المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لم يكن جورج بوش في حاجة إلى الذهاب بعيدا آلاف الأميال، ليدعو العالم إلى «لحظة الحقيقة»، ربما لأن هذه اللحظة كانت تعلن عن نفسها بشكل صارخ وصادم حتى قبل وقوف «الفرسان الثلاثة» أمام الصحافيين في جزر الأزور.


لكن «لحظة الحقيقة»، الأصدق والأكثر حقيقة، كانت قد انطلقت من رفح جنوب قطاع غزة، وتحديدا (ويا للمصادفة المرّة) من «حي السلام».

لا ندري ماذا فعلت تلك الجرّافة الإسرائيلية القاتلة، هناك. هل دفنت الشابة الأميركية ريتشيل كوري، التي حاولت منع تجريف أراضي الفلسطينيين ومنازلهم، أم أنها دفنت السلام عينه مرة أخرى؟

بالتأكيد لقد دفنت الاثنين معا: الفتاة الأميركية، التي كانت قد أطلقت تصريحات تدين سياسة الممالأة الأميركية للحكومة الإسرائيلية، وكذلك آخر معالم فرص السلام الذي ينكبّ آرييل شارون على هدمه.

لحظة الحقيقة هذه، بكل عُريها البشع، لم تكن ماثلة في جريمة تحطيم جمجمة الصبية الأميركية فحسب، بل في ردّ الفعل الأميركي الرسمي الفاتر جدا حيال الجريمة، الذي لم يصل إلى حد الإدانة او التنديد، بل اكتفى بطلب اجراء تحقيق في «الحادث».

لكن صورة الفتاة تواجه الجرّافة ثم تتحول جثة مسحوقة تحتها كما نقلتها الوكالات، تظل أفصح وأصدق بكثير من كلمات بوش المثيرة للغيظ.

أولا: انها صورة رمزية هائلة إذا نظرنا إلى الجرّافة على انها تمثل أميركا العابثة تخريبا في السلام، وإذا نظرنا إلى ريتشيل على انها إرادة العالم ضد العنف والحرب.

ثانيا: إنها صورة إيحائية هائلة، إذا تذكرنا أن القيم الأميركية التي تتحدث عن الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان لا تتمثل في حروب بوش وإدارته، بل في دماء ريتشيل التي سالت حتى الموت في أرض فلسطين.

تلك هي لحظة الحقيقة... مستر بوش.

(الشرق الاوسط، لندن – 18/3)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات