المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وفقاً لتقدير محافل هيئة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية فان الاميركيين سيوجهون ضربة عسكرية للعراق وسينجحون في تحقيق الاهداف الرئيسية لحربهم المتمثلة في إسقاط نظام صدام حسين ونزع اسلحته غير التقليدية أو غير المسموح بها، والحفاظ على الاطار السيادي للدولة العراقية. غير أن الاميركيين قد يراوحون في مكانهم بعد الإنجازات الاولية، مما سيؤدي إلى زيادة أعباء انظمة صديقة للولايات المتحدة في المنطقة.وتعتقد هيئة الاستخبارات العسكرية (<امان>) انه على رغم <الاتجاهات السلبية> في المجتمع الفلسطيني، حيث <تغلب الوعي والاستعداد للتضحية على الاستعداد للسلام> خلال العامين الماضيين - من المنتظر حصول تقدم حثيث في المحادثات الاسرائيلية - الفلسطينية، وذلك في ضوء التدخل الاميركي المتوقع ازديادة في اعقاب الحرب على العراق.

وبحسب التقديرات ذاتها فان إدارة الرئيس بوش ستسعى بعد استبدال انظمة الحكم في افغانستان والسودان والعراق، والمجابهة المحتملة مع كوريا الشمالية، إلى الحاق القيادة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات بهذه القائمة. كما وتعتقد الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان <خريطة الطرق> الاميركية المقترحة - والتي ترى الهيئة الامنية الاسرائيلية ان ايجابياتها بالنسبة لاسرائيل تفوق سلبياتها - انما وظفت واستغلت بشكل اساسي للابقاء على جذوة التحضيرات المحمومة للحرب على العراق متقدة. ومن المنتظر أن تعكس المساومات المتوقعة بعد الحرب وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة ارئيل شارون، حول الصيغة النهائية لخطة الطرق الاميركية، المساعي والجهود الرامية الى تقريب المواقف ووجهات النظر التي ستشكل نقطة الانطلاق في الحوار الثنائي بين شارون وبين الوريث الفعلي لياسر عرفات، اي رئيس الوزراء الفلسطيني، الذي لم يعين بعد ولم تُعرف ماهية صلاحياته أو المنتدب من جانب عرفات لهذه المباحثات قبل تحولها مجددًا الى محادثات ثلاثية. وتقدر محافل الاستخبارات العسكرية ان حجم الهجمات ضد اسرائيل سيبقى خلال فترة الحرب ضد العراق على حاله، وربما يشهد انخفاضاً بعض الشيء، وذلك تخوفاً من قيام الجيش الاسرائيلي بعملية رد واسعة في قطاع غزة. كذلك يتوقع امتناع <حزب الله> عن شن هجمات ضد اسرائيل على الحدود الشمالية، غير أن وقوع عمليات استعراضية في العالم قد يشجع <حزب الله> على توتير الجبهة الشمالية، وهو ما يستعد الجيش الاسرائيلي لمواجهته <<بطرق ستفاجئ حزب الله من حيث شدتها وعنفها، دون الدخول في دوامة حرب العصابات التي يعدونها لنا في لبنان>>، وفقا لما صرح به مؤخرا احد جنرالات الجيش الاسرائيلي.

هذا على المدى القريب، غير ان ثمة مخاوف شديدة في اسرائيل، ازاء احتمال تداعي استقرار نظام الحكم في مصر خلال النصف الثاني من العقد الحالي، وذلك في ضوء تغاقم الوضع السكاني والاقتصادي في هذا البلد.

في السنوات الاخيرة ازداد نفوذ جهات البحث في <الشاباك> (جهاز الأمن العام) وفي مكتب تنسيق الاعمال في المناطق، كما ان لوزارة الخارجية قدرة جيدة في مجال جمع المعلومات عبر ممثلياتها ومركز البحث التابع لها والذي يمكن لادارة ناجعة الافادة منه بصورة افضل. كذلك فان الذين يحذرون من <احتكار> قسم الاستخبارات العسكرية (<امان>) والذي كان له ضلع في محدلة حرب <يوم الغفران> لا يتخلون عنه كمنتج متصدر، له منافسون في سوق الاستخبارات.

يتمتع رئيس <امان> باتصال مباشر خطي وشفهي مع رئيس الحكومة. وهو عندما لا يخشى من منافسة مرؤوسين اقل مرتبة في جهاز <امان>، فانه يصطحب معه رئيس شعبة البحث للمشاركة في المداولات الهامة التي تمهد لاتخاذ قرارات. عندما تولى ايهود باراك وامنون ليفكين شاحاك رئاسة <امان> سَمَحا لضابط برتبة كولونيل يترأس شعبة الرقابة على البحوث، بترويج تحليلات مثيرة للجدل داخل الجيش وخارجه. نفوذ <امان> امتد ايضًا ليصل الى حد اقترح سياسة، الى ان نافَسَهُ قسم التخطيط، وبضمنه وحدة التخطيط الاستراتيجي.

وسيتضح اذا ماجرى فتح الملفات المغلقة امام كاتبي التاريخ ان النتاجات المعتدلة (نسبيا وفي الغالب) لقسم التخطيط بوصفه المتمثل الرئيسي لاهمية السياق او الصعيد العالمي عامة والاميركي على وجه الخصوص، كانت بمثابة عامل مركزي في كبح سياسة شارون، اذا ماجردت من اللغو والكلام السياسي. الوثائق التي اخذها معه يوم الاربعاء الماضي مدير مكتب شارون، دوف فايسغالاس الى البيت الابيض في واشنطن كتبت واعدت من جانب رئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي الميجر جنرال عيبال غلعادي.

وتشبه هذه الوثائق جسرًا يتفرع الى طريقين، أحدهما يؤدي الى الدولة الفلسطينية حسب رؤية بوش والثاني يتراوح بين شارون وحزب العمل. يعتبر غلعادي المرشح الاوفر حظًا لتولي رئاسة قسم التخطيط في صيف العام الحالي، خلفاً للجنرال غيورا آيلاند الذي سيعين ملحقًا للجيش الاسرائيلي في واشنطن بعد انتهاء الفترة المقررة للملحق الحالي موشيه سكونيك.

* <دكتور> يورو و <مستر> دولار!

غداة الانتخابات البرلمانية الاخيرة صرح احد قادة حزب العمل بأنه يعرف هوية العاملَين اللذَين سيجبران متسناع على الانضمام للحكومة، وهما الدكتور يورو والمستر دولار، الهاربَين من الشيكل. وهذا تأثير غير مباشر عبر السياسة الداخلية على تركيبة حكومة شارون وسياستها، كما ان للأزمة الاقتصادية المتفاقمة تأثير مباشر يتمثل في فهم ضرورة تفادي التصادم مع بوش، لا من خلال مبادرة هجومية (اسرائيلية) ضد العراق ولا بعملية مبالغ بها على الحدود الشمالية ولا عبرَ إنتهاج موقف سياسي رافض.

ينتظرالجيش الاسرائيلي تشكيل الحكومة حتى يعرف حجم الأموال التي سيحصل عليها، فهو ينهي الشهر بشق الانفس، ويحتاج الى ميزانية بقيمة 5,5 مليار شيكل حتى نهاية العام الحالي. ويبدي الجيش استعداده لتقليص 900 مليون شيكل ولكن ليس 6.4 مليار شيكل.

ويدفع الجيش الآن ثمن تبحج وإسراف قادته خلال السنوات الماضية. فلو كان هؤلاء قد حرصوا على التعاون مع مسؤولي وزارة المالية في المراحل السابقة لإعداد طلب الموازنة لكانوا قد حظَوا بتفهّم أكبر كما حصل في جولات سابقة من <لعبة الملاكمة> اللانهائية هذه بين الجيش ووزارة المالية. وتثير فجوات الاجور (لصالح الجيش الاسرائيلي) مقارنة مع الاجور المقابلة في الجهاز الحكومي غضباً مبرَّراً. ففي النيابة العامة للدولة يتصعبون فهم ما يدعو لجعل معدل اجور موظفي النيابة العسكرية، التي يعتبر مجال عملها وجهودها اقل من النيابة العامة المدنية، اعلى بكثير. هيئة الاركان العامة قررت استنادا لمنطق تحايلي غريب عدم إلغاء النشاطات غير العسكرية وبضمنها محطة اذاعة الجيش (<غالي تساهل>) وذلك بذريعة ان مثل هذه الخطوة قد تبدو استفزازية، ولذلك سيتم تأجيلها الى نهاية التقليصات. وكبديل، تم تقليص نطاق مناورة للقيادات العسكرية كان من المقرر اجراؤها الشهر المقبل وذلك بغية الادخار في تكلفة استدعاء مئات افراد الاحتياط لتبقى في حدود 12 مليون شيكل.

وقد وصلت الضائقة المالية الى حد استعداد الجيش لدراسة اقتراح بالبحث عن رعاية تجارية للمناورة المذكورة. واذا اخفقت الصناعات العسكرية في بيع وتسويق انتاجها في الخارج فانه لن تتوفر عندئذ مبالغ كافية لمجال البحث والدراسة والتطوير والتسلح.

وتتشبث الصادرات العسكرية الاسرائيلية كما المرأة الاسرائيلية العجوز التي تتوكأ على خادمتها، بالهند وسنغافورة كسوق لمنتجاتها. مساعد مدير عام التسويق في الصناعات الجوية شمعون اكهاوز عرض اخيرًا امام زبائن أجانب معطيات لافتة للنظر حول نجاح الصناعات الجوية الاسرائيلية في الحصول على كمٍّ كبير من الطلبات (بقيمة 4,8 مليار دولار في العام الماضي مقارنة مع اقل من 3 مليار دولار في العام 1998) وفي الصادرات العسكرية (حوالي 60% من مجمل الصادرات الاسرائيلية مقارنة مع حوالي 40% في الصادرات المدنية، وهي نسبة معاكسة لنسبة العام السابق).

ولعل ما يجذب الانتباه بشكل خاص هو الخريطة الجديدة للعالم حسب الصناعات الجوية: فمن (3) مليارات دولار في تعاقدات جديدة عام 2002 كان نصيب آسيا اكثر من الثلث بما يزيد عن اميركيا الشمالية.

الحاجة للموارد أنسَت الجيش النواحي الايجابية الشكلية. أحد كبار الضباط والذي شرح لشارون المغزى الخطير للتقليص المفاجئ في ميزانية الجيش قال: <<يمكن للمرء ان ينحف بالتدريج، لكن المعنى الوحيد لإجبار شخص بدين على ان ينحف بين ليلة وضحاها أشبه ببتر يده أو ساقه>>. في تاريخ الجيش الاسرائيلي يضاهي هذا القول التقدير الاستخباري لأحد كبار الضباط والذي قال لوزير الدفاع قبل سنة من وفاة الرئيس السوري حافظ الاسد بأن الوضع الصحي للأسد غير واضح في الواقع و <<لكنه على أي حال يناهز السبعين من عمره>>. وزير الدفاع موشيه ارنس، الذي كان في ذلك الوقت قد بلغ 73 عاما علق على قول الضابط قائلا:<< لم اكن اعلم بأن لهذا السن معنى بمثل هذه الخطورة >>؟!

* ثلاثة وزراء دفاع !

رئيس <الموساد> الجنرال المتقاعد مئير دغان تلقى مؤخرًا معلومات هامة ليس عن صدام حسين او عن تطوير السلاح الذري في ايران وانما عن تطورات تتعلق بأحد أجهزة التجسس النشطة في الشرق الاوسط، وتحديدًا استقالة رئيس قسم الاستخبارات هناك. دغان لم يكن بحاجة هذه المرة من أجل الحصول على هذه المعلومة لاستخدام عملاء او مخبرين سريين او معدات متطورة بل كان بنفسه مصدرًا لهذه المعلومة بكونه (أي: دغان) الشخص الذي دفع او ارغم الرجل <ح> على ابلاغه عن رغبته بانهاء مهامة في رئاسة قسم الاستخبارات في جهاز <الموساد> بعد توليه لهذا المنصب مدة ثلاث سنوات تقريبًا، وقد تم تقبل الاستقالة داخل صفوف <الموساد> ولدى مسؤولين سابقين فيه، كرد فعل طبيعي على قرار دغان إحداث تغيير في القسم ومركزه.

ويعتقد دغان ان التغيير سيقوي قسم الاستخبارات في <الموساد> عن طريق اضافة عناصر بحث وميزانيات ووجاهة، خاصة اذا ترأسه الجنرال عاموس غلعاد، منسّق الاعمال في المناطق الفلسطينية ورئيس شعبة البحث السابق في هيئة الاستخبارات العسكرية. وبحسب وجهة نظر دغان فان رجلاً مثل غلعاد لن يأتي الى <الموساد> إذا ضعفت النشاطات الاستخبارية في الجهاز بل على العكس، غير أن منتقدي رئيس <الموساد> يأخذون عليه التركيز اكثر على العمليات على حساب البحث والتقدير اللذين سيبقى الاختصاص فيهما محصورًا في جهات اخرى من أجهزة الاستخبارات، الأمر الذي يشكل إخلالاً بأمر لجنة <اغرانات> التي تبنت الحكومة عام 1994 توصيتها بالعمل على اقامة اطر للتقدير والتقويم في جهاز <الموساد> وفي وزارة الخارجية، تعمل في تنافس مع الاستخبارات العسكرية.

في نهاية العقد السابق فقط وبعد سنوات من تدني وتراجع انشطة البحث في الموساد مقارنة مع هيئة الاستخبارات العسكرية، اقام سلف دغان - افرايم هليفي - هيكلا قويا للاستخبارات في جهاز <الموساد>. ثم جاء دغان ليهدم ما بناه هليفي. الآن وعندما يلتقي هليفي رئيس مجلس الامن القومي خلَفة دغان لدى المسؤول المشترك عنهما ارئيل شارون فان غشاء دقيقًا من الوُدّ الخارجي يغطي على التوتر بين الرجلين، وكلاهما من المقربين لشارون، سواءً على صعيد العلاقات الخارجية السرية اوعلى صعيد العمليات. واذا اغوي عمرام متسناع بتولي حقيبة الدفاع، فان شارون قد يعرض على شاؤول موفاز تولي الحقيبة الشكلية التي يتولاها في الحكومة المنتهية ولايتها دان مريدور، اي الوزير المكلف في ديوان رئاسة الوزراء بمتابعة شؤون <الموساد> و <الشاباك> ومجلس الامن القومي ولجنة الطاقة الذرية. سيكلل موفاز بلقب وجيه من قبيل <وزير شؤون الامن القومي> ليشكل ذلك دليلا على التزام شارون بكلمته بان يبقى موفاز <وزير دفاع الشعب اليهودي>، ومن هنا سيكون في الحكومة الجديدة ثلاثة وزراء دفاع احدهم يكون وزيرًا للامن الداخلي، والذي لن يكون على يبدو عوزي لانداو، والثاني وزيرًا للأمن القومي والثالث مجرد وزير دفاع بلا صلاحيات، وفي هذه الحالة فإن وزير الحقيقي سيكون كما كان عليه الحال دائما رئيس الوزراء (شارون). وكما هو الحال على الدوام فان الهيئة الامنية ستكون الحكومة الحقيقية ( ومن هنا فإن حقيبة الدفاع تعتبر من وجهة نظر حزب العمل عنصرًا حيويا في اي صفقة).

هذه الحقيقة يتم تلمسها يوميًا في ثلاثة مجالات التنفيذي والاستخباري والسياسي. إن اشغال الوظائف الاساسية في الهيئة الامنية يوثر على حفز همم القادة على صعيد النشاطات الميدانية. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهه لهيئة الاستخبارات العسكرية الا أنه لا جدل حول تصدرها وريادتها في هذا المجال.

رئيس الهيبئة الجنرال اهرون زئيفي فركش وظف مؤخرا 40 مليون شيكل في كادرات - وظائف اصافية يشغلها ضباط بحث برتبة رائد والذين كلفوا بالتعمق في دراسة الاسلام والعلاقات العربية - العربية وتطور المجتمعات في الدول العربية. وسيعكف هؤلاء على قراءة المزيد من الصحف والمنشورات الادبية والشعرية وهم اذ يصغون لصوت تكتكة القنبلة الموقوتة للجماهير العربية المثخنة بالبطالة والكراهية والنقمة على الكارتيلات المتعددة الجنسيات.

(هآرتس، 21 شباط، ترجمة: سعيد عياش، "مدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات