المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

(وجهة نظر إسرائيلية حول السياسة الخارجية المصرية الجديدة في ظل رئاسة محمد مرسي)

بقلم: تسفي مازائيل (*)

يقوم الرئيس المصري، محمد مرسي، في هذه الآونة، بوضع أسس واتجاهات سياسته الخارجية الجديدة، والتي تبتعد كل البعد، بل وتتناقض مع السياسة الخارجية للرئيس السابق حسني مبارك.

وتسعى هذه السياسة إلى دفع وتجسيد هدف حركة الإخوان المسلمين الممثل في إقامة معسكر إسلامي ذي قوة ووزن في الساحة الدولية.

وقد صرح د. محمد عصمت سيف الدولة، وهو عضو في طاقم مستشاري الرئيس مرسي، في مقابلة مع جريدة "الشرق الأوسط" (20/9/2012)، بأن العلاقات الخارجية لـ "مصر الثورة" سوف ترتكز على "تحرر مصر الجديدة من أية هيمنة أو نفوذ لأية دولة أجنبية"، وأن على المجتمع الدولي أن يفهم بأن مصر لن تتصرف كما كانت عليه الحال في الماضي، وأن النظام الجديد "سوف يتمسك ويصر على استقلالية قراراته في العلاقات الخارجية".

وأضاف أن الولايات المتحدة كانت في عهد مبارك تتحكم في السياسة الخارجية المصرية، لدرجة أن كل عضو في الكونغرس الأميركي كان يهدد مصر بقطع المساعدات عنها، وقال : "الآن أصبح هذا غير ممكن وهذه هي رسالة مصر الرئيسة إلى الولايات المتحدة".

هذا التصريح الواضح يشف عن أن مصر لم تعد تشكل حليفا للولايات المتحدة، وأن أي طلب من جانب واشنطن سوف يدرس بملموسيته بناء على المصلحة المصرية.

مصر والبحث عن زعامة

الدول الإسلامية!

لم تعد "مصر الإخوان" زعيمة للدول العربية البراغماتية في مواجهة إيران، بل على العكس فهي تسعى لفتح حوار مع إيران ومع سائر الدول العربية من أجل تحقيق هدفها المركزي المتمثل في إقامة خلافة إسلامية، أو على الأقل كتلة إسلامية بزعامة الإخوان المسلمين.

ومن الواضح أن العالم العربي حاليا مركب ومعقد بشكل لا يتيح تحقيق مثل هذه الأهداف الخيالية بصورة فورية. إلى ذلك فإن الإخوان المسلمين يحتاجون في مصر ذاتها إلى فترة انتقالية من أجل توطيد سلطتهم. صحيح أن ما يسمى بـ "الربيع العربي" أتاح للإخوان المسلمين إمكانية الوصول إلى سدة الحكم في عدد من الدول المهمة، بيد أنه تسبب أيضا في ظهور وانتعاش حركات سلفية متطرفة قد تشكل خطرا على حركة الإخوان التي تسعى إلى فرض الشريعة الدينية بشكل تدريجي، وإيجاد السبيل الملائم لتوحيد الدول الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك فإن إيران الشيعية تهدد السعودية ودول الخليج وتستخدم سورية وحزب الله كرأس حربة لتآمرها في الشرق الأوسط.

إن من الواضح للرئيس مرسي أنه سيضطر إلى التصرف بحذر شديد إذا ما كان يرغب في تحييد إيران والدخول في حوار معها ومع السعودية في ذات الوقت. وقد أجرى مرسي، في أثناء مشاركته في قمة دول عدم الانحياز في طهران وقمة الدول الإسلامية في الرياض، حواراً مركبا مع زعماء هاتين الدولتين المهمتين اللتين يحتاج إليهما من أجل دفع أجندته الإسلامية قدما. ففي الرياض طلب مرسي من عاهل السعودية مساعدات لبلاده، ودعا أيضا إلى إقامة مجموعة اتصال إسلامية تضم مصر والسعودية وإيران وتركيا وذلك لمناقشة المشكلة السورية. من الواضح هنا أن نية مرسي هي: ضرورة الوحدة رغم النزاعات بين الدول الإسلامية، وضرورة إظهار القوة. وقد تمخض عن لقاء مرسي مع احمدي نجاد بيان جاء في خلاصته: "مصر وإيران شراكة إستراتيجية". مع ذلك فقد أعرب مرسي في خطابه في قمة دول عدم الانحياز في طهران، عن تأييده الصريح للمتمردين في سورية، وهي خطوة مناوئة لإيران، لكنها ضرورة يمليها الواقع من وجهة نظره، ذلك لأن المعارضة السورية سنية وتتكون بالأساس من الإخوان المسلمين والسلفيين. مع ذلك فقد أوضح مرسي أن إيران ليست عدوا لمصر، وأن هناك ضرورة للتحدث والحوار معها حول حل الأزمة السورية، مما يشير إلى أن التقارب مع طهران طريقه وعرة، لكنه، أي مرسي، يعتقد أن مصلحة البلدين تقتضي جسر هوة الخلافات والوقوف في مواجهة الغرب.

ويستند هذا التقارب إلى سياسة خارجية ينطوي الدافع الديني فيها على أهمية من الدرجة الأولى. صحيح أن مصر اليوم دولة ذات نظام سني متطرف وأن إيران شيعية متطرفة، غير أنه يمكن للتضامن الإسلامي أن يتغلب على هذه العقبات وأن يتيح إمكانية التوصل إلى حلول وسط في مواجهة الغرب العلماني.

في أول لقاء في القاهرة لممثلين عن الدول الأربع (قبل نحو ثلاثة أسابيع) تم الاتفاق على عقد اجتماع لوزراء الخارجية والذي عقد بعد ذلك ببضعة أيام، لكن الجميع فوجئوا بغياب الممثل السعودي. في الرياض عللوا ذلك بأن وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل يتماثل للشفاء من عملية جراحية، لكن ذلك لم يكن السبب لمنع إرسال ممثل آخر رفيع المستوى. وعلى ما يبدو فإن السعودية لم تقتنع في هذه المرحلة بإمكانية الجلوس حول مائدة واحدة مع إيران وهي تحتاج لمزيد من الضمانات.

بالإضافة إلى ذلك ينبغي الإشارة إلى أن السعودية ودول الخليج تنظر إلى حركة الإخوان المسلمين المصرية بشكوك كبيرة لأن الإخوان ورطوا هذه الدول في تصدير الإسلام إلى الغرب، فقبل مجيء الإخوان المسلمين إلى السعودية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث هربوا من قمع عبد الناصر، لم تكن الحركة الوهابية السعودية تفكر في تصدير الإسلام إلى الغرب. إلا أن سعيد رمضان، السكرتير الشخصي لحسن البنا، هو الذي أقنع الملك فهد بإقامة الجامعة الإسلامية العالمية حتى تقيم مراكز ثقافية إسلامية ومساجد في الدول الغربية، وهكذا بدأ نشر الإسلام في الغرب والذي تطور بعد ذلك إلى إقامة منظمات إسلامية متطرفة شرعت عناصرها في تنفيذ "عمليات إرهابية".

يتعين على مرسي أن يبدد هذه الشكوك وإيجاد حل وسط وتفاهم بين السعودية وبين إيران وهذا لن يكون سهلا، لكنه بدأ مهمته.

منذ سقوط مبارك، وقبل أن يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة، كانت هناك عدة إشارات إلى احتمال التقارب بين مصر وإيران، وقد بذلت هذه الأخيرة من جانبها جهودا كبيرة للتقارب مع مصر وأرسلت إلى القاهرة عدة مندوبين وأعلنت أنها على استعداد لتقديم المساعدات الاقتصادية إلى مصر، بل وتطوير برنامجها النووي لأغراض سلمية بالطبع.

وفي الأسبوع قبل الفائت خطا مرسي خطوة أخرى في هذا الاتجاه في أثناء الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا حيث أيد مشروع القرار الإيراني بتغيير أهداف الوكالة. فقد قدمت إيران مشروع قرار يقضي بأن تناط بالوكالة مهمة نزع السلاح النووي في العالم وهي مشكلة صعبة ومعقدة ليس هناك إجماع حولها، وبذلك فإن إيران تطمح في إضعاف نفوذ وقوة الوكالة الدولية فيما يتعلق بمهامها الرئيسية وقد كانت هناك نية في تفعيل عمل الوكالة الدولية وجعلها تركز على إسرائيل في إطار المبادرة المصرية المطروحة منذ عهد الرئيس مبارك، في إقامة منطقة حرة ومنزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط. غير أن إسرائيل تعارض هذه المبادرة طالما لم يتحقق السلام في المنطقة.

ولم تتردد مصر مرسي في الانضمام إلى مشروع القرار الإيراني في مواجهة معارضة معظم الدول ومن بينها روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. صحيح أن المشروع رفض، لكن أصبح واضحا للجميع أن مصر تخطو خطوة هامة في التقارب مع إيران وتتبنى موقفا معاديا للغرب.

دفع البرنامج

النووي المصري

فيما يتعلق بالبرنامج النووي المصري ينبغي أن نتوقع بأن تسعى مصر الآن إلى دفع برنامجها الرامي إلى إقامة أربعة مفاعلات لتوليد الكهرباء في منطقة الضبعة التي تبعد حوالي 160 كم غرب الإسكندرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكان هذا البرنامج قد وضع في الثمانينيات غير أن تنفيذه أجل في أعقاب انفجار مفاعل تشرنوبيل.

وفي العام 2008 أعلن مبارك أن مصر تحتاج للطاقة النووية من أجل سد احتياجاتها من الطاقة الكهربائية المتزايدة (في العام 2025 سيكون في مصر 100 مليون نسمة) وأن مشروع بناء المفاعلات ما زال مطروحا. غير أن هذا لم يكن السبب أو المبرر، فمما لا شك فيه أن تقدم إيران، عدو مصر، في المجال النووي كان عاملا دافعا: إذ لا يجوز أن تبقى مصر، كبرى الدول العربية، متخلفة عن إيران في هذا المجال الهام.

في أثناء زيارته للصين قبل عدة أسابيع صرح مرسي لمجموعة من المهندسين المصريين الذين يعملون في الصين بأنه سيعمل على تحقيق هذا البرنامج.

يشار إلى أن مسؤولين بارزين في حركة الإخوان المسلمين عبروا في الماضي عن تأييدهم لتطوير سلاح نووي في مصر أو في الدول الإسلامية "من أجل بث الرعب لدى أعدائنا" وفقما صرح به الشيخ يوسف القرضاوي في إحدى مواعظه في العام 2009.

الموقف من الهجمات على السفارة الأميركية-

دليل على سياسة خارجية مصرية جديدة

شكل سلوك مرسي في أثناء المظاهرات ضد السفارة الأميركية مؤخرا مدخلا لسياسته الجديدة تجاه الولايات المتحدة.

فهو لم يعزز قوات الأمن لحماية السفارة على الرغم من أنه كان على علم بنوايا تنظيم المظاهرات وأن الأمر يتعلق بحركات سلفية جديدة، وحتى عندما تسلق المتظاهرون سور السفارة وأنزلوا العلم الأميركي وداسوا عليه بأقدامهم فإن قوات الأمن بقيت مكتوفة الأيدي متفرجة. ولم يندد مرسي بالعنف إلا بعد أن استخدم أوباما الضغوط عليه، وحتى حين فعل ذلك فقد فعله على استحياء.

مرسي: فترة الهيمنة الأميركية

انتهت والإسلام هو المستقبل

قبيل سفره إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة صرح مرسي في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز (23/9/2012) أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تهدئ من غضب العرب فهي مطالبة بتصحيح مسارها وينبغي عليها أن تحترم العالم العربي وقيمه، حتى وإن كانت تتعارض وتتناقض مع قيمها. وإذا كانت تريد من مصر أن تحترم معاهدة السلام مع إسرائيل فإن عليها (أي الولايات المتحدة) أن تحترم اتفاقيات كامب ديفيد التي تقضي بحل القضية الفلسطينية والعمل على إقامة دولة فلسطينية. لكن معاهدة السلام مع مصر هي اتفاق قائم بذاته، وهي نتاج مفاوضات ثنائية جرت بين مصر وإسرائيل بتشجيع ورعاية من الولايات المتحدة.

إن الرسالة الواضحة الموجهة إلى الشعب المصري والدول العربية من خلال هذه المقابلة هي أن فترة الهيمنة الأميركية قد انتهت، وأن الإسلام هو المستقبل، وأن الإخوان المسلمين سيغيرون ميزان القوى في الحلبة الدولية.

وعلى ما يبدو فإن مرسي لا يخشى من أن ترجئ الولايات المتحدة أو تلغي المساعدات السنوية لمصر والبالغة 5ر1 مليار دولار، فهو واثق من أنه بمساعدة العالم العربي (وربما إيران أيضا) سوف يجد بديلا للمساعدات الأميركية، وهو يشعر بأنه لا يجازف بذلك وأنه يعرف جيدا موقف الغرب المتراجع في مواجهة الإسلام، كما أنه يتذكر أيضا خطابي أوباما المهادنين تجاه الإسلام في أنقرة والقاهرة. لقد تحول ما صرح به كبير مستشاري مرسي أعلاه إلى واقع، ولم يعد مرسي يتورع أو يخشى من الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة. وهذا الوضع الجديد سوف تكون له بطبيعة الحال انعكاسات خطيرة على إسرائيل.

__________________________

(*) سفير إسرائيل الأسبق في القاهرة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات