المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية نتائج انتخابات الكنيست، التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، بأنها يوم أسود للصحافة، أو "يوم الغفران للصحافة" في إشارة إلى حرب تشرين الأول/ أكتوبر العام 1973، التي أخفقت إسرائيل في توقعها.

كذلك يعتبر الإعلام الإسرائيلي أن النتائج التي ظهرت غداة يوم الانتخابات يوم أسود أيضا لمعاهد استطلاعات الرأي.

والجدير بالإشارة، أن نتائج الانتخابات لم تكن مفاجئة من حيث الاصطفافات الحزبية ما بين كتلة أحزاب اليمين والحريديم وكتلة أحزاب الوسط - اليسار. فقد أشار تقرير خاص نشره مركز "مدار"، الأسبوع الماضي، عشية الانتخابات، إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة التي نشرتها قنوات التلفزيون والصحف الرئيسة، أظهرت أن قوة كتلة اليمين والحريديم تتراوح ما بين 60 – 70 مقعدا في الكنيست، أي أنها ستحصل على أغلبية.

رغم ذلك، فإن المحللين لم يستبعدوا إمكانية أن يشكل رئيس "المعسكر الصهيوني" الوسطي، إسحاق هرتسوغ، الحكومة المقبلة لأن كافة الاستطلاعات أظهرت أن هذه القائمة ستتفوق على حزب الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، بما بين ثلاثة إلى أربعة مقاعد. واعتبر المحللون أنه في حال كلف الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، هرتسوغ بتشكيل الحكومة، فإن الأخير ربما ينجح في ضم أحزاب من كتلة اليمين – الحريديم، مثل "كولانو" برئاسة موشيه كحلون وحزبي الحريديم شاس و"يهدوت هتوراة".

لكن مفاجأة الانتخابات كانت حصول الليكود على ثلاثين مقعدا مقابل 24 مقعدا لـ"المعسكر الصهيوني". وهذه نتيجة لم يتوقعها أحد على الإطلاق. وفازت كتلة اليمين – الحريديم بـ67 مقعدا في الكنيست، أي أن النتيجة كانت ضمن توقعات الاستطلاعات لهذه الكتلة. وهذا يعني صحة ما تردد سابقا بأنه لن يكون تنقل ناخبين بين الكتلتين وإنما بين الأحزاب داخل كل واحدة من الكتلتين.

"حملة رجل واحد طار صوابه"

بالإمكان القول إن نتنياهو حقق ما هو مستحيل تحقيقه في هذه الانتخابات، وهو أن يخرج منها الرابح الأكبر، وبفارق مقاعد كبير في الكنيست عن خصمه "المعسكر الصهيوني"، وذلك على عكس الغالبية العظمى من عشرات استطلاعات الرأي التي أجريت خلال المعركة الانتخابية.

كذلك حقق نتنياهو هدفه على الرغم من أنه بدا خلال المعركة الانتخابية أن جهات كثيرة، داخلية وخارجية، عملت ضده ومن أجل إسقاطه: الصحف، "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" و"هآرتس"، وقنوات التلفزيون، وخصوصا القناة العاشرة، أحزاب المعارضة، الإدارة الأميركية، حملة V15 (انتصار 2015) التي دعت الناخبين إلى إسقاط نتنياهو والتصويت لأي حزب عدا الليكود. ونتنياهو شخصيا كرر في أكثر من مناسبة أن "المجتمع الدولي يعمل من أجل إسقاط حكم الليكود واليمين".

وأشارت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، بعد صدور نتائج الانتخابات، إلى أن شعار "المعسكر الصهيوني" كان "إما هو وإما نحن". وأضافت أنه "يتضح أن هذه لم تكن القصة. القصة هي نحن، ليس هو. نحن وسائل الإعلام ومعاهد الاستطلاعات، اليسار الإسرائيلي (المقصود أحزاب الوسط)، وكل من آمن بأن التغيير ممكن. ليس هو، وإنما نحن الذين لم نرَ ما يحدث تحت أنفنا، والذين لم نقرأ الخارطة بشكل صحيح، ولم نر أنه يوجد هنا شعبان (اليمين والوسط - اليسار) وطريقان".

وتابعت كدمون، التي كانت من أشد المنتقدين لنتنياهو طوال المعركة الانتخابية، أنه "لزام علينا أن نقول إن الحديث يدور عن حملة رجل واحد طار صوابه. وفي طريقه نحو الهدف لم يكترث بأي شيء: تحرك نحو اليمين من دون حساب، حتى أنه في اليوم الأخير تراجع بالكامل عن التزامه بالدولتين للشعبين. وخرج إلى مواجهة غير مسبوقة مع الرئيس الأميركي، وشكل خلال ذلك خطرا على العلاقات مع أهم حليف لإسرائيل. وشن حملة تخويف شملت طيفا واسعا من المخاطر، من إيران وداعش وحتى عرب إسرائيل، الذين أعلن في يوم الانتخابات بنفسه عن أن العرب يتحركون بحشود نحو صناديق الاقتراع من أجل إسقاط حكم اليمين".

ووفقا لكدمون فإن رد فعل اليمين كان أن "ناخبي اليمين الذين لم ينووا التصويت هذه المرة ومؤيدي الصهيونية الدينية الذين كانوا ينوون قبل ذلك بساعة التصويت للبيت اليهودي، أمسكوا بالسلاح. وآمنوا أن هذه حرب على الوطن. وأنهم إذا لم يخرجوا بحشودهم ستحدث الكارثة، وهي أن بوجي (هرتسوغ) سيصبح رئيس الحكومة".

وأضافت أنه برغم إطلاق الصواريخ من غزة على جنوب إسرائيل، والأوضاع الاقتصادية المتردية وإغلاق المصانع وعدم اهتمام نتنياهو بقطع أرزاق عمال هذه المصانع وخيبة الأمل منه، فإنه "في نهاية الأمر كل هذا لم يؤثر على سكان الجنوب في يوم الانتخابات. وأشخاص أقسموا أنهم لن يصوتوا لليكود، ومزقوا بطاقات عضويتهم في هذا الحزب أمام الكاميرات، خرجوا إلى الحرب ضد اليسار، ضد وسائل الإعلام، ضد النخب، عشيرة البيض".

وقد تبين من معطيات لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، أن حزب الليكود حصل على أكبر عدد من الأصوات في ثمان من أصل عشر مدن كبرى. و"المعسكر الصهيوني" تفوق عليه في مدينتي تل أبيب وحيفا فقط. كذلك فإن الليكود كان الحزب الذي حصل على أعلى نسبة من الأصوات في البلدات اليهودية في جنوب البلاد، ومعظم سكانها من اليهود الشرقيين الذين ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية الضعيفة.

حساب للذات

قال البروفيسور كميل فوكس، من جامعة تل أبيب والذي يجري الاستطلاعات لصحيفة "هآرتس" والقناة العاشرة، وأجرى النتائج النموذجية لهذه القناة في نهاية يوم الانتخابات، وأذيعت لدى إغلاق صناديق الاقتراع، إنه لم يعلم مدى الخطأ في العينة النموذجية سوى صبيحة اليوم التالي. وأبلغ فوكس صحيفة "ذي ماركر" أن "زوجتي قالت لي ’هل سمعت بما حدث؟’ وأبلغتني بالنتائج الحقيقية، فاعتقدت أني ميت".

وأضاف فوكس أن "هذه ليست المرة الأولى التي يحدث لي أمر كهذا. ففي انتخابات العام 1996 قلت لحاييم يافين (كبير المذيعين في القناة الأولى حينذاك) إن نتائج العينة النموذجية تدل على تعادل مع تفوق طفيف لصالح شمعون بيريس، ثم ذهبت لأنام مع بيريس واستيقظت مع بيبي (نتنياهو). لكن الشعور أسوأ بكثير هذه المرة، لأن الفرق بين نتائج العينة النموذجية والنتائج الحقيقية أكبر مما كانت عليه في العام 1996، فالفارق حينها كان 16 ألف صوت فقط".

ويحاول فوكس والدكتورة مينا تسيمح، التي أجرت العينة النموذجية للقناة الثانية، تفسير ما حدث، بعد أن تنبأ كل منهما في نهاية يوم الانتخابات أن النتيجة هي التعادل بين الليكود و"المعسكر الصهيوني" وحصول كل منهما على 27 مقعدا، أو تفوق الليكود بمقعد واحد وحصوله على 28 مقعدا، بينما النتيجة الحقيقية هي 30 لليكود و24 لـ"المعسكر الصهيوني".

وقالت تسيمح في محاولة لتفسير الفرق في النتائج، إنه "أغلقنا صناديق العينة النموذجية عند الساعة الثامنة والنصف مساء، لكننا رأينا أنه كلما تأخرت الساعة كانت قوة الليكود تزداد. وربما كان من الخطأ أننا لم نقل هذا ساعة بث العينة النموذجية. وفي الساعة الحادية عشرة ليلا، عندما تلقيت نتائج صناديق الاقتراع النموذجية حتى إغلاق صناديق الاقتراع في الدولة، رأينا أن الفجوة لصالح الليكود. وقد أرسلنا هذه النتيجة إلى القناة الثانية لكنها لم تصل (إلى الجمهور)".

من جانبه، اعتبر فوكس أنه توجد ثلاثة عوامل تفسر الفرق بين نتائج العينة النموذجية والنتائج الحقيقية، وأن جميعها ليست تحت سيطرة معاهد الاستطلاعات. العامل الأول هو نسبة المستطلعين الذين يرفضون البوح لمن سيصوتون. "ونسبة هؤلاء لدى مينا تسيمح كانت 15% وعندنا 30%... وربما أن قسماً من ناخبي الليكود رفضوا البوح لأنهم يعتقدون أن وسائل الإعلام يسارية".

وأضاف فوكس أن العامل الثاني يتعلق بحقيقة أن الصناديق النموذجية تُغلق قبل انتهاء التصويت بساعة ونصف الساعة. "نحن أغلقنا عند الساعة 20:45 ومينا تسيمح أغلقت عند الساعة 20:00، وما حدث هو أن مؤيدي الليكود حضروا للتصويت متأخرا وفيما أن مؤيدي المعسكر الصهيوني صوتوا في ساعات الصباح الباكر".

وتابع فوكس أن العامل الثالث هو "حقيقة أن قسما من الناخبين لا يقولون الحقيقة، أي أنهم يكذبون" معتبرا أن "انحراف العينة النموذجية عن النتيجة الحقيقية معقولة جدا من الناحية الإحصائية. فالحديث يدور عن ثمانية مقاعد وإذا قسمناها على 11 حزبا، فهذا يعني أن الانحراف هو بحجم 0.75 مقعد لكل حزب! ولكن لأن هذا الانحراف تركز بفارق 6 مقاعد بين الحزبين الأكبرين، تحول ذلك إلى فشل ذريع من الناحية السياسية. ولو كان الانحراف عن النتائج الحقيقية متعلقا بالقائمة العربية أو بحزب شاس لما اهتم أحد بذلك".

من جهتها، أعلنت وسائل إعلام، في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات الحقيقية، أنها تجري حسابا للذات من أجل فهم كيف حدث أنها استعرضت نتائج استطلاعات حتى اللحظة الأخيرة، وتبين أنها خاطئة. كذلك تحاول وسائل الإعلام فهم كيف أنه حتى نتائج العينات النموذجية كانت خاطئة ولم تنجح في رصد تفوق كبير لليكود.

وقال أحد المسؤولين في قناة تلفزيونية إنه "ليس ثمة ما يمكن التنصل منه. لقد ارتكبنا خطأ فادحا. إذ اكتشفنا أن هناك فجوة بحجم 5% إلى 6% بين نتائج العينة النموذجية وصندوق الاقتراع الذي كان في المكان نفسه. وقد دخل الناخبون إلى الصندوق النموذجي وكذبوا. وعلى معاهد الاستطلاعات أن تجري حسابا للذات".

بدوره، قال المحلل السياسي في القناة العاشرة، رافيف دروكر، إنه "أخطأنا وأخطأت، وبشكل كبير. إننا نعيش على الاستطلاعات بالأساس، ونميل كثيرا إلى الاستخفاف بما يحدث على أرض الواقع، لأن لكل واحد ميدانه الخاص".

ويشار إلى أن دروكر هو واحد من أشد منتقدي نتنياهو، وكشف قبل عدة سنوات عن قضية "بيبي تورز" التي تتضمن شبهات بسفر نتنياهو على حساب جهات خارجية، كما أن الأخير اشترط إجراء مقابلة مع القناة العاشرة عشية الانتخابات بأن لا يكون دروكر بين طاقم الصحافيين.

ووصف دروكر النتائج الحقيقية للانتخابات بأنها "نزلت عليّ كقنبلة. ربما تكون الاستطلاعات التي تنبأت فوز المعسكر الصهيوني، يوم الجمعة الذي سبق الانتخابات، قد أدت إلى تحرك 9 – 10 مقاعد خلال ثلاثة أيام. لكن إذا كان هذا صحيحا، فإن هذه نصف قوة نتنياهو. وربما كان هذا هو الاتجاه ولم نره، لأنه ربما نحن نعيش في مدينة ملاه" في وسائل الإعلام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات