المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أسعد تلحمي:
اتفقت استطلاعات الرأي الإسرائيلية المنشورة يومي الخميس والجمعة (19 و 20 ديسمبر) في كبريات الصحف الاسرائيلية على ان التراجع الجدي في شعبية حزب "الليكود" اليميني، الناجم مباشرة بعد النشر الاعلامي الواسع عن فضيحة الرشوة واعمال الابتزاز وشراء الكراسي التي رافقت تشكيل لائحته الانتخابية، لم يكن مجرد احتجاج عابر من الناخب الاسرائيلي، إنما يعبّر عن توجّه واضح قد يأتي لاحقا بمزيد من الانحسار في قوة هذا الحزب.

وبعد أسابيع متتالية حاز فيها "الليكود" على 40 مقعدا واكثر في الكنيست المقبلة، كما دلت استطلاعات الرأي كافة، جاءت الاستطلاعات الأخيرة لتنذر بتراجعه بنسبة عشرة بالمائة وأكثر، ليتراوح عدد مقاعه المحتملة بين 33 و 36 مقعدا.

هذا التراجع يعني ايضا حصول احزاب اليمين والمتدينين المتطرفين والمتزمتين على أغلبية ضئيلة في البرلمان الجديد – من 60 الى 63 نائبا من مجموع 120.

واللافت للنظر ان حزب "العمل"، الساعي الى استرجاع كرسي الحكم عبر طرح سياسي جاد من زعيمه عمرام متسناع، لم يستفد كثيرا من الأزمة التي تعصف بالحزب الخصم، "الليكود"، وأن المقاعد التي يخسرها الأخير توزعت على مختلف الأحزاب، و "شينوي" – حزب المركز - بخاصة، وهو حزب أخرجته الاستطلاعات كلها "أنظف" من غيره، بنظر الاسرائيليين. وفي بلد لا تستقر فيه الأوضاع، ويحفل دوما بالمفاجآت، ليس مستبعدا أن يخسر "الليكود" ومعه أحزاب اليمين الغالبية المذكورة في حال أخفق في مواجهة تبعات "ملف شراء الكراسي".

* استطلاع "هآرتس"

أفاد الاستطلاع الذي اعدته شركة "ديالوج" لحساب الصحيفة بخسارة "الليكود" ستة مقاعد خلال اسبوع واحد (هبط من 41 الى 35) وخسارة إجمالية لهذا الحزب وشركائه الافتراضيين في حكومة يمينية أربعة مقاعد (من 69 الى 65) فيما يحصل حزب العمل على 23 مقعدا والاحزاب العربية مجتمعة على 9 مقاعد وحركة "ميرتس (8) و "عام احاد" (3) – أي ما مجموعه 42 مقعدا لـ "كتلة اليسار". اما حزب "شينوي" فيواصل التحليق في الاوج، وهو حاصل على 13 في الاستطلاعات الان.

تناول الاستطلاع اسئلة كثيرة، ابرزها موقف الاسرائيليين من مسألة التفاوض مع الفلسطينيين "في ظل استمرار العمليات العسكرية". وافاد الاستطلاع بأن 56% منهم عارضوا التفاوض مع القيادة الفلسطينية فيما ايده 32% فقط.

* استطلاع "معريف"

جاء الاستطلاع الاسبوعي للصحيفة بنتيجة مماثلة تقريبا، إذ أكدت خسارة احزاب اليمين اربعة مقاعد، قياسا باستطلاع الاسبوع الفائت، ربحتها احزاب الوسط كما يتبين، مع الاشارة الى ان محرر استطلاع "معريف" وضع في خانة "الوسط" هذه حزب المهاجرين الروس "يسرئيل بعلياه"، فيما تنظر اليه سائر الاستطلاعات على انه يميني.

في هذا الاستطلاع توزعت المقاعد على النحو التالي:

ليكود – 35 مقعدا (حاز على 39 في الاستطلاع السابق)،

الاتحاد القومي – 7 مقاعد

"شاس" – 7 مقاعد

"المفدال" – 4 مقاعد

يهدوت هتوراه – 5 مقاعد

يسرئيل بعلياه (الروس) – 5 مقاعد

العمل – 23 مقعدا

ميرتس – 8 مقاعد

القائمة العربية الموحدة – 4 مقاعد

التجمع الوطني (بشارة) – 3 مقاعد

الجبهة – الطيبي – 3 مقاعد

التحالف الوطني (هاشم محاميد) 1 مقعد واحد

شينوي – 12 مقعدا (وهي زيادة ثلاثة مقاعد عن الاستطلاع السابق).

ولم يستبعد المعلق في "معريف" حيمي شليف، لدى قراءة نتائج الاستطلاع، ان يدخل حزب "الليكود" دوامة لا يعرف كيف يخرج منها، مستذكرا حالات في الماضي بدأت بتراجع شعبية حزب معين وانتهت الى انهياره وحصول انقلاب في الخريطة السياسية.

وواصل الاسرائيليون منح ثقتهم لرئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون وتفضيلهم له زعيما للحكومة الجديدة ايضا على منافسه زعيم العمل رعمرام متسناع، واعتبر غالبيتهم شارون اكثر دهاء وتجربة ومسؤولية وقدرة على تحسين الاوضاع من خصمه.

وقال 69% من الاسرائيليين انهم لا يثقون بالاحزاب الاسرائيلية لكن 45% رأوا ان الفساد السياسي في اسرائيل لا يختلف عنه في دول ديمقراطية اخرى في العالم. ووضعت الاغلبية حركة "شاس" التي يتزعمها الوزير ايلي يشاي برأس الاحزاب الفاسدة، يليها "الليكود" فحزب "العمل"، "الاتحاد القومي"، "ميرتس"، "شينوي" ("انظفها")، لكن 68% قالوا ان فضائح الفساد والرشوة لن تؤثر على اختيارهم.

واعرب 53% عن اعتقادهم ان البرلمان الجديد سيضم اعضاء ممثلين لعالم الاجرام. ورأى 42% ان المسألة السياسية – الامنية تبقى اهم المسائل في المعركة الانتخابية الحالية تليها المسألة الاقتصادية – الاجتماعية (32%).

ولأول مرة تجري الصحيفة استطلاعا في اوساط عرب الداخل شمل عينة من اربعمائة شخص اظهر ان ثلث اصوات العرب ستصب في صالح الاحزاب الصهيونية. لكن المثير ان نسبة المصرحين بأنهم سيشاركون في التصويت لم تصل الى 40%، وهو ما يهدد بهبوط تمثيل الاحزاب العربية بنسبة 50% في البرلمان السادس عشر القادم.

وتناول "الاستطلاع العربي" كما نشرته "معريف" سؤالا حول الشخصية الاكثر شعبية من بين عشر شخصيات سماها الاستطلاع، فجاء د. عزمي بشارة في المكان الاول (75%) فيما رسب ارئيل شارون في قعر القائمة مع 7% وجاء تدريجه بعد صدام حسين (24%) واسامة بن لادن (20%).

* استطلاع "يديعوت"

نتائج استطلاع الدكتورة مينا تسيمح، المنشور في الصحيفة (الجمعة 20 ديسمبر)، لم تختلف كثيرا عن استطلاعي "هارتس" و "معريف"، التي كان ابرزها خسارة "ليكود" خمسة مقاعد، بالمقارنة مع الاستطلاع الذي اجرته قبل اسبوعين (هبط من 38 الى 33) تلاه "العمل" (22)، "شينوي" 12، الاحزاب العربية – 10، "ميرتس" – 9، "شاس" – 8-9، "الاتحاد القومي" – 8، "يهدوت هتوراه" – 4-5، "يسرئيل بعلياه – 4-5، "المفدال" – 3-4، "عام احاد" – 3-4، الورقة الخضراء 1-2 مقاعد.

* خلال اسبوعين: الليكود يفقد 6% من شعبيته

""في استطلاعات الرأي الاخيرة يقفد الليكود من قامته، ولا يفقد من أسبقيته". بهذه الكلمات اجمل الصحفي في "يديعوت" سيفر فلوتسكر نتائج الاستطلاع الذي جرى في بداية ديسمبر، بعد أن تم اختيار رئيسي الحزبين الكبيرين (شارون ومتسناع)، وفيه حصل الليكود على 38 مقعدا في الكنيست القادمة. وفي استطلاع هذا الأسبوع هبط الليكود حتى 33 عضو كنيست. بالمقابل، حصل حزب العمل على زيادة صغيرة فقط – ارتفع من 21 إلى 22 عضو كنيست. لكن الفرق بين الحزبين الكبيرين تقلّص بنسبة حادة وهبط بنسبة تقارب الـ 30% - من 17 إلى 11 عضوا.

في موازاة ذلك، ارتفع تمثيل "كتلة السلام" اليهودية، الاقتصادية – الاجتماعية، التي تشمل احزاب: العمل، ميرتس وعام إحاد، من 31 عضو كنيست في الاستطلاع الذي تم قبل أسبوعين إلى 35 عضو كنيست في الاستطلاع الحالي. ويقول سيفر فلوتسكر المحرر في "يديعوت"، معقّباً: هذه ليست ثورة حتى الآن. هذا تغيير".

وفيما يخص حزب المركز، شينوي، فقد أعطاه استطلاع نوايا التصويت هذا الأسبوع اثني عشر عضوا في الكنيست الجديدة، أي ضاعف من قوته. ويخيّل أن أعضاء الكنيست الاثني عشر هم السقف العلوي لشينوي في الانتخابات القادمة. وهو سقف لم ينجح تومي لبيد وزملاؤه بخرقه منذ شهرين.

* توجّه أم حراك..

لدى قراءة المعطيات، يثور سؤالان. يمكن الإجابة عن الأول إجابة إحصائية. تظل الثانية في نطاق التوقعات.

السؤال الأول هو: تناقص قوّة الليكود، يخدم من؟.

أعلن 6% من المشاركين في الاستطلاع عن تحول في أشكال تصويتهم: تركوا الليكود وانتقلوا لأحزاب أخرى، نتيجة للطريقة التي تم تشكيل القوائم في الكنيست. انتقل 2% إلى حزب العمل، 1% إلى شينوي، نصف بالمائة إلى التجمّع الوطني (عزمي بشارة)، وتوزّع الباقي بين قوائم مختلفة أو انضموا لمجمّع "الأصوات العائمة".

السؤال الثاني: هل الانخفاض في قوة الليكود في الاستطلاعات هو توجّه جديد أم أنه انزياح غير متكرر؟ في العاشر من كانون الأول، مباشرة بعد تحديد قوائم المرشّحين، هبط الليكود حتى 33 عضو كنيست. كان الليكود يأمل في ان يفسر الانخفاض الحاد آنذاك كردّ فعل متهور – وعابر على قصص الفساد في الانتخابات الداخلية. بعد ذلك استردّ توازنه قليلا. والآن، عاد للانخفاض، وفقد العديد من نسب الدعم.

مع اقتراب الانتخابات، تعود الأصوات المتنقلة والعائمة إلى أكنافها. صحيح ان الاستطلاع الأخير في الظروف القائمة اليوم، يعكس احتمالا معقولا لليكود بحصوله على 35 حتى 36 مقعدا في الكنيست القادمة، وتشكيل الائتلاف.

حتى الانتخابات - يقول المختصون في شؤون الأحزاب - فإن أمورا كثيرة في العالم – حروبات، تحقيقات - من شأنه أن تتغير، وأن تضع بصماتها على الناخب. كل شسء ما يزال مفتوحا. هذه ليست النتيجة المستقاة من تحليل استطلاعات التصويت المرحلي، بالصيف. على الرغم من العمليات الانتحارية، وعلى الرغم من الانتخابات الداخلية، وعلى الرغم من الصعودات والهبوطات الحادة في المزاج العام الوطني، تم الحفاظ على ثبات ذي أهمية في نية تصويت مواطني إسرائيل. وقعت أحداث خارجية كبيرة، لكن الانزياحات بين الإحزاب ظلت صغيرة. ليست عديمة الأهمية، لكن أيضا ليست ثورية. ومن اجل زعزعة البنية الحزبية حقا، مطلوب مفاجأة بحجم كوني. من ميزة هذه المفاجأة، عدم إمكانية توقعها مسبقا.

لمجموعة الأحزاب المتماهية مع اليمين السياسي والديني – ليكود، شاس، يسرائيل بعلياه، مفدال ويهدوت هتوراه – لا تظهر أغلبية برلمانية واضحة. وفق استطلاع نية التصويت، تتأرجح كل المجموعة الصقرية على حدود الـ 60 عضو كنيست. لكن بإمكانها أن تضم للحكومة حزبا آخر صغيرا، وإرسال "العمل" إلى معارضة من عدة سنوات.

يجب التذكر، بأن واحد بالمائة من الأصوات يمثّل 1.2 مقعدا في الكنيست. إضافة نسبة مئوية واحدة إلى حزب العمل تزيد بشكل قليل من قوته البرلمانية. مقابل ذلك، إضافة نسبة مئوية واحدة إلى عام إحاد تزيد قوته بالثلث. وفق الاستطلاع فمن المحتمل أن يتعدى "عليه يروق" (الورقة الخضراء) نسبة الحسم، والحصول على تمثيل عضوي كنيست.

طلب الاستطلاع من المشتركين اليهود تدريج الأحزاب الأكبر وفق درجة فساد مرشحيها للكنيست. علامة 10 تقول بأن المرشحين غير فاسدين. علامة 1 تقول بأن أغلبهم فاسدون جدا. شاس مدرجة على أنها القائمة الأكثر فسادا، بعلامة 3.3، وبعدها، في سلم الفساد، أجودات يسرائيل – 4.4. وحصلت يسرائيل بعلياه على 4.9، وعام إحاد: 5، ليكود: 5، العمل: 5،2، ميرتس: 5،3، مفدال: 5،4، هإحود هلؤومي: 5،4. وحصلت شينوي على العلامة الأعلى: 5،6.

ولم يحصل أي حزب حتى على علامة "كاف" – دون الحديث عن جيد وجيد جدا – في طهارة صفات مرشحيه للكنيست. العلامة الأعلى هي "ناجح بصعوبة"، يحظى بها باعتزاز حزب واحد فقط. حزب علماني، وطني، لبرالي.

بنفس حجم نقاء ايدي الأحزاب، هكذا يصنع جمهور الناخبين الواسع الفارق بين الليكود والعمل ويجعله مقلصا جدا. هذا على الرغم من آمال رؤساء "العمل"، لأن الكشف عما جرى في الانتخابات الداخلية في الليكود يفيدهم. الحزبان "قذران" جدا بنظر الجمهور، واحدهما (الليكود) أكثر قذارة بقليل.

المعطى التالي ايضا يبين عمق الإحباط من الأحزاب الكبيرة: ما يقارب نصف المشاركين في الاستطلاع مقتنعون بأن عناصر جنائية ستؤثر على قرارات الكنيست القادمة. كل إسرائيلي ثان يرجح احتمالا كبيرا لتغلغل غايات عالم الإجرام في قاعة الكنيست. القوانين الجديدة ستتلائم وحاجات المخالفين، كما يحدث في إيطاليا.

تمثيل القوائم بنظر المصوتين مختل وجزئي. فقط 54% من الناخبين راضون من تكوين القائمة للكنيست التي ينوون التصويت لها. الباقي سيصرون بأسنانهم غضبا وسيصوتون، وسيتغلبون على اشمئزازهم وسيدلون ببطاقتهم.

في الجانب السياسي، فإن تماهي الناخبين مع المنتخبين هو الأقوى، ويصل إلى 63%. اما في الجانب الاقتصادي، فهو الأكثر ضعفا. لكن الموضوع الاقتصادي، كما قد قيل هنا في العديد من المرات، يلعب دورا ثانويا، هامشيا ومهملا في نظام الانتخابات. يصوت المواطنون لأحزاب يرفضون برنامجها السياسي - الاقتصادي، وبالعكس.

وفي إجمال نتائج الاستطلاع يكتب فلوتسكر في "يديعوت": "خلال وقت وجيز، مصير شبيه من شأنه أن يحل بموضوع الفساد: سوف يتم تشويهه ونسيانه. مع دخول إسرائيل إلى سنة انتفاضة ثالثة، كل شيء ما زال يتقزم أمام السؤال من سيحارب "الإرهاب" بشكل أفضل و"العرب بشكل عام". هنا، المنصب الجماهيري لشارون وموفاز غير قابل للضعضعة، راسخا كما كان".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات