المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ارتفاع حاد وكبير جدا في عدد الاعتقالات في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة!

المفتش العام للشرطة يخاطب أعضاء كنيست، في جلسة لإحدى اللجان البرلمانية، قائلا: "لم أترك مكانا شاغرا في المعتقلات وعما قريب سيضطر المفوض العام لسلطة السجون إلى فتح مراكز اعتقال جديدة، إضافية.... الشرطة قدمت، خلال السنتين 2012- 2013، آلاف لوائح الاتهام الإضافية... وإذا ما اتصلتم (خاطب أعضاء الكنيست!) اليوم بالقضاة أو بممثلي النيابة العامة أو بمصلحة السجون فستفهمون وتدركون ما يحصل الآن... لقد أغرقناهم بلوائح الاتهام وهم يعجزون عن تحمّل هذا العبء والقيام به... لقد أصبحوا في حاجة إلى المزيد من القضاة وإلى المزيد من مراكز الاعتقال"!!

"ينبغي للشرطة أن تفخر بكثرة الاعتقالات حتى انتهاء الإجراءات (القانونية)" ـ جملة صاعقة قد تكون صادمة لأي إنسان، بوجه عام، لكنها تثير أشدّ القلق لدى كل معنيّ بحقوق الإنسان الأساسية على وجه الخصوص. جملة قد يعتقد البعض لدى سماعها أو قراءتها، للوهلة الأولى، أن قائلها هو قائد جهاز سرّي في نظام سياسي غابر قام واستدام على القمع والبطش والإرهاب بحق مواطنيه وكل مَن خالفه. لكنّ الحقيقة المزرية هي أن قائل هذه الجملة ليس سوى "الشرطي الأول"، المفتش العام للشرطة، في دولة إسرائيل الديمقراطية، بل "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط" و"شقيقة أعرق الديمقراطيات في العالم"، التي لا تزال تتباهى بأنها "تتقاسم منظومة القيم ذاتها مع الدول الغربية (الديمقراطية، المتنورة) وشعوبها"!

ومما يزيد من الشعور بالقلق ويعمقه حيال هذه الجملة حقيقتان اثنتان، على وجه التحديد: الأولى - أن المفتش العام للشرطة، يوحنان دانينو، قال هذه الجملة في سياق محاضرة ألقاها أمام مؤتمر لـ"المراقبين الداخليين" في إسرائيل، بعدما قال المعنى ذاته في جلسة لإحدى اللجان البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي، والثانية ـ أن هذه الجملة "مرت مر الكرام" ، إجمالا، فلم تثر ما تستحقه من اهتمام وصدى، لا على مستوى المعالجة الإعلامية ولا على مستوى النقاش السياسي ـ الحزبي ولا على مستوى موقف "الرأي العام" حيالها.

واللافت أن دانينو يطرح هذا "الإنجاز" باعتباره "درة التاج" في سلسلة "نجاحات وإنجازات" الشرطة الإسرائيلية تحت قيادته، خلال الفترة التي بدأت في مطلع أيار من العام 2011 ويتوقع أن تنتهي في الأول من أيار القريب، أي بعد أقل من شهرين، بعدما كانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت، يوم 9 نيسان 2014، على تمديد ولايته في قيادة الشرطة لمدة عام واحد.

ويصرّ دانينو على "واجب المفاخرة" بهذا "الانجاز" المتمثل في زيادة عدد حالات "الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات" في إسرائيل لأن هذه الزيادة تمثل النتيجة المباشرة الأبرز لـ"خطة العمل" التي وضعها هو شخصيا لأجهزة الشرطة الإسرائيلية وأطلق عليها اسم "خطة التحوّل".

و"خطة التحول" هذه هي "طريقة قياس" أدخلها دانينو مع تسلمه قيادة الشرطة وانطلق العمل بموجبها في العام 2012 وهي تجسد "منهجية العمل" التي اعتمدها في قيادته هذا الجهاز وفي مركزها: تنفيذ أكبر عدد "ممكن" من الاعتقالات التي تفضي إلى اعتقالات حتى انتهاء الإجراءات وإلى تقديم لوائح اتهام، وهو الكفيل بتحقيق الردع وهبوط في معدلات الجريمة، بالتالي! وتُلزم هذه الخطة قادة الشرطة في الألوية المختلفة بالعمل في سبيل "تحقيق الهدف"، المتمثل في: إنهاء 16%، على الأقل، من الاعتقالات ثم الملفات (الجنائية) التي يتم فتحها في الألوية المختلفة بتقديم لوائح اتهام بحق المعتقلين!

ولا يفوّت دانينو أية فرصة للدفاع عن خطته هذه و"تأكيد حيويتها وأهميتها"، إلى درجة إصداره أوامر إلى الناطق بلسان الشرطة، رسميا، بـ"ترويج الخطة ودفعها في وسائل الإعلام"! وخلال مشاركته في جلسة للجنة الشؤون الداخلية في الكنيست، في أواسط العام 2014، وردا على سؤال وجه إليه حول رأيه بموجة الجرائم الجنائية التي اجتاحت البلاد في أواخر العام 2013، تباهى قائلا: "سأعطيكم مثالا واحدا فقط ـ الاعتقالات حتى انتهاء الإجراءات. خلال العامين 2012 ـ 2013، حققنا زيادة كبيرة في هذه الاعتقالات إذ وصلنا إلى 45215 اعتقالا كهذا، مقابل 36029 مثله خلال السنتين اللتين سبقتاهما، أي بزيادة أكثر من 9,000 اعتقال حتى انتهاء الإجراءات"!

وبعد أن حدد المفتش العام للشرطة الإسرائيلية "الهدف الأعلى" المتمثل في "تعزيز الأمن الشخصي للمواطنين ورفع مستوى ثقة الجمهور بالشرطة"(!)، لم يجد أي حرج في "التباهي"، خلال الجلسة نفسها وأمام أعضاء الكنيست، بأنه "لم يترك مكانا شاغرا في المعتقلات وعما قريب سيضطر المفوض العام لسلطة السجون إلى فتح مراكز اعتقال جديدة، إضافية"!! وبأن الشرطة "قدمت، خلال السنتين المذكورتين (2012- 2013)، آلاف لوائح الاتهام الإضافية... فإذا ما اتصلتم (خاطب أعضاء الكنيست!) اليوم إلى القضاة أو إلى ممثلي النيابة العامة أو إلى مصلحة السجون فستفهمون وتدركون ما يحصل الآن... لقد أغرقناهم بلوائح الاتهام وهم يعجزون عن تحمّل هذا العبء والقيام به... لقد أصبحوا في حاجة إلى المزيد من القضاة وإلى المزيد من مراكز الاعتقال"!!

وقال دانينو، أيضا، إن "الإنجازات التي تحققها الشرطة في الفترة الأخيرة هي إنجازات كبيرة وهامة وأعتقد، أيضا، أن هذه الفترة ستُعدّ، في المنظور التاريخي، من أكثر الفترات نجاحا بالنسبة إلى شرطة إسرائيل"!

وفي أعقاب تصريحات المفتش العام للشرطة هذه أمام لجنة الداخلية البرلمانية، نقل مراسل صحيفة "هآرتس" لشؤون الشرطة سلسلة من الشهادات الموثقة عن حالات تم فيها اعتقال أشخاص حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقهم، على الرغم من عدم توفر أي داع جدي وحقيقي، بل عدم توفر أي مبرر جدي لاعتقالهم أصلا!

ورغم مباهاة المفتش العام للشرطة بأن سياسة الاعتقالات المكثفة هذه تسمح باعتقال "مجرمين خطيرين"، على حد تعبيره، إلا أن الواضح تماما أن الضحية الأولى والأكبر لهذا الارتفاع الحاد جدا في إجراءات التوقيف والاعتقال هي الفئات السكانية الأضعف في المجتمع الإسرائيلي، وفي مقدمتها بالطبع الأقلية الفلسطينية التي يتم تنفيذ الاعتقالات بين أبنائها من مواطني إسرائيل من منطلق النظرة الإسرائيلية الأوسع والأشمل اتجاههم، أي: التعامل معهم بوصفهم "مشكلة أمنية"، وهو ما يفسر الاعتقالات الواسعة جدا بينهم، نسبيا، بصورة عشوائية في الغالب ولأغراض انتقامية ـ رغم أن القانون يحظر الاعتقال الانتقامي! ـ ناهيك عن الأهداف السياسة المختلفة. وفي السياق، أيضا، تجدر الإشارة إلى أن الاعتقالات حتى انتهاء الإجراءات القانونية التي تُفرض، بصورة أوتوماتيكية تقريبا، على الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية الذين يدخلون إلى إسرائيل من دون تصاريح ويتم إلقاء القبض عليهم، ثم اعتقالهم وتقديمهم إلى المحاكمات بتهمة "التواجد غير القانوني" (في داخل إسرائيل).

عشرات آلاف الاعتقالات سنويا!

على الرغم من أن الشرطة تعتبر الاعتقالات "إجراء ردعيا" وتفاخر بـ"إنجازاتها" في هذا المجال، إلا أن التمعن في المعطيات الرسمية، المتناقضة، التي تُصدرها يبيّن بوضوح أن نسبة كبيرة من هذه الاعتقالات هي اعتقالات تعسفية لا مبرر لها، على الإطلاق.

وعموما، تشير التقديرات الأخيرة الصادرة عن الشرطة الإسرائيلية إلى أنها (الشرطة) تنفّذ خلال السنوات الأخيرة نحو 180 ألف عملية توقيف (احتجاز) في كل سنة، ينتهي نحو ثُلثها بالاعتقال (الحبس): عشرات الآلاف من الإسرائيليين يخضعون، سنويا، لما يسمى "اعتقال أيام" ـ اعتقال لمدة ليلة واحدة، على الأقل، لغرض التحقيق قبل تقديم لائحة اتهام ـ بينما تنتهي نحو 70% من هذه الاعتقالات بدون تقديم أية لوائح اتهام بحق المعتقلين.

وأشار تقرير "النيابة الجماهيرية" الذي نشر مؤخرا إلى أن الشرطة في إسرائيل نفذت، خلال العام 2012، وحده، 62291 اعتقالا، انتهى الجزء الأكبر منها بدون تقديم أية لوائح اتهام!!

وثمة فوارق قانونية ما بين "الاحتجاز" (التوقيف)، الاعتقال (الحبس) والاعتقال حتى انتهاء الإجراءات، تتعلق بالأسباب، الدوافع، الغايات، الحقوق، الصلاحيات، الجهة المخولة وغيرها لكن ما يعني الناس منها، في العموم، هو الفارق المتعلق بالمدة الزمنية: يحق للشرطة "توقيف" شخص ما لمدة أقصاها 3 ساعات (ويحق لضابط برتبة مقدّم تمديد التوقيف لثلاث ساعات إضافية أخرى، يتوجب تدوينها). أما الحد الأقصى لمدّة الاعتقال (الأولي) المسموح بها قبل مثول المعتقل أمام قاض فتختلف تبعاً لنوع المخالفة وسنّ المشتبه بارتكابها، وهي تتراوح إجمالا بين 24 ساعة و96 ساعة (قبل تمديدها من قبل محكمة). وأما "الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات" فهو كما يدل عليه اسمه: اعتقال حتى انتهاء المحاكمة وهو اعتقال "متهم"، لا "مشتبه به". فإذا ما قدّمت لائحة اتهام بحق شخص ما (أو، إذا ما صرّح ضابط شرطة مخوّل أمام المحكمة بأن الشرطة تنوي تقديم لائحة اتهام، في غضون أيام) تكون المحكمة مخولة صلاحية إصدار أمر باعتقال المتهم حتى انتهاء محاكمته، أي حتى تُصدر المحكمة حُكمها بشأن لائحة الاتهام.

ارتفاع في عدد الاعتقالات.. هبوط في عدد لوائح الاتهام

ولفهم حقيقة هذا الارتفاع الحاد جدا في عدد الاعتقالات في إسرائيل ومدى خطورته، تنبغي العودة إلى الوراء. فقد أظهر بحث مشترك، نشرت نتائجه قبل أكثر من عام، أجرته ثلاث جامعات إسرائيلية (هي: الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب وجامعة بئر السبع) حول "برنامج الإصلاح التنظيمي في معالجة المعتقلين" الذي شُرع في تطبيقه في العام 2007، أنه خلال العامين 2010 - 2011، طرأ ارتفاع بنسبة 2% في عدد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من غير العثور على أي مبرر أو سبب لتقديم لوائح اتهام بحقهم، إلى جانب ارتفاع حاد جدا في عدد المعتقلين المحتجزين في مراكز الاعتقال المختلفة - ارتفاع بنسبة 13% في عدد الاعتقالات وبنسبة 23% في فتراتها!

وعلى الرغم من أن الشرطة ادعت، في سياق تعقيبها الرسمي على نتائج ذلك البحث، أن "المعطيات...وفق ما هو معروف لنا ... غير دقيقة"(!)، إلا أن وثائق داخلية خاصة بالشرطة تم نقلها إلى "جمعية حقوق المواطن" أظهرت، بوضوح، أن انخفاضا بنسبة 3ر2% سُجل في عدد لوائح الاتهام التي تم تقديمها إلى المحاكم خلال الأعوام 2008 ـ 2011.

وهذه الحقيقة يؤكدها، أيضا، محامو "النيابة الجماهيرية" الذين لا يتوقفون خلال السنوات الأخيرة عن التنبيه إلى الوضع الخطير والمتفاقم في كل ما يتعلق بسياسة الاعتقالات التي تنتهجها الشرطة ولا عن التحذير من الانتهاكات الخطيرة التي تنطوي عليها هذه السياسة، ليس فقط لحقوق الإنسان الأساسية وإنما لنصوص وأحكام قانونية صريحة في إسرائيل.

وفي هذا السياق، يقول رئيس "النيابة الجماهيرية"، د. يوآف سبير، إنه "يجب أن نتذكر أن الشخص الذي يتم اعتقاله للتحقيق أو حتى انتهاء الإجراءات القانونية لا يزال يعتبر بريئا. المسّ بحريته ينبغي أن يكون بمثابة وسيلة أخيرة وفي غياب أي خيار أو بديل آخر إذا ما تبين أنه يشكل خطرا على الجمهور أو يمكن أن يشوّش إجراءات قضائية. لكن توسيع سياسة الاعتقالات، كما تفعل الشرطة الآن، ينطوي على مس خطير بهذا المبدأ. فحيال هذه السياسة ونتيجة لها، قد يجد أي شخص نفسه عرضة للاعتقال، في ظروف معنية مختلفة وغير متوقعة البتة". ويضيف سبير: "تعلمنا التجربة أن الزيادة في عدد الاعتقالات تجسد خفض الحد الأدنى المطلوب للاعتقال، إلى جانب المس الخطير بالحق في الحرية".

وتشير تقديرات "النيابة الجماهيرية" إلى أن "ثُلث الاعتقالات في البلاد هي اعتقالات تعسفية لا داعي لها ولا مبرر"، والحديث هنا عن آلاف المعتقلين سنويا، بمن فيهم أطفال وأشخاص آخرون لم يتعرضوا لأي اعتقال من قبل قط. وتشير، أيضا، إلى أن عدد المعتقلين حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقهم في شهر كانون الأول من العام 2000 بلغ 238 معتقلا، بينما وصل عددهم في شهر كانون الثاني 2015 إلى أكثر من 2000 معتقل!!

"يد خفيفة على زناد الاعتقالات"!

الخطورة الكبيرة التي تشكلها وتنطوي عليها سياسة الشرطة، على حقوق الإنسان الأساسية بوجه خاص، "انتبهت" إليها أيضا الرئيسة السابقة للمحكمة العليا الإسرائيلية، القاضية (المتقاعدة) دوريت بينيش، التي وجهت نقدا لاذعا جدا لسياسة الشرطة هذه ولـ"خطة التحول" المذكورة مشيرة إلى أنها "أصيبت بالصدمة من الزيادة في عدد الاعتقالات والاعتقالات حتى انتهاء الإجراءات، كما تصرّح عنها الشرطة بمفاخرة واضحة".

وقالت بينيش، خلال كلمتها في يوم دراسي عقد في جامعة حيفا في أواسط كانون الثاني الأخير، إنها "تشكّ في وجود أي مبرر" لهذه السياسة ولهذا الواقع الذي يبدو فيه، بوضوح، أن "اليد خفيفة على زناد الاعتقالات"! وزادت أن "الاستنتاج الذي توصلت إليه هو أن ليس ثمة تلاؤم بين المكتسبات الدستورية (أي، قوانين الأساس التي تحفظ حقوق الإنسان الأساسية) وبين ما يحصل في أرض الواقع، والسؤال هو: ما العمل؟ الفجوة بين مقاصد المشرّع وبين الواقع هي لبّ النقد الذي أوجهه".

وترفض بينيش اعتبار الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات "إنجازا"، كما يقول المفتش العام للشرطة، بل ترفض أيضا وضعه ضمن "معايير تقييم عمل الشرطة وجودته"، كما يريد دانينو.

غير أن أخطر ما تضمنه نقد بينيش هو تعبيرها عن "تخوّف" من أن "قرار الادعاء بشأن تقديم طلب للاعتقال حتى انتهاء الإجراءات ليس مهنيا خالصا، بل ينطوي على اعتبارات غير موضوعية وغير مهنية"، ولذا "فالنتيجة هي زيادة هائلة في عدد الاعتقالات غير المبررة" وهو ما يشكل "تعديا خطيرا على حقوق الإنسان الأساسية"!

ويحمل هذا "التخوف" خطورة استثنائية ومضاعفة لأنه يصدر عن شخصية تعرف كامل التفاصيل وأدقها في كل ما يتعلق بعمل الأجهزة المؤتمنة على "تطبيق القانون" في إسرائيل، وهي التي أشغلت في الماضي منصب "رئيسة النيابة العامة للدولة" قبل أن تقف على رأس هرم الجهاز القضائي بتوليها رئاسة المحكمة العليا. وبالنظر إلى هذه الخلفية، ثمة ما يشدّ الانتباه ويثير التساؤل في عدم تطرق بينيش إلى الجهازين اللذين ترأستهما سنوات طويلة جدا واللذين يشكلان شريكيّ الشرطة الرئيسيين في سياق هذا النقد، التنبيه والتحذير، إذ لم يكن ممكنا، ليس ممكنا ولن يكون ممكنا، إخراج سياسة الشرطة وخططها هذه ومواصلة تنفيذها، في هذا الشأن تحديدا، بدون النيابة العامة والجهاز القضائي (المحاكم). ذلك أن النيابة العامة هي الجهة، قانونيا، التي تتقدم إلى المحكمة بطلب تمديد الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونية، فضلا عن كونها الجهة التي تعدّ وتقدم لوائح الاتهام في قضايا جنائية خطيرة، بينما لا يمكن مواصلة اعتقال أي إنسان لأكثر من ساعات (كما أوضحنا أعلاه: من 24 حتى 96 ساعة) بدون أمر قضائي تصدره المحكمة المعنية، والتي غالبا ما تفعل ذلك بدون إجراء مساءلة جدية ومعمقة للشرطة والنيابة العامة وممثليهما، بل تسارع إلى إقرار طلبات الشرطة والنيابة العامة دونما تحرٍ كاف، وخاصة في الحالات التي تزعم كلاهما بـتوفر "مواد سرية" ضد المعتقل، وهو ما يحصل عادة وبوجه خاص في الملفات / القضايا التي تسمى "أمنية"، والتي يكون فيها المعتقلون من العرب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات