المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يثار أحيانا الانطباع ان معظم الجمهور يرى في الانتخابات القريبة نوعا من الاستعراض، والترفيه التلفزيوني. وفي المعركة الانتخابية هناك متنافسون، وثمة توتر، وهذا الاسبوع علمنا بوجود مافيات، كما ان الجثث السياسية تتطاير في كل الاتجاهات. وفي أيام فظيعة كهذه ينبغي قول "شكرا" لكل عمليات صرف الانظار. لأن أغلبية الجمهور مقتنعة بأن الامر لا يتعلق بحدث سيغير من الواقع في شيء في نهاية المطاف. فأولا، لان الفائز، وبحكمة تقليدية وإجماعية، معروف سلفا. وثانيا، لان ما كان هو في الأصل ما سوف يكون، بما في ذلك على الصعيد الاقتصادي والأمني. وفي الاساس، خسارة على الوقت، ولكن للأسف، القانون يفرض الانتخابات، إذن على الأقل لنرى في ذلك بعض التسلية.وعلى خط انطلاق "الحملة" يقف جمهور ناخبين منهك، لا مبالي، وربما انه مريض جزئيا. فهو لا يؤمن بساسته، وان كان لديه إيمان، فانه لا ينتظر منهم شيئا. وقد نصح ذات مرة رجل المال اليهودي الاميركي، برنارد بروخ: <<صوّت للمرشح الذي يقلل من إطلاق الوعود، لأنه سوف يكون الأقل مدعاة للخيبة>> والجمهور الذي شبع خيبات وغرق فيها حتى العنق، وقع في فخ ظروف لا سيطرة له عليها من الناحية الظاهرية، ولذلك فانه يفضل أرييل شارون، الذي عنده بات الوضع القائم تقريبا قضية أيديولوجيا. وبعد هذا الاسبوع، فان الحلفاء الطبيعيين لشارون في معركة المحافظة على الوضع القائم هم في الأساس مرشحي حزب العمل للكنيست. وفي نظر هؤلاء، تعتبر الوحدة الوطنية مطمح نفوسهم والكراسي الى جانبها، ومعظمهم على استعداد للتوقيع على بياض منذ الآن على ورقة انضمامه لحكومة تتبنى الخطة السياسية للرئيس بوش، كما وعد شارون. وحكومة كهذه ستحظى بأغلبية ساحقة في مركز حزب العمل، تفوق الدعم الذي سوف تناله في مركز الليكود. لأنه من جهة ثانية، ستكون لكتلة الليكود التي انتخبت هذا الاسبوع مصالح مشتركة غير قليلة تحديدا مع عميرام متسناع، رغم انهم من الناحية السياسية يقفون على طرفي نقيض. ومثله، فان قسما كبيرا من زعماء الليكود الجدد يشمئزون من حكومة الوحدة ومن الوضع القائم ويفضلون الحسم، واذا كان ممكنا، الآن.

كابوس شارون

يشير قول أميركي مأثور الى ان <<السياسة تخلق شركاء غريبين في الفراش>>، لان الائتلاف المعادي لشارون وكل ما يمثله يبدأ في كتلة الليكود، ويمر عبر متسناع ولكن ليس بين أعضاء كتلته، ويصل الى ميرتس مع لاعبي التعزيز الجدد. وبسبب ان معظم الجمهور <<تمركز في الوسط>> من الناحية السياسية، فان الصقرية الراديكالية في قائمة الليكود يمكن ان تشكل حجر رحى انتخابي على عنق شارون. واذا كانوا في المعركة الانتخابية السابقة قد حاولوا <<إخفاءه>>، فانهم هذه المرة سيبذلون جهدهم لان يملأ شارون كل الشاشة من أجل إخفاء اولئك الذين يقفون خلفه. واذا واصلت وسائل الاعلام التنبيش في المجموعات المشبوهة وفي الصفقات المظلمة التي أنتجت قائمة الليكود للكنيست، فان <<منتخب الاحلام>> الذي بنى شارون عليه يمكن ان يتحول الى كابوس له.

وبهذا المعنى يمكن ان يكون الاسبوع الفائت قد شكل شارة تغيير معينة. فللمرة الاولى منذ زمن طويل، يغدو الليكود في حالة دفاع، ويبدو حزب العمل، وهو أمر لا يصدق، وكأنه منتصر في حرب الصورة. ويشعر كثيرون من أعضاء الحزب ان إبعاد يوسي بيلين ومجموعة الحمائم هي مثل إجراء جراحة في اللحم الحي، ولكن من الناحية الانتخابية من الجائز ان هذه الجراحة كانت ضرورية، وأنها أنقذت الحياة. فالثنائي يوسي بيلين ويوسي ساريد سوف يجتذب اليه ما تبقى من اليسار اليهودي، ولن يبقى خيار أمام حزب العمل سوى الهجوم على ناخبي الوسط الذين خسرهم في السنوات الاخيرة.

لقد صوت 56% من الجمهور لإيهود باراك في انتخابات عام 99، وشعر معظمهم بالندم. وسيضطر متسناع وحزب العمل لإقناع الكثير منهم، خاصة اولئك الذين فروا الى حقول غريبة في شينوي والليكود، من اجل اختبار حظهم من جديد. وحتى الآن، فان المهمة تبدو مستحيلة، ولكن في هذا الاسبوع، يمكننا التقدير، انه ظهر وللمرة الاولى، احتمال ولو ضعيف.

ويمكن قياس قوة التذبذب، ان كان قد حدث، فقط في الاسابيع القريبة. فالرأي العام، حتى ان تحرك، يتحرك ببطء. والمقاعد لا تقفز بشكل جماعي من جهة الى اخرى بين عشية وضحاها، وكل حدث يحتاج الى وقت لإنضاجه. وقد اجرى استطلاع <<معاريف>> بعد معرفة نتائج الانتخابات التمهيدية في الحزبين الكبيرين، ولكن قبل ان يتمثل الجمهور معنى ذلك، ومن الجائز أنها سببت ضررا لمكانة الليكود. والاستطلاع يمثل خط الانطلاق، وإجمالي الاستخلاصات حتى الآن، بعد المنافسة الأولية وقبل ابتداء الدور النهائي.

ولا زال شارون يمثل ذخرا استراتيجيا، فهو الزعيم الوحيد الذي يتمتع بتأييد فائض، حتى وان تراجع، مقارنة بالحزب الذي يقوده. فالليكود بزعامة شارون يضاعف قوته، ويلقي ظلا ثقيلا على من يدورون حوله، وخاصة حركة شاس، في الوقت الذي تتوفر فيه فرصة للمعسكر اليميني ليحظى بأغلبية مطلقة في الكنيست. ويحافظ حزب العمل على انتعاشته الجزئية التي بدأت في الاسبوع الفائت، كما ان المزايا المتوقعة لحركة ميرتس من اتحادها مع بيلين لم تلحظ بعد. ولا زال المهاجرون يتعاملون مع حزب العمل وكأنه غير موجود، ويواصل العرب التهديد بالمقاطعة، الأمر الذي يجعل خسارة اليسار هزيمة ساحقة.

معاريف 13/12/2002

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, باراك, شينوي, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات