المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكد أعضاء بارزون في حزبي "العمل" برئاسة إسحاق هيرتسوغ، و"الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، النية بالشروع في مفاوضات بين الحزبين في الأيام المقبلة، لإقامة وحدة بينهما، بعدما تحالفا في إطار تحالف "المعسكر الصهيوني"، الذي خاض الانتخابات البرلمانية في آذار 2015، وحقق قفزة في التمثيل البرلماني، من 21 مقعدا للحزبين مجتمعين في انتخابات 2013 إلى 24 مقعدا، ولتكون الكتلة الثانية من حيث الحجم في الدورة البرلمانية الحالية.

ورغم أن هذا التحالف سيعزز من مكانة حزب "العمل"، بعد سنوات طويلة من التراجع المستمر، إلا أنه بالأساس سيكون "قارب نجاة" لتسيبي ليفني ذاتها، ولكن إذا ما ظهر أساس للشائعات التي تحدثت عن احتمال انضمام حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد إلى التشكيل الحزبي فحينها سيبحر "القارب" في السياسة على حساب قوة حزب "العمل"، ويخلق تحالفا غير متجانس.

وكما أن التحالف الانتخابي بين "العمل" و"الحركة" لم يكن مفاجئا، عشية انتخابات 2015، فإن الوحدة بين الحزبين هي أيضا قد تكون سياقا طبيعيا، بين اطار تاريخي بمستوى حزب "العمل"، وبين حزب لم يثبت في أي وقت، منذ وجوده على الساحة السياسية في نهاية العام 2012، أن له قواعد حزبية واضحة وجهاز حزبي نشط، وإنما رئيسة حزب تصارع من أجل البقاء السياسي، مستغلة شعبيتها عند أوساط ليست قليلة في الشارع الإسرائيلي، ولكنها ليست بالحجم القادر على خوض الانتخابات بقائمة مستقلة، بعد رفع نسبة الحسم للدخول إلى الكنيست من 2%، إلى 25ر3% ابتداء من الانتخابات الأخيرة.

ففي نظرة للوراء 16 عاما، حينما دخلت ليفني لأول مرّة إلى الكنيست، بدعم من رئيس الحزب في حينه، بنيامين نتنياهو، لتنقلب عليه لاحقا لصالح تحالفها في حزب "الليكود" مع أريئيل شارون، كان من المستحيل رؤية تلك الشابة تنضم في أي يوم إلى حزب "العمل"، ولا حتى بتحالف انتخابي، فهي كانت رأس الحربة في مهاجمة اتفاقيات أوسلو، والمفاوضات مع سورية والدول العربية، كيف لا وهي ابنة عائلة محسوبة على منظمة "إيتسل" الصهيونية الإرهابية، التي نشط فيها والدها في سنوات الأربعين.

ولم تتخل ليفني في أي وقت عن مواقفها اليمينية الصلبة، ولكنها كانت تبدع في تغليفها. فحينما وقفت إلى جانب أريئيل شارون، داعمة خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، كانت يومها على قناعة بالدوافع الاحتلالية المبيّتة لدى شارون، الذي أراد من تلك الخطة تشديد قبضته على الضفة المحتلة. وكذا حينما كانت وزيرة الخارجية في حكومة حزبها الجديد في حينه، "كديما"، برئاسة إيهود أولمرت، فقد كانت "الحارس اليميني المتشدد".

ونذكر لها، في خريف العام 2007، قبيل مؤتمر أنابوليس، أنها كانت صاحبة مطلب اعتراف القيادة الفلسطينية بما يسمى "يهودية إسرائيل". وحينما تسرّبت أمور عن مسار المفاوضات بين أولمرت، والرئيس محمود عباس، ومدى عرض أولمرت للانسحاب من الضفة (في حدود 94%)، هاجمت فورا عبر وسائل الإعلام مجرد الحديث عن نسب كهذه.

وحتى حينما كانت ليفني زعيمة للمعارضة البرلمانية، وقفت على منصة الكنيست تهاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من اليمين، حينما اتهمته بأنه يفتح أبواب مواجهة إسرائيل مع العالم، بينما حينما كانت في حكومة اولمرت، عرفت كيف توطد الاستيطان تحت غطاء المحادثات مع الجانب الفلسطيني.

ونضيف إلى كل هذا مشاركتها في حكومة اليمين المتشددة بزعامة بنيامين نتنياهو، في الدورة البرلمانية السابقة. وبادرت ليفني بنفسها إلى قوانين شرسة، بتوليها وزارة العدل، وأبرزها قانون الاطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، وتشديد العقوبات على تهمة القاء الحجارة. وقد أقر الكنيست هذين القانونين، في الدورة الصيفية الأولى بعد انتخابات 2015، حينما كانت ليفني نائبة في المعارضة، ولكنها تغيّبت عن التصويت على القانونين، كي لا تدعم الحكومة من جهة، ولعدم قدرتها على معارضة قوانين أشرفت على بلورتها بنفسها من جهة أخرى.

قارب النجاة!

استغلت تسيبي ليفني تأييدها للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني لإظهار نوع من "الاعتدال"، ما جعل تحالفها الانتخابي مع حزب "العمل" أمرا "طبيعيا" في نظر الشارع الإسرائيلي، ولكنه على أرض الواقع كان هذا تحالف اللامفر لليفني، حينما قررت البقاء في الحلبة السياسية، في حين أن نسبة الحسم لا تسمح لها بمغامرة، قد تكلفها السقوط والغياب الكلي عن الحلبة. وحاولت بداية حفظ ماء الوجه، بحيث كان ينص الاتفاق على أنه في حال فاز التحالف بتشكيل الحكومة المقبلة، فإن رئاسة الحكومة تكون مناصفة زمنيا، بينها وبين هيرتسوغ، الأمر الذي لاقى انتقادات حادة لدى صنّاع الرأي، واقتنعت ليفني بالتنازل عن هذا الشرط في الأسبوع الأخير من الانتخابات.

بعد صدور نتائج الانتخابات البرلمانية، ومفاجأة الليكود بحصوله على 30 مقعدا، بشكل خالف كل التوقعات، ما جعل "المعسكر الصهيوني" في المرتبة الثانية، وحصوله على أقل بمقعدين مما توقعته الاستطلاعات، ظهرت أسئلة في حزب "العمل" عما قدمته ليفني لهذا التحالف. وما من شك في أن التحالف خلق أجواء مشجعة لدى قطاعات "الوسط" و"اليسار الصهيوني"، وقد أثمر التحالف عن زيادة في قوة الحزبين مجتمعين، إلا أن ليفني بالغت وابتعدت عن الواقع، حينما ادعت أمام وسائل الإعلام أن نصف القوة التي حققتها قائمة "المعسكر الصهيوني" تعود لها. فقبل هذا التحالف كانت ليفني تصارع نسبة الحسم كي تدخل البرلمان مجددا. كما أن حزبها هو أيضا من دون هيئات ولا مؤسسات، ومن دون جهاز تنظيمي ميداني واضح، وبقي حزب "نجوم"، فإلى جانب ليفني هناك أيضا عمير بيرتس، المنشق مرارا عن حزب "العمل". وعلى الرغم من أن الشراكة بحد ذاتها ساهمت هي أيضا بالنتيجة، إلا أن ما هو واضح أن حزب "العمل" أعاد قسطا ليس قليلا من قوته السابقة.

يؤيدون فكرة الاندماج

في تقرير جديد لصحيفة "هآرتس"، تبين أن عددا كبيرا من نواب كتلة "المعسكر الصهيوني" أبدوا تأييدا وحتى حماسة لاندماج كهذا، وكانت أنباء سابقة قد تحدثت عن أن الشخص الثاني في حزب "الحركة"، عمير بيرتس، هو الأكثر توقا لاندماج كهذا، وأنه بات يتحرك وسط كوادر حزب "العمل"، الذي انشق عنه ثلاث مرات، في غضون عقدين من الزمن، كانت الأولى انشقاقه في انتخابات اتحاد النقابات العامة الهستدروت في العام 1994، ليسري الانشقاق أيضا برلمانيا، ثم عاد إلى الحزب وترأسه في العام 2005، ثم انشق مجددا عن الحزب في نهاية العام 2012، عشية انتخابات مطلع العام 2013.

وتقول الصحيفة إن المؤيدين معنيون بأن يتم الاندماج بسرعة، وقبل أن تتفاجأ الحلبة السياسية بانتخابات مبكرة، على ضوء الائتلاف الحكومي الهش، كي يكون للتحالف مصداقية. أما رئيس حزب "العمل" إسحاق هيرتسوغ، فإنه حسب "هآرتس"، لا يرفض فكرة الوحدة الكاملة بين الحزبين، إلا أنه دعا حزبه "العمل" لفحص كل المسارات التي من شأنها أن تزيد قوة الحزب في الانتخابات المقبلة. وقال "إنني بالتأكيد معني بالوحدة الكاملة بين الحزبين، وهذا موضوع جدير بأن يكون موضع بحث، ونحن في حزب العمل بدأنا في مسار التقارب بين الحزب وبين مجموعات وأطر أخرى، ومن شرائح اجتماعية متنوعة، بهدف إقامة جسم سياسي واسع، ليكون القوة الأولى في الانتخابات المقبلة".

إن تأييد ليفني لوحدة كهذه بين الحزبين، في خلفيته تخوف ليفني من أنه عشية الانتخابات المقبلة ستكون أمام مساءلة حزب "العمل" عن حزبها، وعن كوادر حزبها وهيئاته، ومكان وجوده ميدانيا، وهي أسئلة من الصعب على ليفني تقديم أجوبة عليها، تكون مقنعة لحزب "العمل" لتحافظ ليفني على قوتها البرلمانية، التي هي حاليا 5 مقاعد من أصل المقاعد الـ 24 للمعسكر الصهيوني.

وتقول ليفني إنها معنية بإنشاء معسكر "يسار- وسط"، لينافس التكتل الذي يطمح لإقامته بنيامين نتنياهو، كما ورد على لسان مقربين منه في الشهر الماضي أيلول. وفي سياق تقرير "هآرتس"، تم ذكر حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، كمرشح للانضمام، إلا أن الأخير ما زال على قناعة بأنه قادر على المنافسة وحده على رئاسة الحكومة، رغم الضربة القاسية التي تكبدها حزبه في انتخابات 2015، والتي خسر فيها 40% من قوته البرلمانية التي حققها في انتخابات 2013 (بفارق 26 شهرا).

وكل المؤشرات تدل على أن حزب يائير لبيد سيلتقى ضربة أقسى في الانتخابات المقبلة، إذا لم يجد "مأوى سياسيا" ينقذه، فهذا الحزب اعتلى على خشبة حملة الاحتجاجات الشعبية على غلاء المعيشة، التي اندلعت لبضعة أسابيع في العام 2013، وفورا بعد الانتخابات كشف حقيقته، بانقلابه على كل الشعارات الاجتماعية التي طرحها لصالح الشرائح الوسطى، وبانتهاجه سياسة اقتصادية صقرية حينما كان وزيرا للمالية في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة.

أما اليوم، فإن لبيد وحزبه الذي له 11 مقعدا، بدلا من 19 مقعدا في الدورة السابقة، يجلس في صفوف المعارضة، وحسب الظروف القائمة، لا يبدو أنه مرشح جدي للدخول إلى الائتلاف الحكومي، إلا إذا قرر التنازل عن المزيد من شعاراته وبرامجه، المتعلقة حاليا بميزانيات جمهور المتدينين المتزمتين. أضف إلى هذا، محاولة لبيد الظهور بمظهر "السياسي المعتدل" حينما دعا في الأيام الأخيرة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لتبني المبادرة العربية للسلام كمبدأ للمفاوضات، في حين أنه حينما كان وزيرا في حكومة بنيامين نتنياهو، كان ينسق سياسيا، مع تحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، وكان يقول في حينه إن الظروف لا تسمح بإحداث اختراق في المفاوضات.

هذا يعني أنه إذا ما اندمجت ليفني في اطار سياسي واحد مع حزب "العمل"، فإنها ستضيف لهذا الحزب "نجوميتها" السياسية، وهي لن تكلف الحزب ثمنا، بمقاعد برلمانية، أكبر مما يتحمله حزب "العمل". أما حزب "يوجد مستقبل"، وزعيمه لبيد، فإن سقف مطالبه سيكون أعلى، في الوقت الذي يواصل فيه خسارة قوته ميدانيا، وبهذا سيتحول حزب "العمل" إلى قارب نجاة، على حساب "ركاب وطاقم القارب" الأصليين.

عثرات في الطريق

منذ الآن تبدو عثرات واضحة لوحدة كاملة بين حزبي "العمل" و"الحركة"، ومن أبرزها مطالبة أوساط في حزب "الحركة" بتغيير اسم الحزب الجديد كليا، بمعنى تخلي حزب "العمل" عن أحد تسمياته التاريخية، في الوقت الذي يدعو فيه رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي، الذي يقال إنه سينافس على رئاسة الحزب، للعودة إلى الاسم الأول للحزب "حزب عمال إسرائيل".

ومطلب تغيير الاسم والابتعاد عن هذا الاسم، من ناحية ليفني ومن معها، هو دعوة مبطنة لتخلي الحزب عن برنامجه الاجتماعي، أو ظهوره بين الجمهور بصبغة اجتماعية، وهذا ما سيلاقي معارضة جدية في صفوف حزب "العمل"، على الرغم من أن الممارسة الفعلية لهذا الحزب في حكوماته، خاصة الحكومات الأخيرة التي شارك فيها، في سنوات التسعين والألفين، تدل على أنه يتبع سياسة رأسمالية صقرية، تحت شعار "ظروف المرحلة".

كذلك، فإن الحزب قد يجد عثرة في وضع برنامج سياسي متفق عليه لحل الصراع، فحزب "العمل" يعلن تمسكه بمبادئ خطة كلينتون العام 2000، بما يشمل القدس، بينما ليفني لا تؤيد موضوع القدس. وهنا أيضا يشار إلى أن حكومات حزب "العمل" أو الحكومات التي شارك فيها، اتبعت هي أيضا سياسة استيطانية، بما ينسف خطة كلينتون.

وما يمكن قوله منذ الآن إن الانتخابات البرلمانية قد تداهم الحلبة السياسية بشكل مفاجئ، كعادة نتنياهو في السنوات الأخيرة، فمن الواضح أن هذه الحكومة لا يمكن أن تصمد حتى الموعد القانوني للانتخابات المقبلة، في خريف العام 2019، وكل توسيع للحكومة قد يطيل عمرها قليلا ولكن ليس حتى ذلك التاريخ. ومن المتوقع إلى درجة التأكد أننا سنشهد اصطفافات جديدة في تلك الانتخابات، آخذين بعين الاعتبار وجود كتل برلمانية مهددة بالغياب عن البرلمان القادم إذا لم تعد اصطفافها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات