المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تتعلق إحدى نقاط الخلاف بين الوزير بتسلئيل سموتريتش والائتلاف الحكومي الذي يترأسه بنيامين نتنياهو بالإدارة المدنية. من جهة، وعد سموتريتش ناخبيه ومناصريه من المستوطنين والصهيونية الدينية بتفكيك الإدارة المدنية. من جهة ثانية، تعارض الدوائر الأمنية  الإسرائيلية (مثل الجيش والمخابرات) بالإضافة إلى أحزاب سياسية أساسية مثل الليكود، تفكيك الإدارة المدنية لأسباب تقنية وأخرى سياسية (سيتم ذكرها أدناه). تفصل هذه المقالة ماهية الإدارة المدنية، أقسامها، وعملها، وتركز على الكيفية التي من المرجح خلالها تجاوز هذا الخلاف خلال العامين القادمين.

ما هي الإدارة المدنية؟

في السابع من حزيران عام 1967، أصدر قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي الأمر العسكري رقم "1"، الذي أصبح بموجبه هو الحاكم الفعلي للأراضي المحتلة وسكانها. بناء على ذلك، تم إنشاء الإدارة العسكرية في الضفة الغربية (برئاسة قائد المنطقة الوسطى)، والإدارة العسكرية في غزة (برئاسة قائد المنطقة الجنوبية). اعتبر قائد المنطقة الحاكم العسكري الأعلى للأرض المحتلة، وصاحب صلاحيات تشريعية وتنفيذية مطلقة. بالنسبة لإسرائيل، خلق هذا الواقع الجديد إشكالية قانونية تتعلق بأراضي الضفة الغربية تحديدًا، ولم تتضح معالم هذه الإشكالية سوى بعد أن شرع المستوطنون، بتخطيط ومساندة من الحكومات الإسرائيلية، بالاستيطان داخل الضفة الغربية. تكمن الإشكالية في أن المستوطنين المقيمين داخل الضفة الغربية يتبعون إداريًا وقانونيًا (في العديد من شؤون حياتهم، وليس جميعها) إلى إدارة عسكرية. يعني هذا الأمر أن الإسرائيليين اليهود يتبعون إلى منظومتين منفردتين: من جهة، الإسرائيليون داخل إسرائيل والقدس (التي تم ضمها إلى إسرائيل) يتبعون الحكومة الإسرائيلية، بينما يتبع المستوطنون إدارة عسكرية. 

في العام 1981، أصدر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) قراراً بإنشاء "الإدارة المدنية لمناطق يهودا والسامرة" التي لا تزال على رأس عملها حتى يومنا هذا. كانت لهذا التحول من الإدارة العسكرية (1967-1981) إلى الإدارة المدنية (1981- يومنا) دلالات مهمة على صعيد هيكلية العلاقات بين الجيش الإسرائيلي، الحكومة الإسرائيلية والفلسطينيين في الأرض المحتلة. عادة ما ينظر إلى تشكيل الإدارة المدنية من خلال تحليل دلالاتها وإسقاطاتها على الفلسطينيين أنفسهم. فقد كان تشكيل الإدارة المدنية يهدف إلى إتاحة المجال للفلسطينيين للمشاركة في إدارة شؤونهم تحضيرًا لإنشاء سلطة حكم ذاتي بموجب اتفاقيات كامب ديفيد. ونادرًا ما ينظر إلى الإدارة المدنية باعتبارها خطوة إلى الأمام في تحويل الأرض المحتلة إلى مساحة أكثر ملاءمة لسكن المستوطنين. مثلًا، بموجب قرار 947 للعام 1981، الذي أوعز بإنشاء الإدارة المدنية، تم انتداب ممثلين عن الوزارات الإسرائيلية المختلفة ليترأسوا أقساماً حيوية داخل هيكلية الإدارة المدنية. هذا يعني أن إدارة الأرض المحتلة انتقلت من ضباط الجيش الإسرائيلي إلى أشخاص آخرين (لا يزالون يعملون حتى اليوم) ويطلق على كل واحد منهم اسم "كمات" (أي ضابط قيادة- وهو ليس ضابطًا عسكريًا وإنما منتدب من وزارة إسرائيلية) - انظر/ي اللون الأخضر في الرسم المرفق- (في حال لم ترى رسما لهيكلية الإدارة المدنية، يرجى فتح المقالة من جهاز حاسوب).

 IMG 00001

 

كل "كمات" (يبلغ عددهم نحو 22 شخصًا) ينفرد بدائرة خاصة به، تمثل الوزارة أو السلطة الإسرائيلية التي انتدبته. وعليه، تحولت الإدارة المدنية إلى شبه "حكومة" مختصة بشؤون الأرض المحتلة، من خلال تعيين اختصاصيين يمتلكون صلاحيات شبيهة بصلاحيات الوزير، يعملون تحت إمرة الجيش الإسرائيلي داخل الإدارة المدنية. كل "اختصاصي" يدير حقيبة أساسية، ويتبع إلى طرفين: من جهة، هو يتبع إلى مدير عام الوزارة الإسرائيلية التي انتدبته ليمثلها في الأرض المحتلة (وهو يتلقى راتبه من الوزارة الإسرائيلية). ومن جهة ثانية، يتبع كل "كمات" إلى رئيس الإدارة المدنية (وهو عسكري برتبة عقيد). في حال وجود تضارب في الرؤى والبرامج بين الوزارة الأم وقيادة الجيش (رئيس الإدارة المدنية)، فإن "المنسق" عادة ما يرجح كفة الوزارات الإسرائيلية.

على صعيد هيكلية الأجهزة التي تدير شؤون سكان الضفة الغربية (الفلسطينيين والمستوطنين سوية)، فإن الإدارة المدنية عمليا هي امتداد للحكومة الإسرائيلية (انظر الرسم المرفق). لكن الإدارة المدنية في الوقت نفسها لديها خصوصية وظيفية بحيث أنها ما تزال مرؤوسة من قبل الجيش (قائد الإدارة المدنية). وللتوضيح، فإن الخطط والتوجهات العامة المتعلقة بالأرض، المياه، البنى التحتية وشق الشوارع والبناء والهدم، والآثار والمواقع الطبيعية، وغيرها توضع من قبل الحكومة الإسرائيلية (الوزارات). بيد أن تنفيذ هذه الخطط، وقنوات المصادقة، ما تزال تحت إمرة رئيس الإدارة المدنية، وهو ضابط عسكري رفيع. كمثال واحد على هذا التمايز بين التخطيط (بيد الحكومة الإسرائيلية) والتنفيذ (بيد الجيش الإسرائيلي)، يمكن النظر إلى تخطيط الأراضي في المنطقة "ج": ينص الأمر العسكري المتعلق بقانون تخطيط المدن والقرى والمباني (يهودا والسامرة) (رقم 418) للعام 1971، على أن مجلس تخطيط الأراضي والمدن والبلدات في الضفة الغربية سوف يكون من خلال المجلس الأعلى للتخطيط، وهو قناة مرؤوسة من قبل الإدارة المدنية (الجيش) وتختص بالتخطيط والمصادقة والتنفيذ وهي مرهونة بوزير الدفاع وبناء على اعتباراته العسكرية المتعلقة أحيانا بالمحافظة على وضع راهن وغير مشحون بين الفلسطينيين والإسرائيليين. عندما تعلن الحكومة الإسرائيلية مثلا نيتها توسيع المخطط الهيكلي لمستوطنة، أو إقامة مستوطنات جديدة، فإن الأمر لا يتم تنفيذه بناء على قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي، الذي دخل حيز التنفيذ في إسرائيل في العام 1965. في حال تم تنفيذ القانون الإسرائيلي داخل الضفة الغربية (بحيث يتم سحب هذه الصلاحية من وزير الدفاع ومنحها مباشرة إلى سلطة التخطيط والبناء الإسرائيلية) فإن من شأنه أن يسرع عمليات التخطيط والبناء بحيث تتحول المستوطنة إلى بلدة إسرائيلية ولا تخضع للاعتبارات العسكرية للجيش. 

إذن ماذا يريد سموتريتش من الإدارة المدنية؟

بيد أن الأمر يتعلق بما هو أوسع من تخطيط الأراضي والبناء. فمعظم شؤون حياة المستوطنين (باستثناء بعض الجوانب مثل التعليم) لا تتبع مباشرة إلى الوزارة الإسرائيلية وإنما تدار من خلال قنوات داخل الإدارة المدنية نفسها التي يترأسها الجيش. وحسب البرنامج الانتخابي لسموتريتش: "عند النظر إلى ما يحدث اليوم في يهودا والسامرة فإن الوضع القائم هو الآتي: هناك أكثر من 400 ألف مواطن إسرائيلي (وصل عددهم في نهاية 2022 إلى 500 ألف) يخضعون للحكم العسكري حيث تدار حياتهم المدنية من قبل مزيج من القنوات التي تجمع الإدارة المدنية والوزارات الحكومية في إسرائيل. إن وجود نحو 120 ألفًا من السكان العرب في منطقة "ج" لا يبرر وجود الإدارة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، ونتيجة لتطور آلية الإدارة المدنية من العام 1981 حتى اليوم، وهو تطور تم بدون خطة شاملة وخارجة عن الاحتياجات الفردية الخاصة، أدى هذا السلوك إلى إخفاقات كثيرة في كفاءة الإدارة المدنية والخدمة التي تقدمها للسكان [المستوطنين] الذين يعيشون في يهودا والسامرة. إذن ماذا سنفعل في الكنيست القادم لتشجيع الاستيطان في يهودا والسامرة؟ سنقدم تشريعات لإلغاء الإدارة المدنية في يهودا والسامرة ونقل صلاحياتها الكاملة إلى الوزارات الحكومية في إسرائيل. يتعلق الأمر بتصحيح الظلم، سواء في جوانب حقوق المستوطنين أو الخدمة الحكومية التي من المفترض أن توفرها لهم الدولة. وفي الجانب الاستراتيجي - إقامة وتأميم السيطرة الإسرائيلية على الأرض، وليس من خلال حكومة عسكرية مؤقتة."[2]

على ما يبدو، فإن سموتريتش، المدعوم من قبل مجالس المستوطنات وجمعيات استيطانية تمول من متبرعين أميركيين سخيين، يقصد بتفكيك الإدارة المدنية جانبين اثنين فقط:

1. تقسيم وظيفة الإدارة المدنية مكانيًا بحيث أنه، وحسب رأيه، لا داعي لوجود إدارة عسكرية مؤقتة على الأراضي المصنفة "ج" التي تسكنها "أكثرية يهودية" 500 ألف مستوطن مقابل 120 ألف فلسطيني [العدد الحقيقي للفلسطينيين في المناطق "ج" حسب المصادر الفلسطينية هو أعلى بكثير]. ويتعلق الأمر بشكل مباشر بالنهم الاستيطاني للصهيونية الدينية واللوبي الاستيطاني والتيارات الإفنجيلية الأميركية الداعمة، بحيث أن إدارة حياة سكان المناطق "ج" من قبل الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر، وليس من قبل إدارة عسكرية، سيعني ضما قانونيا وإداريا لسكان المناطق "ج"، حتى لو لم يترافق الأمر مع ضم قانوني للأراضي، كما حدث في ما يتعلق بالقدس بعد 1967. من شأن الأمر، أن يسهل حياة المستوطنين، ويعجل مخططات التوسع الاستيطاني، ويحرر الحكومات الإسرائيلية من "لعنة" قانون الأبارتهايد: وهو القانون المسمى في إسرائيل باسم "قانون يهودا والسامرة" الذي بموجبه تجدد الكنيست مرة كل 6 أشهر سلسلة من القوانين التي تتيح التميز بين المستوطنين والفلسطينيين في ما يتعلق بصلاحيات الإدارة المدنية والحكومة الإسرائيلية.[3]

2. بيد أن التقسيم المكاني لعمل الإدارة المدنية لا يجب، حسب التوقعات الإسرائيلية، أن يعني إنهاء عمل الإدارة المدنية بتاتا، والتي تلعب دورًا حيويًا في إدارة حياة السكان الفلسطينيين، ليس فقط في المنطقة "ج" وإنما في كامل الضفة الغربية. بالنظر إلى الشكل أعلاه، فإن كل "كمات" (انظر المربعات الخضراء) يعمل كمندوب عن وزارة أو سلطة إسرائيلية، ويقيم قنوات اتصال وتنسيقا مباشرا مع الوزارة الفلسطينية المقابلة له. فدور الإدارة المدنية لا ينحصر في إشرافها على التنسيق الأمني وحسب، وإنما، وهذا هو الأهم، في التحكم بحياة الفلسطينيين وضبطها. مثلا، تحت "الوحدة التنفيذية" داخل الإدارة المدنية، هناك أربع دوائر هي 1) الهويات، 2) سجل السكان، 3) منسق الصحة، 4) إدارة المعلومات. في كل دائرة هناك "كمات" إسرائيلي منتدب من وزارة الداخلية الإسرائيلية، أو الصحة الإسرائيلية... إلخ، وهو يدير قنوات تنسيق مدني مباشرة مع نظيره الفلسطيني، بحيث أن إصدار رقم هوية جديد لمولود فلسطيني (وزارة الصحة ووزارة الداخلية الفلسطينية)، يتم داخل مكاتب السلطة الفلسطينية، لكنه يتم أيضا من خلال "الوحدة التنفيذية" في الإدارة المدنية التي تصدر هي بدورها أرقام الهويات حسب سجل السكان الذي تهيمن عليه. تتيح هذه الهيكلية استمرار إسرائيل في إدارة شؤون حياة الفلسطينيين بشكل غير مباشر، بحيث أن إنهاء عمل "الوحدة التنفيذية" داخل الإدارة المدنية يعني أن السلطة الفلسطينية ستكون قادرة على التمتع باستقلالية سيادية أعلى من خلال إصدار هويات فلسطينية خاصة بها، وسجل سكاني فلسطيني لا يتبع إلى السجل الإسرائيلي (انظر مثلا، تفاصيل الهوية الفلسطينية، ورقمها ذو التسع خانات، وترتيب بياناتها، أو انظر إلى رخصة السياقة... إلخ). إن تفكيك الإدارة المدنية في ما يتعلق بمسؤولياتها عن المستوطنين هو أمر متاح. أما تفكيكها في ما يتعلق بمسؤولياتها المتعلقة بالفلسطينيين (خصوصًا التنسيق المدني)، فيعني واحداً من أمرين: إما تسريع تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة مستقلة من الناحية الإدارية (وليس الجغرافية)، أو إنهاء وظيفة السلطة الفلسطينية وتحويل إدارة الفلسطينيين مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية.

 

 

 

المراجع

[1] Comptroller (2020) Annual audit report 70c. Staff officers in the Civil Administration in the Judea and Samaria

area. Jerusalem: State Comptroller’s Office. Available at:https://www.mevaker.gov.il/sites/DigitalLibrary/Pages/Reports/3602-7.aspx.

[2] قائمة الصهيونية الدينية، "خطة 100 يوم: استيطان وسيادة في الجليل والنقب ويهودا والسامرة"، من البرنامج الانتخابي لقائمة الصهيونية الدينية قبيل انتخابات آذار 2021. أنظر/ ي الرابط الآتي: https://bit.ly/3b4NZYN

[3] للمزيد، وليد حباس، تثبيت الأبارتهايد داخل الضفة الغربية... أزمة جديدة داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حول "قانون يهودا والسامرة"!، ملحق المشهد الإسرائيلي- مركز مدار، 6 حزيران 2022. أنظر/ ي الرابط التالي: https://bit.ly/3RSWhnu

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات