المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشرت المجلة الشهرية الصادرة مع صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس"، قائمة أكبر 500 ثري في إسرائيل، وهي القائمة السنوية التي تضم الأثرياء حاملي الجنسية الإسرائيلية، ولهم نشاط في إسرائيل، وبلغ مجموعة ثرواتهم 140 مليار دولار، مقابل 110 مليارات دولار في العام الماضي 2014. إلا أن 18 مليار دولار من أصل زيادة 30 مليار تعود إلى تجنيس اثنين من الأثرياء، أحدهما من بات صاحب الثروة الاكبر في إسرائيل، الثري الفرنسي باتريك ديرهي، الذي حصل على الجنسية الإسرائيلية في العام الأخير.

ورغم ذلك، فإن حجم الثروة وزيادتها في السنوات الـ 12 الأخيرة، يعكسان حجم الفجوات الاجتماعية الآخذة بالاتساع في إسرائيل. ففي حين أن ثروة "الكبار" ارتفعت بنسبة حقيقية خلال 12 عاما بـ 330%، فإن معدل الأجور العام ارتفع في نفس الفترة بنسبة 33%، والحد الأدنى من الأجر بنسبة 21%.

ومن ناحية فعلية، فإن ثروة الكبار الـ 500 ارتفعت من 37 مليار دولار في العام 2003، إلى 140 مليار دولار في العام الجاري 2015، أي ما نسبته 378%، ولكن من ناحية حقيقية، فإن الزيادة هي بنسبة 330%، بعد أن أخرجنا من المجموع العام ثروة الثري الأكبر باتريك ديرهي، التي بلغت 45ر16 مليار دولار، والثاني ياكير غباي الذي هو أيضا حصل على الجنسية في العام الأخير، وبلغت ثروته 6ر1 مليار دولار.

وفي الاطلاع على القائمة، يظهر حجم الفجوات بين الأثرياء ذاتهم، فالحديث يجري عن الأول في القائمة الذي تبلغ ثروته 45ر16 مليار دولار، والأخير الذي تصل ثروته إلى 60 مليون دولار. ورأينا أن ثروة الكبار الخمسة الأوائل، الذي سنأتي على تفاصيلهم، حوالي 38 مليار دولار، وهم يشكلون 27% من اجمالي الثروة. بينما ثروة الـ 14 الأوائل (بمن فيهم الخمسة) قرابة 62 مليار دولار، ونسبة 44% من اجمالي الثروة، وثروة الـ 34 الكبار، بلغت ما يزيد عن 91 مليار دولار، أي 65% من اجمالي الثروة.

وقالت "ذي ماركر" إن المقياس الذي اتبعته لاحتساب الثروة، هو أن يكون الثري من الإسرائيليين، صاحب الثروة الصافية حتى منتصف أيار 2015، بعد أن تم انتقاص الديون الشخصية، بموجب المعلومات المعلنة، اضافة إلى حجم الأسهم في الشركات المختلفة، والاستثمارات المالية في البورصة، وقيمة العقارات المملوكة، والسيولة النقدية المتوفرة حتى ذلك اليوم. كما اعتمدت الصحيفة تقارير معتمدة، ومنها تقارير البورصة عن كل واحد من هؤلاء الأثرياء.

الأثرياء الأبرز

وكما ذكر، فإن الثري الأكبر بات باتريك ديرهي، بثروة 45ر16 مليار دولار، وهو يهودي ولد في المغرب، ووالداه كانا من اليساريين، وهاجرا في نهاية سنوات السبعين إلى فرنسا، وأكمل تعليمه فيها، وفي بداية سنوات التسعين فتح شركة صغيرة، كانت تعرض على الفرنسيين اشتراكا في شبكة كوابل تلفزيونية بأسعار أقل من غيرها. وسرعان ما توسعت الشركة، وسجلت نجاحات، لتبدأ في عملية شراء شركات أخرى. وبعد أن استكمل خلال سنوات قليلة سيطرته تقريبا على شبكة الكوابل التلفزيونية في فرنسا، بدأ يتمدد في عدة دول أوروبية، تبعتها دول افريقية وإسرائيل. وقد بدأ في إسرائيل مساهما في شركة الكوابل "هوت"، التي جمعت شركات صغيرة سابقة، ودأب في كل مرّة على شراء أسهم مساهمين آخرين، إلى أن اصطدم بالقانون الذي يلزم بأن تكون أسهم 5% على الأقل في شركات الاتصالات بيد حامل جنسية إسرائيلية، فاختار ديرهي في العام الأخير الحصول على الجنسية الإسرائيلية ليطبق السيطرة الكلية على "هوت"، وبات قسم من شركاته مسجلا في إسرائيل.

وحلّ في المرتبة الثانية في القائمة، من كان على مدى السنين يتربع على المرتبة الأولى، ستيف فيرطهايمر، ونجله إيتان، وراوحت ثروتهما مكانها في العام الجاري، مع 25ر8 مليار دولار. وتبرز العائلة أساسا في شركات التقنيات التكنولوجية في إسرائيل وخارجها. لكن هذه المراوحة في المكان تعود بالأساس إلى ارتفاع سعر صرف الدولار خلال عام من أيار 2014 إلى الشهر ذاته من العام الجاري بنسبة 14%، ما يعني أن المراوحة في مكانة حجم الثروة كما لدى أثرياء آخرين نذكرهم هنا وآخرين شملتهم القائمة، وهذا يعني أن ثرواتهم بالعملة المحلية "الشيكل" قد ارتفعت بنسبة مماثلة.

وتحل في المرتبة الثالثة بعد أن تربعت في ما مضى على "عرش الأثرياء" شيري أريسون، صاحبة الأسهم الأكبر في بنك "هبوعليم" أكبر البنوك الإسرائيلية، اضافة إلى 8% من أسهم لها في شركة السفن "كرنفال" العالمية، التي تقدر قيمتها في بورصة "ناسداك" بقيمة 30 مليار دولار، وأيضا كما هي حال ستيف فريطهايمر، فإن القيمة الاجمالية لثروة شيري أريسون، بالدولار، راوحت مكانها هذا العام، بنحو 5 مليارات دولار.

وحل هذا العام في المرتبة الرابعة أرنون ميلتشن، الذي ازدادت ثروته بنحو 300 مليون دولار، وبلغت 2ر4 مليار دولار، وكانت في العام 2014 قد سجلت زيادة بقيمة 600 مليون دولار. وقطاعه الاقتصادي الأبرز القطاع السينمائي العالمي.

وحلّ في المرتبة الخامسة صاحب أكبر أسهم في حقول الغاز المكتشفة في البحر الابيض المتوسط، إسحاق تشوفا، إلا أن ثروته هو أيضا راوحت مكانها في هذا العام، وبقيت 4 مليارات دولار، بعد أن كان قد سجل في العام الماضي 2014، زيادة بنحو 570 مليون دولار. وتبقى ثروة تشوفا مرشحة لإحداث قفزة كبيرة، مع بدء ضخ الغاز الطبيعي في العامين المقبلين.

وحلّ في المرتبة السادسة هذا العام الثري تيدي ساغي، وبلغت قيمة ثروته الإجمالية 5ر3 مليار دولار، ومركز نشاطه الأساس في بريطانيا، وهو يعمل في قطاع القطارات، وقطاع المراهنات والتقنيات العالية.

وتراجع الثري المعروف عيدان عوفر في قائمة هذا العام إلى المرتبة السابعة، بعد أن فقد من ثروته قرابة 750 مليون دولار، وقد يكون بسبب نقله بعض مشاريعه الاقتصادية إلى الخارج، وبلغت ثروته هذا العام 25ر3 مليار دولار.

اللافت في قائمة الأثرياء أن المخطط الإسرائيلي لاستقدام أثرياء يهود ليحصلوا على الجنسية الإسرائيلية مع تسهيلات ضريبية لبضع سنوات، قد دخل حيز التنفيذ بشكل واضح. ففي قائمة الـ 500 وجدنا 19 ثريا بثروات تتراوح من بضع عشرات الملايين إلى بضع مئات الملايين، يظهرون لأول مرّة في قائمة الثراء، وهؤلاء هم أثرياء في الأصل، وكما يبدو حصلوا على الجنسية الإسرائيلية، وسجلوا قسما من نشاطهم الاقتصادي كي يحصلوا على تسهيلات ضريبية.

كذلك ظهر في القائمة 51 شخصا دخلوا لأول مرّة إلى هذه القائمة، بثروات ببضع عشرات ملايين الدولارات. ومن بين هؤلاء الجدد أبناء عائلات ثرية، وجرى تقاسم ثروة العائلة بين الابناء. ولكن دخول 70 ثريا إلى القائمة، تعني ان 70 ثريا خرجوا منها.

العربي ما زال وحيدا

وكما في السنوات الماضية، فمن أصل 500 ثري في إسرائيل هناك عربي واحد، وقد حل في المرتبة 425 بعد أن حلّ في العام الماضي في المرتبة 444، وفي العام 2013 في المرتبة 429، وهو رجل الأعمال بديع بشارة طنوس من مدينة الناصرة. وهو صاحب واحدة من أكبر شركات البناء في إسرائيل، وهي تنشط أيضا في دول في شرق أوروبا وكندا، وقد أسس طنوس الشركة في سنوات السبعين الأولى، ولاحقا انضم اليه شقيقه صبحي، ولكن قبل سنوات قليلة انشق صبحي عن الشركة، واقام شركة مستقلة، وهي أيضا لها نشاط في الخارج.

وحسب التقرير، تبلغ ثروة بديع طنوس في العام الحالي 125 مليون دولار، بزيادة بقيمة 15 مليون دولار، وقد حقق زيادة اجمالية مماثلة في العامين الماضيين.

وقبل عدة سنوات كانت عائلتان عربيتان في لائحة الأثرياء، وفي سنوات التسعين ثلاث عائلات، وكانت العائلة الثانية التي خرجت من لائحة الأثرياء هي عائلة شقحة، الشهيرة في مجال استيراد الاغذية، وجاء خروجها نتيجة فسخ شراكة بين أبناء العم.

الفجوات الاجتماعية تتسع

وكما في تقارير سنوية سابقة، يُظهر التقرير الجديد حجم الثراء المتزايد الذي هو مؤشر أيضا لاتساع الفجوات الاجتماعية في إسرائيل. فحينما نتحدث عن زيادة الثروات بنسبة 330%، فإن الحديث يجري عن الغالبية الساحقة من الأسماء الثابتة في القائمة وانتقاص الزيادات غير الطبيعية مثل تجنيس ثري لدوافع ضريبية، فأمثال هؤلاء قد يتنازلون في يوم ما عن الجنسية الإسرائيلية، في حال اقتضت ضروراتهم الاقتصادية ذلك، كما فعل هذا أثرياء كبار من قبل.

ونسبة الزيادة المسجلة هنا هي عشرة أضعاف نسبة زيادة معدل الرواتب العام 33%، بموجب فحص أجريناه في "المشهد الإسرائيلي"، إذ كان معدل الرواتب في العام 2003 قرابة 6960 شيكلا، مقابل 9260 شيكلا، في الثلث الأول من العام الجاري 2015. وليس هذا فحسب، بل إن الحد الأدنى من الأجر ارتفع في السنوات الـ 12 الأخيرة، بنسبة 23%، ثم جاءت الزيادة الأخيرة في شهر نيسان من هذا العام قبل شهر من احتساب الثروات، لترفع زيادة الحد الأدنى من الأجر إلى 28%.

أما مستوى المعيشة، فقد ارتفع بنسب أقل من ارتفاع معدلات الرواتب، إذ ارتفع المستوى في السنوات الأخيرة بنسبة 23%.

"أثرياء جيدون، أثرياء سيئون"

تحت عنوان "أثرياء جيدون، أثرياء سيئون"، كتب رئيس تحرير المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر"، إيتان أفريئيل: "في قائمة الأثرياء الـ 500، التي تعدها ذي ماركر منذ 13 عاما، هناك أنواع مختلفة من الأثرياء، منهم من جمعوا ثرواتهم في الخارج، ومنهم من جمعوها في قطاع التقنيات العالية، وقطاع الصادرات. ولكن من بينهم أيضا من يستغلون ظاهرة علاقة رأس المال بالسلطة، وغياب المنافسة الكافية في قطاعات معينة من الاقتصاد، كي يجمعوا ثرواتهم على أكتاف المستهلكين، مثل حيتان المال".

ويتابع أفريئيل كاتبا أن هناك من جمعوا ثرواتهم بشكل غير معروف، أو من غير أن يتعبوا، كأولئك الذين اشتروا في الماضي البعيد أراضي بأسعار زهيدة، ومع السنين باتت في وسط تجمعات سكانية ضخمة، ومنهم من جمعوا في المراهنات وشركات المراهنات، وغيرها من الوسائل.

ويورد أفريئيل مثالا "للثري الجيد" من حلّ ثانيا هذا العام في القائمة، ستيف فريطهايمر، الذي اساس اقتصاده في الخارج، ولكنه يقيم مناطق صناعية ودفيئات تكنولوجية في شمال البلاد، ويسعى إلى تطوير هذا القطاع الصناعي، من باب اهتمامه بـ "الاقتصاد القومي". أما شيري أريسون التي حلّت ثالثة في القائمة، فيعتبرها أفريئيل من "الجيدين ولكن"، فهي لها تشعبات اقتصادية، وتقدم التبرعات وناشطة في المجال الاقتصادي، ولكنها المسيطرة على أكبر بنك في إسرائيل، "بنك هبوعليم"، الذي أساس أرباحه تأتي من العمولات باهظة الثمن، والخدمات العالية التي تشكل عبئا على كاهل المستهلك، كما أن هذا البنك، سوية مع البنك الثاني "ليئومي"، يحتكران أكثر من 60% من قطاع البنوك الإسرائيلي، ويقدمان الاعتمادات للمقربين منهما ولوسائل الإعلام التي يملكانها، ما أنتج في السنوات الأخيرة الكثير من قضايا الفساد التي قادت الفاعلين إلى المحاكم والسجون.

وعن ظاهرة ابتزاز ونهب الموارد الطبيعية يورد أفريئيل الثري أكبر محتكر لقطاع الغاز إسحاق تشوفا، الذي يستثمر علاقته بالنظام الحاكم ليمرر مصالحه وإطباق السيطرة على قطاع الغاز.

ويختتم أفريئيل قائلاً: هذه المعلومات والتفاصيل عن الأثرياء ليست كافية لعرض الصورة كاملة. ونحن نسأل: "ما هو مصير ظاهرة اللامساواة؟ هل اتسعت أو تقلصت؟ وهل يتقرب الأثرياء إلى غالبية الجمهور أم يهربون منه؟ وكيف يبنون شبكة علاقاتهم مع مراكز القوة في السلطة الحاكمة؟ وهل يستغلون قوتهم الاقتصادية كي يؤثروا على السلطة وعلى الرأي العام؟.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات