ظهرت إلى السطح في الأيام الأخيرة قضيتان من القضايا الداخلية الأكثر إلحاحا التي تواجهها إسرائيل: أزمة الاختناقات المرورية، الناجمة عن تأخر تنفيذ مشاريع بنيوية كبيرة، بالتزامن مع تدفق المركبات بوتيرة عالية، تفوق طاقة الشوارع، خاصة في السنوات الست الأخيرة. والثانية، هي قضية إنتاج الكهرباء على صعيدين: الأول خطر أن تواجه إسرائيل نقصا في الكهرباء في السنوات القليلة المقبلة، والثانية هي عملية الانتقال بوتيرة أسرع نحو الطاقة المتجددة.
بتاريخ 6 أيلول 2022 انتُخب شلومو نئمان رئيسا جديدا لـ"مجلس المستوطنات" (أو ما يسمى بالعبرية "مجلس يشع"). و"مجلس المستوطنات" هذا هو جمعية عامة تمثل كل المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة (حتى بعد الانسحاب منه)، وتمثل مصالح كل الإسرائيليين المقيمين في الأرض المحتلة منذ العام 1967، وتشكل جسماً ضاغطاً أو استشارياً أمام الحكومة الإسرائيلية، وتضطلع بكل المهمات المتعلقة بتوسيع الاستيطان، ومساعي فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. سيتم في الشق الأول من هذه المقالة، التركيز على مجلس "يشع"، لمعرفة تنظيمه الداخلي، مهماته، وأساليب علمه، ومصادر تمويله. والقسم الثاني سيعرض بإيجاز بروفايل رئيس المجلس الجديد، وسيرته المهنية.
إلى الشرق من قراوة بني حسان، في محافظة سلفيت، تقع البؤرة الاستيطانية "معاليه يسرائيل". تحتوي البؤرة على كرافانات عدة أقيمت ابتداء من العام 1997، وما تزال مأهولة بسبب قربها من التجمع الاستيطاني "برقان" في عمق الأراضي المصنفة "ج". يعتبر المجتمع الصهيوني الديني المتطرف الذي يسكن هذه البؤرة، الأراضي المصنفة "ج" بمثابة تخوم مفتوحة، فارغة من السكان الأصلانيين، وإن كان يشوبها بعض الأشواك والمارقين والوحوش البرية الفلسطينية التي يمكن "تحييدها". بالتالي، فإن أراضي "ج"، تكاد تشبه مفهوم الغرب الجامح (wild west) في ذهنية المستوطن الأميركي الكاوبوي، الذي استوطن بداية في شرق القارة الأميركية الشمالية، ثم تخلص من السكان الأصلانيين، قبل أن يتحوّل إلى راعي بقر، ويمتطي الخيول لينطلق غرباً ويحوّل أراضي الغرب الجامح، والمتوحش، وغير المأهول إلى أراض "حضارية" يقوم المستوطن بتعميرها. وبالعودة إلى البؤرة الاستيطانية "معاليه يسرائيل"، فقد أقام المستوطنون فيها مزرعة خيول في العام 2009، وأطلقوا عليها اسم "الغرب الجامح"، ربما تيمناً بأسلوب المستوطن الأميركي الكاوبوي.
افتتحت السنة الدراسية في المدارس، ضمن الجهاز العبري والجهاز العربي، في إسرائيل، بعد فترة من الترقب سبقتها فترة أطول من احتجاج المعلمات والمعلمين الذين يطالبون منذ أشهر برفع أجورهم المنخفضة. لكن الحكومة ممثلة بوزارة المالية ماطلت في التعاطي الجدي مع مطالبهم، حتى آخر يوم، بل حاولت إصدار أوامر تمنعهم من الإضراب والاحتجاج، وهو ما رفضته المحكمة. فاضطرت للاستجابة لجزء كبير من مطالب المعلمين، في ختام مفاوضات واتصالات تدخّل فيها رئيس الحكومة يائير لبيد، والذي خشي من إضراب يشلّ عملية التعليم وسيشعر به كل بيت ومواطن تقريباً، وسيترك آثاراً مباشرة في سوق العمل والاقتصاد، قبيل انتخابات غير سهلة تنتظره في مطلع تشرين الثاني المقبل.
يشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالة مضاربة بين نمو اقتصادي عال، ومداخيل ضرائب أعلى بـ 22% من المخطط، وبطالة رسمية متدنيّة، وفي المقابل، ارتفاع في التضخم المالي بوتيرة لم تشهدها السوق الإسرائيلية منذ 20 عاما، ليقرر بنك إسرائيل المركزي زيادة العبء برفع الفائدة البنكية، وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل سنوات كثيرة. وبهذا فإن النمو الاقتصادي واختفاء العجز من الموازنة العامة، يبقى عند خزينة الحكومة وكبار المستثمرين، والبنوك، في حين أن الشارع يعاني من غلاء فاحش، إلا أن هذا لا ينعكس على نتائج الانتخابات البرلمانية، التي ستجري في الأول من تشرين الثاني المقبل، بحسب الاستطلاعات المكثفة التي تظهر تباعا.
بتاريخ 26 آب 2022، توصل إيتمار بن غفير (رئيس حزب "قوة يهودية") وبتسلئيل سموتريتش (رئيس حزب "تكوما (الاتحاد القومي)" وتحالف "الصهيونية الدينية") إلى اتفاق لخوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في قائمة واحدة. ويمثل الحزبان تيارين متنافسين داخل قطاع الصهيونية الدينية في إسرائيل، وفي انتخابات الكنيست الـ 24 في آذار 2021، خاضا الانتخابات ضمن قائمة انتخابية واحدة حصدت 6 مقاعد الأمر الذي اعتبر في حينه إنجازا سياسيا. لكن منذ ذلك الإنجاز وحتى اليوم، نمت القاعدة الانتخابية للصهيونية الدينية إلى أن أصبح كل حزب من الاثنين يعتبر نفسه التيار الأكبر، الأمر الذي أدى إلى دخول الحزبين في سجالات لتحسين حظوظهما من ناحية التمثيل داخل الكنيست.
الصفحة 102 من 357