مع استمرار الحرب الإسرائيلية الضارية على قطاع غزة التي جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع القطاع، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم حملة الهجوم الحادّ على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي تتهمه بالمسؤولية المباشرة عن الحرب الحالية. وهي حملة تتشابك في الوقت عينه مع مواصلة تآكل شعبيته وتراجع قوة حزبه الليكود في استطلاعات الرأي العام، فضلاً عن انخفاض نسبة الإسرائيليين الذين يرون بأنه الشخص الأكثر ملاءمة لتولي منصب رئيس الحكومة.
منذ بداية الحرب على قطاع غزة تحوّل الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، العقيد دانيال هغاري، إلى المصدر شبه الوحيد للمعلومات الإسرائيلية حول مجريات الحرب وأهدافها. ومنه يعرف المجتمع الإسرائيلي ما تم إنجازه وما لم يتم، ومن خلاله يستمد المجتمع الإسرائيلي معنوياته وأمله بالانتصار. لكن هذا لا يمنع من طرح سؤال أساس: متى يقوم الناطق باسم الجيش بتضليل الإسرائيليين، إخفاء معلومات، أو البوح بمعلومات مغلوطة (fake news)؟
يُمكن القول إن الدعم والتأييد الذي أظهره المجتمع الإسرائيلي في الفترة الأولى من الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، يتأتّيان من الصدمة الجماعية التي حدثت في هجوم حماس صبيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، بالإضافة إلى الشعور بـ"التهديد الجماعي الوجودي"، كما ورد في خطابات قادة المستويين السياسي والعسكري الأمني في إسرائيل في التعقيبات الأولى على الهجوم، وهو ما عزّز من الشعور الإسرائيلي بأنهم أمام "حرب اللاخيار" وما يترتّب عليه ذلك من ضرورة حشد وتجنيد الدعم المجتمعي الكامل للحرب ولأهدافها العسكرية والسياسية.
أدّت الحرب على قطاع غزة إلى طرح ملف العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، وبطبيعة الحال ملف العلاقات الفلسطينية الأفريقية، على طاولة البحث والتداول. وتظهر طبيعة هذه العلاقات في المواقف التي اتخذتها الدول الأفريقية من الحرب، والتي يمكن اعتبارها تعبيراً عن العلاقات مع إسرائيل والموقف من القضية الفلسطينية.
تحاول هذه الورقة رصد وتحليل مواقف الدول الأفريقية غير العربية، وهذا يعني أن الورقة تستثني في تحليلها مواقف الدول العربية في القارة الأفريقية مثل مصر، المغرب، الجزائر، السودان، تونس، جيبوتي وموريتانيا، التي بلا شك تحتاج إلى ورقة منفصلة. تشير الورقة بعد قراءة مواقف الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي الذي يُمثل هذه الدول، إلى أن القارة لا تزال داعمة للحقوق الفلسطينية، مع التأكيد على أن إسرائيل نجحت في استمالة دول أفريقية لتأييد مواقفها السياسية، وهذا يعود إلى الجهود المضنية التي بذلتها إسرائيل في العقد الأخير في تعميق حضورها فيها.
مع دخول الاستراحة الموقتة التي تتضمن هدنة إنسانية تشمل وقفاً لإطلاق النار وتبادلاً لأسرى وأسيرات بين إسرائيل وحماس حيّز التنفيذ، خرجت العديد من الأصوات في إسرائيل الرافضة لذلك على اعتبار أنها تُلحق الضرر بالعملية العسكرية البرية- "المناورة البرية" في قطاع غزة والتي بدأت مع نهاية تشرين الأول الماضي بعد قرابة 20 يوماً من القصف الجوي الإسرائيلي على القطاع عملاً بمبدأ "الأرض المحروقة" أو ما يُعرف إسرائيلياً بـ "عقيدة الضاحية".
بينما ينصب الاهتمام عادة على الجانب التفاوضي من صفقات تبادل الأسرى، فإن هناك جانباً آخر لا بد من استعراضه في هذه المقالة، وهو "كيف تتخذ إسرائيل القرار داخليا؟". بالنسبة لإسرائيل، تعتبر صفقات تبادل الأسرى من أكثر الأمور تعقيداً من ناحية اتخاذ القرار، وتبريره للمجتمع الإسرائيلي، وفق موازين الربح والخسارة. هذه المقالة تستعرض هذه الديناميكيات بإيجاز.
الصفحة 51 من 338