المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الليكود يلوّح بالتوجه إلى هرتسوغ وهذا الأخير يؤكد أنه ذاهب إلى المعارضة بإرادة منه

ما زالت المفاوضات الائتلافية لتشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة الجارية بين حزب الليكود وأحزاب اليمين والحريديم التي تشكل كتلة اليمين والذين وصفهم نتنياهو بـ"الشركاء الطبيعيين" متعثرة. وتلف عملية تشكيل الحكومة ضبابية تزيد من انعدام الوضوح حيال وجهة نتنياهو، وما إذا كان يسعى إلى تشكيل حكومة يمين ضيقة أم حكومة وحدة، تضم قائمة "المعسكر الصهيوني" بزعامة إسحاق هرتسوغ وتسيبي ليفني.


ورغم مرور خمسة أسابيع على انتخابات الكنيست، وبدء المفاوضات الائتلافية، إلا أن الأنباء حول هذه المفاوضات تشير إلى أن أحزاب اليمين والحريديم ما زالت في مرحلة تقديم مطالبها لحزب الليكود، فيما الأخير ورئيسه نتنياهو لا يسعيان إلى حسم هذه المفاوضات. وفي موازاة ذلك، يلوح الليكود باحتمال تشكيل حكومة وحدة.


ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أعضاء في طواقم المفاوضات قولها إنه يوجد تقدم في المفاوضات. ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم) عن مصدر رفيع مقرب من الاتصالات بين الأحزاب قوله إنه "يوجد تقدم كبير في المفاوضات الائتلافية"، وذلك في أعقاب اجتماعات بين نتنياهو ورئيس حزب "كولانو" (كلنا)، موشيه كحلون، ورئيس حزب شاس، أرييه درعي.
وذكرت التقارير الصحافية أن الاجتماع بين نتنياهو وكحلون دام أربع ساعات، وهو أطول اجتماع بين الاثنين منذ نشوء الأزمة بينهما وتنحي كحلون عن العمل السياسي في صفوف حزب الليكود عشية انتخابات العام 2013، في أعقاب عدم وفاء نتنياهو بتعهداته لكحلون، ومن ثم انشقاق الأخير عن الليكود.


وأفادت التقارير الصحافية نقلا عن مصادر في الليكود و"كولانو" بأن اللقاء بين نتنياهو وكحلون جرى في أجواء جيدة، الأمر الذي عزّز علاقات الثقة بين الاثنين. وكان نتنياهو قد وعد كحلون علنا، قبيل أيام قليلة من الانتخابات، بتعيينه وزيرا للمالية، وهي الحقيبة الوزارية التي طالب بها كحلون طوال المعركة الانتخابية كشرط للانضمام إلى أية حكومة.


وفي إطار المفاوضات الائتلافية حاليا، يطالب كحلون بأن تكون صلاحيات دائرة التخطيط والبناء ضمن مسؤولية وزارة المالية، علما أنها موجودة ضمن مسؤولية وزارة الداخلية. كذلك يطالب كحلون برئاسة لجنة المالية التابعة للكنيست، والتي تطالب برئاستها كتلة "يهدوت هتوراة"، كما يطالب بالمسؤولية عن "دائرة أراضي إسرائيل"، الموجودة ضمن مسؤولية وزارة البناء والإسكان.


ويبدو أنه لن تكون لدى الليكود مشكلة في ما يتعلق بالمطلب الأخير، إذ أن التقديرات تشير إلى أنه في حال انضمام حزب "كولانو" إلى الحكومة، فإن الرجل رقم 2 في هذا الحزب، عضو الكنيست يوءاف غالانت، هو الذي سيتولى وزارة البناء والإسكان.
وفيما يتعلق برئاسة لجنة المالية في الكنيست، فإن التقديرات هي أن نتنياهو تعهد لكتلة "يهدوت هتوراة" بأن تترأسها.


ويواجه نتنياهو مشكلة جدية في التوفيق بين مطلبي كحلون ودرعي فيما يتعلق بالمسؤولية عن دائرة التخطيط والبناء. وفيما يقول كحلون إنه بعدم وجود هذه الدائرة ضمن صلاحيات وزارة المالية، لن يتمكن من تنفيذ إصلاحات في مجال السكن وأسعاره، والتي تعهد بها لناخبيه أثناء الحملة الانتخابية.


من الجهة الأخرى، يرفض درعي بشدة إخراج هذه الدائرة من وزارة الداخلية، التي يتوقع أن يتولاها. وقال مقربون منه إن "دائرة التخطيط والبناء تشكل 70% من عمل وزارة الداخلية، ومن دونها ستكون هذه الوزارة أشبه بوزارة المالية من دون دائرة الميزانيات".
ووفقا لـ"يسرائيل هيوم"، وهي الصحيفة المقربة جدا من نتنياهو، فإنه لا توجد نية بإلزام درعي بالتنازل عن دائرة التخطيط والبناء، بينما أفاد موقع "واللا" الالكتروني بأن حزب الليكود اقترح بدائل على كحلون ودرعي، مثل أن يتنازل درعي عن هذه الدائرة مقابل تعيين عضو كنيست من حزب شاس في منصب وزير أو نائب وزير في وزارة المالية، أو تنازل كحلون عن مطلبه بهذا الخصوص مقابل تعيين عضو كنيست من حزب "كولانو" نائبا لوزير الداخلية.


وسيتعين على نتنياهو حل مشكلة أخرى، تتعلق بمطلبي رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، ورئيس حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان بتولي حقيبة الخارجية. ورغم أن نتنياهو يقول إنه يفضل أن يتولى هذه الحقيبة أحد أعضاء الكنيست من حزب الليكود، لكن التقديرات السائدة تشير إلى أن هذه الحقيبة ستبقى بيدي ليبرمان.

"البيت اليهودي" يريد احتكار قضايا الدين والدولة

يطالب حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف حزب الليكود باحتكار قضايا الدين والدولة من خلال حصوله على حق النقض (فيتو) في هذه القضايا، وتضمين ذلك في الاتفاق الائتلافي.
وكان الاتفاق الائتلافي للحكومة السابقة قد شمل بندا مشابها، سمح لـ"البيت اليهودي" بمنع دفع قوانين ترمي إلى تغيير الوضع القائم في قضايا الدين والدولة، وبينها تسيير المواصلات العامة في أيام السبت أو زواج المثليين.
وقالت صحيفة "هآرتس" إن "البيت اليهودي" يريد استخدام "حق الفيتو" في هذه القضايا ضد مشاريع قوانين يتوقع أن يبادر إلى طرحها الحزبان الحريديان، شاس و"يهدوت هتوراة"، في كل ما يتعلق بالتهود، وكذلك ضد مشاريع قوانين يتوقع أن يعيد حزب "يسرائيل بيتينو" طرحها، وبضمنها الزواج المدني.


لكن مصدرا رفيعا في حزب الليكود أشار إلى أن حصول "البيت اليهودي" على "حق الفيتو" في هذا الصدد كان أحد العوامل التي مسّت باستقرار الحكومة السابقة وأدت إلى زعزعة الثقة بين الأحزاب المشاركة فيها. كذلك فإن قانون التهود كاد يشق "البيت اليهودي" خلال ولاية الحكومة السابقة، علما أن بينيت أيد إجراء إصلاحات في هذا السياق، كونه يسمح بانتقال عشرات آلاف الإسرائيليين، من المهاجرين الجدد وخاصة الروس، إلى الديانة اليهودية من خلال تسهيل عملية التهود، وهو ما يرفضه الحريديم بشدة.


كذلك يطالب "البيت اليهودي" بأن يشمل الاتفاق الائتلافي سن قوانين معادية للديمقراطية. ونقلت "هآرتس" عن مصادر في حزب الليكود قولها إن هذا المطلب هو أحد أكثر المطالب المثيرة للخلاف. ويريد "البيت اليهودي" سن قوانين، بتأييد الحكومة، تهدف إلى تغيير وجه المحكمة العليا وضد منظمات حقوق الإنسان، التي تفضح ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين وتعامل إسرائيل مع الأقلية العربية وطالبي اللجوء الأفارقة، وذلك من خلال وضع عراقيل كبيرة للغاية أمام هذه المنظمات لتجنيد تبرعات من خارج البلاد.


ويسعى الليكود إلى التنصل من المسؤولية حيال هذا المطلب، وحمل هذه المسؤولية على حزب "كولانو". واعتبرت المصادر في الليكود أن "المسؤولية عن ذلك موجودة بيدي حزب كولانو. والانطباع الموجود لدينا هو أن كولانو لن يوافق بالضرورة على دفع هذه القوانين. وإذا طالبت كتلة كولانو، في الاتفاقيات الائتلافية، بحرية التصويت أو عدم تأييد هذه القوانين، لن تكون هناك أغلبية لدى البيت اليهودي لسن قوانين كهذه في الكنيست".


ووفقا للصحيفة، فإن "البيت اليهودي" أوضح خلال المفاوضات أنه سيوافق على تسوية في هذا الموضوع، من خلال صياغة بند متعلق بها في الاتفاق الائتلافي بصورة ضبابية.

حكومة وحدة

تحوم فكرة تشكيل حكومة وحدة فوق أجواء المفاوضات الائتلافية، ويلوّح بها حزب الليكود من أجل دفع "الشركاء الطبيعيين" إلى تليين مطالبهم، لكنه في الوقت نفسه لم يسد الباب نهائيا، من جانبه، أمام احتمال انضمام "المعسكر الصهيوني" إلى الحكومة، علما أن الموقف الرسمي للأخير حاليا هو عدم الانضمام والتأكيد انه ذاهب إلى المعارضة بإرادة منه، أو التزام الصمت على الأقل. لكن هذا لا يمنع وجود اتصالات سرية بين الليكود و"المعسكر الصهيوني".


وأعلن الوزير غلعاد إردان، من حزب الليكود والمقرب من نتنياهو، أن احتمال تشكيل حكومة وحدة ما يزال قائماً.


ولوح بأنه "في حال استمر الشركاء الطبيعيون بالمماطلة في المفاوضات، فإنه ربما لن يكون هناك خيار سوى التوجه إلى رئيس حزب العمل إسحاق هرتسوغ".


من جانبه، قال ليبرمان للإذاعة العامة الإسرائيلية إنه "لا توجد لدينا أية معضلة. ومن حق نتنياهو الاتفاق مع هرتسوغ وليفني. ونحن لن نكون جزءا من هذه الحكومة، وأنا أقول هذا بصورة لا لبس فيها".


وأضاف ليبرمان أنه "ليس واضحا لي أبدا ما الذي يريده رئيس الحكومة. فقد التقى طاقم المفاوضات من حزبنا طاقم مفاوضات الليكود ويتعين عليّ أن أشير إلى أن الشعور خلاله كان أنه توجد مماطلة" من جانب الليكود.


بدوره، اعتبر المحلل السياسي في "يسرائيل هيوم"، دان مرغليت، أنه "لا شك لدي في أن نتنياهو كان سيفضل حكومة وحدة. وليس صدفة أنه يكرر الحاجة إلى بناء وحدة الشعب. وقد تم استيعاب هذه النغمة. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا الانتظار؟ لماذا ينبغي مطّ الاتصالات 42 يوما؟ فإسرائيل تدفع الثمن بسبب عدم وجود حكومة دائمة، كهذه أو تلك. خسارة على الوقت".


وأضاف مرغليت أن على نتنياهو إعفاء نفسه من التزامه بتشكيل حكومة يمين ضيقة "وبدء اتصالات معلنة، وليس في الساحة الخلفية، مع إسحاق هرتسوغ"، مشيرا إلى أنه على الرغم من تعهد "المعسكر الصهيوني" بالبقاء في المعارضة، إلا أن قيادته "تتوق إلى الدخول إلى الائتلاف".

"معضلة نتنياهو"

بالإمكان اعتبار مقال مرغليت نوعاً من الضغط الذي يمارسه نتنياهو على "شركائه الطبيعيين"، لكن رئيس تحرير "هآرتس"، ألوف بن، مقتنع، بحسب مقال سابق أيضا، بأن على نتنياهو تشكيل حكومة وحدة.


وكتب بن قبل عدة أيام أن "نتنياهو يوحي بأنه لم يقرر بعد كيف سيشكل حكومته الرابعة. وأمامه إمكانيتان: حكومة يمين وحريديم بمشاركة البيت اليهودي، أو حكومة وسط وحريديم بمشاركة المعسكر الصهيوني. حكومة مع نفتالي بينيت أو مع إسحاق هرتسوغ".
وأضاف بن أن "’حكومة بينيت’ بإمكانها أن تحقق حلم نتنياهو القديم، وهو تحطيم ’النُخب القديمة’ وتخليد حكم اليمين. وسيسن ’قانون القومية’ بسرعة. والمحكمة العليا ستتحول إلى فرع للجنة المركزية لحزب الليكود، بروح مقترحات (قوانين) عضو الكنيست ياريف ليفين لتغيير طريقة تعيين القضاة، ومطالب البيت اليهودي بإضعاف قوة المحكمة العليا وقدرتها على التدخل في العملية التشريعية".


وتابع أنه "إذا قرر (نتنياهو) الانضمام إلى بينيت، فإنه سيعود إلى مكانة الثوري الذي جاء من أجل تغيير المجتمع الإسرائيلي من أساسه وإبقاء تراث كبير خلفه. وستصطدم حكومة يمين بانتقادات دولية شديدة وتهديدات بالمقاطعة إذا ما سرعت توسيع المستوطنات، لكن ’العالم’ لن يتدخل إذا أصبحت إسرائيل شبيهة بتركيا بزعامة رجب طيب أردوغان، وتقيد حرية التعبير واستقلالية الجهاز القضائي".


ولفت بن إلى أنه إذا كبح نتنياهو الاستيطان ريثما تنتهي ولاية الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فإنه سيصعد إلى الحكم في الولايات المتحدة رئيس جمهوري "يتبنى مواقف الليكود"، أو المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، التي "ستكون مريحة أكثر من الرئيس الحالي بالنسبة لنتنياهو".
لكن بن رأى أنه في حال تنازل نتنياهو عن بينيت وتحالف مع هرتسوغ، فإنه "سيعكس سياسة محافظة، وفي أساسها الحفاظ على ’الاستقرار’ الداخلي وكبح ضغوط من الخارج. وسيكون من الصعب على حكومة وحدة كهذه دفع ثورات لأن أجزاءها ستحيّد بعضها البعض".


وشدّد بن على أن حكومة وحدة كهذه "لن تتمكن من تحقيق سلام مع الفلسطينيين، بغياب أغلبية (مؤيدة) لتسوية كهذه، ولكنها ستعمل من أجل تحسين العلاقات مع الإدارة الأميركية، ومن أجل الحصول على تعويض أمني للاتفاق الأمني بين الدول العظمى وإيران، ومن أجل كبح المبادرات الفلسطينية في الأمم المتحدة مقابل تجميد معين للبناء في المستوطنات. وسيكون بإمكان إسرائيل مواصلة الاحتلال بثمن دولي يمكن تحمله".


وخلص بن إلى أن "قرار نتنياهو من سيختار، هرتسوغ أم بينيت، سيوضح بالأساس كيف يريد أن يحكم في الولاية المقبلة كثوري أو كمحافظ. وهذه هي معضلته".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات