المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من المتوقع أن يُعلن المكلّف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، عن تشكيل حكومته المقبلة، فيما من المتوقع أن يطلب الثقة من الكنيست في الأسبوع القادم. 

في هذه الأثناء يواصل الكنيست معالجة سلسلة من القوانين التي يطلبها الائتلاف المقبل، لضمان تشكيل الحكومة، منها ما يراه حقوقيون مسؤولون في جهاز الحكم الإسرائيلي أنه انقلاب على البنية المؤسساتية للحكم، في حين يبقي نتنياهو كعادته فتات وزارات لأعضاء حزبه، فيما ذهبت غالبية الوزارات الكبيرة إلى الشركاء في الحكومة، مع صلاحيات مأخوذة من وزارات ستكون بيد أعضاء الليكود.

وكان في اعتقاد نتنياهو فور صدور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، التي جرت في الأول من تشرين الثاني الماضي 2022، أن بإمكانه تشكيل حكومة في غضون أسبوعين لا أكثر، على ضوء الأغلبية المطلقة التي حصلت عليها أحزاب التحالف، 64 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست، إلا أن نتنياهو اصطدم بمطالب سياسية وإدارية ومالية، وصلت إلى حد يمكن وصفه بالشراهة، ساهمت فيها المنافسة بين القوائم الانتخابية الأربع الشريكة لليكود، على من يحصل أكثر. وهذا خلق تعقيدات كبيرة، تطلبت تغيير قوانين أساس قائمة، مثل نقل صلاحيات من وزارة الدفاع (الأمن) إلى وزارة المالية، التي سيتولاها رئيس حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، تتعلق أساسا بشؤون الاستيطان وبمناطق ج في الضفة الغربية المحتلة، وصلاحيات لوزارة الشرطة، أو بحسب تسميتها الجديدة "الأمن القومي"، بدلا من "الأمن الداخلي"، وسيتولاها إيتمار بن غفير، رئيس حزب "عوتسما يهوديت"، بحيث سيكون مسؤولا عما يسمى قوات حرس الحدود، خلال نشاطها في أراضي الضفة الغربية.

كذلك تم سحب صلاحيات وملفات من وزارة التربية والتعليم لصالح شريك آخر، آفي ماعوز، وهو كتلة من نائب واحد، كان شريكا في تحالف "الصهيونية الدينية" في الانتخابات، وسيتولى مهمة تعميق الهوية اليهودية في مناهج التعليم، والبرامج التربوية اللامنهجية.

وكان اللافت مطالب كتلتي المتدينين المتزمتين، الحريديم، وبشكل خاص كتلة يهدوت هتوراة لليهود الأشكناز، التي بلغت حد المطالبة بعدم إنتاج الكهرباء أيام السبت والأعياد اليهودية، وهذا سنأتي عليه لاحقاً.

كل هذه التعقيدات أدت إلى أن ينهي نتنياهو مدة التكليف الأولى من 4 أسابيع، وطلب تمديد التكليف من رئيس الدولة مدة أسبوعين آخرين، إلا أن الرئيس إسحق هرتسوغ منحه عشرة أيام فقط، تنتهي يوم الأربعاء من هذا الأسبوع، ومن المفترض أن يعلن نتنياهو أنه نجح في تشكيل الحكومة، حتى الساعة الأخيرة المقررة، لانتهاء تمديد التكليف. وبموجب القانون يحق له عرض حكومته على الكنيست لنيل الثقة، خلال مدة لا تتجاوز الأسبوع، ما يعني أن الحكومة الجديدة ستنطلق في أوائل الأسبوع المقبل.

واستمر الكنيست، هذا الأسبوع، في بحث تمرير مشاريع القوانين التي يطلبها الائتلاف الحاكم، إلا أن النقاش الأبرز دار حول توسيع صلاحيات الوزير الذي سيكون مكلفا بالشرطة، إيتمار بن غفير، ليكون بشكل ضمني القائد الأعلى للشرطة، ما ينتقص بشكل كبير من مكانة القائد العام للشرطة، وحاليا هو كوبي شبتاي. 

وظهرت تقديرات في الكنيست بأن المعارضة قد تنجح في استصدار قرار من المحكمة العليا يجمّد مشروع القانون الذي سيجيز لزعيم حزب شاس، آرييه درعي، تولي حقيبة وزارية، رغم أن المحكمة كانت قد دانته في العام الماضي 2021، بجرم التهرب الضريبي وفرضت عليه حكما بالسجن مع وقف التنفيذ، بعد أن تعهد بالاستقالة الفورية من الكنيست في حينه، بدون منعه من العودة للكنيست في كل انتخابات لاحقة.

ومشروع القانون الذي يعترض عليه المستشارون القانونيون للحكومة والكنيست، يقضي بأنه فقط من فرض عليه السجن الفعلي يكون ممنوعا من تولي حقيبة وزارية.

وفي حال أصدرت المحكمة قرارا كهذا، فإنه سيتم عرض الحكومة من دون شخص درعي، وليس واضحا كيف سيتصرف الائتلاف الحاكم مع هذه القضية.

ضرب البنية المؤسساتية للحكم

شهدت لجنة الكنيست الخاصة والمؤقتة، التي أقيمت لغرض بحث مشروع قانون توسيع صلاحيات الوزير المكلف بالشرطة، جدلا حادا، برزت فيه معارضة المستشارة القانونية للحكومة، والمستشارة القانونية للكنيست، وأيضا ممثل النيابة العامة، وتلا هذا خطاب للمستشارة القانونية للحكومة في مؤتمر حقوقي عقد في جامعة حيفا، في نهاية الأسبوع الماضي.

ففي لجنة الكنيست المذكورة، قالت نائبة المستشارة القانونية للحكومة، عميت ميراري، إن القانون المقترح سيضر باستقلالية الشرطة، وقد يضر بالديمقراطية في إسرائيل. كما أنه يسعى لتغيير نقطة التوازن القائمة بين صلاحيات الوزير واستقلالية الشرطة، بشكل يضر باستقلالية الشرطة، بما يتجاوز التقسيم العرفي للواجبات. كما حذرت ميراري من أن القانون "يمكن أن يلحق ضررا خطيرا بالمبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي لدولة إسرائيل".

ويسعى مشروع القانون المذكور لمنح الوزير صلاحيات تجعله القائد العام للشرطة، ومن هذه التعديلات أنه سيكون بإمكان الوزير فرض توجهات في مسألة التحقيقات البوليسية، وأي قضايا تقدم فيها الشرطة لوائح اتهام، والقصد من هذا، هو تقديم غطاء سياسي رسمي لجرائم المستوطنين، وفي المقابل، تصعيد مسألة تقديم لوائح الاتهام ضد العرب بكل صغيرة قبل الكبيرة.

وحسب تقارير متعددة، يبدو أنه حتى الإعداد النهائي لهذا القانون، قد "يتنازل" بن غفير عن البند الذي يجيز له التدخل في مسألة التحقيقات وتقديم لوائح الاتهام، في حين يصر جهاز الاستشارة القانونية للكنيست على تثبيت مقولة أن مفتش الشرطة العام هو القائد العام للشرطة.

والأمر الآخر، هو تعديل مكانة قائد الشرطة العام، فبدلا من أن قائد الشرطة يقود جهاز الشرطة، يضاف لهذه العبارة "وفقا للتوجهات والسياسات والمبادئ العامة التي يطرحها الوزير". كما أن توجيهات قائد الشرطة يجب أن تحصل على مصادقة الوزير. 

كذلك يسمح أحد البنود للشرطة بعدم نشر أمر ما تصدره الشرطة لجهازها الداخلي، في شبكة الإنترنت، خلافا لما هو قائم حتى اليوم. والقصد من هذا، هو التستر على توجهات مستقبلية ذات طابع إشكالي تعبر عن عقلية الحكومة ووزيرها.

وقال المحامي غيل ليمون، نائب المدعي العام، الذي شارك أيضاً في الجلسة، إن الاقتراح لم يكن متوازنا، وحذّر من تدخل الوزير في القضايا الحساسة، مثل المسجد الأقصى المبارك. وقال إنه لا يمكن لوزير التدخل في حدث معين. وهناك أماكن لها حساسية خاصة مثل الحرم القدسي. 

ودعت المستشارة القانونية للكنيست إلى ترتيب العلاقة بين الوزير وقائد الشرطة، وهذا يجب أن تتم صياغته في القانون، بحيث "يتم توضيح أن القائد العام هو رئيس شرطة إسرائيل، وهو أعلى مستوى قيادي فيها". 

وكما ذكر سابقاً، ففي وقت لاحق من نهاية الأسبوع الماضي حذرت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، في مؤتمر حقوقي عقد في جامعة حيفا، من أن سلسلة القوانين التي بادر لها الائتلاف الحاكم المقبل، بزعامة بنيامين نتنياهو، من شأنها أن تبقي الديمقراطية اسما فقط، بحسب تعبيرها، وحذرت من "تسييس جهاز تطبيق القانون" وتقصد الشرطة.

وقالت ميارا إن "الفكرة التي تقول إن إجراء تغيير عميق في نسيج الأنظمة بضربة سيف واحدة، هي فكرة خاطئة بنظري". فالتغيير الجوهري للنظام يتطلب، برأيها، تفكيرا عميقاً وحكما مستنيرا. وليس من خلال عملية سن قوانين سريعة خاطفة، لغرض تشكيل الحكومة.

وقالت ميارا في تلميح إلى القانون الذي سيسند إلى بن غفير صلاحيات واسعة في جهاز الشرطة، إن "الخطر الواضح والمباشر هو أنه في إطار صنع السياسة، سوف يؤثر المستوى السياسي على القرارات المتعلقة بفتح التحقيقات والملاحقات".

وعن مشروع القانون المقبل، الذي يهدف إلى نزع فعلي لصلاحية المحكمة العليا في نقض القوانين والقرارات الحكومية، قالت ميارا إن "لهذا سيكون تأثير عميق في الحفاظ على الإدارة السليمة"، ودعت الحكومة الجديدة إلى الأخذ برأيها، و"بشكل يسمح بإجراء مناقشة عامة ومتعمقة ومهنية".

عدم إنتاج كهرباء أيام السبت

إن عناوين مطالب كتلة يهدوت هتوراة للمتدينين المتزمتين (الحريديم) لليهود الغربيين الأشكناز، من حزب الليكود، كشروط للانضمام للحكومة الجديدة، والتي ظهرت في وسائل الإعلام، هي بمثابة قراءة لمستقبل إسرائيل؛ ورغم هذا لم يخطر ببال أحد، على الأقل حتى الآن، أن يطلب الحريديم وقف إنتاج الكهرباء في أيام السبت والأعياد العبرية، وهذا يعني شل الحركة العامة في البلاد، إذ أكد خبراء الطاقة أنه لا يمكن تخزين هذا الكم من الكهرباء لحوالي 36 ساعة أسبوعيا، وفي حالات معينة، يصل الأمر إلى 60 ساعة وأكثر. 

وعلى الرغم من أن الليكود نفى أن يكون هذا شرطا، فإن مصادر يهدوت هتوراة لم تنف هذا المطلب، الذي تم تقديمه إلى جانب سلسلة من المطالب الدينية الأخرى، مثل زيادة حصص الدين ودراسة التوراة في مدارس الجمهور العلماني، وإلغاء التسهيلات المحدودة التي أقرت في السنوات الأخيرة بشأن إصدار شهادات الحلال وفق الشريعة العبرية، وزيادة عدد الشواطئ التي فيها فصل بين الرجال والنساء، عدا عن زيادة حافلات المواصلات العامة، التي فيها فصل بين الرجال والنساء، وهذه تتحرك منذ سنوات في تجمعات الحريديم.

كما شملت المطالب العودة إلى الإعفاء الشامل والجارف لشبان الحريديم من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من صدور قرار في المحكمة العليا بشأن هذا منذ سنوات يلزم بشمل شبان الحريديم في الخدمة الإلزامية. وعلى رأس المطالب أيضا زيادة الميزانيات الضخمة أصلا، التي تتلقاها مؤسسات الحريديم الدينية والتعليمية، وهذا المطلب الأخير عينيا عليه موافقة من الليكود، ما سيثير لاحقا حفيظة أوساط واسعة من الجمهور، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تستفحل في الشارع، أسوة بالأجواء الاقتصادية العامة في دول العالم.

وعودة إلى مسألة إنتاج الكهرباء، فما يبدو حاليا مطلبا هاذيا لا يعني أن الأمر غير مطروح على أجندة الحريديم، وقد يكون في السنوات المقبلة أكثر إلحاحا، مع استمرار زيادة قوة الحريديم البرلمانية، بسبب نسبة تكاثر جمهورهم الطبيعي، وهي من أعلى النسب عالميا- 4%، ولا توجد مؤشرات إلى تراجعها رغم تطور العصر. 

في نهاية المطاف، فإن وقف إنتاج الكهرباء في أيام السبت والأعياد لن يتم، لأن قوة المسيطرين على الاقتصاد ستكون أكبر، كما أن الجمهور العام لن يقبل بهذه المخاطرة؛ لكن في المقابل فإن أنظمة حركة المجتمع والاقتصاد، التي تحكمها الشرائع الدينية اليهودية، ستكون أشد مستقبلا، والقصد هنا، الحركة التجارية التي بغالبيتها الساحقة مغلقة، ومثلها حركة المواصلات العامة، وقد توقف هذه الحكومة الجديدة، حركة المواصلات العامة المحدودة في منطقة تل أبيب الكبرى، التي بدأت تتحرك في السنوات الأربع الأخيرة، في أيام السبت، نحو مناطق النقاهة والمستشفيات وغيرها. 

ما يراد قوله هو أن تعاظم قوة الحريديم البرلمانية، ومعها قوة التيار الديني الصهيوني، الذي بات يتشدد أكثر فأكثر دينيا، سيقود، لا محالة، إلى صدام مباشر متجدد، بين الجمهورين العلماني والديني في إسرائيل. وقد شهدت إسرائيل معركة كهذه برزت بشكل خاص في سنوات الثمانين والتسعين من القرن الماضي.

الليكود: وزراء في حقائب منقوصة

انتهج بنيامين نتنياهو، وبشكل خاص ابتداء من الحكومة التي شكلها بعد انتخابات مطلع العام 2013، إبقاء حقائب هشّة لنواب حزب الليكود، وحتى من يحصل على حقيبة من الحقائب الكبرى، يكون قد انتزع منها صلاحيات لوزراء آخرين، أو حتى لشخص نتنياهو كما حدث في حالات عدة.

وفي الحكومة المقبلة سيتولى نواب الليكود حقيبة الدفاع منقوصة الصلاحيات، كما أسلفنا هنا، وهي الحقيبة الوحيدة التي معروف من سيتولاها حتى إعداد هذا المقال، وهو الجنرال احتياط يوآف غالانت، الذي واجه دعوات ليرفض الحقيبة بعد سحب صلاحيات جدية منها للوزيرين المقبلين بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، ومن أبرز الداعين الوزير الحالي بيني غانتس، إلا أن غالانت حافظ على الصمت.

وليس واضحا من سيتولى الحقائب الهامة الأخرى: الخارجية، التربية والتعليم، العدل، والاقتصاد (التجارة والصناعة والعمل)، وأيضا وزارة المواصلات التي باتت من الوزارات ذات الشأن في الحكومات الإسرائيلية، بسبب مشاريع البنى التحتية التي شهدت قفزة عالية جدا في العقدين الأخيرين.

كذلك ليس واضحا من سيكون رئيس الكنيست المقبل، ففي الأسبوع الماضي تم انتخاب ياريف ليفين رئيسا للكنيست، بهدف تسيير وتسريع عمل الكنيست لتمرير القوانين التي يريدها تحالف الحكومة المقبلة، وفي حين أن نتنياهو أعلن أن ليفين هو رئيس مؤقت، وسيخصص له وزارة العدل، فإن ليفين نفسه قد يختار البقاء في رئاسة الكنيست. 

وعمليا، فإن توزيع الحقائب في الليكود سيخلق حالات امتعاض بين النواب، نظرا لكثرة من يرون بأنفسهم وزراء في الحكومة المقبلة، وقد لا يجد نتنياهو لجميعهم حقائب، أو أن منهم من سيحصل على حقيبة غير تلك التي طالب بها.

وبحسب التوقعات، فإن الشخصيات المركزية في الليكود التي أعلنت في ما مضى منافستها على رئاسة الليكود، وتراجعت مع توضيح نتنياهو بأنه معني بالاستمرار في رئاسة الحزب، قد تجد نفسها في وضع محرج في الحكومة، لا يلائم مكانتها الحزبية والشعبية، فلنتنياهو تبقى حسابات مع هذه الشخصيات، بادعاء أنها تجرأت ورفعت رأسها أمامه.

وكما هو معروف فإن نتنياهو أطبق سيطرته على الحزب، وجعله كله بيده وبيد من يُخلص له، وهذا ما سيؤثر مستقبلا على وحدة الليكود، بعد أن ينزل نتنياهو عن المنصة السياسية في غضون سنوات لم تعد طويلة كما يبدو، هذا إذا لم تقض محاكمته بإبعاده عن السياسة كليا.

وقال عضو الكنيست البارز دافيد بيتان الذي يواجه محاكمة بالفساد، في حديث للإذاعة العامة، إن الشركاء في الحكومة حصلوا على أكبر الوزارات، في حين أن الوزارات الكبيرة التي بقيت لليكود منقوصة ببعض الملفات، كما شكا من أنه لم تبق لليكود رئاسات لجان برلمانية ذات وزن، وذهبت غالبيتها إلى أحزاب الائتلاف.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات