المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رغم أنه لم تمضِ على انتهاء الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة سوى تسعة شهور فقط، إلا أن معركة الانتخابات للكنيست كادت تخلو من أي تطرق إليها، باستثناء بعض التصريحات من جانب أحزاب اليمين، بغرض المناكفة وحسب. لكن أحزاب الوسط – اليسار لم تقل كلمة واحدة عن هذه الحرب، التي استمرت 51 يوما، وهي فترة طويلة جدا بالمفاهيم الإسرائيلية، سقط خلالها 4500 صاروخ في إسرائيل، وبينها مدن وسط إسرائيل وفي مقدمتها تل أبيب والقدس، كما شلّت هذه الصواريخ، التي أطلقت من القطاع، مطار بن غوريون الدولي، بعدما أعلنت شركات الطيران عن وقف رحلاتها لإسرائيل. ويعزو محللون الصمت الإسرائيلي إلى أن الجيش يعتبر أنه حقق انتصارا في هذه الحرب، بادعاء أنه نفذ كل المهمات التي تم تكليفه بها.

عضو الكنيست عوفر شيلح، من حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل)، كان أحد أبرز المحللين العسكريين الإسرائيليين قبل أن ينتخب عضوا في الكنيست في العام 2013. وخلال ولاية الكنيست السابقة كان يرأس لجنة بناء القوة العسكرية، وهي لجنة سرية متفرعة عن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. ووجه شيلح، في مقابلة أجراها معه المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، ونشرت يوم الجمعة الماضي، انتقادات شديدة لأداء إسرائيل، حكومة وجيشا، في هذه الحرب، وحذر من عواقب أداء مشابه في المستقبل، خصوصا في حال نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله.

واللافت في ما يتعلق بهذه الحرب، أن إسرائيل لم تجر تحقيقا حول أدائها، رغم التوقعات التي سادت بعد أن وضعت أوزارها. وقال شيلح في هذا السياق إن لجنة الخارجية والأمن أعلنت أنها ستجري تحقيقا في سير الحرب، إلا أن تحقيقا كهذا لم يتم بسبب إعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن تقديم موعد الانتخابات. وشدد على أن تحقيقا كهذا لن يجري أيضا.

وانتقد شيلح القيادة الإسرائيلية "الغارقة في مخطط طموح لمعالجة التهديد النووي الإيراني، فيما أرجل الجيش مغروسة في المستنقع البوليسي اليومي في الضفة الغربية. ورغم أن قباطنة الدولة يرون بجولات قتال متكررة في قطاع غزة أنها قضاء وقدر، فإنهم لا يجهزون الدولة والجيش لهذه المواجهة، والأخطر من ذلك أنهم لا يستخلصون الدروس المطلوبة مما حدث، استعدادا لمواجهة أخطر قد تنشب مع حزب الله في لبنان في المستقبل".

وأضاف شيلح أن الفشل الأشد هو "غياب الخطوة السياسية المكملة (من أجل إنهاء الحرب)، والتي بدونها تبقى العملية العسكرية دائما من دون سياق ومن دون إنجازات حقيقية. ورفض نتنياهو المبادرة إلى عملية سياسية إقليمية، تكون مصلحة إسرائيل في إطارها لجم حماس وجعل غزة منزوعة السلاح في موازاة إعمارها، أوجد وضعا عدنا فيه إلى البداية، بحيث أن قوة حماس تتعاظم مرة أخرى، وأن إسرائيل ومصر تخنقانها ثانية. وإذا لم يكن هناك تغيير، فإن الجولة الثانية هي مسألة وقت، وستكون أشد من الجرف الصامد".

ورأى شيلح أن الفشل الإسرائيلي الحقيقي "نابع ليس فقط من أن نتنياهو تخوف من عملية إقليمية ستجلب عليه بالضرورة ضغوطا لإجراء مفاوضات مع رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن (محمود عباس)، وإنما هو نابع من شيء أعمق، وهو أنه لا توجد لدى إسرائيل أية إستراتيجية، سياسية وعسكرية، لمواجهة أعدائها الحاليين".

وأردف شيلح قائلا "إننا نواجه في الشمال والجنوب منظمات وليس دولا، ومسؤوليتها حيال الأراضي التي تتواجد فيها ليست معرّفة، وأي تسوية معها صعبة. كذلك فإن جهاز القيادة والسيطرة فيها يختلف عما هو موجود في جيش نظامي، وهي تستخدم السكان المدنيين كمأوى وتخلق وضعا يكون فيه أي مس يسببه الجيش الإسرائيلي في محيطها صعبا، وهي تربح من ذلك ولا تخسر".

ورأى شيلح أن هذا الوضع "يستوجب (من إسرائيل) وضع عقيدة قتالية مختلفة وتفكير مغاير حول كيفية الحسم. لكن لا المؤسسة السياسية ولا الجيش الإسرائيلي وضعا عقيدة كهذه، رغم أن هذه الحرب تتبلور أمام أعيننا منذ سنين. ومن الناحية الفعلية، لم يبنِ الجيش الإسرائيلي نفسه مقابل الحرب الحقيقية التي أمامنا وإنما مقابل حرب متخيلة، ولم تعد موجودة" في إشارة إلى الحروب بين الجيوش النظامية.

إخفاق أكبر من حرب أكتوبر 1973

وبنظر شيلح، فإن إخفاق إسرائيل خلال العدوان الأخير على غزة فاق إخفاقها حتى في حرب تشرين/ أكتوبر ("يوم الغفران") العام 1973. وقال إنه "في يوم الغفران كانت هناك مفاجأة استخباراتية ورافقها فشل القيادة، لكن جرى اختبار الفكرة الأساسية لمفهوم الأمن، ونجح المقاتلون (الإسرائيليون) في الجبهة في قلب الأمور رأسا على عقب. وشهدنا خلال حرب لبنان الثانية نقصا في قدرات الجيش الإسرائيلي بعد سنوات الانتفاضة الثانية في الضفة، إلى جانب فشل القيادة في إدارة الحرب. لكن في غزة نشبت حرب كانت وجهتها واستعدادات العدو لها قد بُنيت طوال خمس سنوات. ولم تكن فيها أية مفاجأة. وكان هناك يقين مطلق بأنها ستنشب. ورغم ذلك، حاربنا 51 يومنا من دون تحقيق أي إنجاز".

وأضاف أنه "تكشفت مشاكل خطيرة في اتخاذ القرارات، في مجال بنية القوة وممارستها، وفي الجهوزية والتنفيذ. توجد هنا إخفاقات متواصلة، وأزمة عميقة في المفهوم القتالي ولا أحد يواجهها. ومنذئذ تم كنس المشاكل تحت البساط. ورغم أن الحقائق معروفة، لكن ما زالوا يتجاهلونها بعد الحرب في غزة أيضا. وقد كشفت هذه الحرب أننا لسنا مستعدين للمواجهة المقبلة الماثلة أمامنا، في غزة أو لبنان، وكافة العناصر التي كانت موجودة في غزة في الصيف الماضي ستكون موجودة في المواجهة المقبلة. ولم يتعامل أحد طوال الخمس سنين الماضية مع كيفية تحقيقنا انتصارا فيها. وما حدث في غزة سيتكرر بكل تأكيد في المواجهة المقبلة. لكن لا أحد من القباطنة، الحكومة والكابينيت (الحكومة الأمنية المصغرة)، يتعامل مع هذا الأمر".

يذكر أنه في أعقاب الحرب نشب سجال عاصف بين الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" حول أي من الجهازين حذر منها.

وقال شيلح "لا أريد التطرق إلى ما قيل أمام اللجنة البرلمانية. لكن كلا الجهازين، ووسائل الإعلام في أعقابهما، انشغلا بالأمر غير الصحيح. إنهم يتحدثون دائما عن المعلومة الذهبية الاستخباراتية، وما إذا كانت موجودة أم لا. لكن بنظرة إلى الوراء، يتفق الجميع على أنه بُنيت جهوزية لدى حماس للمواجهة وكان هناك إدراك أنه سواء أرادت هذه الحركة ذلك سلفا أم لا، فإنه في سيناريو معين هي جاهزة للمواجهة في صيف العام 2014". وكان يشير شيلح بذلك إلى تحذير الشاباك من أن حماس تستعد لشن هجوم بواسطة نفق في جنوب قطاع غزة.

وأضاف شيلح أن "السؤال الكبير هو أنه إذا كنت تعرف بوجود خطر كهذا، كيف ستستعد لإمكانية أنه سيتحقق وسيجرك إلى حرب؟. كيف يمكن، على سبيل المثال، أن هذا الخطر لم يُطرح بأي شكل في المداولات حول وقف تدريبات الجيش في حزيران 2014، على خلفية الأزمة في ميزانية الأمن ومطالبة الجيش لوزارة المالية بزيادة ميزانيته؟".

وتابع شيلح على خلفية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية، قائلا "كيف يمكنك تفسير هذا الأداء خلال عملية عودة الأبناء" التي نفذ خلالها الجيش الإسرائيلي حملة اعتقالات واسعة في صفوف نشطاء حماس في الضفة الغربية. وأضاف أنه "إذا كانوا قد استوعبوا وجود خطر لاشتعال الجبهة مع غزة، هل تم أخذ ذلك بالحسبان لدى تصعيد الخطوات ضد حماس في الضفة؟ لقد اعتقل الجيش الإسرائيلي المئات من نشطاء حماس، بينهم عشرات القياديين وأكثر من 50 أسيرا محررا في صفقة شاليت، وألحق ضررا بشبكات مدنية تابعة لحماس في أنحاء الضفة، وهذه عملية لا توجد بينها وبين العثور على الثلاثة أية علاقة. لماذا يعلنون في إسرائيل، خلال الحملة العسكرية في الضفة، أن الهدف هو تفكيك حكومة المصالحة بين حماس وفتح، بينما من الواضح أن تفكيك هذه الحكومة يعني القضاء على احتمال دفع الرواتب في غزة وبذلك يتم زج حماس إلى الحائط بشكل أكبر، وفيما هي مستعدة لشن هجوم بواسطة نفق في كرم أبو سالم؟".

وأردف أنه "كان واضحا من الناحية الإستراتيجية أن حماس تدهور الوضع عند الحدود على خلفية الحصار على القطاع، من جانب إسرائيل ومصر معا. ولماذا تأخذ كل ألوية المشاة والوحدات الأكثر نخبوية في الجيش وتبذل جهودا طوال ثلاثة أسابيع في البحث عن جثث الفتية وتنفيذ اعتقالات ضد حماس في الضفة إذا كان لديك حرب ينبغي أن تستعد لها في غزة وأنت تعرف أن حماس تستكمل استعداداتها لتنفيذ هجوم هناك وتوجد لديك فجوات كبيرة في المعلومات الاستخباراتية حيال مخططاتها؟ والأمر الأخطر هو أن السياق الغزي لا يُطرح أبدا في مداولات الكابينيت خلال شهر حزيران. وبحثوا في الكابينيت وبصورة عامة فقط أخطار الأنفاق في غزة، وذلك خلال الحملة في الضفة".

وأشار إلى أنه "بدأت تتطور المداولات حول ذلك فقط بعد العثور على جثث الفتية، وعندها فقط يتم إطلاع الكابينيت على التحذير من هجوم بنفق قرب كرم أبو سالم. وحتى عندها لم يبحثوا فيما إذا سنبادر إلى المواجهة... إذ أن معظم الأضرار التي ألحقها الجيش الإسرائيلي بحماس، في عمليتي الرصاص المصبوب وعمود السحاب، كانت بواسطة ضربة افتتاحية مفاجئة".

لا تأثير للكابينيت

بدا الكابينيت خلال الحرب العدوانية الأخيرة على غزة أنه لا تأثير له ومهمته الوحيدة كانت المصادقة على خطط الجيش ومواقف نتنياهو. وقال شيلح في هذا السياق إن "الكابينيت من الناحية الرسمية هو الهيئة التي تدير الحرب. وعمليا هذه مقولة فارغة من مضمونها. وهكذا كان الوضع خلال حرب لبنان الثانية، لكن نتنياهو ضرب رقما قياسيا في تجاهل الكابينيت في الحرب الأخيرة. ونتنياهو تعمد ذلك لأنه متشكك وليست لديه ثقة بوزرائه، وقسم من وزرائه (يقصد أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت) فعلوا كل شيء من أجل تبرير شكوك نتنياهو. ونتنياهو كان حريصا على عقد اجتماعات للكابينيت كل يومين أو ثلاثة وفقا للأنظمة. لكن هذه كانت مداولات منهكة ولا علاقة لها بكابينيت في أثناء الحرب. ووصلت الأمور إلى ذروتها في وقف إطلاق النار الأخير الذي أعلن في 26 آب، وفيما نتنياهو لم يعقد اجتماعا للكابينيت للبحث في ذلك، وبالطبع لم يبحث عملية سياسية تضمن إنجازات للعملية العسكرية في نهايتها".

ورغم أن الكابينيت يعتبر الهيئة الأمنية العليا في إسرائيل، إلا أن شيلح أشار إلى أن "نتنياهو لا يرى بالكابينيت هيئة لبلورة السياسة. ومنذ بداية أيام الكابينيت في حكومته الأخيرة، فإن نتنياهو لم يطرح أمامه بحثا جديا واحدا حول غزة. وجرى بحث عام واحد فقط. وتقارير شعبة أمان حول الأنفاق، التي قُدمت إلى نتنياهو منذ بداية العام 2013، لم تُستعرض في الكابينيت. ووصل الوزراء إلى عملية الجرف الصامد من دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن الأنفاق".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات