المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأخيرة يتولى أربع حقائب وزارية ذات وزن سياسي واقتصادي، رغم أن العديد من وزراء الليكود في حكومته يتولون أنصاف حقائب، أو حقائب كبيرة ولكنها منقوصة. وهذا المشهد غير مسبوق في حكومات إسرائيل السابقة، إذ أن تعدد الوظائف بيد رئيس الوزراء نراه عادة في أوج أزمة ائتلافية وانسحابات كتل برلمانية، ويستمر لفترة قصيرة. إلا أن الحالة القائمة تظهر في وقت يبدو فيه الائتلاف الحاكم في ثبات رغم هشاشة أغلبيته البرلمانية. وتقف وراء كل واحدة من الحقائب التي يحملها نتنياهو غايات سياسية أو اقتصادية، ما يؤكد أن نتنياهو لا يثق بمحيطه، ويسعى لتسديد فواتيره الانتخابية لحيتان المال بنفسه، وما يدعم هذا الاستنتاج نهج نتنياهو ذاته في حكومته الأولى في تسعينيات القرن الماضي.

فقد نقل نتنياهو إلى يديه، قبل أسبوعين، حقيبة وزارة الاقتصاد الكبرى، التي كانت بعهدة شريكه في الائتلاف الحكومي آرييه درعي، الزعيم السياسي لكتلة "شاس" الدينية المتزمتة لليهود الحريديم الشرقيين. وكان السبب واضحا ومعلنا، وهو أن درعي رفض سحب صلاحيات المسؤول عن قيود الاحتكارات في الوزارة، ليصادق على اتفاقية تشغيل حقول الغاز مع الشركتين الاحتكاريتين، الإسرائيلية "ديلك كيدوحيم"، والأميركية "نوبل إنيرجي". فحجم احتكار حقول الغاز لدى هاتين الشركتين يتناقض مع الأنظمة والقوانين القائمة، ولهذا يرفض المسؤول الوزاري التوقيع عليها، إلا أن نتنياهو يصر على تمريرها. ونشير هنا أيضا إلى أن الاتفاقية هي لصالح الشركتين على حساب الخزينة العامة، من حيث نسب الضرائب وحصة الحكومة من الأرباح.

ووزارة الاقتصاد هي في الأصل وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل، وواحدة من أضخم الوزارات في الحكومات الإسرائيلية، وباتت اليوم بيد نتنياهو إلى جانب وزارة الخارجية، ووزارة الاتصالات ذات الأهمية الكبرى في كل ما يتعلق بوسائل الإعلام والصحافة.

والحقيبة الرابعة هي وزارة التعاون الاقليمي، التي أقيمت لأول مرة في حكومة إيهود باراك في العام 1999 وأسندت لشمعون بيريس، وهي ذات اهتمامات خارجية في المنطقة، ومسؤولة عن مشاريع اقتصادية مع الدول ذات العلاقة الدبلوماسية مع إسرائيل.

وكل واحدة من هذه الوزارات يتوق لها، بالتأكيد، كل وزير في الحكومة. وهذا "التوق" يتزايد حينما نعلم أن شخصيات الصف الأول في حزب "الليكود" الحاكم، تتولى وزارات منقوصة وحتى هامشية، باستثناء وزير الدفاع موشيه يعلون. فمثلا الوزير غلعاد إردان الذي حلّ في المرتبة الثانية بعد بنيامين نتنياهو في قائمة الحزب في الانتخابات البرلمانية في آذار 2015، كان يتوق لتولي حقيبة الداخلية كما هي، ولكن بعد أن سحب نتنياهو منها قسم التنظيم والبناء، ونقله بموجب الاتفاقيات الائتلافية إلى وزير المالية موشيه كحلون، بمعنى افراغ الداخلية من دائرتها الأهم، رفض إردان تولي الوزارة، وطالب بحقيبة الخارجية، فرفض نتنياهو اسنادها له، وبعد تأخير أسبوعين، تولى إردان حقيبة الأمن الداخلي (الشرطة) وحقيبة "التهديدات الاستراتيجية".

وكذا الأمر بالنسبة لسيلفان شالوم، الذي اضطر مرغما لتولي حقيبة الداخلية المنقوصة.

ولم يحقق يسرائيل كاتس رغبته بتولي حقيبة أهم من حقيبة المواصلات التي يتولاها منذ العام 2009، بمعنى في الحكومة الثالثة على التوالي.

وقائمة "خائبي الأمل" في الليكود تشمل أيضا زئيف إلكين، العقل المدبر للاتفاقيات الائتلافية، والذي تولى حقيبة الهجرة والاستيعاب، وياريف ليفين الذي تولى حقيبة السياحة، والنائب بنيامين بيغن الذي وجد نفسه بعد أسبوعين من توليه منصبا وزاريا من دون حقيبة خارج الحكومة كليا، والنائب تساحي هنغبي الذي تطلع إلى حقيبة "دسمة" فبقي خارج الحكومة ويتولى حاليا رئاسة كتل الائتلاف ورئاسة لجنة الخارجية والأمن البرلمانية. ولم يشفع لآفي ديختر ماضيه العسكري ورئاسته لجهاز المخابرات العامة "الشاباك"، فبقي من دون أية مسؤولية وزارية ولا حتى برلمانية.

دوافع الاحتفاظ بالحقائب

كما ذكر، فإن نتنياهو يحتفظ بالحقائب الوزارية الأربع، وليس صدفة أن نتنياهو سعى للسيطرة عليها، فوراء كل واحدة أسبابها، وقد يتخلى نتنياهو عن كل واحدة منها، بعد أن ينجز الهدف المقصود، ولكن ربما قد يضطر لاحقا لأن يتخلى عن واحدة أو أكثر قبل انجازه المهمة، إذا ما نشأت أزمة ائتلافية، أو في حال موافقة إحدى كتل المعارضة على الانضمام إلى الحكومة.

وقد تولى نتنياهو حقيبة الخارجية منذ اليوم الأول لحكومته الحالية، لأنه كان قد خصص هذه الحقيبة، خلال المفاوضات الائتلافية، لشخص أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، إلا أن الأخير رفض الانضمام للحكومة. وظاهريا بسبب الاتفاقيات الائتلافية مع كتلتي الحريديم "يهدوت هتوراة" و"شاس". ولكن على أرض الواقع فإن ليبرمان يرى بعد الضربة التي تلقاها في الانتخابات الأخيرة، أن تأثيره في الحكومة سيكون هامشيا، وأن استعادة جزء من قوته يستوجب بقاءه في المعارضة.

وحسب التقديرات، فإنه في حال عدَلَ ليبرمان عن موقفه القائم، أو قررت واحدة من كتلتي المعارضة الأخريين، "المعسكر الصهيوني" أو "يوجد مستقبل"، الانضمام إلى الحكومة، فإن حقيبة الخارجية ستكون أول حقيبة يعرضها عليهم نتنياهو.

ونذكر هنا أن حسابات الربح والخسارة الحزبية لكل واحدة من كتل المعارضة، أو حسابات كتل الائتلاف إزاء كتل المعارضة التي تمنع انضمام أي منها إلى الحكومة، ما تزال قائمة، وكنا قد استعرضنا هذا في عدد سابق من "المشهد الإسرائيلي".

وعلى الرغم من أن نتنياهو يعرض مسألة توليه حقيبة الخارجية وكأنها أمر مؤقت، إلا أنه يعمل على تعيين مقربين له في السلك الوظيفي والسلك الدبلوماسي.

وفي ما يتعلق بحقيبة الاتصالات، فقد قرر نتنياهو منذ البداية ابقاء حقيبة الاتصالات بين يديه، ورفض اسنادها لأي من نواب الليكود الذين سعوا لها، وقد يكون ظاهريا أن نتنياهو سيبقي هذه الحقيبة لضم كتلة جديدة، أو لإسنادها لشخص آخر في اعقاب تبدل حقائب في حال ضم كتلة برلمانية. ولكن على أرض الواقع فإن سعي نتنياهو للسيطرة على وسائل الإعلام المركزية في خلال سلطتي البث الرسميتين الأولى والثانية، واضح في حكومات نتنياهو الأربع، وبالذات في حكومته السابقة.

ويسعى نتنياهو للحفاظ على مكانته في الإعلام، ولكن في ذات الوقت، الحفاظ على مصالح حيتان المال المسيطرين على الإعلام ويدعمون نتنياهو. وأبرزهم الأميركي اليهودي شلدون إدلسون، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية، المجندة كليا لدعم نتنياهو. ففي الدورة السابقة أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع قانون يحظر توزيع صحيفة يومية مجانية بالحجم الذي تصدر فيه "يسرائيل هيوم"، رغم اعتراض نتنياهو على القانون. وقد أقلق هذا القانون نتنياهو إلى درجة كبيرة، كونه يضرب البوق الإعلامي الأبرز الذي يدعم سياسته، ومكانته الشخصية السياسية في الشارع، وأمام جميع خصومه، بمن فيهم داخل حزبه "الليكود". وقد وصل الأمر إلى حد قول عدة محللين وجهات حزبية إن من أبرز الأسباب التي دفعت إلى حل الحكومة هذا القانون ولمنع الاستمرار في تمريره، كونه اخترق الائتلاف الحاكم يومها.

وقد رأينا في فترة الحكومة السابقة كيف حاول نتنياهو ضرب القناة العاشرة، والسعي إلى عدم تجديد رخصة تشغيلها، ومارس ضغوطا على القناة كي تنعكس على صحافيين ينتقدونه بقوة من على شاشتها.

والحقيبة الثالثة، كما سبق وورد هنا، هي حقيبة الاقتصاد الموسعة، وللأسباب التي وردت هنا، ولكن يجمع المحللون على أن تولي نتنياهو لحقيبة الاقتصاد، ليس فقط من أجل تمرير اتفاقية الغاز، فهو سيجد عراقيل أخرى حتى ينفذ الهدف، بل إن نتنياهو يسعى أيضا إلى تمرير أنظمة جديدة تقدم تسهيلات لحيتان مال آخرين، بما في ذلك في قطاع الاتصالات، والجدل القائم حاليا، حول نية شركة الاتصالات الخليوية "سلكوم" شراء شركة اتصالات رابعة كانت قد نشأت قد ثلاث سنوات، وساهمت المنافسة في تخفيض الأسعار بنسبة كبيرة جدا. وشراء "سلكوم" لهذه الشركة الصغيرة سينهي هذه المنافسة، وقد ترتفع الأسعار والتكلفة مجددا. وحسب تلك التحليلات فإن نتنياهو سيستغني لاحقا عن الحقيبة في حال أنجز ما يريد ووجد الشخص المناسب الذي يحقق له أجندته.

اللافت أن درعي بادر بذاته للتخلي عن هذه الحقيبة، ليبقى مع حقيبة "تطوير النقب والجليل"، وهو المشروع المكلف بتهويد هاتين المنطقتين، وحصل في المقابل على ميزانية اضافية من 75 مليون دولار لصرفها على أحياء وبلدات الفقر. ومن ناحية درعي، فهذه ميزانية سيكون جلها لصالح بلدات اليهود الشرقيين، مرتكز الأصوات الجدي لحركة "شاس".

أما حقيبة "التعاون الاقليمي"، فهذه حقيبة كما يبدو لم تجد من يتسلمها، نظرا لضعف مهامها على ضوء انعدام المفاوضات مع الأطراف العربية، وفي ظل التوتر السياسي والأمني القائم في السنوات الأخيرة. وقد يقدم نتنياهو هذه الحقيبة لأي كتلة معارضة تقرر الانضمام إلى الحكومة.

عدم الثقة والخوف من منافسيه

إذا عدنا إلى مسألة توزيع الحقائب الوزارية على وزراء الليكود، فسنجد أن غالبيتهم يتولون حقائب لا تساعدهم على تعزيز مكانتهم الشعبية، أو الأهم من ناحية نتنياهو، أن لا يعززوا مكانتهم داخل حزب الليكود، فنتنياهو الذي يتولى زعامة الحزب بشكل متواصل منذ العام 2005، وقبل هذا من العام 1993 إلى العام 1999، لا يُبدي تعبا، وليس معنيا بالتخلي عن منصبه في الانتخابات المقبلة، ولهذا فإن هاجسه الأكبر هو أن لا يظهر منافس قوي له في الحزب، وحتى الآن لا يوجد منافس كهذا، رغم ما يشاع عن وزير التعليم السابق غدعون ساعر، أو وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان.

ونهج نتنياهو بإسناد أجزاء حقائب أو حقائب منقوصة الصلاحيات وجدناه بقوة في الحكومتين السابقتين.

أما في الحكومة الأولى التي ترأسها من العام 1996 إلى العام 1999، فهناك أقدم نتنياهو على ما لم يفعله أي رئيس وزراء من قبله، ولا من بعده، ففي فترة تلك الحكومة عيّن نتنياهو عدة مستشارين في مكتبه، وكل واحد منهم متخصص بعمل واحدة من الوزارات. وراح البعض يسمى هذا "حكومة ظل" في داخل الحكومة ذاتها، إذ كان نتنياهو ينصت لتوصيات مستشاريه، وحصل في عديد من الأحيان صدام مباشر بين نتنياهو ووزرائه، على خلفية هذا النهج.

وكان من خلف ذلك النهج أن نتنياهو أراد في تلك الأيام أيضا، كما هي الحال اليوم، ضمان تنفيذ مصالح حيتان المال الذين يدعمونه للوصول والبقاء في الحكم. وبلغة أخرى، فإن نتنياهو يريد التأكد من "تسديد الفواتير الانتخابية" لكل واحد من داعميه، ولهذا فإذا كان في الماضي اتبع نهج تعيين مستشارين، وممارسة ضغوط مباشرة على وزرائه، فإن حالة عدم الثقة أوصلته إلى تولي عدة حقائب وزارية ضخمة في آن واحد.

في هذه الأيام سيقر الكنيست الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، وبعد ذلك بيوم ستنتقل الحكومة والائتلاف إلى العمل الجاري، الذي يحمل في طيّاته الكثير من النقاط الصدامية بين أطراف الائتلاف.

وإذا ما أفلت نتنياهو من تلك النقاط وأنقذ ائتلافه ذا الغالبية البرلمانية الهشة، 61 نائبا من أصل 120 نائبا، فإنه بعد ثمانية أشهر من الآن، سيجد نفسه مجددا أمام دوامة ميزانية العام 2017، وقد تكون هي أيضا مزدوجة لميزانية 2018 أيضا، ويشكك كثيرون، بمن فيهم شركاء في الائتلاف، في أن ينجح نتنياهو في تخطي صعوبات ميزانية 2017، مستندا على ذات الائتلاف. وإذا لم ينجح نتنياهو في توسيع قاعدة الائتلاف الحاكم، فقد يجد نفسه مرة أخرى أمام انتخابات برلمانية مبكرة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات