المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سجّل شهر شباط 2003 انخفاضاً كبيراً في عدد المصابين الاسرائيليين نتيجة العمليات الفلسطينية المسلحة، ليكون اقل شهر تقع فيه اصابات إسرائيلية منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقتل خلال الشهر الماضي ستة جنود في الاراضي الفلسطينية، ولم يشهد أي عملية فلسطينية داخل اسرائيل.


هذه المعطيات كانت حاضرة لدى اجهزة الامن الاسرائيلية وهي تستنتج ان الرئيس ياسر عرفات <لن يشجع العمليات الى ان تنتهي الحرب في العراق، وذلك تحسبًا لضغوط امريكية>. مع ذلك – تقول التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية – فإن قوى الامن الفلسطينية لا تعمل ضد الفلسطينيين المسلحين.

ولا تنسب اجهزة الامن الاسرائيلية هذا الانخفاض الحاد في العمليات الفلسطينية <لسياسة جديدة للرئيس عرفات، بل لنشاط قوات الامن> الاسرائيلية.

وتقول التقديرات ان الرئيس الفلسطيني يعتقد بأن <العمليات ضد المدنيين الاسرائيليين قبل الحرب في العراق ستعود بالضرر الكبير على الفلسطينيين>. وفي حسابات الرئيس الفلسطيني <امكانية ان تتفرغ الادارة الامريكية بعد الحرب لمعالجة قضية الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، وهو معني في هذه الحالة بتوجيه الضغط الى اسرائيل>.

وكتبت <معريف> (3 آذار) ان اجهزة الامن الاسرائيلية تميل الى إيلاء أهمية قليلة فقط لحقيقة ان الرئيس عرفات اليوم لا يؤيد استمرار العمليات المسلحة ضد اهداف اسرائيلية. وبموجب التقديرات الاستخبارية في تل ابيب، فان السلطة الفلسطينية لا تبادر الى منع العمليات، باستثناء نشاط محدود في شمال قطاع غزة يهدف للحيلولة دون اطلاق صواريخ القسام باتجاه <سديروت>. وقالت الصحيفة: <في اسرائيل يعتقدون ان حماس والجهاد الاسلامي ايضاً لا يوليان بطبيعة الحال أهمية لموقف عرفات من مسألة استمرار العمليات>.

وتصب هذه التقديرات لجهة احتمال تجدد الحديث عن استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين، الذين يتفاعلون ايجاباً مع توصيات ورغبات <اللجنة الرباعية> فيما يتعلق بالشفافية ومحاربة الفساد وتعيين رئيس حكومة فلسطيني، تمهيداً لتجدد المفاوضات على <مسار بوش> أو <خريطة الطريق> التي بلورتها <الرباعية> بصيغة معدلة جديدة تملك اسرائيل اكثر من مائة اعتراض وتعديل عليها!

لكن المحللين السياسيين في اسرائيل يرون ان امكانية توجه حكومة شارون الثانية لمتابعة العملية السياسية مع الفلسطينيين ضئيلة جداً، في ضوء التشكيلة الائتلافية الجديدة التي أقام عليها شارون حكومته الثانية – مع حزب المستوطنين <الاتحاد القومي> ومع نصير المستوطنين <المفدال>، وعلى رغم وجود <شينوي> يوسف لبيد في هذا الائتلاف. <عمليا، شكل شارون حكومة لا غالبية فيها لمخطط بوش، وكل محاولة للمصادقة عليه بالتشكيلة الحالية سيؤدي الي حل الائتلاف>، وذلك على رغم الوعد الذي قطعه اريئيل شارون عشية الانتخابات، بأن يقدم مخطط بوش لمصادقة الحكومة الاسرائيلية الجديدة فور تشكيلها.

ويكتب حيمي شليف في صحيفته ("معريف" 3 آذار): <لقد وضع المخطط داخل أقواس وورد ذكره في الخطوط العريضة للحكومة باشارة اليه فقط، وتم تجميده من خلال الرسائل الملحقة بالاتفاقات الائتلافية مع "المفدال" و "الاتحاد القومي". وفي أحسن الحالات، فهو مخزون الآن في المستودع الحكومي. وفي أسوأ الحالات، سيتم دفنه قبل أن يولد.>.

<الآن سيجادل المحللون فيما اذا كان كل ذلك تظاهرًا فقط – يكتب شليف - حيث قام شارون بمحاولة وضع نفسه في المركز عشية الانتخابات أو أنه لمطلب انتخابي فقط، أم أن رئيس الحكومة قد وقع في ظروف ائتلافية اضطر فيها رغمًا عن أنفه تجميد وعده. وفي ديوان رئيس الحكومة يتهمون حزب العمل بذلك أنه رفض الانضمام الي حكومة وحدة مما أدي الي ادخال المخطط الي التبريد الشديد>.

ويضيف: <..لأول وهلة يبدو أن الأسرة المالية والتجارية هي الأولى التي تتكيف مع الواقع الجديد، علي الأقل من ناحية نفسية. والي ما قبل يومين أو أكثر، ردد الجميع، بمن فيهم شارون، التعويذة القائلة أن هناك علاقة مباشرة وحتمية بين الحل السياسي والبلسم الاقتصادي، وفجأة، يكفي حقيقة التغييرات الشخصية التي جرت في وزارة المالية بين سيلفان شالوم وبنيامين نتنياهو كي تؤدي الي جموح السوق المالي وارضاء المحللين>.

* ثمن الحل الاقتصادي

ويستصرخ الاقتصاد الاسرائيلي المأزوم سبباً للتفاؤل، ويتعلق الآن بوزير المالية الجديد نتنياهو كمن يتمكن من اجراء عجائب في الهباء دون أي مقابل في الظروف الأمنية والسياسية الخارجية. وهنالك في اسرائيل من يؤمن بالقدرة المخلّصة للحرب الأمريكية على العراق، التي ستكون نهايتها تشجيع الحكومة على اتخاذ خطوات سياسية قاطعة حتى ضد رغبتها.

<هذا الأمل الوردي يستند الي تقديرين أساسيين يحتاجان الى برهان – يكتب شليف - الأول، بأن الأمريكان سينتصرون بسرعة وبقوة و "بشكل لطيف"، والثاني، أنهم، وفي أعقاب الانتصار، سيكرسون جل جهودهم وقواهم للحل الجوهري الاسرائيلي - الفلسطيني.

<لكن الأمريكان أثبتوا مقدرتهم على التورط في الماضي حتي رأسهم، وحتي ان لم يكن الامر كذلك، فلا ضمان أنه بعيد الحرب سيقومون بايجاد حلول لدينا. فعندما سيقوم الرئيس بوش بتحليل تشكيلة حكومة شارون الجديدة، يمكنه أن يستنتج أنه لا تنقصه مصائب، وخصوصا في عام الانتخابات، وسيكتفي بتلك التصريحات الجوفاء والتي لا تسمن ولا تغني من جوع التي اعتاد علي اسماعها.

<ولا تتعلق المشكلة بالبرنامج الايديولوجي للحكومة فقط، بل بموقفها تجاه الفلسطينيين. وأكثر من الحكومة السابقة، هناك العديد من الوزراء في الحكومة الجديدة الذين يعتمدون علي القوة و يستاؤون من أية محاولة لتجديد الحوار مع السلطة الفلسطينية. وسيتم استقبال شارون بالعقبات حول طاولة الحكومة في أعقاب كل خطوة وخطوة يقوم بها وفي أعقاب أية محاولات مستقبلية، وهكذا يتم ضمان استمرارية للوضع القائم، ان لم يكن أسوأ منه.

وسيكون هناك معني لتراجع شارون عن وعوده للتغيير السياسي أكثر بكثير من نقض وعده بحكومة مقتضبة ، التي تثير الآن حفيظة الجمهور. ان الميدان السياسي هو الذي يقرر طريقة حياتنا، والبشري الجديدة أنه لا بشري>.

المصطلحات المستخدمة:

شينوي, اريئيل, دفنه, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات