينشأ فيه احتمال لتغيير حقيقي في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين".

وأضافا أن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المشاركة في هذا "التحالف" وإثبات استعدادهما بعدم الاكتفاء بالتصريحات، وإنما بالتجند من أجل تطبيق الجانب الاقتصادي والأمني. وأشارا إلى أنه "من أجل تأكيد التزام الأطراف والدول المساعدة، فإن المطلوب هو إرساء الاتفاق بعد إنجازه وكذلك أنظمة تطبيقه بواسطة قرار في مجلس الأمن الدولي". 



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي