المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"لماذا تعتقدون بأن حكومة شارون يمكن أن تستغل الهجوم الأمريكي على العراق لتنفيذ ترانسفير في المناطق المحتلة؟" - سألني صحفي بعد أن نشرنا في الصحفية التي يعمل فيها إعلانا تحذيريا، وأضاف قائلا: "الا تبدون كمن يصرخ: هجم الذئب؟"كان بإمكاني أن استعرض أمامه قائمة طويلة من أقوال تفوه بها أعضاء الحكومة الحالية، من هؤلاء الذين يؤيدون تأييدا مطلقا طرد العرب، وكان بإمكاني الاستناد إلى الإشاعات، وأن اقول له بأن هناك ترانسفير زاحفا يحدث كل الوقت عن طريق تحويل حياة السكان إلى جحيم لا يطاق، مثل هدم البيوت بالجملة، والإغلاق والتطويق، ولكني آثرت أن أروي له بعض الحوادث التي رأيتها بأم عيني في الماضي.

حدث ذلك في عام 1967 عندما قام الجيش الإسرائيلي باحتلال الضفة الغربية. فور ذلك توج إلي الكاتب عاموس كينان، الذي خدم في تلك الآونة كجندي في منطقة اللطرون، ووضع أمامي تقريرًا حول ما شاهد بأم عينه. كنت في تلك الفترة عضو كنيست ومحرر أسبوعية "هعولام هزيه".

سرد كينان في هذا المستند المروع كيف تم طرد سكان أربع قرى في منطقة اللطرون من بيوتهم، رجالا، ونساء، وأطفالا وشيوخا، وقد تم إجبارهم على المشي تحت حرارة الشمس الملتهبة التي وصلت إلى 30 درجة، باتجاه رام الله التي تبعد حوالي 25 كيلومترا وبدأ فور ذلك هدم قراهم.

هرعت إلى المكان. وقد كانت قرى عمواس ويالو وبيت نوبا ودير أيوب قد هدمت بالكامل تقريبا، وقد رأيت كيف تقوم الجرافات بهدم البيوت المتبقية، وعندما حاولت التقاط الصور، طردني الجنود.

توجهت من هناك إلى الكنيست مباشرة وحاولت إقناع بعض الشخصيات البارزة للتدخل، وبعد ان توجهوا بدورهم إلى بعض الجهات، قالوا لي أن ألامر أصبح متأخرا، فقد تم إتمام الهدم.

لماذا هذه القرى بالذات؟ ولماذا بهذه السرعة؟ هذه المنطقة من الضفة الغربية كانت بمثابة نتوء أطل على الطريق القديمة من يافا إلى القدس، وكانت مقطوعة منذ عام 1948. لقد كانت الحكومة متأكدة أنه بعد الحرب سيبدأ ضغط دولي كبير على إسرائيل لإجبارها على إخلاء كل المناطق التي احتلتها، كما حدث في الحرب السابقة عام 1957، وقد اعتقدوا انهم إذا قاموا بمحو هذه القرى الأربع من على وجه الأرض، فسيبقون هذه المنطقة على الأقل بين أيدي إسرائيل.

من الواضح انه لم ينشأ أي ضغط من هذا النوع، وكل المناطق الفلسطينية المحتلة بقيت تحت سيطرة إسرائيل حتى اليوم. لاجئو هذه القرى موجودون في مخيم اللاجئين بجانب رام الله. وقد أقيم على أراضيهم "بارك كندا" تيمنا بالدولة الإنسانية واللبرالية التي شكرت هذا التقدير.

أثناء عمل الجرافات في منطقة اللطرون، كان يحدث الأمر ذاته في قلقيليه. بعد احتلال المدينة، بدأ الجيش بتفجير مدروس للبيوت في أحد الأحياء الرئيسية، وقد طرد السكان، مشيا على الأقدام أيضا باتجاه نابلس، وافترشوا الأرض هناك في المنتزهات العامة.

تلقيت تقريرًا عن ذلك في مرحلة مبكرة، فذهبت إلى المكان كي أتحقق من الأمر، ولتوي توجهت إلى الكنيست، واخبرت بعض الوزراء بما حدث، ومن بينهم مناحيم بيغن، الذي كان تقلد لتوه منصب وزير بلا حقيبة، ويسرائيل برزيلاي، وزير الصحة عن "مبام". ووجدت ايضاً من يقوم بتمرير المعلومات إلى رئيس الحكومة ليفي إشكول بشكل مباشر.

لا أعرف إن كنت قد نجحت أم لا، ولكن على أية حال، توقفت فجأة عملية الهدم. وتمت إعادة السكان من نابلس إلى مدينتهم، وتم بناء الحي المهدوم من جديد.

لماذا قلقيليه؟ لانها أكثر مدن الضفة الغربية قرباً إلى تل أبيب. وقد قصفت المدافع الأردنية من هضبة قريبة من المدينة منطقة دان. أراد موشيه ديان، وزير الدفاع آنذاك، "تقويم" الحدود.

بعد سنوات عرفت بأنه قد تم تنفيذ ترانسفير في طولكرم أيضاً. لقد كان في المكان رسام الكاريكاتير رعنان لوريا، صاحب الشهرة العالمية، حين صدر الأمر بطرد السكان إلى الأردن. لوريا بعيد كل البعد عن اليسار، ولكنه رفض الانصياع إلى الأمر بكونه غير قانوني. ورغم ذلك تم إحضار الحافلات، وبالتهديد تم إعلاء السكان إليها ونقلوا إلى معابر الأردن وطردوا إلى الجهة الثانية. وقد أدلى لوريا بشهادة حول ذلك بعد فترة طويلة.

إلا أن الطرد الأكبر الذي تم تنفيذه في تلك الحرب في عقبة جبر وفي سائر المخيمات الكبيرة للاجئي 1948 الموجودة بجانب أريحا، وهي أكبر المخيمات في الشرق الأوسط. لقد تم إخلاؤها بأكملها حتى آخر شخص فيها، ونقل كل السكان إلى عبر الأردن. وقد كان هناك 100 ألف شخص على الأقل. بعد الحرب مباشرت قمت بزيارة هذه المخيمات، وقد كانت خالية خاوية.

بعد الحرب، حاول بعض اللاجئين العودة سرًا إلى بيوتهم عابرين نهر الأردن ليلا. وفي أحد الأيام جائني أحد الجنود والرعب يدب في قلبه قائلا أن كل هؤلاء اللاجئين العائدين قد تم إعدامهم في التو واللحظة.

طلبت منه أن يوقع على إقرار بحلفان اليمين، وأرسلت المستند إلى رئيس الأركان، إسحق رابين، وقد رد عليّ ضابطه المعاون بأن رئيس الأركان قد قرأ المستند. بعد يومين أوقفت علمية الإعدام الليلي.

وشهدت واقعة مروعة أخرى. بعد زيارة مخيمات اللاجئين، عدنا إلى البيت عن طريق الشارع شديد الإنحدار الذي يصل بين أريحا والقدس. احتشد مئات الناس تحت وطأة الشمس الحارقة على امتداد الطريق باتجاه القدس. قبل ذلك تم طردهم بالتهديد وبإشاعات مروعة من منطقة القدس وبيت لحم، ولكن قبل أن يعبروا نهر الأردن باتجاه الشرق، سمح لهم بالعودة إلى بيوتهم. وكان من بينهم نساء كن يحملن احمالهن على رؤوسهن ومعهن أطفال صغار، وشيوخ يتكئون على عصيهم. الأغلب كانوا شبه فاقدين للوعي من التعب والعطش. قمنا بأقل ما يمكننا عمله لإحضار الماء لهم. كان الأمر مروعاً حقاً.

حسب التقديرات المختلفة، تم طرد بين 100 إلى 260 الف فلسطيني في هذه "النكبة المصغرة". لقد تقرر في اتفاقيات أوسلو إقامة لجنة اسرائيلية – فلسطينية – مصرية - أردنية، لبحث موضوع عودتهم. لم تلتئم هذه اللجنة حتى الأن.

وقد روى لي الجنرال ماتي بيلد انه قبل تلك الحرب، عندما كان يخدم كقائد في الجيش الإسرائيلي في منطقة القدس، اكتشف ضابطين في مقر قيادته لم يكن يعرفهما. عندما حقق معهما حول ما قاما به، اعترفا بانهما تابعان لوحدة سرية تجهز لطرد الفلسطينيين في أقرب فرصة سانحة لذلك. وقد قام بيلد بطردهما.

في حرب عام 1956 لم يتم تنفيذ الطرد، لان الحرب كانت مع المصريين فقط. وحرب اكتوبر كانت بائسة بحيث لم يكن بالإمكان التفكير في ذلك، أما في لبنان فلم يكن لدى اسرائيل نية في ضم مناطق إلى سيطرتها.

لم يحدث في أي حرب سابقة ان ترأست حكومة ما قيادة الدولة، وأعضاؤها يناقشون بشكل علني موضوع ترانسفير جماعي على الملأ. عند بناء "جدار فاصل" يبقي العديد من القرى غربي هذه الجدار، فإن من الواضح ان يتخوف الفلسطينيون من موضوع الطرد جنبا إلى جنب مع سكان المدن والقرى المتاخمة للجدار شرقاً.

هل يمكنني أن أقول لهم بأن تخوفهم ليس له أساس من الصحة؟

(مترجم عن موقع اوري افنيري على الشبكة)

المصطلحات المستخدمة:

هعولام, الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات