المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: بروفيسور دان شيفطانيشهد العالم العربي في السنوات الاخيرة تحولات عميقة تغيّر من الأساس وضع اسرائيل في المنطقة ومن شأنها أن تُملي مستقبلا تقليصا دراماتيكيا في الخيارات المفتوحة امامها جيلا كاملا على الأقل. ولا يصل الى وعي الجمهور الاسرائيلي سوى طرف الجليد العائم للظاهرة، التي تشمل تشمل النظرة الى الغرب والعالم الحديث بشكل عام. لذلك يجب التأكيد على انها تنسخ مركز الثقل في الصراع الاسرائيلي – العربي من المستوى السياسي والاقليمي الى البعد الثقافي، في شروط اصعب من هذه التي ميزت الحلبة قبل مجيء السادات.

يتكشف التحول في الخطاب المتعارف عليه في التيار المركزي للعليات العربية وهو معروض امام عشرات الملايين المكشوفة لتأثيراتها. وجذوره عائدة الى فشل العالم العربي الواضح في مجاراة تحديات القرن الحادي والعشرين. ينظر العرب بعيون مفتوحة الى مستوى الحياة في العالم الحديث ويعون اكثر من ذي قبل الى ان نتيجة انجازات الغرب المتطور تحبط محاولاتهم هم للتمسك بطرف ثيابه. كذلك فهم يعون انجازات عناصر ليست غربية اخرى (وبخاصة في شرق اسيا) في تقليص الفجوات مع "العالم الاول"، في اعماق تخلفهم في المجالات الاساسية (مثلا: الحريات السياسية، تحسين مكانة المرأة او اقتصاد السوق) وللطابع البنيوي لأساب ذلك.

الاحباط الذي يصنعه هذا الفشل موجه في العالم العربي الى من يبدو كرمز للنجاح، وبخاصة نحو الولايات المتحدة العدوانية واسرائيل الاحتلالية (وكلتاهما معروضتان كمن تتصرفان باستعلاء تجاه العرب). لكن لا يمكن تفسير طوفان الكراهية والاحساس بالمؤامرة المستهجنة السائدة في التيار المركزي في العالم العربي بل بالجذور الضاربة عميقا في المستوى الثقافي والحضاري. وتندمج الافتراءات الدامية وبروتوكولات حكماء صهيون ضمن حكايات خيالية عن قتل شعب في المناطق، وفي وصف اليهود كـ "ابناء القردة والخنازير" وعرضهم كنازيين متعطشين للدم. وتُعرض الولايات المتحدة على انها خلاصة الشر التي قامت على انقاض الانسانية. على هذه الصورة يربى ملايين الشباب في مختلف قنوات الحضارة.

لكن التأثير المقلق اكثر في هذا الواقع يخص مكانة اسرائيل في المنطقة. لن يكون بمقدور اية تسوية سياسية ان تجتث على المدى المنظور الصورة الشيطانية لليهود التي تحفر الان في وعي جيل عربي بكامله. كذلك الانسحاب الى خطوط 67 لن يقنع احدا بأن اليهود لا يحتاجون الى دم الاطفال الغرباء في اعداد خبز عيد الفصح، كذلك لن ينجح نقل "جبل البيت" (الحرم القدسي) الى العرب في اعادة القردة والخنازير الى العرق البشري. ثم ان الاستعداد للتسليم بـ "حق العودة" لن يحوّل نازيين حتى النخاع الى شركاء ذوي مصداقية ولن يزيح بروتوكولات حكماء صهيون من مركز الوعي في القاهرة. ان الافتراض بأن "السلام" سيدفع هذه التصاوير الى الهامش غير مؤسس في ضوء انتشارها في مصر بالذات، بعد زيارة السادات الى اسرائيل بربع قرن، وبعد ان اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ووافقت على ارساء دولة فلسطينية، والانسحاب من هضبة الجولان وتقسيم القدس.

هذا الواقع لا يترك لاسرائيل مساحة واسعة للامكانيات. من جهة واضح لكل عاقل ان احتمالات المصالحة التاريخية والشراكة مع المحيط العربي تضاهي الصفر في المستقبل المنظور (ومن المحتمل ان نجاح استراتيجية الحرب في العراق من شأنه فقط ان يعمق العقبات الثقافية والسياسية التي تعترض هذا الخيار). من جهة اخرى، واضح ان معانقة الفلسطينيين ضارة لنا وتمس بالقدرة المطلوبة على الصمود امام العداء العربي وامام الانفجارات المتوقعه لمظاهره العنيفة. كل هذه تقوي كثيرا التوجه الحاصل لدى الجمهور الاسرائيلي بطبيعة الحال: الانقطاع عن الفلسطينيين، ضمن الانماط والمخططات التي تتخذ بصورة احادية الجانب، وحسب اوضاعنا الديموغرافية ومتطلباتنا الاستراتيجية. يجب ادارة هذه الخطوة بحذر، من خلال اتفاق قومي واسع وتفاهم مع الولايات المتحدة، وفرضه بصورة لا تجعل منه انجازا للارهاب. لكن يحظر ان تؤجل تطبيقه اكثر مما يجب.

* الكاتب استاذ في جامعة حيفا ومن واضعي نظرية الانفصال عن الفلسطينيين، وصاحب كتاب بهذا الموضوع بعنوان "حتمية الفصل".

(يديعوت احرونوت 29/12)

المصطلحات المستخدمة:

التيار المركزي, حق العودة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات