المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بدأت إسرائيل حملة طرد واسعة لطالبي اللجوء الأفارقة.

وأبلغت سلطة السكان والهجرة طالبي اللجوء المحتجزين في منشأة الاعتقال "حولوت" في النقب، بأنهم سيُطردون من إسرائيل إلى دولة إفريقية. لكن الموظفين الإسرائيليين رفضوا الإجابة على استفسار طالبي اللجوء بشأن الدولة التي سيطردون إليها، وأبلغوهم بأن لديهم مهلة من ثلاثين يوما، وفي حال رفضهم مغادرة إسرائيل فإنه سيتم زجهم في سجن "سهرونيم" في النقب، المخصص لسجن طالبي اللجوء.

وسلم موظفو سلطة السكان والهجرة طالبي اللجوء في "حولوت" رسالة مكتوبة باللغة التغرينية، بعنوان "بلاغ هام للأفراد الذين يريدون المغادرة طواعية" إلى دولة إفريقية، ليست من بين أوطان طالبي اللجوء. وكشفت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، أن هذه الدولة هي أوغندا أو رواندا.

وتعهدت سلطة السكان والهجرة بعدم طرد أفارقة قدموا طلب لجوء في إسرائيل ولم يتلقوا ردا حتى الآن، لكن السلطات الإسرائيلية ردت على آلاف الطلبات برفضها ووافقت على بضع عشرات قليلة من الطلبات فقط، خلال الأعوام الماضية. ووعدت سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية اللاجئين بتوفر أماكن عمل في الدولة الإفريقية التي سيطردون إليها، وأن حالة تطورها جيدة وأن اقتصادها يتحسن، وأنه يوجد فيها أجهزة تعليم وصحة ومواصلات جيدة. كما تعهدت بمنح مبلغ 3500 دولار لكل واحد من اللاجئين لدى مغادرته.

وتأتي هذه البلاغات في أعقاب قرار اتخذه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، يوم الأربعاء الماضي، وصدّق فيه على بدء طرد طالبي اللجوء من مواطني إريتريا والسودان. واستند فاينشتاين في قراره على موقف وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه لا خطر على حياة طالبي اللجوء في الدول التي سيطردون إليها، ولن يتم تقييد حريتهم، ولن تبادر أوغندا أو رواندا إلى طردهم إلى دولة يوجد فيها خطر على حياتهم أو حريتهم، وأن هاتين الدولتين يوجد فيهما حظر على التعذيب أو تعامل وحشي أو مهين تجاه السكان فيها، وأنهما تلتزمان بتوفير العيش الكريم للمطرودين وبضمن ذلك إمكانية العمل. وردت وزارة الخارجية على تساؤلات فاينشتاين بأن كافة هذه الشروط متوفرة في الدولتين الإفريقيتين. وأكد المبعوث الخاص لرئيس حكومة إسرائيل لشؤون "المتسللين" على رد وزارة الخارجية.

"تنصل إسرائيل من تعهداتها القانونية والأخلاقية"

صادق فاينشتاين في الماضي على قرار مشابه لطرد طالبي اللجوء الأفارقة من إسرائيل إلى أوغندا ورواندا. وفي بداية شهر آذار الفائت، توجه مجددا إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية والمبعوث الخاص لرئيس الحكومة، وشدد في حينه على أن موقفه الرافض لطرد طالبي اللجوء إلى هاتين الدولتين لم يتغير، وذلك في أعقاب نشر تقرير لمنظمات حقوق إنسان، كشف عن وجود إخفاقات خطيرة في إجراءات "المغادرة طواعية" التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية.

وأظهر التقرير الحقوقي أن مكانة طالبي اللجوء الذين طُردوا إلى أوغندا ورواندا ليست منظمة وأنه يجري انتهاك حقوقهم الأساسية. وقال التقرير الحقوقي إن طالبي اللجوء "مسلوبو المكانة القانونية والحقوق، ولذلك فإنه ليس باستطاعتهم العيش والصمود في هاتين الدولتين. ونتيجة لذلك فإن أولئك الذين لا يعتقلون أو يطردون، يغادرون الدولتين ويتجهون نحو رحلة لجوء جديدة". ورغم الشهادات الواردة في التقرير الحقوقي، أجابت وزارة الخارجية الإسرائيلية فاينشتاين بأن أوغندا ورواندا تطبقان الاتفاقيات التي أبرمتها إسرائيل معهما بخصوص طالبي اللجوء وأنه "ليس هناك تخوف من خرقها".

ويشار إلى أن تعليمات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تقضي بأن تكون الاتفاقيات حول نقل طالبي لجوء بين الدول مكشوفة وقابلة لاختبارها في المحاكم، من أجل ضمان حقوقهم. إلا أنه على الرغم من هذه التعليمات الواضحة، فإن إسرائيل تفرض تعتيما على كل ما يتعلق بهذه الاتفاقيات. وخلال نظر المحكمة العليا في التماس حول الموضوع، مؤخرا، رفضت ممثلة النيابة العامة التطرق إلى مضمون الاتفاقيات وأشارت إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أمر بفرض السرية عليها، الأمر الذي يعفي الدولة من إعطاء معلومات حول هذه الاتفاقيات أمام المحكمة.

وتوجهت منظمات حقوق إنسان إسرائيلية تعنى بشؤون طالبي اللجوء الأفارقة إلى فاينشتاين، يوم الأربعاء الماضي، وحذرته من أن الطرد هو "خطوة خطيرة" تتعارض مع التعهدات الدولية والقانون الإسرائيلي وقرارات المحكمة العليا. والمنظمات التي توجهت إلى فاينشتاين برسالة هي جمعية حقوق المواطن وعيادة حقوق اللاجئين في كلية الحقوق في جامعة تل أبيب وعيادة حقوق المهاجرين في المركز الأكاديمي للقانون والأعمال في بيتاح تكفا ومنظمة "أساف" والجمعية من أجل تقدم اللاجئين الأفارقة و"خط للعامل" ورابطة أطباء من أجل حقوق الإنسان.

وحذرت المنظمات الحقوقية فاينشتاين من أن طرد طالبي اللجوء "خطوة تشكل تنصلا من جانب دولة إسرائيل من تعهداتها القانونية والأخلاقية تجاه مستحقين لحماية دولية ومحاولة لإلقاء المسؤولية على دول أخرى. بل إن هذه الخطوة تشكل انتهاكا لمبدأ عدم الإبعاد وفي أساسه عدم إبعاد إنسان إلى مكان يتوقع وجود خطر عليه فيه".

وانتقدت رسالة المنظمات الحقوقية إلى فاينشتاين السرية التي تمارسها إسرائيل حول الموضوع وبكل ما يتعلق بالاتفاقيات مع الدول التي ستطرد طالبي اللجوء إليها. وشددت على أن هذا التعتيم "يتنافى من أساسه مع كافة المبادئ المذكورة آنفا ولا يسمح باحترام حقوق الإنسان لكل من يُرغم على المغادرة. ويؤسفنا أن نذكر بأن الحديث لا يدور عن اتفاقيات دولية لنقل نفايات، وإنما الحديث يدور عن بشر لديهم حقوق وكرامة إنسانية".

وحول تهديد طالبي اللجوء بالسجن، قالت المنظمات إنه "أداة غايتها زرع الخوف واليأس في صفوف طالبي اللجوء. وهذه المحاولة ليست جديدة لكن الحكومة تتوعد الآن بالسجن من دون تحديد فترته".

حياة صعبة في إسرائيل

تدل معطيات نشرتها منظمة "أساف" لمساعدة اللاجئين وطالبي اللجوء على أنه تواجد في إسرائيل حتى نهاية العام الفائت 46437 طالب لجوء ولاجئ، وأن 92% منهم هم مواطنون من إريتريا أو السودان. وشددت المنظمة على أن ملاحقة السلطات، الحروب الأهلية، عمليات القتل الجماعية وفظائع أخرى، اضطرتهم إلى مغادرة بيوتهم وأوطانهم والبحث عن حماية في إسرائيل. وتشير المعطيات إلى أن ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف من بين مجمل طالبي اللجوء الرجال والنساء، الذين وصلوا إلى إسرائيل، هم ناجون من معسكرات التعذيب في شبه جزيرة سيناء "ويحملون في أجسادهم ونفوسهم خدوش الأسر والتعذيب الوحشي" الذي تعرضوا له.

وأضافت "أساف" أن طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى إسرائيل يواجهون واقعا حياتيا صعبا. فالسلطات التي تعتبرهم "متسللين" تمتنع عن وضع سياسة واضحة حيال مكانتهم وحقوقهم، ولا توجد سلطة واضحة تركز الاعتناء بهم. وطوال سنين لم يُسمح لطالبي اللجوء بتنفيذ إجراءات الاعتراف بهم كلاجئين. "واليوم أيضا، بعد عدة شهور على بدء الدولة تلقي طلبات لجوء، فإن نسبة الاعتراف باللاجئين في إسرائيل أقل من 1% بينما نسب الاعتراف في العام باللاجئين الإريتريين تصل إلى 84% وباللاجئين السودانيين تصل إلى 69%. ويعيش آلاف طالبي اللجوء في المدن الإسرائيلية المختلفة من دون مكانة منتظمة ومن دون تصاريح عمل ومن دون قدرة على الوصول إلى خدمات صحة ورفاه ضرورية أو إلى خدمات قانونية أو الحصول على سكن".

وسن الكنيست في نهاية العام 2013 قانون منع التسلل، الذي سمح باحتجاز جميع طالبي اللجوء في معتقل "حولوت" إضافة إلى سلسلة خطوات، هدفها جعل طالبي اللجوء يسأمون حياتهم في إسرائيل ودفعهم إلى العودة "طواعية" إلى أوطانهم والمخاطرة بحياتهم.

وفي أعقاب مصادقة المحكمة العليا الإسرائيلية على التماس قدمته المنظمات الحقوقية وطالب بإلغاء هذا القانون، سارعت حكومة إسرائيل إلى تعديله، بحيث ينص على سجن طالبي اللجوء الذين دخلوا حديثا إلى إسرائيل لمدة ثلاثة شهور، وبعد ذلك نقلهم إلى معتقل "حولوت" واحتجازهم فيه لمدة أقصاها 20 شهرا. وشمل التعديل أن من يشغل طالب لجوء ملزم باقتطاع 20% من راتبه وإيداعه مع 16% من الراتب يدفعها المشغل في "صندوق توفير". وسيكون بإمكان طالب اللجوء الحصول على هذا "التوفير" لدى مغادرته لإسرائيل وبعد اقتطاع ضرائب منه.

ووفقا للمعطيات المتوفرة حتى شهر شباط الماضي، تحتجز إسرائيل في معتقل "حولوت" 1940 طالب لجوء "في ظروف قاسية ومن خلال ممارسة ضغوط كبيرة عليهم كي يغادروا إسرائيل".

ووفقا لمنظمة "أساف" فإن "التأثير السلبي للسياسة الجديدة، وفي مقدمتها تفعيل معتقل ’حولوت’، يتم التعبير عنه بعدة مستويات وتمس مجمل طالبي اللجوء السودانيين والإريتريين. ومنذ تصعيد سياسة الحكومة، بتفعيل المعتقل وتقليص نشاط دوائر إدارة السكان، بات بالإمكان ملاحظة وجود مؤشرات على يأس متطرف وعجز بين طالبي اللجوء. ويعبر الكثيرون منهم عن شعورهم بانعدام الأمن والخوف من المستقبل، وعدم قدرتهم على السيطرة والتأثير على مجرى حياتهم. ويلحق الشعور بانعدام اليقين حيال المستقبل والتخوف الدائم من الاعتقال أو الطرد، وكذلك القيود الصعبة المفروضة على اللاجئين، ضررا بعملية ترميم حياتهم من الأحداث القاسية التي مروا بها في أوطانهم".

صفقة "دم مقابل دماء"

وصف الخبير القانوني والمحاضر في جامعة تل أبيب، البروفسور إيال غروس، قرار الحكومة الإسرائيلية بطرد طالبي اللجوء من إريتريا والسودان إلى دول إفريقية بأنها صفقة "دم مقابل دماء". وأشار إلى تصريح لرئيس رواندا بأن دولته ستتلقى مساعدات مالية من إسرائيل مقابل استيعاب طالبي اللجوء المطرودين. ورأى أن هذه الصفقة هي مؤشر آخر على تعامل الدولة مع طالبي اللجوء على أنهم "متسللون".

وأوضح غروس أن إسرائيل تهدف من وراء استخدام مصطلح "متسللين" إلى أن تصف طالبي اللجوء كمن دخلوا إلى البلاد بشكل مخالف للقانون، وحرف النقاش عن قضية لجوئهم. ولفت غروس إلى أنه "من الجدير أن نتذكر أن مصطلح ’متسللين’ ظهر لأول مرة في الخطاب الإسرائيلي في سياق اللاجئين. ففي السنوات الأولى لقيام الدولة، وقبل سن قانون التسلل في العام 1954، تطرق مصطلح ’المتسللون’ إلى مجموعتين سكانيتين: الأولى كانت مسؤولة عن ’تسلل عنيف’، كما يشرح الخبير القانوني أورن براخا في أبحاثه، وفيما المقصود الأشخاص الذين دخلوا إلى إسرائيل من أجل تنفيذ عمليات عدائية، وإلى جانبها كانت ظاهرة ’التسلل الصامت’، للأشخاص الذين تحولوا خلال حرب العام 1948 إلى لاجئين، وحاولوا العودة إلى بيوتهم، وأحيانا إلى عائلاتهم. وليس أقل من التسلل العنيف، أثار ’التسلل الصامت’ قلقا في إسرائيل، لأنه اعتبر، وبحق، بمثابة عودة اللاجئين (الفلسطينيين)".

وأضاف غروس أنه "بصورة تنطوي على تناقض، ومنذ سن تعديل قانون التسلل في العام 2012، ورفضته المحكمة العليا بصيغتيه، وكذلك التعديل الحالي الذي تنظر فيه المحكمة، تستخدم السلطات الإسرائيلية قانون التسلل ضد اللاجئين. لكن الوضع معاكس هذه المرة، لأن ’المتسللين’ ليسوا لاجئين غادروا إسرائيل ويطالبون بالعودة إليها الآن، وإنما هم لاجئون غادروا أوطانهم في إفريقيا ويخافون العودة إليها. وهكذا، يشكل قانون التسلل، وكذلك قانون الدخول إلى إسرائيل، عقبة مزدوجة أمام اللاجئين، فهو يمنع اللاجئين الذين غادروا إسرائيل من العودة، ويتطلع إلى منع لاجئين يسعون إلى إيجاد ملجأ في إسرائيل من القيام بذلك".

وكان الصحافي إيال كلاين قد كتب في موقع "هعوكيتس" الالكتروني، وهو منبر إعلامي إسرائيلي نقدي، أن سياسة إسرائيل تنطوي على "أخلاقيات مزدوجة"، لأنها تحارب ضد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، ولكنها تؤيد حق العودة للاجئين الأفارقة إلى إفريقيا. وعقب غروس على ذلك بأن "إسرائيل لا تحارب فقط من أجل حق عودة اللاجئين الأفارقة إلى إفريقيا، وإنما هي ضد تواجدهم في إسرائيل، وذلك من خلال استخدام الوسائل نفسها التي سدت بواسطتها طريق عودة اللاجئين الفلسطينيين".

وأضاف غروس أن "الموقف الإسرائيلي تجاه اللاجئين الفلسطينيين من إسرائيل هو أنه يحظر السماح لهم بالعودة إلى الأماكن التي جاؤوا منها (في فلسطين التاريخية)، وبشأن اللاجئين الأفارقة الموجودين في إسرائيل، فإن عليهم العودة إلى الأماكن التي جاؤوا منها".

وتابع غروس أن "بالإمكان مقارنة الموقف الإسرائيلي حيال اللاجئين الفلسطينيين ليس فقط مع الموقف تجاه اللاجئين الأفارقة، وإنما التدقيق أيضا في تمييز الخطاب الإسرائيلي بين حق العودة لليهود وحق العودة للفلسطينيين. وحقيقة أنهم يستخدمون كلمتين مختلفتين من أجل وصف الظاهرة نفسها، تخدم التمييز وكأن الحديث يدور عن قضيتين مختلفتين تماما. وفي المقابل، فإنه عندما يدور الحديث عن وصف الفلسطيني والإفريقي في قانون ’التسلل’ لا تستخدم كلمتان مختلفتان. وربما يعود ذلك إلى أن ’التسلل’ في سنوات الخمسين و’التسلل’ اليوم اللذين يجمعهما الاتجاه الجغرافي نفسه، إلى داخل إسرائيل، يمكن استعراضه بصورة مضللة على أنه ظاهرة واحدة. ولأن كلمة الوصف التي يتم إرفاقها بالذاكرة الجماعية لكلمة تسلل هي ’العنف’ فإن استخدام مصطلح التسلل تجاه اللاجئين يلمح إلى العنف والجريمة... وهذا الاستخدام للمصطلحات يؤكد أنه توجد حقوق في إسرائيل لكنها لليهود فقط".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات