المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أمرت محكمة الشؤون الإدارية (المحكمة المركزية) في مدينة حيفا، يوم الرابع من تشرين الثاني الجاري، بلدية حيفا بتحويل ما تبقى من مستحقات الدعم المالي البلدي لمسرح "الميدان" العربي عن العام الجاري، 2015، بصورة فورية.

وبقرارها هذا، قبلت المحكمة الالتماس الإداري الذي تقدم به إليها مسرح "الميدان"، بواسطة مركز "عدالة ـ المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل"، ضد بلدية حيفا على خلفية قرارها "تجميد" ما تبقى من هذه المستحقات المصادق عليها سابقا.

وهذا الالتماس، إلى المحكمة في حيفا، هو أحد التماسين قدمهما مسرح "الميدان" بواسطة "عدالة، يوم 19 تشرين الأول الماضي، بينما قدم الثاني إلى "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية ضد وزارة الثقافة ووزيرتها، ميري ريغف، على الخلفية ذاتها.

ولم تصدر المحكمة العليا قرارها في هذا الالتماس بعد.

ويبلغ حجم الدعم المالي الإجمالي الذي تم "تجميده" لمسرح "الميدان" من جانب المؤسستين (البلدية والوزارة) للعام الحالي 2015 نحو 3ر2 مليون شيكل، مما أوقع المسرح في أزمة مالية خانقة تهدد بإغلاقه كليا، بعد فصل عدد من العاملين فيه وإخراج آخرين إلى إجازات غير مدفوعة الأجر، علاوة على ديون متراكمة تبلغ نحو مليون شيكل.

انتقام سياسي وكم أفواه!

وكانت بلدية حيفا ووزارة الثقافة قد عمدتا إلى هذا الإجراء العقابي، الذي شكل انتقاما سياسيا فظا، على خلفية عرض المسرح مسرحية "الزمن الموازي" في شهر نيسان الماضي، وهي عمل مسرحي من تأليف وإخراج بشار مرقس وإنتاج "الميدان" مستوحى من تجربة الأسير الفلسطيني وليد دقة (ابن باقة الغربية، في منطقة المثلث) في السجون الإسرائيلية، وهو المعتقل منذ 28 عاما، إثر الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته، ورفاقه إبراهيم ورشدي أبو مخ وإبراهيم بيادسة، بالعضوية في خلية نفذت عملية خطف وقتل الجندي الإسرائيلي موشيه تمام في العام 1984. وقد عقد وليد قرانه على الشابة سناء سلامة من مدينة الطيرة في العام 1999 في سجن عسقلان، ولا تزال خطيبته تنتظره وترفض التخلي عنه. وتجسد دورها في المسرحية "الصحافية فداء".

وقال كاتب المسرحية ومخرجها، بشار مرقس (من كفر ياسيف) إن هذا العمل المسرحي "ليس عملا وثائقيًا أو سيرة ذاتيّة للأسير وليد دقة، بل هو مستوحى من تجربته، ناقلا جوانب فيها ومتفرعًا منها إلى تجربة أكثر من أسير في نفس الزّنزانة، في مسعىً لبناء عالم مسرحي متكامل، يعكس حياة الأسر من خلال تجربة شخصيّة، إلا أنها لا تخلو من الشموليّة".

وقد قوبل عرض المسرحية في وقته بحملة واسعة من التحريض الإعلامي والسياسي في إسرائيل، ضد المسرحية ومسرح "الميدان" عامة، من خلال اتهامه بـ"الحصول على أموال من الدولة وتسخيرها في أعمال معادية تعلي من شأن مخربين فلسطينيين وتمجدهم"! وهو ما استغلته بلدية حيفا ووزارة الثقافة لحرمان المسرح من مخصصات مالية مستحقة ومصادق عليها.

وكانت بلدية حيفا، التي يعادل دعمها المالي لمسرح "الميدان" نحو 35% من مجمل ميزانيته السنوية، قد أوقفت تحويل الدعم المستحق لمسرح "الميدان"، وذلك في أعقاب جلسة مجلسها البلدي يوم 5 أيار الماضي، الذي بحث الموضوع بناء على طلب اثنين من أعضائه زعما بأن "المسرح يحصل على دعم مالي بلدي وحكومي ولذا، فهو لا يستطيع، باسم حرية التعبير والحريات الفنية، تقديم عروض ثقافية ـ فنية ومسرحية تمسّ، مساً كبيرا، بمشاعر جمهور واسع" وأن "المسرح (الميدان) أصبح ذا هوية سياسية واضحة ومتطرفة ويسمح بتنظيم مهرجان لأفلام النكبة في صالته"!

وقال مركز "عدالة"، في التماسه إلى المحكمة في حيفا، إن البلدية أوقفت تحويل الميزانيات المصادق عليها إلى مسرح "الميدان" على أساس غير قانوني لا ينسجم، بل يتعارض، مع أحكام القضاء الإداري الأساسية: فلم تمنح المسرح حق الطعن وإسماع موقفه قبل عرض الأمر على المجلس البلدي واتخاذ القرار فيه، كما لم تصدر قرارا معللا كما يقتضي القانون، وبدون أية أسانيد حقيقية لائقة".

وأكد المركز، من خلال المحاميتين سوسن زهر ومنى حداد، في كلا الالتماسين إلى المحكمة المركزية في حيفا وإلى المحكمة العليا، ضرورة الأخذ في الاعتبار رأي المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، كما قدمه إلى وزيرة الثقافة ميري ريغف، وأقر فيه بـ"عدم جواز التدخل، لا من جانب الوزيرة ولا من جانب أي جسم سياسي آخر، في المضامين الفنية والثقافية التي تختارها وتقررها المؤسسات التي تحظى بدعم مالي حكومي أو مؤسساتي آخر"، فضلا عن "عدم جواز أي تدخل من جانب الوزيرة في قرارات الأطر والهيئات المهنية بشأن تلبية شروط الحصول على الدعم، إذ أن لجنة الدعم والهيئات المهنية هي الوحيدة المخولة صلاحية إقرار المعونات في مجال الثقافة"!

 محكمة حيفا: وقف الدعم تم بدون قرار رسمي قانوني!

في قرارها، ذكّرت قاضية المحكمة المركزية في حيفا، براخا بارـ زيف، بأن بلدية حيفا كانت قد شكلت "لجنة مهنية للدعم" لفحص الموضوع، لكنها قامت في المقابل بوقف الدعم المستحق للمسرح قبل أن تقدم هذه اللجنة توصياتها. وفي يوم 26/10/2015، قدمت اللجنة توصياتها التي قالت فيها إنها (اللجنة) "تتعاطف مع الشعور الثقيل الذي تولد لدى عائلات ضحايا العمليات الإرهابية، لكن لا يمكن القول إن في عرض المسرحية قيد البحث (الزمن الموازي) ما يمكن اعتباره مساً خطيرا بسلامة الجمهور وأمنه"! وأضافت اللجنة، في توصياتها: "وطبقا لرأي المستشار القانوني للحكومة، تعتقد اللجنة أن ليست ثمة صلاحية لاتخاذ أية إجراءات بحق المسرح، في سياق الحديث عن المسرحية"! وأنهت اللجنة توصياتها "بتحويل ما تبقى من مستحقات الدعم لسنة 2015"، مع الإشارة إلى الدين الذي تراكم على المسرح لقاء أجرة البناية.

وأما في ما يتعلق بمسألة تأجير القاعة واستخدامها "لنشاطات سياسية"، فقد قالت اللجنة إنها "ستواصل النظر في الموضوع وفي ما إذا كان تأجير القاعة لجهات خارجية يبرر فرض عقوبات معينة (مالية) يمكن خصمها من ميزانية الدعم للسنة المقبلة"!

وأشارت القاضية إلى أنه في اليوم ذاته، الذي قدمت فيه "اللجنة المهنية" توصياتها، اجتمعت "لجنة فرعية" منبثقة عن بلدية حيفا واتخذت قرارا بـ"التوصية أمام المجلس البلدي برفض توصيات اللجنة المهنية، بادعاء أن هذه لا تملك معطيات كافية لاتخاذ القرار وينبغي الانتظار إلى حين انتهاء وزارة الثقافة من الفحص الذي تجريه حول الموضوع"! وهو ما يعني، عمليا، الإبقاء على "تجميد" الأموال المستحقة للمسرح.

وهنا أكدت القاضية إحدى القواعد المركزية من قواعد الإدارة السليمة، والقائلة بأنه "لا يمكن وقف الميزانية بدون قرار"، بعدما صدر قرار بمنحها. واعتبرت القاضية أن وقف الدعم لم يتم بناء على قرار رسمي اتخذه المجلس البلدي.

وكانت القاضية بارـ زيف قد أتاحت لممثل عن منظمة "ألماغور ـ منظمة متضرري الإرهاب في إسرائيل" وممثل عن عائلة الجندي موشيه تمام عرض موقفيهما أمام المحكمة، رغم أنهما لم يكونا طرفا في الدعوى. وطالب كلاهما بعدم تحويل أية مبالغ إضافية للمسرح، بالحجج ذاتها.

وتعقيبا على موقف ممثلي المنظمة المذكورة وعائلة الجندي، أشارت القاضية في قرارها: "كما أوضحتُ لممثلي العائلات الثكلى، فإن البحث في هذه الدعوى يتمحور حول سلامة إجراءات السلطة الإدارية فقط. فإن إلغاء الدعم الذي صودق عليه بقرار رسمي قانوني ينبغي أن يتم، هو أيضا، بقرار رسمي قانوني. ونظرا لأن الأمر لم يتم كذلك، فهذا يدل على عدم سلامة الإجراء السلطوي، ولذا فهو لاغٍ قانونيا"!

وعقب مركز "عدالة" على قرار المحكمة في حيفا بالقول إنه "من المؤسف أن تضطر بلدية حيفا إلى تحويل الميزانية المستحقة بعد تدخل المحكمة فقط. فقد أتحنا للبلدية فرصة أشهر طويلة للتراجع عن إجرائها الذي يمس بمسرح الميدان وبالجمهور العربي عامة، لكنها لم تفعل".

وأضاف المركز: "نحن ننتظر الآن قرار المحكمة العليا في الالتماس الثاني الذي قدمناه ضد وزارة الثقافة والوزيرة ريغف للمطالبة بتحويل الميزانية التي تم تجميدها. وعلى ضوء قرار محكمة حيفا اليوم، نجدد دعوتنا إلى وزارة الثقافة بالتراجع الفوري عن قرارها الذي ينطوي على تمييز واضح وعلى مس بحرية التعبير والإبداع ويسبب أذى بالغا لمسرح الميدان، مما يجنبها أيضا إجراءات قضائية لا حاجة لها".

وقالت بلدية حيفا، في تعقيبها على القرار، إنها "تحترم قرار المحكمة وستعمل على تنفيذه".

وقال مدير مسرح "الميدان"، المحامي غسان أبو وردة، إنه "سعيد وحزين بالدرجة نفسها. سعيد بأن المسرح سيحصل على الميزانية المستحقة، لكن حزين لأننا كنا بحاجة إلى قرار قضائي لإحقاق حق جوهري وأساسي في دولة ديمقراطية".

وقال عضو الكنيست يوسف جبارين، عضو لجنة التربية والثقافة البرلمانية، إن قرار المحكمة "يثبت أن ملاحقة مسرح الميدان كانت ملاحقة سياسية مرفوضة".

أما ممثلو عائلة الجندي تمام ومنظمة "ألماغور" فأعلنوا أنهم سيطلبون إرجاء تنفيذ قرار المحكمة ريثما يتقدمون باستئناف ضده إلى المحكمة العليا، لأن "معركتنا ضد مسرح يعرض مسرحيات تمس بمشاعرنا، ينظم فعاليات تمجد المخربين والجواسيس، يعرض أفلاما عن النكبة ويقيم معارض تشوه صورة جنود الجيش الإسرائيلي"!

بانتظار قرار "محكمة العدل العليا "

بعد صدور قرار المحكمة في حيفا بشأن الالتماس ضد بلدية حيفا، ينتظر مسرح "الميدان" الآن قرار "محكمة العدل العليا" بشأن الالتماس الذي تقدم به، بواسطة مركز "عدالة" أيضا، ضد وزارة الثقافة والوزيرة ميري ريغف، على خلفية القرار بتجميد أموال الدعم المستحقة للمسرح، منذ شهر حزيران الماضي، على الخلفية ذاتها، كما وردت أعلاه.

وإلى جانب الطعون كما وردت في الالتماس ضد بلدية حيفا، بشأن سلامة وقانونية "تجميد" الأموال المستحقة والمصادق عليها من قبل وعدم تحويلها للمسرح وبشأن المس الفظ والعميق بحرية التعبير وحرية الإبداع الذي ينطوي عليه هذا الإجراء التعسفي، يؤكد الالتماس إلى "المحكمة العليا" ما ينطوي عليه إجراء الوزارة من مس بحقوق الأقلية العربية عامة، وجمهور رواد المسرح العرب خاصة، ذلك أن "مسرح الميدان هو المسرح العربي المركزي المتاح للمواطنين العرب في البلاد. ولذا، فإن تجميد ميزانيته يعني، عمليا، ضرب النشاط المسرحي العربي، علاوة على ما فيه من مس بحق رواد المسرح العرب الذين يرغبون في حضور عروض مسرحية وفنية أخرى باللغة العربية وفي إطار مسرح عربي".

وأكد الالتماس أن "رصد ميزانية لدعم الأنشطة الفنية بين أقلية ثقافية ـ قومية ليس منـّة ولا قرارا اختياريا، وإنما واجب أساس ملقى على كاهل السلطات".

وحذر الالتماس من أن قرار وزارة ووزيرة الثقافة "تجميد" ميزانية مسرح "الميدان" قد يؤدي إلى إغلاقه كليا، علما بأن مخصصات الوزارة تعادل نحو 30% من مجمل ميزانية هذا المسرح.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات