المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الدوائر تضيق حول نتنياهو. (إ.ب.أ)
  • كلمة في البداية
  • 811
  • أنطوان شلحت

تتسبب بعض نقاط الخلاف التي اندلعت بين إسرائيل والولايات المتحدة على خلفية إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سير الحرب على قطاع غزة ومحاولته عدم التماشي مع ما تطرحه الإدارة الأميركية الحالية من خطوط سياسية عريضة تتعلق بـ "اليوم التالي"، بإغواء كثير من المحللين الإسرائيليين للخروج بسيناريوات تتعلق أكثر من أي شيء آخر بمستقبل الحرب وتأثيرها على السياسة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وبأفق العلاقات الإسرائيلية- الأميركية على حدّ سواء.

ومع أن ما يغلب على معظم التوقعات بشأن هذه السيناريوات هو الحدس، المعروف عادة بأنه يخلط بين معرفة تستند إلى وقائع وقدر من الخيال، فإن أغلب المحللين لا يجمعون على أمر مُحدّد أكثر من إجماعهم على أن نتنياهو يواجه المزيد من الأزمات التي ستلقي بظلالها على التطورات القريبة المرتبطة بالحرب على قطاع غزة والتي ستدخل بعد ثلاثة أيام شهرها السادس.

وبحسب ما يمكن استشفافه من هذه التحليلات، يواجه نتنياهو الآن أزمة  يعتقد البعض أنها متعدّدة الأبعاد، وذلك في علاقة مباشرة مع نتائج الحرب نفسها من الناحية الميدانية في جهة أولى، ومع الحلبة السياسية الداخلية التي استجدّت عليها في الأيام الأخيرة مسألة قانون تجنيد الشبان اليهود الحريديم من جهة ثانية، ومع موقف الإدارة الأميركية حيال الحرب ومصير قضية المخطوفين الإسرائيليين وحيال ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وخصوصاً في ما له علاقة بالاستيطان ونهب الأراضي من جهة ثالثة.

وبخصوص موقف واشنطن، يشير المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إلى أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، ما زال مناصراً قوياً للصهيونية ولكن إدارته معادية للحكومة الإسرائيلية الحالية كما لم تكن أي إدارة أميركية أخرى معادية لحكومة إسرائيلية في الماضي ("هآرتس"، 1/3/2024).

ولاحظ عدد آخر من المحللين أن الهجمات على تصرفات رئيس الحكومة وسياسته هي تقريباً موضوع يومي في أروقة الإدارة الأميركية الحالية، جزء منها يتم من خلال التسريب إلى وسائل الإعلام الأميركية، وجزء آخر يجري عبر تصريحات علنية.

وفي ورقة تقدير موقف جديدة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب (28/2/2024)، ورد التأكيد على أن الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة تثير معارضة غير مسبوقة في داخل الولايات المتحدة، وقبل كل شيء في أوساط اليسار الديمقراطي والشباب. كما أن الكونغرس أبدى تحفظات قاسية على العمليات التي تقوم بها إسرائيل، وسُجلت محاولات لاشتراط تقديم المساعدة العسكرية الأميركية إلى إسرائيل بتغيير سياستها. وكشفت هذه المعارضة، كما تؤكد الورقة، عن صعود أهمية الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، وفي المقابل ضُعف تأثير الجالية اليهودية. وفي كانون الثاني الماضي بدأت انتقادات الجمهور تعطي ثمارها. وبالرغم من أن الإدارة الأميركية لم تغيّر مواقفها الأساسية إلا إنها صعّدت من حدّة تصريحاتها، واعتبرت أن إسرائيل هي المسؤولة عن إطالة أمد الحرب ونتائجها القاسية، وخصوصاً في غياب احتمالات تتعلق بـ "اليوم التالي". كما أن القلق حيال المعركة الانتخابية الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل والتي في إطارها قد تؤثر القضية الفلسطينية في فرص الرئيس لكي يُنتخب مجدداً، كان في خلفية "التغييرات التي طرأت على أسلوب ردّ الإدارة الأميركية".

إن الاعتقاد السائد في الوقت الحالي هو أن الأيام القليلة المقبلة ستُكرّس لجهد آخر تبذله الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى استكمال صفقة جديدة لإطلاق المخطوفين، تتزامن مع مستهل شهر رمضان الذي من المتوقع أن يحل في يوم 10 آذار الحالي.

وفي انتظار ما يمكن أن يطرأ من تطورات في ملف المخطوفين الإسرائيليين والذي قد يتداعى رويداً رويداً نحو تهدئة طويلة تؤول إلى وقف لإطلاق النار، سنشير إلى مسألة أخرى شهدت تحديداً (من الحدّة) في الفترة الأخيرة، وهي مسألة التشديد على أن وعود نتنياهو بشأن تحقيق نصر مطلق وسريع في قطاع غزة تصبح جوفاء أكثر فأكثر.

ولعلّ أبرز من يتبنى هذا التشديد محللو الشؤون العسكرية في وسائل الإعلام الإسرائيلية وقادة عسكريون سابقون. فمثلاً، يقول اللواء احتياط غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي وشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، إن حرب غزة كشفت النقاب عن سطحية المؤسسة السياسية الإسرائيلية وضحالتها، بدءاً من تصريحات قادتها الجوفاء بأن الضغط العسكري سيؤدي إلى إبرام صفقة مخطوفين جيدة، بينما حصلت إسرائيل قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وعندما كان الضغط العسكري "معتدلاً"، على صفقة جيدة نسبياً، مع إطلاق عشرات المخطوفين يومياً. كما أن هناك مصطلحاً أجوف أكثر، هو "النصر المطلق"، والذي ما من معنى له سوى استسلام حركة حماس من دون شروط، وإطلاق كل المخطوفين من دون شروط. ومن الواضح برأيه أن هذا لن يحدث، وأن هذا المصطلح الذي صاغه رئيس الحكومة قد يكون شعاراً انتخابياً ناجحاً لكنه ليس هدفاً حقيقياً ("يديعوت أحرونوت"، 27/2/2024).  

ويتفق مع هذا الاستنتاج لواء آخر في الاحتياط هو عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة "أمان"، الذي أكّد أن "النصر المطلق" الذي يحاول نتنياهو أن يظهر كأنه ينتظرنا خلف الباب هو مجرّد شعار فارغ من المضمون، وذرّ للرماد في العيون (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 27/2/2024).

إذا ما انضاف كل ما تقدّم إلى ما أدت إليه المذبحة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق حشود من الفلسطينيين كانوا ينتظرون تسلُم مساعدات إنسانية في شمال قطاع غزة، من مطلب دولي أكثر شمولاً وحسماً من أجل وقف إطلاق النار، فإن الاستنتاج المطلوب هو أن إسرائيل تقف أمام عدد من القضايا سيكون من الصعب أن تنأى بنفسها عن حسمها، وهو استنتاج يتبناه كثير من الخبراء السياسيين والعسكريين بمن في ذلك المحسوبون على رئيس الحكومة.  

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات