تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 731

تواجه قنوات التلفزيون الإسرائيلية أزمة مالية شديدة، وصلت إلى حدّ يهدد بإغلاق القناة العاشرة، إضافة إلى إجراء تقليصات واسعة في القناة الثانية. وتخضع قنوات التلفزيون والإذاعة الإسرائيلية للإشراف الحكومي، خلافا للصحف ومواقع الانترنت، ولذلك توجه اتهامات إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأنه يجفف الإعلام ويسعى إلى إسكاته، ومنعه من توجيه انتقادات لسياسة وأداء الحكومة، ومحاولة منع التغطية الصحافية، وخاصة النقدية، للعديد من المجالات والمواضيع.

بداية الأزمة

بدأت الأزمة في القناة العاشرة تظهر بشكل بارز في شهر أيلول العام 2011. فقد نشرت القناة حينها تحقيقًا صحافيًا ضد رجل الأعمال الأميركي – اليهودي شيلدون أدلسون، سبب وضعه في صورة محرجة، علماً ان أدلسون هو أحد أكبر الممولين لحملات نتنياهو الانتخابية، والذي أسس قبل خمس سنوات صحيفة "إسرائيل اليوم" -التي توزع مجانًا- لتشكل بوقًا إعلاميًا لنتنياهو وبهدف ترسيخ حكم اليمين في إسرائيل. كذلك فإن أدلسون كان أحد الداعمين لحملة المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، ميت رومني.

وأحد ممولي القناة العاشرة هو رجل الأعمال الأميركي – اليهودي، ورئيس الكونغرس الصهيوني العالمي، رون لاودر، الذي عمل كمبعوث خاص لنتنياهو إلى زعماء في العالم، بينهم الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، ولذلك فإنه بعد بث القناة للتحقيق الصحافي ضد أدلسون، مارس لاودر ضغوطًا على المسؤولين في القناة من أجل الاعتذار عما جاء في التحقيق. وبعد نشر الاعتذار، استقال مسؤولون كبار من القناة. وفي أعقاب ذلك بدأت العقوبات من جانب الحكومة ضد القناة، بأن رفضت لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست تسديد ديون القناة للدولة. كذلك فإن السلطة الثانية للتلفزيون والراديو، وهي سلطة حكومية تمنح امتيازات البث للقناتين الثانية والعاشرة وشبكة الأخبار المحلية، ماطلت في تمديد امتياز القناة العاشرة، لكنها عادت وصادقت على منح هذا الامتياز في مطلع العام 2012 الحالي ولمدة عام، أي أن مدة الامتياز تنتهي بحلول نهاية العام الحالي.

لكن الحكومة، ومع حلول نهاية العام في هذه الأثناء، تماطل مجددًا في تمديد امتياز القناة العاشرة. ويعود ذلك إلى تحقيق صحافي آخر، بثته القناة، ضد نتنياهو نفسه هذه المرة. وجاء التحقيق تحت عنوان "بيبي تورز"، وكشف عن خروقات وانتهاكات قانونية من جانب نتنياهو في تمويل سفرات إلى خارج البلاد. والعنوان، "بيبي تورز"، جاء على غرار اسم قضية فساد اتهم فيها رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت، المعروفة بقضية "ريشونتورز"، والتي كانت واحدة من قضايا الفساد التي تم توجيه لائحة اتهام فيها ضد أولمرت وأرغمته على الاستقالة من منصبه في العام 2008، وتمت تبرئته منها مؤخرًا.

وعلى أثر الأزمة المالية والمماطلة في منح الامتياز مجددًا للقناة العاشرة، أعلنت إدارة القناة عن نيتها إغلاق بثها وفصل العاملين فيها، وعددهم 500. من جانبه أعلن نتنياهو، مطلع الأسبوع الحالي، أنه طلب من رئيس الكنيست، رؤوفين ريفلين، عقد اجتماع للكنيست من أجل البحث في اقتراح لتنظيم استمرار عمل القناة العاشرة وشبكة الأخبار المحلية. لكن حبل الإنقاذ هذا ليس من شأنه أن يضمن استمرار عمل القناة العاشرة وإنما ستتواصل أزمتها في وقت تبقى فيه القناة تحت سيطرة نتنياهو ورحمته!

فصل مستخدمين من العمل في القناة العاشرة وإلغاء برامج وتقليص نشرة الأخبار في القناة الثانية

قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الأربعاء – 19.12.2012، إن جميع مستخدمي القناة العاشرة الخمسمائة تلقوا رسائل فصل من العمل، أول من أمس. لكن في حال صادقت الكنيست على تمديد امتياز القناة لمدة سنتين فإنه يتوقع إلغاء رسائل الفصل.

وتظاهر نحو 300 من مستخدمي القناة العاشرة قبالة مقر حزب الليكود الحاكم في تل أبيب، أول أمس، واتهموا نتنياهو بالتسبب بالأزمة في القناة وطالبوه بحلّها. وهتف المستخدمون المتظاهرون "بيبي، الصحافة الحرة ليس برنامجًا وفقًا لمشيئتك" وأن "رئيس الحكومة يحاول تكميم الأفواه". وأعلن المستخدمون عن نيتهم مواصلة احتجاجاتهم إلى حين التصويت في الكنيست.

وعلى أثر الأزمة في القناة العاشرة واحتمال حصولها على مساعدات حكومية، طالبت القناة الثانية بالحصول على مساعدات حكومية أيضًا على ضوء أزمتها المالية. وأعلنت القناة الثانية عن إلغاء برنامجين حواريين إخباريين، أحدهما يومي والآخر أسبوعي، وتقليص نشرة الأخبار المركزية المسائية بربع ساعة. ونفذت القناة هذا القرار فورًا منذ أول من أمس الثلاثاء. كما أعلنت القناة عن تجميد إنتاج برامج وبث برامج جديدة.

ونقلت الصحيفة عن خبير في قطاع التلفزيون توضيحه أنه "لم يكن اختيار البرنامجين، اللذين تم إلغاؤهما، عن طريق الصدفة. فهذان البرنامجان يمنحان منبرًا للسياسيين، الذين لن يحبوا أن يروا أن وقتهم على الشاشة قد تم تقليصه".

"بلطجية مكتب نتنياهو"

يقضي الاقتراح الذي يطرحه نتنياهو ويشرف على تنفيذه مدير عام مكتبه هارئيل لوكير، بتمديد امتياز بث القناة العاشرة لمدة عامين آخرين، ومنح الدولة قرضًا للقناة بمبلغ 65 مليون شيكل، وإفساح المجال أمام دخول أصحاب جدد للقناة من أجل تسديد قسم من الديون، بمبلغ يتراوح ما بين 30 – 35 مليون شيكل، بشكل فوري. ويقترن تطبيق الاقتراح بسن قانون جديد لكن نتنياهو وريفلين أعلنا قبل أيام أنهما يعارضان سن قوانين جديدة في فترة الانتخابات.

ووصف مسؤولون في القناة العاشرة أداء مكتب نتنياهو في هذا الموضوع بأنه "بلطجة". ونقلت صحيفة هآرتس عن هؤلاء المسؤولين قولهم "هو (أي نتنياهو) يسعى إلى التسبب بسدوم وعمورا من أجل إغلاق قناة تلفزيونية هي ليست "إسرائيل اليوم" (في إشارة إلى الصحيفة التي تشكل بوقًا لنتنياهو). وهو يريد أن يحتجز الجميع قريبًا من الصحن وقريبًا من الصدر، ولذلك فإنه لا يحل المشاكل. ويريدون أن نصعد إلى القدس كل أسبوع ونتوسل".

من جانبه رأى الصحافي المخضرم ومؤسس مجلة "العين السابعة" التي تعنى بشؤون الإعلام، عوزي بنزيمان، أن تعلق قنوات الإذاعة والتلفزيون بالحكومة أصبح يتزايد. وقال إنه "يلزمون مدراء القنوات بالذهاب إلى الكنيست والتصبب عرقًا من أجل الحصول على تصاريح. والاستقلالية الصحافية في القناة العاشرة، وخاصة في الشهور الأخيرة التي يتعلق استمرار وجود القناة خلالها بإنقاذها على أيدي الحكومة، هو أمر إشكالي بشكل غير مفهوم. ولا يمكن معرفة كيف سيؤثر هذا الوضع على القناة الثانية أيضًا، لكن التعلق بالحكومة بات ملموسًا".

ولفتت "هآرتس" إلى أنه قبل تسعة شهور تم طرح مشروع قانون في لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست، يقضي بتعديل قانون بحيث يسمح لرئيس الحكومة بتقسيم شركة الأخبار الثانية (المسؤولة عن إنتاج نشرات الأخبار في القناة الثانية) في حال وجود خطر على استمرار وجود القناة العاشرة. لكن اللجنة البرلمانية رفضت الاقتراح. وكان واضحًا للحاضرين في اجتماع اللجنة الهدف من الاقتراح، وفقًا للصحيفة. فقد ادعى كبار المسؤولين في عالم الصحافة في حينه أن التعديل سيسمح لرئيس الحكومة بإمساك سوط موجه نحو شركة الأخبار. وقال مدير شركة الأخبار أفي فايس إن "صيغة القانون كما تم طرحها تشكل خطرًا على الديمقراطية". وأضاف أنه لا يعرف دولة ديمقراطية يمكن أن يوجد فيها صيغة كهذه تمنح رئيس الحكومة سيطرة على شركة الأخبار.

وقال الصحافي القديم، يارون لندن، الذي يقدم برنامجًا حواريًا إخباريًا في القناة العاشرة ويتمتع بنسبة مشاهدة عالية، إن "السياسيين والموظفين يعتقدون أنه بهذه المماطلات والتهديدات يطوعون الصحافيين، لأن الصحافيين محتجزون بأيديهم بقدر معين. لكن هذا لن ينجح لأمد طويل وسيفشل هذا الجهد حتمًا". وشدد على أن هذا الوضع لن يؤثر على شكل تغطية القناة.

وأضاف لندن أنه "يوجد لرئيس الحكومة ذراع في الصحافة المطبوعة وهي صحيفة "إسرائيل اليوم"، التي نجحت خلال خمس سنوات في إضعاف صحيفتي هآرتس ومعاريف، والمس بصحيفة يديعوت أحرونوت. ورغم وجود الانترنت، لكن في حالتنا فإن لـ "إسرائيل اليوم" تأثير هائل. وكل هذه الأمور لم تأت بالصدفة. والنتيجة هي أننا نرى أنه يوجد اليوم للحكم سيطرة متزايدة على الخطاب الإعلامي".

وقالت "هآرتس" في افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي، إن هذا الوضع "يرسم صورة مفزعة لمس خطير جدًا بالإعلام الحر في إسرائيل. وستكون إسرائيل مع حفنة وسائل إعلام ستصمد في وجه الأزمة، وبعضها ليس مستقلاً، دولة متخلفة وليست ديمقراطية بكل تأكيد".

وأضافت الصحيفة أن "الانطباع هو أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يسعى إلى وضع كهذا، لأنه لم يحب في السنوات الأخيرة عددًا من التحقيقات الصحافية التي بثتها القناة العاشرة. ورغم أن مدير عام مكتبه، هارئيل لوكير، وقع على اتفاق لإنقاذ القناة، وتبناه وزير المالية (يوفال شطاينيتس) إلا أن الحكومة امتنعت عن سن قانون بموجب التسوية، قبل نهاية العام الحالي، في لجنة وزارية أولاً، وبعد ذلك في الكنيست".

واتهمت الصحيفة نتنياهو بأنه يتسبب بوجود "مجتمع من دون إعلام مستقل ومتنوع وحيوي" وأن مجتمع كهذا هو "من مميزات الأنظمة الظلامية". وأضافت أن "تضاؤل الإعلام الحرّ في إسرائيل سيؤدي إلى عدم تغطية مجالات كثيرة أبدًا، وإلى تغطية مجالات أخرى بصورة ضعيفة وموالية للحكومة. وسيتم تحييد الانتقادات للسلطات وحتى أنها ستغيب كليًا. وستستمع إسرائيل إلى صوت واحد فقط، هو صوت الحكومة. والحديث لا يدور فقط عن مصير مئات وربما حتى آلاف الصحافيين الذين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، وهو أمر خطير بحدّ ذاته. وإنما يدور الحديث عن التعتيم على المعلومات وعن قيم أساسية. إذ أنه مع قناتين تلفزيونيتين وعدد مشابه من الصحف اليومية لن يكون هناك وجود ممكن لإعلام حرّ، نقدي، تنافسي ومحارب. ولن يكون بالإمكان نشر تقارير بصورة حرة وسيكون من المستحيل إجراء تحقيقات جريئة، التي هي شريان حياة الصحافة".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي


"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعكس آراء الاتحاد الاوروبي"