المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ائتلاف نتنياهو سيضم أحزابا ضربها في الانتخابات وهي تبيّت له الحساب لمرحلة مقبلة الشركاء يطالبون بكل الحقائب الكبيرة ما يتبقى من حقائب ومناصب برلمانية لن يكفي عدد الطامحين لها من نواب الليكود التوافق بين جميع مركبّات الائتلاف حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لا يعني توافقا في كل القضايا الداخلية الأخرى

من الصعب التكهن إلى أي مدى يستوعب بنيامين نتنياهو حجم التعقيدات التي تنتظره لدى تشكيل الحكومة الجديدة، وأيضا خلال عملها في المرحلة المقبلة.

فقد غرق نتنياهو في غبطة كبيرة بما حققه، على الرغم من اتساع وتعدد الهجوم عليه، وعلى الرغم من ملفات الفساد المتورط بها. ولكن في نفس الوقت فإنه سيضم اليه شركاء وجّه لهم ضربة قاسية، وكسب قوة على حسابهم، وهم ليسوا معنيين اطلاقا بالسكوت، واجتياز المرحلة، حتى وإن بدا الأمر حاليا كذلك. فبعد أن يستقر المشهد السياسي بالحكومة الجديدة، ستبدأ مناورات المحاسبة، واثبات الذات من كل واحد من مركبّات الحكومة المفترضة.

صحيح أن أغلبية 67 مقعدا، البادية الآن، هي أغلبية تمنح الائتلاف "بحبوحة" في العمل البرلماني، بواقع الفرق بـ 14 نائبا عن عدد مقاعد المعارضة، إلا أن كل واحد من مركبات الائتلاف سيرى بنفسه كمن يقرر مصير الحكومة برمتها، فحتى الكتلة التي لها 6 مقاعد، مثل "يسرائيل بيتينو" و"يهدوت هتوراة"، سيكون لديها هذا الشعور، ما يجعلها تفرض مطالب بسقف أعلى.

ولا يبدو أن لنتنياهو بدائل أخرى عن هذا الائتلاف، الذي سيضم "الليكود" و"كلنا" و"البيت اليهودي" و"شاس" و"يهدوت هتوراة" و"يسرائيل بيتينو". فصحيح أنه من المخاطرة التكهن في ظروف الحلبة السياسية الاسرائيلية الحالية، لكثرة التقلبات والانقلابات على المواقف، ولكن إذا افترضنا أن نتنياهو سيلجأ الى حزب "يوجد مستقبل"، لضمه الى الحكومة، ورفع قاعدة الائتلاف الى 78 مقعدا، فإن هذا سيكون بمثابة ائتلاف متفجر منذ لحظته الأولى، نظرا للعلاقة الشائكة بين كتلتي الحريديم و"يوجد مستقبل"، بفعل سياسة الحكومة المنتهية ولايتها، من فرض قانون التجنيد الالزامي على شبان الحريديم، وصولا الى تقليص ميزانيات مؤسسات الحريديم التعليمية والاجتماعية. كما أن ائتلافا كهذا، سيخلق تعقيدات أكبر على صعيد توزيع الحقائب، ولذا، فإن الاعتقاد الأقوى بأن نتنياهو سيكتفي في هذه المرحلة بقاعدة النواب الـ 67.

كذلك، فإن سيناريو "حكومة الوحدة" بين الليكود و"المعسكر الصهيوني"، الذي سقط حاليا عن جدول الأعمال، من الصعب جدا أن نراه على أرض الواقع، لأنه حتى لو تم، فإنه لن يصمد في امتحان الممارسة. فالتطرف ليس حكرا على حزب "البيت اليهودي" و"يسرائيل بيتينو"، بل إن التطرف المنافس هو في داخل كتلة الليكود، التي تضم في تركيبتها الجديدة، ستة مستوطنين على الأقل، و4 نواب من القدس، بغالبيتهم من الأحياء الاستيطانية في المدينة.

العقبة الأولى ستكون في المفاوضات تركيبة الائتلاف لأن كل مركبات الائتلاف تطالب بالحقائب الوزارية الكبرى، ما لا يبقي لحزب الليكود، الكتلة البرلمانية الأكبر في الكنيست والحكومة، أي حقيبة ذات شأن. فأفيغدور ليبرمان يطالب بحقيبة الدفاع فيما يطالب رئيس حزب المستوطنين "البيت اليهودي" بحقيبة الخارجية، أو بحقيبة الدفاع في حال لا ترسو على ليبرمان، كما يطالب بينيت بحقيبة "الأمن الداخلي" المكلفة بالشرطة. أما موشيه كحلون، فإنه لا يكتفي بحقيبة المالية التي وعده بها نتنياهو، بل هو يطالب بحقيبة الاسكان، و"الأمن الداخلي". ويطالب آرييه درعي، رئيس حزب "شاس" بوزارة الداخلية. وهذه كلها مطالب أولية، وعمليا لم يبق لليكود أي من الحقائب ذات الوزن السياسي، وبقيت له حقيبة التعليم فقط. إلا أن حزب "الليكود" يصر على ابقاء حقيبتي الخارجية والدفاع بعهدته.

أما العقبة اللاحقة، فستكون في اتفاقيات الائتلاف والخطوط العريضة للحكومة، لأن كل واحد من الأحزاب له مطالب ذات مغزى سياسي، اضافة الى مطالب اقتصادية، جُلها تتناقض مع توجهات نتنياهو الاقتصادية الصقرية. فمثلا، يطالب ليبرمان وحزب "البيت اليهودي" ونواب في الليكود، بالاسراع في سن قوانين عنصرية، وأخرى تضرب الجهاز القضائي، والجمعيات والمراكز الحقوقية، وقوانين تمس بوسائل الإعلام. وليس واضحا حتى الآن، الى أي مدى سيكون حزب "كلنا" وزعيمه كحلون، على استعداد للغرق الكلي في أجندة اليمين الأشد تطرفا، خاصة في القضايا الداخلية.

أما في السياسة الاقتصادية، فإن كتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم"، ستطالبان برفع المخصصات الاجتماعية، وخاصة مخصصات الأولاد، التي خسفها نتنياهو في حكومته المنتهية ولايتها، وهذا سيحتاج إلى إعادة هيكلة الميزانية. كما ستطالبان بإعادة ميزانيات مؤسسات الحريديم الى سابق عهدها. كما أن كحلون الذي جاء الى الكنيست راكبا على موجة القضايا الاجتماعية، سيطالب بتعديلات ذات صبغة اجتماعية، خاصة وان في كتلته مرشحا لتولي وزارة الرفاه، إيلي الألوف، الذي رئس لجنة حكومية، لفحص آليات مواجهة الفقر، ولم تنفذ حكومة نتنياهو توصياته.

وهذا يعني أن ما يبدو من توافق سياسي تجاه الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، لا يعني توافقا في باقي القضايا الأخرى، بل إن حكومة كهذه تنتظرها عقبات كثيرة، ستنشأ بعد أشهر من سير عملها.

لكن مصاعب نتنياهو لا تنتهي عند شركائه، بل تنتظره مشاكل كثيرة في داخل كتلته البرلمانية، التي كثرت فيها الأسماء الطامحة لتولي حقيبة وزارية، منهم من يتولون حقيبة في كل حكومة لليكود، ومنهم من انتظر طويلا، وحلّ في مرتبة متقدمة في قائمة الحزب للانتخابات، ليرى بنفسه مرشحا طبيعيا لتولي حقيبة هامة.

وما من شك في أن ما سيبقى لحزب الليكود من حقائب ومناصب برلمانية لن يكون كافيا لإرضاء جميع الطامحين، ما قد يمهد لنشوء حالات تمرد خلال العمل كما علّمت تجارب السنين في حالات مشابهة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات