المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما هو حجم العمالة الأجنبية والسياح من دون تأشيرة سارية المفعول في إسرائيل؟

تعريف: ننقل هنا الجزء الثاني والأخير من تقرير صدر حديثا عن "معهد الاستراتيجيا الصهيونية" (يميني) يقدم عرضاً مفصلاً للمعطيات المركزية ولشتى المواقف المتعلقة بما يصفه معدو التقرير "ظاهرة الأجانب والمتسللين الذين يعيشون في إسرائيل من دون أن يكونوا مواطنين فيها"، والتي كانت وما زالت تثير أصداء وردود فعل واسعة ومتباينة في الدولة العبرية. وكنا نشرنا الجزء الأول منه في العدد السابق من "المشهد".

ثانياً: العمال الأجانب

هناك خلاف بين الجهات الرسمية المختلفة في الدولة حول عدد الأشخاص الذين دخلوا إلى إسرائيل بموجب تأشيرة "عامل أجنبي". وفقا لمعطيات وزارة الداخلية- سلطة السكان والهجرة- فإن عدد العمال الأجانب الذين يعيشون حاليا في إسرائيل يصل إلى 8,665 عامل من بينهم 73631 عامل بموجب تأشيرة قانونية، و15034 عامل انتهى مفعول تأشيرتهم وما زالوا يمكثون في إسرائيل بصورة مخالفة للقانون.

أما مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فإنه لا يميز من جهته في المعطيات الصادرة عنه، بين عمال أجانب قانونيين وعمال أجانب انتهى مفعول تأشيرة الدخول والعمل الممنوحة لهم. ويتضح من معطيات إجمالية نشرها مكتب الإحصاء المركزي في نهاية العام 2013، أنه من بين العمال الأجانب الذين دخلوا إلى البلاد ابتداء من العام 1995، ما زال يعيش في إسرائيل ما مجموعه 99500 عامل أجنبي، وهو رقم أعلى من الرقم الذي أوردته سلطة السكان والهجرة. ويشار في هذا السياق إلى أن حركة دخول العمال الأجانب إلى إسرائيل، بدأت قبل العام 1995، ومن هنا يمكن الافتراض أن عدد العمال الأجانب الذين ما زالوا يتواجدون في إسرائيل، أعلى من الرقم الذي أورده مكتب الإحصاء المركزي، فيما لو كانت المعطيات تشمل أيضا العمال الذين دخلوا إلى البلاد قبل العام المذكور.

فضلا عن ذلك، فإن مكتب الإحصاء المركزي يعرض سنويا معطيات حول كمية العمال الأجانب الذين دخلوا إلى إسرائيل في كل عام وكمية العمال الذين غادروها في العام ذاته، ابتداء من العام 1995. وبناء على ذلك، يمكن ملاحظة أن عدد العمال الأجانب القادمين مع خصم عدد العمال المغادرين، بلغ (في نهاية العام 2013) ما مجموعه 101400 عامل أجنبي، وهو رقم يختلف عن الرقمين المذكورين آنفا.

إجمالاً فإن معطيات وزارة الداخلية تشير إلى أن عدد العمال الأجانب الذين يعيشون حاليا في إسرائيل، يبلغ حوالي 88 ألف عامل، يتواجدون بصورة قانونية وغير قانونية، في حين تظهر معطيات مكتب الإحصاء المركزي أن عدد العمال الأجانب الذين يعيشون حاليا في إسرائيل يبلغ حوالي 100 ألف عامل. في المقابل، تشير معطيات تضمنها تقرير "لجنة سوفير لوقف التسلل إلى إسرائيل"، إلى أن كمية العمال الأجانب في إسرائيل أعلى بكثير، ووفقا لهذا التقرير فإن عدد العمال الأجانب الذين يعيشون في إسرائيل (بصورة قانونية وغير قانونية) يتراوح حاليا بين 100 ألف و200 ألف عامل، لكن هذه الأرقام غير مسنودة بمعطيات رسمية.

البلدان الأصلية

وفقا للمعطيات الرسمية فإن البلدان الأصلية الرئيسة التي قدم منها العمال الأجانب إلى إسرائيل، هي: تايلاند، الفلبين، ودول الإتحاد السوفييتي سابقا.

وتبين تفاصيل معطيات صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن العمال الأجانب الذين دخلوا بموجب تأشيرة عمل، ومكثوا في إسرائيل في نهاية العام 2012، قدموا من تايلاند (26%)، الفلبين (22%)، دول الاتحاد السوفييتي سابقا (11%)، رومانيا (7%)، الهند (8%)، والباقي من دول أخرى ومنها نيبال، سيريلانكا والصين. ووفقا لهذه المعطيات، فقد بلغ عدد العمال الأجانب الذين قدموا إلى إسرائيل في العام 2012 من دول الاتحاد السوفييتي سابقا حوالي 5800 عامل (20% من مجموع العمال القادمين بموجب تأشيرة عمل)، ومن الفلبين حوالي 5000 عامل (17%)، وحوالي 3800 عامل من تايلاند (13%). وفي العام 2011 دخل إلى إسرائيل حوالي 9800 عامل أجنبي من تايلاند (30% من مجموع العمال الأجانب الذين دخلوا إلى إسرائيل في العام ذاته)، ونحو 5800 عامل من دول الاتحاد السوفييتي سابقا (18%)، و5400 عامل من الفلبين (17%).

وتبين معطيات مكتب الإحصاء المركزي أن متوسط عمر العمال الأجانب الذين يعيشون حاليا في إسرائيل، يبلغ 2ر40 عام، وأن 52% من هؤلاء العمال هم من الرجال، و 48% نساء.

ووفقا لمعطيات سلطة السكان والهجرة التابعة لوزارة الداخلية، فإن أكثرية العمال الأجانب المتواجدين بصورة قانونية في إسرائيل (58%) يعملون في مجال رعاية المسنين والمرضى، فيما يعمل 30% من العمال الأجانب في فرع الزراعة، و 8% في فرع البناء، ونحو 4% يعملون كخبراء في مجالات مختلفة، والباقي كعمال في فروع الصناعة والفنادق والمطاعم وغيرها.

حجج مع وضد استيعاب العمال الأجانب

من بين الحجج التي ذكرت آنفا في سياق الموقف المعارض لاستيعاب المتسللين (الأمنية والاجتماعية والصحية والديمغرافية) فإن الحجة المركزية التي تطرح ضد استيعاب العمال الأجانب في إسرائيل، هي الحجة الديمغرافية. صحيح أن مآل العمال الأجانب، في الظاهر، هو العودة إلى الدول التي قدموا منها، غير أن الملاحظ من ناحية عملية هو أن الكثيرين منهم يستقرون في إسرائيل، وأن وزارة الداخلية تواجه صعوبة في طردهم من البلاد حتى بعد انتهاء مفعول تأشيرة العمل الممنوحة لهم.

وقد تطرق إلى هذه الحجة تقرير "لجنة أكشتاين" (لجنة شكلتها الحكومة برئاسة البروفسور تسفي أكشتاين، نائب محافظ بنك إسرائيل، بغية رسم سياسة لمعالجة مسألة العمال الأجانب في إسرائيل، وقدمت استنتاجاتها في العام 2007)، وجاء في تقرير هذه اللجنة: "إن تشغيل عمال غير إسرائيليين بحجم واسع وكبير، ينطوي على انعكاسات بعيدة المدى على المجتمع الإسرائيلي. ويدور الحديث في المقام الأول حول عمليات هجرة تؤدي إلى اتساع مجموعات أقلية ذات رابطة هشة بالهوية القومية، وإلى قيام جاليات منعزلة تعاني من إهمال بيئي، كما هو حاصل لدى جاليات مهاجرين في أوروبا الغربية".

مع ذلك فإن النقاش المركزي فيما يتعلق بالعمال الأجانب يتناول في شكل رئيس مساهمتهم في الاقتصاد الإسرائيلي. فمن جهة، ثمة من يقول بأن وجود العمال الأجانب يضر بتشغيل وفرص عمل الإسرائيليين، وقد ورد، على سبيل المثال، في تقرير "لجنة أكشتاين" أن تشغيل عمال أجانب "يضر بفرص وإمكانات تشغيل إسرائيليين غير مهرة أو حرفيين، ويمس بأجورهم. فضلا عن ذلك، فإنه يعيق دمج تقنيات جديدة، ويشجع نشاطات اقتصادية لا تمتلك إسرائيل فيها أفضليات نسبية".

هذا الإدعاء (الحجة) ورد أيضا بحدة أكبر في ورقة موقف أعدها طاقم برئاسة البروفسور أكشتاين، وصدرت عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" و"منتدى قيساريا" الاقتصادي، وجاء فيها: إن زيادة العرض لعمال ذوي مهارات متدنية وأجر منخفض بشكل خاص، تولد ضغطا فوريا لخفض أجور عمال من ذوي المهارات المتدنية أكثر. إن القدرة الأفضل للمهاجرين وعدم مطالبتهم أو توجههم للحصول على خدمات الرفاه الاجتماعي، يدفعان عمالا محليين، بصورة عرضية (واسعة) وفي الفروع المشابهة، للعمل في أشغال بأجر منخفض، وكذلك إلى الاعتماد على جهاز الرفاه المحلي الذي يخرج قسما منهم من سوق العمل، وكنتيجة لذلك تتسع أبعاد الفقر وعدم المساواة في مدخولات السكان المحليين.

كذلك فقد أثيرت هذه الحجة مؤخرا أيضا في تقرير "اللجنة لمكافحة الفقر في إسرائيل" والذي جاء فيه: "إن تشغيل العمال الأجانب يضر في المقام الأول بالعمال الإسرائيليين ذوي المهارات المتدنية، والذين يجدون أنفسهم مضطرين للخروج من الفروع التي يشغل فيها عمال أجانب، وذلك لكونهم لا يستطيعون التنافس في ظل مستويات الأجور (المنخفضة) التي يتقاضاها العمال الأجانب"، وقد أوصت اللجنة، بناء على ذلك، بتقليص عدد العمال الأجانب في إسرائيل.

في المقابل يدعي أرباب العمل أن الإسرائيليين غير معنيين بالعمل في مجالات "العمل الأسود" كالزراعة أو البناء، ولذلك لا مفر من تشغيل عمال أجانب في هذه المجالات.

إلى ذلك، فقد عارض بوعز أراد، من "معهد القدس لدراسات السوق" في ورقة موقف نشرت في تشرين الثاني 2009، الادعاءات والحجج التي تطرحها الجهات الحكومية فيما يتعلق بموضوع العمال الأجانب، وجاء في ما كتبه أراد: "بصورة عامة، تظهر استنتاجات أبحاث كثيرة جرت في أوروبا وفي إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – OECD، وكذلك معطيات زيادة التشغيل والإنتاج في الاقتصاد الإسرائيلي في موازاة زيادة عدد العمال الأجانب، أن تأثير عمل المهاجرين على مستوى البطالة، تأثير هزيل، بل وينطوي بشكل عام على تأثير إيجابي على السوق المحلية. ولكن في إسرائيل تميل الوزارات والدوائر الحكومية إلى اقتباس أبحاث تمثل الشاذ عن القاعدة". بالإضافة إلى ذلك، يدعي أراد أن "التعامل مع العمال الأجانب في إسرائيل، والقيود والعقبات التي توضع في طريقهم، لا ينسجمان مع تطلع إسرائيل نحو إقامة مجتمع حر ومنفتح، والالتزام بالمعايير المتبعة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".

إجراءات لخفض عدد العمال الأجانب

اتخذت الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة سلسلة قرارات تهدف إلى خفض كمية العمال الأجانب في إسرائيل. وقد استهدفت هذه القرارات بشكل رئيس خفض عدد العمال الأجانب في فرعي الزراعة والبناء، حيث حددت الحكومة حصة (كوتا) مقيدة في هذا الصدد، في حين أنها لم تحدد كوتا مقيدة لكمية العمال الأجانب في الفروع الأخرى، وخاصة في مجال رعاية المسنين والمرضى. وقد كان من المفروض، بموجب قرارات الحكومة، خفض كمية التأشيرات للعمال الأجانب في فرع البناء من 8000 تأشيرة إلى 5000 تأشيرة في العام 2011، والعمل فيما بعد على تقليص كمية التأشيرات بصورة تدريجية حتى الصفر، غير أن الحكومة عادت واتخذت قراراً في تموز من العام ذاته بإبقاء كمية هذه التأشيرات على حالها (8000 تأشيرة) لمدة عامين آخرين (حتى تموز 2013) على أن يتم تقليص عددها تدريجيا إلى صفر بحلول العام 2016. وقد بلغ عدد العمال الأجانب الذين عملوا حتى تشرين الأول 2014 في فرع البناء الإسرائيلي حوالي 7100 عامل، منهم 1019 عاملاً عملوا في هذا الفرع بصورة غير قانونية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه سجلت في المقابل، في السنوات الأخيرة، زيادة تدريجية في تشغيل الإسرائيليين "المتسللين" الأفارقة في فرع البناء. كذلك الحال فيما يتعلق بفرع الزراعة، الذي فرضت الحكومة فيه قيودا تهدف إلى خفض عدد العمال الأجانب. ففي العام 2011 كان من المفروض خفض كمية العمال الأجانب في هذا الفرع من 26000 عامل إلى 24500 عامل، إلا أن الحكومة عادت وقررت إبقاء الكمية المحددة كما هي (26000 عامل) وتحويل الخفض المخطط له إلى الأعوام القادمة. وتقضي الخطة الحكومية بإجراء خفض تدريجي سنوي بنحو 1500 عامل أجنبي في فرع الزراعة، وصولاً إلى وضع يكون فيه عدد العمال الأجانب العاملين في هذا الفرع بحلول العام 2016، حوالي 18900 عامل. في البداية التزمت الحكومة بالهدف الذي وضعته لنفسها على هذا الصعيد، إذ انخفض عدد الأجانب العاملين في فرع الزراعة بصورة قانونية في تشرين الأول 2013، إلى 20776 عاملاً، غير أن عدد العمال الأجانب العاملين في هذا الفرع عاد ليرتفع في تشرين الأول 2014 إلى 21879 عاملا.

ثالثا: سياح من دون تأشيرة سارية المفعول

توجد في إسرائيل مجموعة كبيرة من الأجانب الذين دخلوا إلى الدولة كسياح، وما زال هؤلاء يعيشون فيها حاليا من دون تأشيرة قانونية سارية المفعول. ووفقا لتقدير جهات مهنية في وزارتي الداخلية والاقتصاد، فقد بقيت الغالبية الساحقة من هؤلاء "السياح" الذين قدموا إلى إسرائيل من دول غير متطورة، من أجل العمل. وتواجه السلطات الإسرائيلية صعوبة في إبعاد هؤلاء الأجانب (المقيمين في إسرائيل بصورة غير قانونية) نظرا لصعوبة العثور عليهم أو معرفة مكان إقامتهم وتواجدهم، خلافا لـ"المتسللين" والعمال الأجانب القانونيين الذين يتواجدون في أماكن إقامة وعمل معروفة للسلطات.

ووفقا لتقديرات يجريها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي لكمية السياح الذين واصلوا البقاء في إسرائيل من دون تأشيرة إقامة سارية المفعول، فقد ارتفع عدد هؤلاء السياح بشكل دائم خلال الفترة الممتدة بين العام 1995 والعام 2001 والذي ظل عددهم في نهايته (نهاية 2001) رقما قياسيا بلغ 139 ألف سائح من دون تأشيرة سارية المفعول، وظل عدد مثل هؤلاء السياح يتراوح بين هبوط وصعود طوال الأعوام اللاحقة، وبحسب تقديرات مكتب الإحصاء المركزي، فقد بلغ عدد السياح الأجانب الذين تواجدوا في إسرائيل في نهاية العام 2013، من دون حيازة تأشيرة سارية المفعول، حوالي 90 ألف سائح. ويعزى التذبذب في كمية السياح من دون تأشيرة سارية المفعول، إلى عاملين رئيسين، أولهما الوضع الأمني في دولة إسرائيل، والثاني السياسة التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد.

ويتبين من معطيات نشرها مكتب الإحصاء المركزي أن عدد السياح المتواجدين من دون تأشيرة سارية المفعول انخفض بصورة ملموسة في فترة موجة الهجمات المسلحة (الانتحارية) التي شهدتها إسرائيل في السنوات الأولى من الألفية الثانية، في المقابل عادت كمية هؤلاء السياح إلى الارتفاع تدريجيا ابتداءً من العام 2005، ليصل عددهم في العام 2008 إلى 107 آلاف سائح من دون تأشيرة سارية المفعول.

وفي أعقاب قرار اتخذته حكومة إيهود أولمرت في آب 2008 بشأن إبعاد الماكثين في إسرائيل بصورة غير قانونية، أخذ عدد السياح الأجانب المتواجدين في الدولة من دون تأشيرة سارية المفعول، يتقلص تدريجيا، لكن عددهم انخفض عمليا فقط بحوالي 17 آلف شخص، ومن هنا يقدر عدد السياح الأجانب الذين يقيمون حاليا في إسرائيل بدون تأشيرة سارية المفعول بحوالي 95 ألف شخص، من بينهم أكثر من 60% (حوالي 55300 سائح) قدموا إلى إسرائيل من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، وهو ما يساعدهم ويسهل عليهم الاندماج في المجتمع الإسرائيلي (والبقاء للعمل في إسرائيل) الذي يتألف من مجموعة كبيرة من المهاجرين الروس ومن دول الاتحاد السوفييتي سابقا.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات