المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: أورن يفتاحئيل (*)

نُشر مؤخرًا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قرّر مؤخرًا عدم اعتماد "تقرير القاضي إدموند ليفي"، بالتزامن مع استعداد قوات الأمن لإخلاء بؤرة "ميغرون" الاستيطانية. لكن لا تجعلوا هذه التفاصيل تضللكم، فربما سيتم تحريك "ميغرون" عدة أمتار، وربما لن يتم اعتماد تقرير ليفي رسمياً، لكنه سيواصل توجيه الكولونيالية اليهودية المستمرة في المناطق الفلسطينية.

كما هو معلوم فقد فاجأ تقرير القاضي ليفي الكثيرين حين ادعى أن منطقة "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) ليست تحت احتلال ولذلك يجب إعطاء شرعية قانونية لكل المواقع الاستيطانية والمستوطنات. والمصادقة على مكانة "جامعة أريئيل" ساهمت في تأجيج الأمر.

وقد واجهت هذه القرارات ردود فعل متوقعة من جانب رجالات الوسط (المركز) واليسار، والذين أكدوا مراراً أن الضفة الغربية تخضع لنظام احتلال، ولذلك فإن إقامة مستوطنات ومؤسسات إسرائيلية في هذه المنطقة يقع في نطاق المحظور.

ولكن قد يكون القاضي ليفي محقاً في أمر واحد... فربما أن مصطلح "احتلال" لم يعد يلائم النظام القائم في "يهودا والسامرة"؟

ما أدعيه هو أن الاحتلال تحول منذ زمن إلى عملية كولونيالية أعمق بكثير، تشمل سيطرة وسلباً واستيطاناً وأسرلة دائمة للمنطقة ومواردها، وكل ذلك وسط إبقاء السكان الفلسطينيين في مكانة دونية. فالاحتلال هو احتلال عسكري ومؤقت، على غرار الاحتلال في جنوب لبنان، دون طرد أو سلب أو استيطان مدني دائم.

صحيح أن تقرير لجنة القاضي ليفي حافل بالتحريف والتشويه، وفي مقدمة ذلك الادعاء بأن وعد بلفور يعطي اليهود حقاً في السيادة المطلقة على كامل فلسطين، كما لو أن القانون الدولي تجمد منذ العام 1917. ويتجاهل تقرير ليفي أيضاً، بروح الكولونيالية، الحقوق الجماعية لـ 90% من سكان المناطق- الفلسطينيون- كما لو كانت هواء.

مع ذلك فهو لم يأت عبثاً. فقد صاغ تقرير ليفي علناً ما هو واضح منذ زمن بعيد: المناطق اليهودية في الضفة الغربية لا تقع تحت نظام احتلال! ففي هذه المناطق التي تمتد على قرابة نصف مساحة الضفة، يطبق منذ وقت بعيد القانون الإسرائيلي، وكأنها جزء من إسرائيل ذاتها. من المهم أن لا يؤدي شطب التقرير إلى إخفاء ذلك عن أعين المجتمع الإسرائيلي.

إن الاستعمار الاستيطاني المستمر للضفة الغربية أكثر خطورة من أي تهديدات أخرى تتعرض لها إسرائيل، ومن ضمن ذلك قنابل إيران. فالحديث هنا لا يدور على تهديد عسكري خارجي من جانب النظام الإيراني الديني المتهور، وإنما يتناول تهديداً داخلياً عميقاً ومدمراً يقود المجتمع الإسرائيلي إلى إقامة نظام أبارتهايد زاحف في المناطق لا أحد يعلم كيف ستكون نهايته.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي تطبق إسرائيل القانون الإسرائيلي على المستوطنين كافة، في كل مكان يضعون فيه أمتعتهم وكرفاناتهم. وقد أوجدت إسرائيل عبر سلسلة من الحيل القانونية، منظومة قوانين تفصل وتميز بين المستوطنين اليهود الذين يتمتعون بحقوق مدنية كاملة وبين السكان المحليين المجردين من الحقوق. في المقابل "سجلت" إسرائيل مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية الخاصة، باسم الدولة، عن طريق تحريف القانون المحلي والدولي، وقامت بنقلها إلى مستودعات دائرة أراضي إسرائيل. وفيما بعد حظي تقريباً كل موقع استيطاني ومؤسسة يهودية باعتراف واقعي من قبل مؤسسات الدولة.

في المقابل، فإن الفلسطينيين، الذين يكفل لهم القانون الدولي الحق في السيادة على أراضي الضفة الغربية، يواصلون الرزوح تحت نير نظام - حكم - عسكري فظ وعنيف، وسط منع توسيع قراهم وبلداتهم أو إقامة أخرى جديدة، وفرض قيود صارمة على تنقلهم ومنعهم من الدخول إلى إسرائيل.

كما محت إسرائيل على امتداد السنوات الخط الأخضر بالنسبة لليهود، لكنها رفعته تجاه الفلسطينيين. وقد ساهم "الإرهاب" الفلسطيني في تدهور الوضع حين مكن إسرائيل من تسريع وتائر الاستيطان تحت غطاء اعتبارات الأمن.

سيسأل الكثيرون: كيف يمكن بقاء وضع كولونيالي في مناطق وأقاليم تاريخية تعود لشعب آخر؟

لا خلاف على أن لليهود رابطة تاريخية ودينية بـ "يهودا والسامرة"، لكن هذه الرابطة لا تفضي بالضرورة إلى السيادة. فكروا على سبيل المثال في ما كان يمكن أن يحدث إذا ما سيطر الشعب العربي- السوري على إسرائيل واستوطن فيها بادعاء أنه وريث الأنظمة العربية التي قامت هنا في الماضي؟! مثل هذه الخطوة ستشكل خطوة كولونيالية محرمة بسبب حق الإسرائيليين (اليهود) في تقرير المصير، على الرغم من الماضي العربي السيادي في البلاد.

هناك ادعاء فلسفي معروف يقول إن "التغيير الحقيقي يبدأ بتسمية الأشياء بمسمياتها الدقيقة". لذا، من الأفضل التعامل مع الضفة الغربية كمنطقة "مستعمرة" وليست محتلة، تماماً مثلما كانت إيرلندا في أيدي البريطانيين، أو كوسوفو في أيدي الصرب. هذا الكلام ليس لغوا معنوياً وإنما بداية تغيير في الوعي النظري والسياسي.

إن التحدي المنتصب أمام محبي السلام هو الانتقال من هذا الوضع باتجاه مستقبل تصالحي ما بعد كولونيالي، يشمل أيضاً مسؤولية الدولة تجاه سكان المستوطنات التي أقامتها في المناطق، وكذلك تجاه السكان الفلسطينيين وحقوقهم.

إذا ما نجح النقاش حول تقرير ليفي في حث أنصار السلام على تبني مصطلحات أكثر دقة وانتقادية، فربما تكون في ضارة نافعة!

_____________________

(*) أستاذ الجغرافيا السياسية والقانونية في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع. ترجمة خاصة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات