تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

ما زال الموقف الرسمي الإسرائيلي إزاء التطورات الأخيرة في مصر، وخاصة عزل الرئيس محمد مرسي على يد الجيش المصري، غير واضح بما فيه الكفاية. ويعود سبب ذلك إلى امتناع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن التطرق إلى ما يحدث في مصر. كما أنه أصدر تعليمات إلى وزرائه بالامتناع عن التطرق إلى هذه التطورات.
وكان نتنياهو قد تطرق إلى عزل مرسي بجملة واحدة خلال حفل استقبال في مقر السفير الأميركي في إسرائيل بمناسبة يوم استقلال الولايات المتحدة. وقال نتنياهو "في الشرق الأوسط، كانت اسرائيل دائما عبارة عن جزيرة تتحلى بالاستقرار والديمقراطية وسط بحر من عدم الاستقرار والطغيان. هكذا كان الأمر دائما، ولكنه اليوم بات أوضح من أي وقت مضى".


وعندما عقب وزير العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلي، يعقوب بيري، وهو رئيس سابق لجهاز الأمن العام (الشاباك)، على هذه التطورات، فإنه تطرق فقط، وبجملة عابرة، إلى تأثر حركة حماس من جراء إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر.

وقال بيري لوسائل إعلام، يوم الاثنين الماضي، إن "حماس قد تدفع ثمنا سياسيا للانقلاب في مصر". وأضاف "يحظر علينا أن نتجاهل الضربة السياسية التي تلقتها حماس في أعقاب الأحداث في مصر. وقد تكون حماس الأولى التي ستدفع ثمنا كبيرا في الحلبة الدولية والحلبة الداخلية الفلسطينية، وثمة احتمال بأن ترفع المعارضة في غزة رأسها".

ويلاحظ أن بيري وصف ما حدث في مصر، قبل أسبوعين، بأنه "انقلاب"، والمقصود أنه انقلاب عسكري، لأن الجيش أنذر مرسي وبعد ذلك عزله. إلا أن هذا الأمر كان محل جدل في إسرائيل، خاصة بين المستشرقين والمحللين وكبار الضباط الذين أصبحوا خارج الخدمة العسكرية، في ظل الصمت الرسمي.

ورغم هذا الجدل، إلا أن إسرائيل ترى في الجيش المصري أنه عامل استقرار، خاصة في كل ما يتعلق بالحفاظ على معاهدة السلام الإسرائيلية - المصرية.

وأفادت صحيفة "هآرتس"، يوم الثلاثاء الماضي، بأن إسرائيل أجرت اتصالات مكثفة، وعلى أعلى المستويات، مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وطالبت الولايات المتحدة بعدم تقليص المساعدات للجيش المصري، تحسبا من تأثير ذلك على أمن إسرائيل، وعلى تدهور الوضع الأمني في سيناء.

ونقلت الصحيفة عن موظف رفيع المستوى في الإدارة الأميركية قوله إن حكومة إسرائيل توجهت خلال الأيام الأخيرة بواسطة عدة قنوات اتصال إلى مسؤولين في الإدارة الأميركية، وطلبت عدم المس بالمساعدات، بمبلغ 1.3 مليار دولار، والتي تمنحها الولايات المتحدة للجيش المصري سنويا.

وقالت الصحيفة إنه في أعقاب عزل الجيش المصري لمرسي، جرت محادثات هاتفية مكثفة بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، بينها محادثة بين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومحادثة أخرى بين وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون ونظيره الأميركي تشاك هيغل، ومحادثة ثالثة بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب عميدرور ونظيرته الأميركية سوزان رايس. وأشار الموظف الأميركي إلى أن غاية هذه المحادثات الهاتفية كانت تنسيق المواقف بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الأزمة في مصر.

وأضافت الصحيفة أن الجانب الإسرائيلي أوضح للجانب الأميركي أن تقليص المساعدات للجيش المصري قد تكون له انعكاسات سلبية على أمن إسرائيل، خاصة في كل ما يتعلق بإمكانية حدوث تدهور أمني في سيناء. وعبر المسؤولون الإسرائيليون عن تخوفهم من أن يؤدي تقليص هذه المساعدات إلى المس بمعاهدة السلام بين إسرائيل ومصر.

وقال الموظف الأميركي نفسه للصحيفة إنه خلال المحادثات الهاتفية التي جرت منذ قرار الجيش المصري بعزل مرسي، عبر الجانب الإسرائيلي عن رضاه من هذه التطورات ومن أن حكم الإخوان المسلمين في مصر قد انتهى. وأضاف الموظف أنه يوجد توافق بين الولايات المتحدة وإسرائيل على أنه يتعين على الجيش المصري تسليم مقاليد الحكم في أقرب وقت إلى حكومة مدنية والتأكد من إجراء انتخابات حرة.



ليبرمان: "أحداث مصر تقلقنا ولم تُقل الكلمة الأخيرة فيها بعد"

كان وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أفيغدور ليبرمان، أول شخصية إسرائيلية رفيعة تتطرق بتوسع إلى التطورات في مصر. وبعد وقوع مواجهات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، قال ليبرمان لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، يوم السبت - 6.7.2013، إن "ما يحدث هناك يجب أن يثير القلق من دون شك. فهذه أكبر دولة من بين الدول المجاورة لنا، وهي الأولى التي وقعت على اتفاق سلام، وواضح أن انعدام الاستقرار هناك سينعكس على المنطقة كلها. ويوجد لدينا اهتمام بأن تكون مصر مستقرة وتسيطر على كل أراضيها".

ورأى ليبرمان أن التطورات في مصر لا تشكل خطرا على اتفاقية السلام، وقال إن "اتفاقية السلام ليست في مركز التطورات حاليا، ولا علاقة لإسرائيل بالأحداث، ولكن جميعنا يدرك أن مصر ليست مجرّد دولة، فالجميع يعقب وهناك مفاجآت".

وحول إسقاط حكم الإخوان في مصر، قال ليبرمان إنه "لا توجد هنا مسألة تفاؤل أو تشاؤم. فهذه تطورات عميقة ولا مصلحة لنا في التدخل. كما أنه لا توجد لدينا مواقف مؤيدة أو معارضة. ونعتقد أن الاستقرار في مصر سينعكس على الصورة الإقليمية كلها، وواضح أن ما يحدث في سورية وليبيا لا يزيد من ارتياح إسرائيل. وتهريب السلاح إلى غزة ليس إلا مثالا واحدا على ذلك".

وأضاف ليبرمان، الذي يتوقع أن يعود إلى منصبه كوزير للخارجية بعد انتهاء محاكمته في حال عدم إدانته، أن "الأمر الواضح هو أن الكلمة الأخيرة في الدراما المصرية لم تُقل بعد. والإخوان المسلمون ليسوا الأشخاص الذين سيقبلون بعزل مرسي بسلام. وما زال مبكرا تقدير أي شيء. وأكرر فقط القول إن الكلمة الأخيرة لم تُقل بعد".

ورأى ليبرمان أن الأسباب التي أدت بالجماهير المصرية إلى النزول للشوارع والتظاهر ضد مرسي ليست حكم الإخوان المسلمين، وإنما السبب الرئيس لذلك هو الوضع الاجتماعي - الاقتصادي الذي تواجهه مصر. وقال إن "المحرك هو الوضع الاقتصادي، وليس مهما من يقف على رأس الدولة، سواء كان علمانيا أو مسلما متعصبا. ومن دون حل مشاكل التشغيل والاقتصاد والأمن الشخصي لا يمكن الاستمرار. والتركيز الذي شاهدناه في الدستور الإسلاموي أو التغييرات السياسية على أنواعها التي لم تكن مدعومة بخطوات اقتصادية لم تنجح. فالجماهير تريد حياة معقولة".

وتطرق ليبرمان إلى تأثر حماس، المقربة من الإخوان المسلمين في مصر، بالتطورات، فقال إنه "لا شك في أنه بالنسبة لحماس فإن هذه معضلة صعبة. فقد كانت حماس أول من رحبت بحقيقة أن الإخوان المسلمين وصلوا إلى الحكم في مصر. فهذه حركة شقيقة. وقد سارت معهم طوال الطريق ضد [الرئيس السوري بشار] الأسد وضد الوصي السابق إيران. وأنا لا أعرف ماذا ستكون القرارات الآن، لكن من الواضح أن هذه التطورات تضع حماس أمام مجموعة من الأسئلة".

وأشار ليبرمان إلى رد الفعل في العالم الغربي مما يحدث في مصر، وخاصة ما يتعلق بسقوط قتلى في المظاهرات، وقال إنه "لم نرَ رسالة حادة وواضحة، ولذلك فإنه لا يتعين علينا أن نتسرع".

وأضاف ليبرمان، فيما يتعلق بأداء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حيال الأزمة المصرية "أعتقد أن هذه أحداث كبيرة جدا حتى على دولة عظمى مثل الولايات المتحدة. وهذه عملية جارية، وستستغرق وقتا. والأحداث في الشرق الأوسط هي تحد كبير جدا".



عزل مرسي: انقلاب عسكري أم خطوة ديمقراطية؟

قالت صحيفة "معاريف" إن المسؤولين في إسرائيل "لم يسارعوا إلى الاحتفال بسقوط الإخوان المسلمين، لأنهم ظهروا في المدى القريب على أنهم عامل استقرار". وأضافت الصحيفة أن تقديرات الجهات الأمنية الإسرائيلية هي أن "إسقاط مرسي عن الحكم هو مجرد حلقة أخرى في سلسلة الأحداث الحاصلة في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة... وستبقى المنطقة غير مستقرة لمدة تتراوح ما بين 5 – 10 سنوات في أفضل الأحوال".

وأشارت الصحيفة إلى أن التعاون الأمني المصري - الإسرائيلي، بعد صعود مرسي للحكم، "فاق التوقعات"، إذ استمر هذا التعاون والحوار بين الجهات الأمنية في الدولتين وخاصة محاربة تهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة بإشراف أميركي.

وتابعت الصحيفة أن حكم الإخوان في مصر "تبين أنه عامل استقرار إقليمي" خاصة فيما يتعلق بالضغط على حركة حماس لوقف إطلاق صواريخ على إسرائيل، وحرب مصر ضد التنظيمات الجهادية في سيناء، ووقوف مصر إلى جانب "المحور السني" ضد محور إيران وسورية وحزب الله.

ووفقا للصحيفة فإن الإنذار الذي وجهه الجيش المصري إلى مرسي كان بمثابة "بشرى هامة بالنسبة لإسرائيل"، وأن الأحداث الحالية في مصر وأداء جيشها "يبعدان خطر حرب تقليدية (عن إسرائيل) في الجبهة المصرية، لأن أي انشغال للجيش في دولة عربية بحروب داخلية يؤدي إلى تضاؤل الرغبة في مواجهات خارجية".

واعتبرت صحيفة "هآرتس" أن الإنذار الذي وجهه الجيش المصري إلى مرسي بحل الأزمة في غضون 48 ساعة ووقوفه بذلك إلى جانب حركة "تمرد" هو انتقام الجنرالات المصريين للتغييرات في الجيش التي نفذها مرسي.

رغم ذلك فإن هناك نقاشا في إسرائيل حول عزل مرسي.

ووصف المحاضر في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور ايلي بوديه، عزل مرسي بأنه "انقلاب عسكري". وكتب في مقال نشره في "هآرتس"، أن "اللقاء بين انقلاب عسكري وثورة شعبية موازية أدى إلى تغيير الحكم. ولم يتضح بعد مدى التنسيق بين الجانبين، لكن يبدو أن هذا اللقاء لم يكن صدفة". وأضاف بوديه أن "انقلابا عسكريا لا يمكن اعتباره خطوة ديمقراطية سليمة".

واعتبر بوديه، الذي لم يتطرق إلى سعي حكم الإخوان إلى تحقيق مكاسب فئوية من وجودهم في الحكم، وبينها إجراء تغييرات في الجيش، أن "وجود الديمقراطية متعلق أيضا بقدرة الإسلاميين على قبول شرعية المؤسسة السياسية الحالية التي تقيأتهم، وهذه ستكون مهمة غير سهلة للحكم الجديد".

من جانبه، عبر رئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط" في جامعة بن غوريون في بئر السبع، البروفسور يورام ميتال، عن موقف مناقض لموقف بوديه، من خلال مقابلة مع ملحق "المشهد الإسرائيلي" يوم الثلاثاء الماضي، وهو موقف عبر عنه ميتال أيضاً في وسائل إعلام إسرائيلية.

وقال ميتال إن "ما يحدث في الأيام الأخيرة ليس انقلابا عسكريا. وادعائي هو أن الجيش المصري قرر أن يتدخل في الأزمة، وقام بنشر ’خارطة طريق’ هدفها محاولة إعادة غايات الثورة في كانون الثاني العام 2011 إلى مسار ما زال ممكنا. ما نراه هنا هو محاولة للتصحيح، وما رأيناه في 30 حزيران هو حركة تصحيح. وهذه حركة تريد إعادة شيء ما يوجد حوله إجماع في مصر. وقد كان هناك إجماع حتى في ثورة 25 يناير، وعندما انضم الإخوان المسلمون والسلفيون إلى شباب الثورة، وافقوا على أهداف ومبادئ الثورة".

وأضاف ميتال أن "ما حدث في الواقع لاحقا هو أن الرئيس مرسي، وخلال عام واحد، ذهب في اتجاه مناقض للوعود التي منحها لناخبيه. إضافة إلى ذلك، فقد سعى للحصول على صلاحيات كبيرة جدا بواسطة نشر ’الإعلان الدستوري’ في شهر تشرين الثاني الماضي. كما أنه عين في المناصب العليا أشخاصا من التيار الإسلامي، وتدخل بصورة فظة في عمل لجنة إعداد الدستور، وطرح الدستور في استفتاء شعبي رغم الانتقادات الواسعة للغاية لدى الجمهور على هذه الخطوة. وكانت النتيجة أن الرئيس مرسي اعتُبر لدى جماهير متعددة في مصر، من متدينين وغير متدينين، مثل عبد المنعم أبو الفتوح، بأنه شبيه بنظام مبارك. وعندما فاز مرسي في الانتخابات، كان أول ظهور له في ميدان التحرير. ووقف على المنصة أمام مئات الألوف، وتعهد بأن يكون حكمه مستندا إلى ثورة 25 يناير وأن هذا سيكون حكم جميع المصريين ’سواء الذين انتخبوني أو خصومي’. وأضاف: ’حاسبوني إذا لم أنفذ تعهداتي’. وها هو عام قد مر بالتمام وميدان التحرير قال له: قدم الحساب".



"صمود معاهدة السلام خلال نظام حكم إسلامي يشكل سابقة مهمة"

أصدر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، يوم الخميس الماضي، مذكرة بعنوان "الثورة في مصر - توصيات لإسرائيل"، من إعداد مجموعة من الباحثين في المعهد، هم أفنير غولوف وأودي ديكل وأوريت برلوف ويوئيل غوجانسكي وعوديد عيران وعنات كورتس. وجاء فيها أن سبعة ملايين مصري خرجوا إلى الشوارع في 25 كانون الثاني العام 2011، ما أدى إلى سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأن 17 مليون مصري خرجوا إلى الشوارع في 30 حزيران الفائت، ما أدى إلى سقوط مرسي وحكم الإخوان المسلمين.

وقالت المذكرة إنه "منذ بدء الهزة في العالم العربي، شاهدت إسرائيل بقلق التوجهات الثورية، وتغييرات الحكم والصراعات الداخلية التي تطورت في دول الشرق الأوسط. ورغم ذلك، أظهرت إسرائيل مناعة وامتنعت متعمدة عن التدخل في الأحداث من خلال إطلاق تصريحات... وفي السياق المصري المميز، حرصت إسرائيل على استمرارية وحتى تعزيز العلاقات الخاصة مع الجيش المصري، التي تشكل مدماكا مركزيا ومرساة في الحفاظ على علاقات السلام بين الدولتين".

وأضافت المذكرة أن "حكومة الإخوان المسلمين امتنعت عن أية اتصالات علنية ومباشرة بين الدولتين، لكنها لم تحاول المس بالعلاقات الرسمية أو تقويضها أو التسبب بتراجعها. وكانت ولا تزال المصلحة الموجهة للجانبين هي منع أي تصعيد أو تدهور عسكري، يكون مقرونا بخطر مواجهة عسكرية. وعلى هذه الخلفية سعى الحكم المصري إلى الجسر بين إسرائيل وحماس والتوسط في بلورة تفاهمات وقف إطلاق النار في نهاية جولة القتال التي دارت بين إسرائيل والحركة في تشرين الثاني من العام 2012 (عملية "عمود السحاب")".

ورأى الباحثون الذين أعدوا المذكرة أن "ثمة أهمية غير مسبوقة لحقيقة أن اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر صمدت خلال نظام حكم إسلامي، ينفي من الناحية المبدئية حق دولة إسرائيل في الوجود". لكنهم اعتبروا أنه "في حال نجح حكم الإخوان المسلمين في الاستقرار وتعزز وأصبح يعتمد بقدر أقل على المساعدات الاقتصادية الغربية، لتدفق العداء الأيديولوجي العميق لدى الإخوان المسلمين تجاه إسرائيل وقوض أساس المصالح الأمنية والسياسية المشتركة بين الدولتين. وتقويض حكم الإخوان المسلمين في مصر، في أعقاب ثورة حزيران العام 2013، بدعم وقيادة الجيش المصري، يقلص احتمال تحقق قريب لهذا السيناريو. لكن حتى في الوضع الحالي ما زال التحدي الأمني الكامن في سيناء ساري المفعول".

وفيما يتعلق بالوضع المصري الداخلي، أشار الباحثون الإسرائيليون إلى أن "مصر تدخل إلى فترة انتقالية طويلة، خاصة في حال لم تنهِ الحكومة الانتقالية المهمات التي ألقيت عليها، والتي ستكون متركزة خلالها في شؤون داخلية متعلقة بالحفاظ على القانون والنظام والاستقرار ومنع الانهيار الاقتصادي. وفي هذا الاطار سيكون الحكم منهمكا في لجم الاحتجاج الشعبي، وقمع مراكز هبة مؤيدي الإخوان المسلمين، وكذلك بتصحيح الدستور، والاستعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية وإجرائها".

وعلى ضوء ذلك، أضاف الباحثون، فإن "هذه التحديات ستصرف أنظار الحكم عما يجري في سيناء. ولكن يتوقع أن تتصاعد العمليات الإرهابية لجماعات جهادية وسلفية في سيناء، وأن تحاول هذه الجماعات أن تضع تحديا أمام الحكم المركزي في القاهرة، بواسطة المس مباشرة بممثليه، أو بشكل غير مباشر بواسطة استفزاز إسرائيل، وتقويض الأمن في سيناء، من خلال التوغل إلى الأراضي الإسرائيلية. ونتيجة محتملة للتصعيد في هذه الحلبة ستكون إلحاق ضرر بالعلاقات المميزة بين المؤسستين العسكريتين المصرية والإسرائيلية. ويبدو أن هذا سيكون التهديد الأهم في الجبهة الجنوبية [لإسرائيل] في الشهور القريبة".

ولفت الباحثون إلى أن "الغاية الاستراتيجية الإسرائيلية هي الحفاظ على علاقات السلام مع مصر وحتى تعميقها. وثمة أهمية خاصة بالنسبة لإسرائيل في استقرار حكم علماني ومسؤول ويعمل بنجاعة في مصر كلها ومنطقة سيناء. وإسرائيل مطالبة بالعمل في عدة مستويات من أجل دفع هذه الغايات".



"استئناف العملية السياسية الإسرائيلية - الفلسطينية من شأنه دفع الاستقرار في مصر"

وطالبت مذكرة "معهد أبحاث الأمن القومي" إسرائيل بتنفيذ عدة خطوات، وهي:

أولا: تعميق التعاون مع الجيش المصري ومواصلة السماح بتفعيل قواته في سيناء، بحجم يتجاوز ما يمليه الملحق الأمني لاتفاقية السلام، ضد الجماعات الجهادية وتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.

ثانيا: على إسرائيل تأييد استمرار المساعدات الأمنية الأميركية للجيش المصري، وتوسيع المساعدات المدنية لمصر من جانب الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية، ودفع مبادرات دولية لتطوير بنى تحتية، يحتاجها الاقتصاد المصري.

ثالثا: على الرغم من أنه بإمكان جهات دولية "وفي مقدمتها الأنظمة الملكية السنية، السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة" دعم مصر لمواجهة مشاكلها الداخلية، وخاصة من خلال الدعم الاقتصادي، وعلى الرغم من أن قدرة إسرائيل محدودة في هذا السياق، إلا أنه بإمكان إسرائيل "محاولة إقامة قنوات سرية مع الأنظمة الملكية. كذلك فإن استئناف العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، ولو بشكل جزئي، بإمكانه أيضا أن يدفع تنسيقا إقليميا، ليس في سياق الجهد لدفع استقرار مصر وحسب، وإنما أيضا في إطار الجهد من أجل بلورة جبهة إقليمية ضد المحور الراديكالي، الذي تتزعمه إيران".

رابعا: إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في تجاهل المجتمع المدني في مصر، وهم الشبان الليبراليون والعلمانيون، الذين أثروا بشكل كبير على الإطاحة بمبارك ومرسي. ورغم أن لإسرائيل تأثيرا محدودا على المؤسسة السياسية في مصر، إلا أن عليها أن تحاول إقامة قنوات حوار مع الجهات التي قامت بالثورة ومن خلال الحرص على الامتناع عن استفزاز الجيش المصري. وهكذا سيكون بإمكان إسرائيل محاولة منح المشورة لتلك الجهات المدنية في المواضيع الاقتصادية والإدارة السليمة. وبإمكان هذه الجهات الاستعانة بإسرائيل وعلاقاتها من أجل تشجيع الاستثمارات في مصر.

خامسا: اعتبرت المذكرة أن إحدى الجهات الأكثر تضررا من سقوط حكم الإخوان في مصر هي حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بسبب علاقتها القوية بحركة الإخوان المسلمين المصرية، وفقدانها لموقعها في سورية، وتراجع علاقاتها مع حزب الله، والقطيعة بينها وبين إيران في أعقاب توطيد علاقاتها مع إخوان مصر، وإبعاد قيادتها السياسية عن قطر. وتابعت المذكرة أنه إضافة إلى كل ذلك، فإن حماس تواجه انتقادات داخلية في قطاع غزة. كما أن الجيش المصري مُصرٌ على منع تهريب بضائع إلى القطاع، الأمر الذي سيقلص حجم دخل حماس، ما سيؤدي إلى وضع صعوبات أمام الحركة في إدخال أسلحة إلى القطاع، وخاصة القذائف الصاروخية وصواريخ أرض - أرض متطورة. وأضافت المذكرة أنه ما زال من السابق لأوانه التقدير ما إذا كانت هذه الصعوبات ستشجع قيادة حماس على دفع المصالحة مع حركة فتح. وفي المقابل فإن حماس قد تسعى إلى تصعيد أمني مقابل إسرائيل.

سادسا: "من أجل محاولة جعل المحفزات لدى حماس والفصائل المتطرفة الأخرى النشطة في القطاع أكثر اعتدالا، بإمكان إسرائيل انتهاج سياسة توسيع عمل المعابر للقطاع وتصاريح الصيد وحتى التوصل إلى تفاهمات حول استخراج الغاز الطبيعي".

ودعت مذكرة "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى "تقييم سقوط الإخوان المسلمين في مصر في السياق الواسع للتوجهات الإقليمية والهزة الحاصلة في الشرق الأوسط. فقد ساد شعور مؤخرا بأن الإسلام السياسي هو ’المنتصر الأكبر"، لكن سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وتبخر صلاحية شعارات مثل ’الإسلام هو الحل’، وكذلك الإثبات القاطع بأن الإسلام السياسي سيواجه صعوبة، مثل أي حكم آخر، في مواجهة تحديات معقدة داخلية وخارجية، له تبعات بعيدة المدى على مجمل حركات الإخوان المسلمين في المنطقة".

وتوقعت المذكرة "تقلص تأثير حركة الإخوان المسلمين المعارضة في الأردن، وتحسن قدرة العائلة المالكة الهاشمية على مواجهة الحركة. وقد يميل توازن القوى في المعارضة السورية، التي تحارب حكم الأسد، لصالح القوى الليبرالية، على حساب الجهات الإسلامية".

وخلصت المذكرة إلى أن "اتجاهات كهذه ستكون مريحة لإسرائيل، وعليها مواصلة توقع تطورها، إلى جانب الاعتراف بقدرتها المحدودة في التأثير عليها، وخلال ذلك الحفاظ على الابتعاد عن مركز الأنظار الإقليمي، سواء من جانب الأنظمة أو الجمهور. وإضافة إلى ما تقدم، فإنه يرجح ألا تتنازل حركة الإخوان المسلمين عن الفرصة التاريخية التي سنحت لها بحكم مصر، على ضوء وزنها ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي، ولذلك فإنه يتوقع أن يكون هناك صراع داخلي متواصل في مصر. وفي غضون ذلك، فإنه لا يمكن التأكيد بشكل قاطع أن تأثير ’الشارع’ سيتم التعبير عنه من خلال نتائج الانتخابات للرئاسة والبرلمان. لذلك، ينبغي أن يكون أداء إسرائيل متواضعا، وأن تمتنع عن إطلاق تصريحات ضارة، وأن تحتفظ بحيز المناورة بين يديها أمام واقع سياسي متقلب في مصر".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"