المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تجتمع الكنيست السادسة عشرة لجلستها الأولى، في ظل حرب خارجية وداخلية. ولن يكون من الصعب الافتراض، في ظل الأمور العالقة على الأجندة العامة، وفي ظل الخلافات الأيديولوجية التي تفرّق بين أعضاء الكنيست، أن بيت المنتخبين سيتحول إلى حلبة مركزية للتعبير عن مجمل الآراء المتناقضة والمختلفة، خاصةً قبل تاسيس الائتلاف الحكومي.


وستكون بلورة أغلبية في بيت المنتخبين لانتخاب رئيس للكنيست، من الجدير أن يكون برلمانيًا مجربًا ومقبولا على غالبية زملائه، من خارج معسكره أيضًا، خطوةً مطلوبةً عشية إدارة حوار سياسي مفتوح وحاد، مع الحفاظ على كرامة الكنيست. رئيس الكنيست مسؤول عن هذه الكرامة، الذي من المفروض أن يعرف كيف يُموضع الكنيست، عند الضرورة، مقابل قوة الحكومة. ولذلك، فإن خروج الكنيست المخطط إلى أجازة بعد شهر لا يستوي مع واجبها في وقوفها بصلابة لحماية الديمقراطية.

كما أن بلورة الكنيست الجديدة هو أيضًا ثمرة حسم قيمي للمحكمة العليا، التي قدّست الحق في التنافس في الانتخابات ووضعته فوق حماية قيم الدولة، كدولة يهودية وديمقراطية، تنفي التحريض على العنصرية وتحتمي من الداعمين لكفاح مسلح ضدها. قرار الحكم هذا، الذي صادق على تنافس باروخ مارزل وعضوي الكنيست أحمد طيبي وعزمي بشارة وقائمته، للكنيست، لم تعد بفائدة على مارزل وقائمته، لكنه فتح بابًا لدخول طيبي وبشارة. وهؤلاء سيضعون بطبيعة الحال حدود حرية التعبير السياسي في بيت المنتخبين في إمتحانات مستمرة.

وحقيقة أن حكم المحكمة العليا في موضوع بشارة وقائمته صدر بغالبية سبعة ضد أربعة تشير إلى أن الحديث يدور عن حالة صعبة، يصعب الحسم فيها. وقد اعتقدت أقلية محترمة من بين القضاة أن هناك نفيًا لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ودعم الكفاح المسلح لدولة عدو أو لتنظيم إرهابي ضدها، في منظومة بشارة وقائمته. وستحظى هذه المنظومة بالتعبير في الكنيست، ومن الممكن الافتراض أن ذلك لن يتم بشكل لطيف، كما تم ذلك في نقاشات لجنة الانتخابات.

وسيكون في نشر تسويغات قرار الحكم، المؤجل نشرها منذ شهر، ما يلقي الضوء على حدود حرية التعبير السياسية؛ ولكن في كل حالة، من الواضح أن قرار الأغلبية يعتمد على توجه أساسي يمنح حرية التعبير السياسي في بيت المنتخبين، وزنًا كبيرًا. هذا التوجه يستوي مع التوجه المقبول في الأحكام، والذي بحسبه، يجب أن يكون الدفاع عن حرية التعبير السياسي، وهو شرط لازم للاجراء الديمقراطي، راسخًا جدًا. وحرية التعبير السياسي بالصيغة الاسرائيلية، تشمل أيضًا تصريحات صعبة ومهينة.

وبروح التشريع الأمريكي، الذي شدد على أن "فظاظة تعبير الواحد هي البلاغة بعينها عن الآخر"، ألغت المحكمة العليا مؤخرًا قرار رئيس بلدية القدس، المدعوم من قبل المستشار القضائي للحكومة، والذي منع نشر إعلان على لوحة الاعلانات البلدية والتي كتب فيها "يوسف سريد- شمس عرفات". وذكرت القاضية داليا دورنر أن "صياغة الاعلان هي فظة حقًا ومهينة، لكن من المعروف أن حرية التعبير تسري أيضًا على تلفّظات مسيئة ومغيظة وحتى كاذبة". وشدد القاضي أليعيزر ريفلين على أنه "يجب الامتناع عن ‘حماية إدارية زائدة‘ للمخلوقات من المعلومات، خاصةً عند الحديث عن تعبير سياسي".

الافتراض الذي في صلب قرار الحكم هو ان مستوى إحتمال المجتمع الاسرائيلي عالٍ، وأنه مقابل الوزن النوعي الثقيل لحرية التعبير، لا يجب تقييده إلا عندما يكون المسّ المتوقع بالنظام العام وبمشاعر الجمهور صعبًا وحقيقيًا، وتكون احتمالات هذا المسّ شبه أكيدة. إتاحة المجال أمام نشر الاعلانات المذكورة على لوحات الاعلانات في القدس، والتي تحظى بانكشافية عالية، تدل على أنه يمكن للخطاب السياسي في إسرائيل أن يكون فظًا، حرًا ومفتوحًا، وفي الواقع، معدوم الكوابح تقريبًا.

هذا البلاغ سيكون في مركز الحوار السياسي في الكنيست وخارجها، لكنه سيكون مصحوبًا بالتفاهم، على أن الحرب والضرر الذي يمكن أن تلحقه يمكن أن يؤثرا على تحمّل المجتمع، وأن يزيدا من احتمالات المسّ الخطير بهذا المجتمع من خلال تعبير معين، لدرجة تبرير تقييد حرية التعبير، في حالات خطيرة جدًا. وقد عدلت الكنيست في شهر حزيران المنصرم قانون الحصانة الواسع لأعضائها، وقررت أن تصريحات أعضاء الكنيست التي تنفي طابع الدولة كيهودية وديمقراطية، أو تحرض على العنصرية، أو تدعم الارهاب ضد الدولة، لن تُدرج تحت ظل الحصانة "المهنية" المتاحة لأعضاء الكنيست.

كما أن الاعتراف بتميّز هذه الأيام، لن يمنع الكنيست من أدارة جدال حاد أمام الجمهور، جدال من المفترض أن يمنع عمعمة الاختلافات في الرأي حول أسئلة، تتضح الأجوبة عليها من خلال السوق الحرة للآراء والمعلومات.

(هآرتس 17 شباط – ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, أحمد طيبي, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات