المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل أن يبدأ السباق الحقيقي في داخل الحزبين الأميركيين لاختيار مرشح كل حزب للانتخابات الرئاسية التي ستجري في خريف العام 2016، بدأ أثرياء أميركان يهود كبار يعدون العدّة لدعم مرشحهم في أحد هذين الحزبين. فاليهود الذين يشكلون 8ر1% من إجمالي الناخبين الأميركيين، يعدّون أكبر المتبرعين للحزبين، حسب الكثير من التقارير. ويبرز من بين هؤلاء الثري حاييم سابان المعروف بدعمه للحزب الديمقراطي، وخاصة عائلة كلينتون، والثري شلدون إدلسون، اليميني المتطرف الداعم بالمطلق لبنيامين نتنياهو، ولمن هو أشد المتطرفين في الحزب الجمهوري، كما أثبت هذا في انتخابات خريف 2012.

ويقول تقرير في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن حاييم سابان يستعد حاليا لدعم ترشيح هيلاري كلينتون، في الحزب الديمقراطي. وهو يريد ضمان فوزها، بعد أن ضمن خطابها السياسي المؤيد كليا للسياسة الإسرائيلية. وكان سابان قد دعم ترشيح هيلاري كلينتون أمام باراك أوباما، في الانتخابات الداخلية التي بدأت في العام 2007. وحسب التقرير، فإن سابان تحفظ في حينه من دعم أوباما، بعد أن سمعه يقول إنه يريد تغيير الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط، ونهج التعامل مع إسرائيل.
وكان سابان من أوائل من صرّحوا مرحبين بإعلان كلينتون ترشيح نفسها في حزبها، لتكون مرشحته للرئاسة الأميركية. وقال إنه واثق من أن "التزامات كلينتون تجاه إسرائيل تبشر بالخير، فمن الناحية الاجتماعية هي أكثر ليبرالية، لكنها في الوقت ذاته حازمة في الشؤون السياسية والأمنية". ويستند سابان إلى خطاب كلينتون الذي ألقته في العام 2012، ووجهت فيه اتهاما للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنه هو من أفشل المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، حينما رفض الصفقة التي عرضت عليه في "كامب ديفيد" العام 2000.

ويسعى سابان الآن إلى إثبات أن هيلاري كلينتون أفضل لليهود من غيرها، وحتى أنها أفضل من نتنياهو، كما يقول. وتمهيدا لهذا، فإن سابان يسعى لتحسين الأجواء بين البيت الأبيض، الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي، وبين الحكومة الإسرائيلية. ويقول "إنه يجب عدم فقدان الأمل، وأنا أنشط حاليا في إعادة الأمور إلى مسارها وخفض ارتفاع ألسنة اللهيب". وأضاف قائلا "آمل أن ينخفض مستوى ألسنة اللهيب قريبا، على الرغم من الخلاف بين حكومة إسرائيل وإدارة أوباما حول شكل الصفقة مع إيران".

أما شلدون إدلسون، المعروف بعنصريته ضد العرب والفلسطينيين، وهو صاحب واحدة من أضخم شبكات مراهنات القمار في الولايات المتحدة وخارجها، فقد صرف في الانتخابات الداخلية في الحزب الجمهوري في العالم 2012، أكثر من 95 مليون دولار، على المرشح المتطرف في عدائه للعرب، نيوت غينغريتش، إلا أن الأخير خسر الانتخابات الداخلية في حزبه. ثم دعم إدلسون المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، ميت رومني، وحسب الكثير من التقارير فإنه دعم الجمهوريين بأكثر من 100 مليون دولار، من أجل إسقاط أوباما عن الحكم.

ويواجه إدلسون في السنوات الأخيرة محاكمة في الولايات المتحدة، رفعها ضده من كان حتى العام 2010 المدير العام لشركة القمار التي يملكها، إذ يدعي المشتكي أن إدلسون فصله من العمل بعد اعتراضه على التعامل مع من يتم تعريفه في الولايات المتحدة على أنه أحد زعماء المافيا الصينية. وفي القضية تفاصيل كثيرة تربط إدلسون بعالم الإجرام بحسب الادعاء.

ويقول إدلسون في تصريحات اقتبستها صحيفة "هآرتس"، إنه لن يدعم هذه المرّة أي مرشح، لمجرد أنه يطلق التصريحات التي يريدها، بل سيدعم كليا ومن دون أية حدود مالية، المرشح الجمهوري الأوفر حظا بالفوز بالرئاسة الأميركية، واضعا شروط التصلب اليميني.

ويقول الكاتب أفنير هوفشطاين في مقال له في "هآرتس"، إن هذا المشهد يعني أن المعركة الانتخابية الأميركية ستكون إلى مدى كبير واقعة من خلف الكواليس وتحت سيطرة المتبرعين المناصرين لإسرائيل. وفي هذا ما يوحي بعلاقة رأس المال بالحكم، وبالذين يحركون الدمى المتحركة في الولايات المتحدة. ولكن في نفس الوقت فإن المتبرعين يأخذون في حساباتهم الدولة الصغيرة في الشرق الأوسط (إسرائيل)، وبهذا يتدخلون عميقا في السياسة الأميركية. وليس فقط من خلال دعم المرشحين، بل أيضا من خلال السيطرة على وسائل إعلام.

ويشير هوفشطاين إلى أن إدلسون مسيطر عمليا على الانتخابات الداخلية في الحزب الجمهوري، واقتبس الكاتب موقع الانترنت الأميركي "بوليتيكو" الذي قال إن إدلسون أرغم المرشح كريس كريستي، في الآونة الأخيرة، على الاعتذار لاستخدام عبارة "المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية"، بدلا من استخدام "يهودا والسامرة"، بقصد الضفة الغربية المحتلة.
ويقول هوفشطاين إن الانتخابات الأميركية تستنزف كميات خيالية من المال، وهذه ظاهرة تستفحل من انتخابات إلى أخرى. إلا أن الدستور وسلسلة من القوانين تنجح في لجم تأثير المال، ولذا فإن 95 مليون دولار التي دفعها إدلسون لغينغيرتش، ومعها عشرات الملايين الأخرى التي دفعها لمرشحين آخرين من الحزب الجمهوري، لم تأت بالنفع الكبير لإدلسون.

ويقارن هوفشطاين بين ما هو قائم في الولايات المتحدة الأميركية، وبين الوضع القائم في إسرائيل، إذ يقول إن إدلسون ينجح في فرض إرادته على شخصيات دوائر القرار في إسرائيل، وحتى أنه ضغط لحل الحكومة، كي لا يقر الكنيست القانون الذي كان من شأنه أن يفرض قيودا على صحيفته المجانية واسعة الانتشار "يسرائيل هيوم". وأشار أيضا إلى أن إدلسون ينجح بالتعاون مع نتنياهو في إحداث شرخ داخل المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.

تنسيق بين سابان وإدلسون

وكي لا يكون هناك انطباع وكأن سابان وإدلسون متنازعان في ما بينهما، نشير إلى أنه تربطهما علاقات وثيقة وهما متفقان على ضرورة السيطرة على وسائل الإعلام الأميركية المركزية كي تكون موالية لإسرائيل. ففي ندوة عقدت في واشنطن في خريف العام الماضي 2014، أعلنا أنهما فكّرا في شراء صحف أميركية، يصفانها بـ "اليسارية" لإسكات انتقاداتها لإسرائيل.

وقال سابان، "إنني وشلدون (إدلسون) كان علينا شراء صحيفة واشنطن بوست، وخسارة أنني لم أعلم من قبل أنها معروضة للبيع (وقد بيعت بمئة مليون دولار للأميركي جوزيف بوزس). إن بوزس سرق الصحيفة عمليا، فما دفعه كان بمثابة قروش.. قروش"، فقاطعه إدلسون قائلا "لربما يا سابان علينا نحن الاثنين أن نشتري نيويورك تايمز"، فرد سابان قائلا "صدقني حاولت عدة مرات فعل ذلك، إلا أن الأمر لم ينجح، فتلك صحيفة تملكها عائلة".

وقال إدلسون "إن المال يقدم الإجابات على كل شيء، علينا أن نعرض أعلى بكثير من قيمة الصحيفة (نيويورك تايمز)، وفيما إذا رفضت العائلة، فإن اصحاب الأسهم الآخرين، من خارج العائلة، سيرغبون في الحصول على المال، وبإمكانهم مقاضاة العائلة لإجبارها على البيع".

وجاهر سابان بأنه يبحث منذ مدّة عن صحيفة أميركية لها تأثير على الرأي العام الأميركي كي يشتريها، وقال إنه حاول شراء "نيوزويك" عدة مرات من عائلة غراهام، كما حاول شراء "واشنطن بوست"، وكل مرّة كان يواجه برفض. ولا يأبه سابان بالخسائر التي كان سيتكبّدها، جراء شراء الصحف، كونها لا تحقق أرباحا كمشروع اقتصادي مستقل، وقال إنه لربما أن تلك الخسائر ستكون أقل من حجم التبرعات التي ندفعها للكثير من الجهات، بينما إذا ما اشترينا صحيفة كهذه او تلك فقد نتوقف عن تقديم التبرعات.
غير أن الاثنين يختلفان في الرأي إزاء الدولة الفلسطينية، فحاييم سابان يؤيد قيامها، ويقول "إن الامتناع عن قيام دولة فلسطينية، سيبقي على الوضع القائم حاليا، وقد يضع إسرائيل في عزلة، وتصبح دولة منبوذة، وقيام دولة فلسطينية أمر ضروري لبقاء إسرائيل دولة ديمقراطية ويهودية". في المقابل يقول إدلسون "إن التوراة لم تذكر شيئا عن الديمقراطية، والتوراة تتحدث عن الأخوّة والأمور الجيدة، ولكنها لا تتحدث عن دولة إسرائيل ديمقراطية، فكيف من الممكن أن تكون دولتان، في الوقت الذي يعلم فيه الفلسطينيون أبناءهم أن اليهود هم أحفاد الخنازير والقردة، والفلسطينيون يعتبر الإرهاب بالنسبة لهم استراتيجية وليس تكتيكا".

أصوات اليهود قد تشهد تحولات

يبلغ عدد أبناء الديانة اليهودية الأميركيين نحو 25ر5 مليون نسمة، وهم يشكلون أقل من 2% من الناخبين الأميركيين (8ر1%)، ولكن من أصل 533 عضوا في مجلسي الكونغرس والشيوخ والأميركيين، هناك 33 نائبا يهوديا، عدا النواب الموالين لإسرائيل كليا. وتقول سلسلة من التقارير الإسرائيلية والأميركية إن ما يزيد عن 70% من الأميركان اليهود يصوتون تقليديا للحزب الديمقراطي، وتوجهاتهم سلامية ومؤيدة لحل الصراع على أساس الدولتين.

إلا أن مجلة "إيكونوميست" الاقتصادية نشرت في الأيام الأخيرة تقريرا يشير إلى احتمال أن يكون تراجع في نسبة تأييد اليهود للحزب الديمقراطي، على ضوء ما وصفته المجلة "العلاقة العدائية" بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وبنيامين نتنياهو. وتقول إن الأميركيين اليهود اعتادوا منذ انتخابات العام 1972، على منح أغلبيتهم المطلقة للحزب الديمقراطي، باستثناء الانتخابات الرئاسية في العام 1980، حينما لم يدعموا جيمي كارتر لولاية رئاسية ثانية.

وحسب التقرير، فإن الأميركيين اليهود شعروا بضيق، وهم يسمعون نتنياهو يحذر من تدفق العرب في إسرائيل على صناديق الاقتراع، وجاهر عدد من القادة اليهود بعدم رضاهم من ذلك التصريح. كما أن الرئيس أوباما انتقد نتنياهو علنا، وهدد بأن تفحص الولايات المتحدة من جديد علاقاتها الدبلوماسية الاستراتيجية مع إسرائيل.

وترى الصحيفة أن النظرة إلى إسرائيل تقسم الأميركيين اليهود بين خيار الانتماء للهوية الأميركية، وبين هويتهم اليهودية، فمن جهة يعبر الحزب الديمقراطي أكثر عن مفاهيم التعددية، ومن جهة أخرى فإن الحزب الديمقراطي يظهر تمسكا أكبر بدعم السياسة الإسرائيلية، خاصة بعد تفجيرات 11 أيلول 2001.

وحسب الحاخام (الرابي) ريك جايكوبس، الذي يرأس اتحاد 900 كنيس لليهود الاصلاحيين، فإنه إذا ما أدى الخلاف بين حكومة إسرائيل والبيت الابيض إلى شرخ بين اليهود، فإن اليهود الليبراليين سيبدأون بالابتعاد عن إسرائيل.

وكان تقرير لـ"معهد سياسة الشعب اليهودي" التابع للوكالة الصهيونية ويرأسه المستشار السابق للرئيس الأميركي دينيس روس، قد حذر من أن أي أزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية قد تضع المجتمع اليهودي (في الولايات المتحدة) في وضعية إشكالية، "فيهود أميركا يشعرون بارتياح في الفترة التي يكون فيها التقاء مصالح بين إدارتهم والحكومة الإسرائيلية، بما يشمل هذا القيم الأخلاقية والديمقراطية التي تتبعها الدولتان، لكن حينما تتراجع إحدى ركائز معادلة العلاقات هذه، فإن اليهود يشعرون أنفسهم كمن يقعون بين المطرقة والسندان، وبين الإخلاص الكلي لوطنهم- الولايات المتحدة، وبين اهتمامهم بالمجتمع اليهودي الشقيق في إسرائيل".

وحسب "المعهد" فإن لدى المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، كما في المجتمعات اليهودية في أوروبا، تنام كبير للشعور بالاغتراب عن إسرائيل، على خلفية تعامل إسرائيل مع مسألة "دولة يهودية وديمقراطية"، وعدم انفتاح إسرائيل على تيارات مختلفة في اليهودية، وسياسة التمييز "تجاه الأقلية العربية في إسرائيل".

ويتابع التقرير أن التقارير الصادرة في الولايات المتحدة والتي تنتقد إسرائيل، كتلك التي ادعت المس بالمصالح الأميركية الحيوية، مثل الاتهامات بشأن عمليات تجسس إسرائيلية على أراضي الولايات المتحدة، "تثير لدى مجموعات من المجتمع اليهودي تخوفات من أن يؤدي الأمر إلى نشوء مظاهر عداء في المجتمع الأميركي ضد اليهود".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات