المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تشير تقاريرعدة، وتصريحات من أوساط إسرائيلية، إلى تعاظم القلق من مستقبل ظروف معيشة العلمانيين الإسرائيليين، في ظل حكومة، نصف الائتلاف فيها يرتكز على أحزاب دينية تتطرف أكثر في تشدّدها الديني، بموازاة تطرفها السياسي، في حين أن النصف الآخر، حزب الليكود، يبدي توافقا مع سلسلة من مشاريع القوانين والقرارات الحكومية المخطط لها، لتعميق سياسة الإكراه الديني، على الرغم من تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المتكررة، مدعيا الحفاظ على الوضع القائم في علاقة الدين بالدولة؛ وهذا ورد في اتفاقيات الائتلاف، إلا أن بنودا أخرى في الاتفاقيات تقول شيئا آخر.

فالضجة الشعبية الحاصلة في الشارع الإسرائيلي بشأن المخطط لتعديل قانون المحكمة العليا، ونظام انتخاب القضاة، وأيضا تعيين المستشارين القانونيين، يقف من خلفها القلق بشأن مستقبل المعركة ضد قوانين الإكراه الديني، وحريات الحياة اليومية لجمهور العلمانيين. 

هذا المشهد كان أحد أبرز سيناريوهات مستقبل إسرائيل، التي وردت في سلسلة أبحاث أكاديمية في السنوات الماضية، مع تكاثر جمهور المتدينين من التيار الديني المتزمت (الحريدي)، ومن التيار الديني الصهيوني، الذي يتشدد أكثر دينيا. وهذا تكاثر بفعل التكاثر الطبيعي الذي يصل إلى أكثر من ضعفي وثلاثة أضعاف نسبة التكاثر لدى الجمهور العلماني.

فمع تشكيل الحكومة ثارت الضجة الأولى ضد تسليم المتطرف دينيا وسياسيا آفي ماعوز، زعيم حزب "نوعام"، ملف البرامج اللامنهجية في وزارة التعليم، من خلال منصب نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة، وهذه الضجة بسبب مواقفه المتشددة ضد أوساط علمانيةعدة، من بينها جمهور المثليين وداعميهم، غير القليل، ولكن ليس هذا وحده. فلاحقا بدأت تظهر مبادرات عديدة، ومن بينها، ما ورد في الاتفاقية بين حزبي الليكود وشاس، لتوسيع صلاحيات المحاكم الدينية، ليكون بقدرتها التحكيم في قضايا مدنية عادية، في ما لو أراد طرفان هذا التحكيم، أو حتى إذا اشترط هذا مقدم خدمات في اتفاقية موقعة من طرفين.

كذلك رأينا منذ الأيام الأولى، مطالب الأحزاب الدينية بوقف كل أعمال الصيانة في شبكة المواصلات، وخاصة القطارات، في أيام السبت العبري، وتقليص أكثر للمجال الضيق أصلا، للعمل في أيام السبت.

وقد وصل الأمر إلى حد طلب كتلة يهدوت هتوراة للحريديم الأشكناز (الغربيين)، وقف إنتاج الكهرباء في أيام السبت، بمعنى 36 ساعة أسبوعيا، وأيضا في الأعياد العبرية التي يكون فيها عدد الساعات أطول، إذا تلاقت مع يوم السبت. وعلى الرغم من أن الليكود نفى أن يكون هذا شرطا، فإن مصادر يهدوت هتوراة لم تنف هذا المطلب، الذي تم تقديمه إلى جانب سلسلة من المطالب الدينية الأخرى.

كذلك كانت مطالبات لزيادة حصص الدين ودراسة التوراة في مدارس الجمهور العلماني، وإلغاء التسهيلات المحدودة التي أقرت في السنوات الأخيرة بشأن إصدار شهادات الحلال وفق الشريعة اليهودية. وزيادة عدد الشواطئ التي فيها فصل بين الرجال والنساء، عدا عن زيادة حافلات المواصلات العامة، التي فيها فصل بين الرجال والنساء، وهذه تتحرك منذ سنوات في تجمعات الحريديم.

كما شملت المطالب العودة إلى الإعفاء الشامل والجارف لشبان الحريديم من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من صدور قرار في المحكمة العليا بشأن هذا منذ سنوات يلزم بشمل شبان الحريديم في الخدمة الإلزامية. ولأجل تمرير هذا المطلب تطالب كتلتا الحريديم بسن قانون أساس، يحدد بأن تعليم التوراة هو قيمة حيوية وعليا للشعب اليهودي ودولة إسرائيل، كي تكون هذه المقولة أساسا لإعفاء شبان الحريديم من الخدمة العسكرية.

وكالعادة على رأس المطالب أيضا، زيادة الميزانيات الضخمة أصلا، التي تتلقاها مؤسسات الحريديم الدينية والتعليمية، وهذا المطلب الأخير عينيا، عليه موافقة من الليكود، ما سيثير لاحقا حفيظة أوساط واسعة من الجمهور، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تستفحل في الشارع، أسوة بالأجواء الاقتصادية العامة في دول العالم.

وأيضامن الأمثلة، تم تخصيص فصل مهم في خطط الحكومة لتعميق القوانين الدينية في الحياة العامة. ويقول رئيس إحدى أبرز الحركات العلمانية (طاقم العلمانيين)، رام فرومان، "إنه من ناحية، تقود الصهيونية الدينية عملية تطرف العمليات الدينية في المجتمع الإسرائيلي- بشكل خاص من خلال الصلاحيات الممنوحة لآفي ماعوز، وأوريت ستروك في وزارة التربية والتعليم. ومن ناحية أخرى، تقود أحزاب الحريديم المتشددة، سن العديد من القوانين التي من شأنها تغيير الحياة العامة، مثل منع وسائل النقل العام يوم السبت، وحظر إدخال المخللات إلى المستشفيات في عيد الفصح العبري، والفصل بين الجنسين في حمامات السباحة الطبيعية، وقبل كل شيء، السماح بالتمييز على أساس الجنس والتفضيل الجنسي".

لكن الأمر لا يتوقف عند الأحزاب الدينية، بل أيضا وزراء حزب الليكود، الحزب العلماني، يشاركون في هذه المبادرات، مثل مبادرة وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهر، لإلغاء الأنشطة الثقافية يوم السبت، فهذا يندرج في إطار السعي لتحويل إسرائيل إلى دولة دينية، ليس فقط بين الحريديم المتشددين، لكن أيضًا في الليكود، كما ذكر. في الوقت نفسه، عملت جميع الأحزاب الدينية على زيادة الفجوات القائمة بين الميزانيات والامتيازات الممنوحة للعلمانيين، وتلك الممنوحة للمتدينين، وخاصة الحريديم. وحسب فرومان، "فإن هذا لا يعني فقط أن نمط الحياة العلمانية مهدد، وإنما أيضا أموال الضرائب، التي تأتي غالبيتها من العلمانيين، تُخصص بشكل متزايد لتمويل تشديد علاقة الدين بالدولة. من المهم أيضا أن نتذكر أنه، على الأقل بالنسبة للحريديم المتدينين من التيار الديني الصهيوني، فإن المعركة ضد الجهاز القضائي، ليست سوى أداة مصممة لتأمين أهدافهم الدينية والقومية".

توسيع صلاحيات المحاكم الدينية

قبل أيام نشرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، تقريرا يدعو إلى عدم الاستخفاف بمشروع توسيع صلاحيات المحاكم الدينية، لتشمل أيضا صلاحية البت في قضايا مدنية عادية، وليس فقط مسائل الزواج والطلاق وغيرها.

ويقول التقرير إن أروقة الحكومة الجديدة تشهد تحركا واضحا لرفع مكانة المحاكم الدينية، لمساواة صلاحياتها مع المحاكم الأخرى. وهذا برز في البنود من 109 إلى 111 في الاتفاق بين حزبي الليكود وشاس، للشراكة في الحكومة الحالية. وحسب الصحيفة، فإن العديد من الحقوقيين يحذرون من عواقب وخيمة، سيشعر بها الجمهور في جميع مجالات الحياة إذا تم تنفيذها.

وحسب مختصين حقوقيين، فإن "هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها المتزمتون دينيا توسيع صلاحيات المحاكم الدينية اليهودية. وقد بذلت مثل هذه المحاولات منذ العام 2006، من خلال سلسلة مشاريع قوانين تم تقديمها، ولكن تم إحباطها. والتخوف الآن، هو أن تكون هذه المرة ناجحة، لأنها مدرجة في اتفاقيات الائتلاف، وإذا حدث ذلك فهذا يعني أن الشخص سيكون قادرا على مقاضاة صديقه في المحكمة الدينية، كما لو كانت محكمة لأجل كل شيء، بما في ذلك الأضرار، والعمل، والعقود، والعقارات".

وقالت المحامية باتيا كهانا درور، الخبيرة في شؤون الأسرة، إن "تطبيق القانون الديني في جميع مجالات الحياة في إسرائيل، سيعني أنه ستكون هنا دولة داخل الدولة". فالمحاكم الدينية اليهودية، التي يقوم نظامها القضائي على شرائع التوراة، هي حاليا جزء من النظام القانوني في إسرائيل، وتتمتع بالولاية القضائية الحصرية على الزواج والطلاق اليهودي.

محاصرة الإصلاحيين اليهود في العالم

كما ذكر في تقرير سابق، فإن أحد المطالب المركزية، التي طالبت بها الكتل الدينية الثلاث، التي كانت تشكل التحالف الانتخابي "الصهيونية الدينية"، هو نقض قرار سابق للمحكمة العليا، يعترف بعملية التهويد التي تجريها جهات في التيار الديني الإصلاحي، لغرض الاعتراف بيهودية الشخص، ليستفيد من قانون الهجرة إلى إسرائيل. وهذا مطلب يدل على مدى التزمت الديني المستفحل في التيار الديني الصهيوني، وبطبيعة الحال فإن مطلبا كهذا سيحظى بموافقة فورية من كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة.

وأثار هذا المطلب فورا ردة فعل غاضبة من التيار الديني الإصلاحي لدى أبناء الديانة اليهودية في العالم، وهو ما عبّر عنه زعيم الحركة الدينية اليهودية الإصلاحية واسعة الانتشار في الولايات المتحدة الأميركية الحاخام ريك جايكوبس، الذي حذر، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" خلال المفاوضات لتشكيل الحكومة، من شطب قرار المحكمة العليا السابق ذكره، فيما يتعلق بالتهويد حسب الطريقة الإصلاحية.

ويشار إلى أن التيار الإصلاحي هو الأكثر انتشارا بين اليهود المتدينين في العالم، من غير الحريديم، وهو قوة مركزية بين الأميركان اليهود، ما يعني أن حكومة نتنياهو ستقود إلى صدام مباشر مع قطاع غير قليل من يهود العالم، وخاصة في الولايات المتحدة. 

مشكلة العلمانيين

يقول رام فرومان، رئيس الطاقم العلماني، السابق ذكره أعلاه، في مقال له في صحيفة "هآرتس": "إن حشد الجماهير للتوجه إلى المظاهرات الاحتجاجية ورسائل الاحتجاج من العديد من المنظمات مثيرة وتبعث الأمل في التغيير في المجتمع الإسرائيلي. لكن يجب الحرص على أن الحماسة، إذا لم يتم توجيهها بشكل صحيح، سيتم وأدها كما في الاحتجاجات التي سبقتها. في هذه المرحلة يبدو أن المعارضة موجهة ضد الانقلاب على جهاز القضاء، الذي يقوده وزير العدل ياريف ليفين. هذا زلزال له عواقب وخيمة على الحياة العامة، ولا عجب في أنه هدف معظم السهام. ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن الانقلاب القضائي ليس سوى جزء من الكوارث التي جلبتها هذه الحكومة للجمهور، سواء كانت هجوما على الإعلام الحر بقيادة وزير الاتصالات شلومو كرعي، أو المخاطر المرتبطة بها. أو من خلال نشاط عمل الوزير إيتمار بن غفير تحت شعار: الموت للإرهابيين".

ويتابع فرومان: "إن الأسوأ من ذلك، أن توجهات ’حكومة التغيير’ السابقة، علمتنا أنه ليس لدينا بديل حقيقي للحكومة الجديدة. على الأكثر يمكننا الحصول على حكومة أخرى تُجري بعض التعديلات، ولن تكون مستقرة. ليست لدينا مجموعة معارضة متماسكة حقا. فمعارضو الحكومة الحالية هم عبارة عن العديد من العناصر المستقطبة، الذين لا يستطيعون العيش فترة طويلة مع بعضهم البعض، سواء من حيث اليمين، أو اليسار أو المتدينين، أو العلمانيين. إذا كان الأمر كذلك، فأين يمكن توجيه الاحتجاج عندما يكون الهدف الوطني المطلوب غير قابل للتحقيق؟ منذ سنوات، كنت أدعي أن الحد الأقصى الذي يمكن أن يطمح إليه الجمهور العلماني هو إقامة حكم ذاتي علماني. ويدعي كثيرون أن هذا غير عملي، ليس له أي جدوى سياسية، وهناك العديد من علامات الاستفهام العملية التي تحيط بالموضوع. لكن هذه ليست المشاكل التي تواجه إنشاء مثل هذا الحكم الذاتي. المشكلة الحقيقية هي أن الجمهور العلماني لا يزال غير قادر على التخلص من التربية التي تلقاها من مؤسسات الحكم، وفانتازيا إسرائيل كدولة موحدة ومملوكة للدولة".

ويرى فرومان أن "المشكلة الرئيسة للجمهور العلماني هي أنه يخشى مواجهة حقيقة كونه قطاعا من الجمهور العام، فهو غير قادر على توجيه الطاقات التي نشأت نتيجة للتهديد المباشر على أسلوب حياته. إذا فهمنا أن هذا الاحتجاج يجب أن يكون بداية الحرب من أجل وجودنا وبقائنا كأقلية مهددة (العلمانيين)، فيمكننا صياغة أهداف واقعية للاحتجاج، أولاً وقبل كل شيء مسألة كيفية إنشاء حكم ذاتي لنا يمكننا أن نعيش فيه. نعيش الحياة كما نريد أن نعيشها. لن يتم منحنا هذا الاستقلال الذاتي على طبق من الفضة، ولن يتم إنشاؤه بين عشية وضحاها. لكن هناك العديد من الأشياء التي يمكن القيام بها لبدء التحصين.

ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الجمهور العلماني التخلي عن الحاجة إلى الحفاظ على وهم الدولة. من السهل محاربة قضية وطنية على ما يبدو، مثل الحفاظ على الديمقراطية والنظام القضائي، والتلويح بالأعلام واحتضان الليبراليين المتدينين القلائل الذين ينضمون إلى الاحتجاج. ومن الأصعب بكثير أن نفهم أنه في إسرائيل اليوم، حتى الرغبة بديمقراطية ليبرالية ونظام قضائي مستقل، هي مسألة قطاعية وليست عامة، وأن الدين والقومية وتهديد الديمقراطية كلها جوانب من الاتجاه نفسه، مما يعرض أسلوب حياتنا للخطر".

ويختم فرومان: "من خلال معرفتي بالأشخاص المتدينين الليبراليين، حتى النضال المستمر من أجل التحرر من الدين، وبالطبع النضال من أجل القومية، لن يبعدهم عنا. في كثير من النواحي هم جزء من الجمهور العلماني أكثر من كونهم جزءا من الجمهور المتدين- القومي، وليس لشيء أن يصبح معظم أبنائهم علمانيين. المشكلة ليست معهم، بل معنا. يجب ألا نهدر الزخم الحالي في تحقيق أهداف غير كافية أو غير واقعية. إذا لم تجعلنا هذه الحكومة نعود إلى الواقع، فمتى يحدث ذلك؟ ألن تكون هناك طريقة لإنقاذ أنفسنا بعد الآن؟".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات