المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
إسرائيل عالقة في نتائج انتخاباتها. (أ.ف.ب)
إسرائيل عالقة في نتائج انتخاباتها. (أ.ف.ب)

يبدو أن المشهد الإسرائيلي بشأن تشكيل حكومة جديدة يزداد تعقيدا، ولم يتبق أمام الكنيست سوى 6 أسابيع لمنح الثقة لحكومة. ومن هذه الأسابيع ثلاثة أسابيع لبنيامين نتنياهو، إذا أراد التمديد لأسبوعين، وثلاثة أسابيع ستكون لمكلف آخر غير نتنياهو، إذا ما فشل الأخير. وفي المقابل، فإن التقارير الاقتصادية، والأوضاع الناشئة، تدل على أن الأزمة الاقتصادية ستنعكس قريبا على جيب الجمهور، الذي سيكون مطالبا بالمشاركة في تسديد العجز المتفاقم، وكذا الدين العام الذي بلغ تريليون شيكل، في حين أن وتيرة ارتفاع الأسعار للبضائع الاستهلاكية ليست مسبوقة منذ ثماني سنوات.

فحتى مطلع الأسبوع، تبدو الأمور تراوح مكانها في مسار تشكيل الحكومة، وحتى أن بنيامين نتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة خفف وتيرة حراكه؛ في حين تقول تقارير إن نتنياهو قد يفاجئ ويعيد التكليف إلى رئيس الدولة قبل انتهاء المدة القانونية الأولى، يوم الثلاثاء من الأسبوع المقبل، الرابع من أيار.

لكن هذه تبقى إحدى الفرضيات من سلسلة فرضيات ما تزال لها احتمالات متفاوتة، وإن بدت كلها ضعيفة، بموجب المشهد الحاصل.

أبرز الفرضيات المتبقية

الفرضية الأولى، هي أن يواصل بنيامين نتنياهو محاولاته تشكيل حكومة أقلية، من 59 نائبا، تستند لدعم خارجي من "القائمة العربية الموحدة"، إلى حين تثبيت الحكومة، ليواصل نتنياهو السعي لتوسيع وتثبيت القاعدة الائتلافية. ولإتمام هذه المهمة، سيكون عليه الطلب من رئيس الدولة التمديد له لأسبوعين، وبهذا يكون اليوم الأخير له، في حال حصل على التمديد، هو 18 أيار المقبل.

إذا اختار نتنياهو هذا المسار، فسيكون في حساباته المراهنة على تصدعات في الكتل المعارضة لاستمرار حكمه، كونها ليست متجانسة، وفيها كتل يمينية استيطانية، ونواب يمين استيطاني في كتل تظهر وكأنها ما يسمى "يمين معتدل"، بحسب القاموس السياسي الإسرائيلي.

ويرتكز نتنياهو هنا على أنه يقود الكتلة المتماسكة أكثر من غيرها، وتستند إلى 52 نائبا من 4 كتل يمين استيطاني ومتدينين متزمتين: الليكود 30 مقعدا، شاس 9 مقاعد، يهدوت هتوراة 7 مقاعد، الصهيونية الدينية 6 مقاعد.

ولكن في هذه الفرضية عقبات، أبرزها أن كتلة "الصهيونية الدينية"، التي تضم حركة "قوة يهودية" المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة، ترفض كليا الانخراط في حكومة تعتمد على دعم خارجي من "القائمة العربية الموحدة"، برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، الذي لا يعلن جهارا رفضه لتقديم دعم خارجي لحكومة تطرف استيطاني كهذه. تأتي العقبة الثانية الناشئة في الأيام الأخيرة من جهة زعيم كتلة "يمينا" نفتالي بينيت، الذي لم يعترض على حكومة أقلية مدعومة من "العربية الموحدة"، غير أنه يسعى الى إفشال نتنياهو، وتشكيل حكومة برئاسة تناوبية بينه وبين زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد.

الفرضية الثانية: حكومة تناوبية برئاسة نفتالي بينيت ويائير لبيد، هذه الفرضية لا مجال للتحرك الرسمي لها، إلا عند انتهاء فترة تكليف نتنياهو، وانتقال التكليف إلى شخص آخر. وهي حكومة أقلية، كتلك التي يسعى لها، وستكون مضطرة للاستناد إلى "القائمة العربية الموحدة"، ولربما غيرها؛ رغم أنها حكومة ستضم كتلا ونوابا تنافس في تطرفها في حلبة اليمين الاستيطاني.

وستكون هذه حكومة في حال تشكلت الأغرب في تاريخ السياسة الإسرائيلية، إذ إن رئيسها الأول سيكون بينيت الذي يترأس كتلة نيابية من 7 نواب، ولكن من ناحية يائير لبيد، فهذا هو الخيار الوحيد لضمان قيام حكومة تبعد نتنياهو عن سدة حكم.
ومن المفترض أن ترتكز حكومة كهذه على الكتل التالية: "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد وتضم 17 نائبا، "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، "يمينا" برئاسة نفتالي بينيت، "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، "العمل" برئاسة ميراف ميخائيلي، "أمل جديد لإسرائيل" برئاسة جدعون ساعر، و"ميرتس" برئاسة نيتسان هوروفيتس. ومجموع نواب هذه الكتل 58 نائبا، بمعنى أنها تحتاج لدعم كتلة "القائمة العربية الموحدة" التي تضم 4 نواب، ولا تبدي هذه القائمة اعتراضا، في حال وافق قادة هذه الحكومة على قضايا مطلبية مدنية محددة.

ورغم ذلك، فإن لبيد يحاول الحصول على موافقة "القائمة المشتركة" التي تضم 6 نواب، وتحالف 3 أحزاب، إلا أنه لا مجال لهذه القائمة لأن تدعم حكومة يترأسها بينيت، أو تضم بينيت وساعر. فالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي لها 3 نواب في القائمة المشتركة أعلنت أنه غير وارد دعم حكومة تضم يمينا استيطانيا، وتواصل نهج نتنياهو السياسي. كما أن التجمع الوطني الديمقراطي الذي له نائب واحد في القائمة المشتركة، رفض التوصية بتكليف أحد النواب لتشكيل حكومة، وبالتالي فهو يرفض تقديم دعم خارجي لأي حكومة إسرائيلية. ولم يصدر موقف حاسم من الحركة العربية للتغيير التي لها نائبان في القائمة المشتركة.

وقد يكون بينيت ولبيد ومعهما ساعر يراهنون على أنه بعد تشكيل حكومة كهذه، قد يتغير موقف الحريديم، وخاصة شاس، وتنضم للحكومة مع شروط تخدم جمهور المتدينين المتزمتين. إلا أن كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة أعلنتا في الأسبوع الماضي، تمسكهما بخيار حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، ولكن الأمور قد تكون مفتوحة مستقبلا، كما أثبتت السياسة الإسرائيلية.

وهناك همس وغمز باحتمال أن يقع انشقاق في كتلة الليكود بالتمرد على نتنياهو، والانضمام لحكومة بينيت- لبيد، وبشروط ذات مستوى عال ومغرية.

الفرضية الثالثة، وهي ما سبق أن ورد هنا، أن يحصل انشقاق في الليكود، وانشقاق كهذا يحتاج وفق القانون، أن يشكل المنشقون ثلث الكتلة القائمة، على أن لا يقل عددهم عن نائبين. بمعنى في حالة الليكود، فإن الانشقاق يحتاج إلى عشرة نواب. ولكن في العام 2009، بادر الليكود لتعديل القانون، ليصبح من حق 7 نواب في كتلة برلمانية، أن ينشقوا ويقيموا كتلة برلمانية، حتى لو لم يشكلوا ثلث كتلتهم الأصلية. وكان هدف هذا التعديل المساعدة على شق كتلة كديما في حينه، التي كانت تترأسها تسيبي ليفني.

حتى الآن، لا توجد مؤشرات قوية إلى انشقاق في الليكود، الواقع كليا تحت سيطرة شخص نتنياهو. وبعد انشقاق جدعون ساعر ومعه 4 نواب، قلّت الحلقات الضعيفة في الليكود، ولا يظهر منها شيء، ولكن في السياسة كل شيء وارد.

الفرضية الرابعة: نتنياهو رئيسا للدولة. يبادر رئيس الكنيست ياريف ليفين من حزب الليكود، كي يتم انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسا للدولة، في الانتخابات التي ستكون في الهيئة العامة للكنيست في نهاية حزيران، أو مطلع تموز المقبلين، مع انتهاء ولاية الرئيس الحالي رؤوفين ريفلين، والتي هي من 7 سنوات، ولولاية واحدة لا يتم تجديدها.

حتى الآن لم يبد نتنياهو اعتراضا علنيا على هذا الخيار، الذي سيعني إزاحة نتنياهو عن رئاسة الهيئة التنفيذية، الحكومة، إلى منصب يبدو أعلى، ولكنه خال من الصلاحيات تقريبا.

في حال تم هذا الخيار، على الليكود أن يختار مرشحا آخر لتشكيل الحكومة، وحينها ستكون مهمته سهلة وسريعة، لأن الاعتراض لدى بعض الكتل اليمينية في الكنيست هو على شخص نتنياهو وليس سياسته.

ولكن هذا المسار يبدو ضعيفا جدا، لأن التأييد الفوري لشخص نتنياهو لتولي رئاسة الدولة هو 59 نائبا، إلا إذا قررت القائمة العربية الموحدة انتخاب نتنياهو بشروطها، وهذا من باب ما تعلنه الكتلة وقيادتها بأنه ليس لديهم أبواب مغلقة أمام أي جهة كانت.

وفي المقابل، ستكون لهذا الانتخاب تعقيدات قانونية لا يجيب عليها القانون القائم، وهو أن يتم انتخاب رئيس دولة خاضع فعليا لمحاكمة في قضايا فساد الحكم.

أمام كل هذه التعقيدات، فإن إسرائيل تبدو أقرب إلى انتخابات برلمانية خامسة، من قربها من تشكيل حكومة جديدة.

الأوضاع الاقتصادية

مع التراجع الحاد في انتشار فيروس الكورونا، إذ بلغ عدد المصابين الحاليين، في مطلع الأسبوع، نحو 1700 شخص، ورفع القيود الكثيرة عن الحركة والحياة العامة، يقترب الشارع الإسرائيلي من واقع يكون فيه مطالبا بأن يسدد فاتورة الحكومة لمواجهة جائحة الكورونا وانعكاساتها الاقتصادية المالية، إذ طفح الدين العام إلى مستوى كان قائما قبل ما يزيد عن عشرة أعوام، في حين أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بات كبيرا نسبيا، وبوتيرة لم يشهدها الاقتصاد الإسرائيلي منذ 8 سنوات.

فقد قالت تقديرات اقتصادية الأسبوع الماضي إن الدين الحكومي الإسرائيلي العام من المتوقع أن يكون قد بلغ في هذه الأيام تريليون شيكل (ألف مليار)، وهو ما يعادل حاليا 305 مليارات دولار. وحسب التقديرات ذاتها فإن الحكومة المقبلة ستفرض ضرائب استثنائية، وترفع ضرائب قائمة، بحجة سد الدين من جيوب المواطنين، الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية في السنة الأخيرة، الناجمة عن أزمة الكورونا.

وجاءت هذه التقديرات، بعد أن أعلن المحاسب العام للدولة أن الدين الحكومي العام بلغ مع نهاية العام 2020 الماضي 984 مليار شيكل، ومع استمرار الصرف الاستثنائي لتمويل مواجهة أزمة الكورونا وآثارها الاقتصادية، فإن الدين يكون قد وصل هذه الأيام الى حاجز ألف مليار شيكل، تريليون شيكل.

وحسب تقرير المحاسب، فإن حجم الدين الحكومي كان في نهاية العام 2019 حوالي 823 مليار شيكل، وهو ما يعادل 58% من حجم الناتج العام، وبعد إضافة الدين العام، يكون إجمالي الدين قد وصل في نهاية 2019 إلى ما نسبته 60% من حجم الناتج العام. وهذه نسبة تُعد "مثالية" بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية، وجهات الإقراض العالمية للدول. إلا أنه مع نهاية العام 2020، وصل الدين الحكومي العام إلى نسبة 71%، وإجمالي الدين العام، بمعنى ما يشمل الدين الحكومي، 72% من حجم الناتج العام، وهذه النسبة أقل من النسبة السابقة التي أعلنت في شهر آذار الماضي وتحدثت عن 74%، وأقل من التقديرات التي تحدثت عن ارتفاع الدين إلى نسبة 78%.

في المقابل، سجل التضخم المالي في الربع الأول من العام الجاري، ارتفاعا بنسبة 0.8%، بعد أن سجل التضخم في آذار الماضي ارتفاعا بنسبة 0.6%؛ ما يوحي أن التضخم المالي سيواصل ارتفاعه في الأشهر المقبلة، انعكاسا للغلاء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، والبضائع الحياتية اليومية.

وكان التضخم قد سجل في العام الماضي 2020 تراجعا بنسبة 0.7%، وهو تراجع كان أقل من التقديرات التي تحدثت عن تراجع بنسبة 1.2%. وأساس هذا التراجع، ناجم عن تراجع الحركة الشرائية، رغم ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.

ورغم هذا، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يخرج الاقتصاد الإسرائيلي من أزمته ابتداء من العام الجاري، إذ حسب تقديراته، الصادرة قبل أيام، فإن النمو المتوقع لهذا العام سيكون في محيط 5%، بعد أن سجل في العام الماضي 2020 انكماشا أقل من المتوقع، وكان 2.2%.

وفي حال صدقت توقعات صندوق النقد، التي تبنى أساسا على تقارير رسمية إسرائيلية، فإن هذا يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي سيغطي هذا العام انكماش الاقتصاد في العام الماضي، ويسجل نموا طفيفا للعامين الماضي والجاري، على أساس أن نسبة التكاثر السكاني في إسرائيل في حدود 2%، وهذا يقلب من جديد التوقعات الإسرائيلية السابقة، التي ادعت أن الاقتصاد الإسرائيلي سيغلق خسائره ويعود إلى مسار النمو، ليس قبل العام 2024، وعلى أساس هذه التوقعات السوداوية، تعد الحكومة ووزارة المالية فيها سلسلة ضربات اقتصادية للجمهور، بذريعة إغلاق العجز في الموازنة العامة، وتقليص الدين العام.

ومن مؤشرات النمو المبكرة، سلسلة تقارير تتحدث عن ارتفاع كبير في الاستهلاك الفردي والعام، وهو ما يساهم في ارتفاع الأسعار ووتيرة التضخم. كذلك، فإن البطالة انخفضت نسبتها في شهر آذار الماضي إلى ما دون 10%، ومن المتوقع لها أن تتراجع أكثر حتى نهاية حزيران المقبل، حينما ينتهي مفعول قانون البطالة الاستثنائية، الذي أقر مع بدء جائحة الكورونا، ومنحت مخصصات بطالة واسعة نسبيا، خاصة لأولئك الذين تم إخراجهم إلى إجازات ليست مدفوعة الأجر.

وعلى ضوء تراجع نسبة البطالة، فقد أعلن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، البروفسور آفي سمحون، أنه ابتداء من الشهر المقبل، أيار، سيتم خصم مخصصات البطالة ومخصصات الإجازة ليست مدفوعة الأجر، بنسبة 10%، بموجب القانون الاستثنائي، الذي يقضي أحد بنوده بأنه في حال انخفضت نسبة البطالة إلى ما دون 10%، فإنه في الشهر يتم خفض المخصصات الاستثنائية وليس العادية بنسبة 10%.
وجاء إعلان سمحون خلافا لإعلان وزير المالية، يسرائيل كاتس، أنه سيعمل على عدم خفض المخصصات، حتى نهاية حزيران المقبل، ولكن هذا القرار يحتاج قرارا من الحكومة، ومصادقة الكنيست على تعديل القانون الاستثنائي، بشكل عاجل، وقبل حلول الأول من أيار، وكما يبدو فإنه هذا لن يحصل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات