المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*نتنياهو يقصد بـ "حل الدولتين" حل "الدولة ونصف الدولة"، أي دولة إسرائيل قوية وكبيرة وإلى جانبها دولة فلسطينية ليس لديها جيش ولا حدود*

كتب بلال ضـاهر:

أثار قرار رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بناء 851 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، استنكارا دوليا واسعا. وقد تذرع نتنياهو، لدى اتخاذه هذا القرار، بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإخلاء مستوطنين من خمسة مبان في البؤرة الاستيطانية "غفعات هأولبانا" التابعة لمستوطنة "بيت إيل" قرب رام الله، حتى موعد أقصاه الأول من تموز المقبل. وجاء قرار المحكمة بعد التماس أصحاب الأرض الفلسطينيين ومنظمة "يش دين" الحقوقية الإسرائيلية ضد سرقة الأرض التي أقيمت عليها المباني الخمسة.

وفي غضون ذلك، حذر مستشرقون إسرائيليون نتنياهو من أن استمرار التوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم، المعروفة باسم "جباية الثمن"، ستؤدي إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة.

ونقلت صحيفة "هآرتس"، أول من أمس الأحد، عن المستشرقين قولهم لنتنياهو إن الخطر الأكبر يكمن في إحراق مسجد كبير في إطار اعتداءات "جباية الثمن"، وفي احتمال اندلاع انتفاضة في حال تنفيذ القرار ببناء 851 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات. وقال المستشرقون إن أعمال بناء بهذا الحجم في المستوطنات في ظل جمود المفاوضات سيؤدي إلى تراجع كبير في تأييد الجمهور الفلسطيني للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض وسيضعف "أجهزة كبح" اندلاع موجة عنف شعبي فلسطيني.

وقال الباحث في قسم السياسة والحكم في "جامعة بن غوريون" في بئر السبع وفي "معهد فان لير" في القدس، الدكتور يونتان مندل، لـ "المشهد الإسرائيلي": "يبدو لي أن ما يقوله قرار نتنياهو هذا هو أن إسرائيل فقدت الاتصال، عمليا، مع الواقع السياسي في العالم، أي في الحلبة الدولية، وتجري حوارا سياسيا مع نفسها بالأساس. وأعتقد أن إسرائيل لا تدرك المعنى السياسي الدولي لبناء 851 وحدة سكنية، وأعتقد أنها لا تدرك صورتها في العالم، وأعتقد أنها لا تفكر في العالم أيضا. هذه الحكومة تنظر إلى الجمهور الإسرائيلي وإلى الرأي العام داخل إسرائيل فقط. وهذا الحوار الداخلي، هو حوار متطرف جدا ويميني جدا وغير أخلاقي أبدا. والحديث هنا يدور على قرار يظهر وجه إسرائيل بصورة واضحة جدا، وعلى الأقل لا توجد هنا أكاذيب. فنتنياهو يصرح علنا أنه مقابل كل خمسة بيوت يجب أن نهدمها نبني 800 بيت. وهذا يعني أننا لسنا مهتمين بحل الدولتين وإنما الحل، بمفهوم نتنياهو، هو وجود دولة قوية وإلى جانبها دولة بالإمكان أن نعمل فيها كل ما يحلو لنا، أن نبني فيها وأن نقطع أوصالها".

(*) "المشهد الإسرائيلي": نتنياهو، وعمليا المؤسسة الإسرائيلية كلها لا ترى في نهب الأراضي الفلسطينية جرما. بل على العكس، نتنياهو ادعى في أعقاب إسقاط "قانون التسوية" في الكنيست، الأسبوع الماضي، "أننا لسنا غرباء في بيت إيل وفي يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) وهذه أرض أجدادنا". بماذا يختلف نتنياهو عن رموز اليمين المتطرف والاستيطاني موشيه فايغلين وعضو الكنيست الفاشي ميخائيل بن آري؟

مندل: "أعتقد أن نتنياهو يختلف عن أشخاص كثيرين في حزب الليكود بأنه قد يتحدث بصورة دبلوماسية ويذكر دائما خطاب بار إيلان والدولتين، لكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن حكومته أكثر حكومة ملتزمة بالبناء في الضفة الغربية. وهذا يقول كل شيء. فقد كانت هناك حكومات يمين كثيرة في إسرائيل، ونتنياهو يتحدث عن نفسه بأنه أكثر من رئيسي الحكومة الأسبقين مناحيم بيغن وإسحاق شامير، ملتزم بالبناء في الأراضي المحتلة، فهذا يعني أنه يعترف بأنه أكثر رئيس حكومة يميني في إسرائيل. وأنا فعلا لا أرى أنه يوجد فرق كبير بينه وبين فايغلين. وفي نهاية المطاف فإن الالتزام الوحيد لهذه الحكومة تجاه الدولة الفلسطينية هو أنها لم تبن حتى الآن مستوطنات في قلب جنين وطولكرم. لكن أود أن أقول شيئا آخر هنا، وهو الحديث عن أن دولة إسرائيل وبنيامين نتنياهو ملتزمان بحل الدولتين. أنا أصدق نتنياهو عندما يقول إنه ملتزم بحل الدولتين، لكن الدولتين اللتين يتحدث عنهما ليستا الدولتين اللتين يتحدث عنهما الجانب الفلسطيني والمجتمع الدولي. فعندما يتحدث الفلسطينيون أو المصريون أو الأميركيون أو الأوروبيون عن حل الدولتين فإنهم يقصدون إقامة دولة إلى جانب دولة. لكن عندما يتحدث نتنياهو عن الدولتين فإنه يقصد دولة إسرائيل قوية وكبيرة وإلى جانبها دولة فلسطينية ليس لديها جيش ولا حدود، بل وأن تسيطر إسرائيل على حدودها. وهذه الدولة في تصور نتنياهو يجب أن تكون من دون مطار حر ومن دون ميناء بحري. وعمليا، فإن الدولتين اللتين يتحدث عنهما نتنياهو هما في الواقع حل الدولة ونصف الدولة. ويجب القول سلفا إننا نعارض حل الدولة ونصف الدولة الذي يطرحه نتنياهو ونتبنى حل الدولتين، وذلك على فرض أننا نسير في اتجاه حل الدولتين. ورغم أنني أؤمن بحل الدولتين لكن الواقع اليوم، وبعد إقرار بناء 851 وحدة سكنية في المستوطنات، يوحي أن هذا الحل يبتعد كثيرًا عن إمكانية تطبيقه".

(*) انضمام حزب كاديما إلى التحالف لم يغير شيئا في سياسة نتنياهو تجاه المستوطنين وتجاه الفلسطينيين، وفي الواقع هو عمّق الجمود الحاصل في عملية السلام. ما رأيك؟

مندل: "أعتقد أنه يتعين علينا الانتظار أكثر من شهر لنلمس تأثير انضمام حزب كاديما إلى الحكومة، هذا إذا ما سيكون لهذا الحزب تأثير أصلا على سياسة حكومة نتنياهو. لكن وجود تحالف كبير كهذا لا يبشر بالخير، بل يجعل الحكومة متطرفة أكثر. ومن الجهة الثانية، ومصدر معلوماتي هو وسائل الإعلام، هناك حديث عن أن نتنياهو يوشك على المبادرة إلى خطوة سياسية ما. لا أعرف إذا كان هذا بتأثير من كاديما، لكن كما قلت فإن البداية لهذا التحالف لا تبشر بالخير. بل أعتقد أن كاديما، الذي أسسه أريئيل شارون بعد انشقاقه عن الليكود، يعود الآن إلى الليكود. ولا أعتقد أنه ينبغي أن تكون هناك توقعات من انضمام كاديما إلى الحكومة، لأن هذا الأخير لا يختلف عن الليكود من حيث الجوهر".

(*) كل ما تقوله يندرج في إطار سياسة الحكومة الحالية التي تسميها أنت "تغييب الفلسطينيين"؟

مندل: "هذا التعبير كان عنوان مقال نشرته مؤخرا في صحيفة ’هآرتس’. وأنا لا أعتقد أنه توجد هنا محاولة لتغييب الفلسطينيين وإنما يوجد هنا خطاب صهيوني لا يرى الفلسطينيين حتى. وهذا الخطاب الصهيوني لا يرى الفلسطينيين كجهة سياسية وأخلاقية وهامة ينبغي التعامل معها. وقد بدأت مقالي بالحديث عن مقال كتبه المربي الصهيوني يتسحاق إبشتاين في العام 1907. ويتحدث هذا المقال عما يتعين أن نفعله في البلاد وأي نوع من المصانع يجب أن نقيم ونوع المؤسسة السياسية التي يجب أن تسود في البلاد. لكنه يقول إنه لا يجري الحديث عن موضوع هام وهو أنه يسكن في هذه البلاد شعب، وهو الشعب العربي الفلسطيني، وأن هذا الشعب لا ينوي ترك البلاد وهو يرى هذه البلاد أنها له تماما مثلما نرى نحن أن هذه البلاد لنا. ويجب علينا في جميع مداولاتنا وأبحاثنا أن نتحدث عن هذا الشعب الفلسطيني. وإبشتاين تحدث عن أهمية الأرض بالنسبة للفلسطينيين لأنهم يقبّلون هذه الأرض ويروونها بعرقهم. وهو يحذر من أنه إذا استمر السلوك غير الأخلاقي للحركة الصهيونية، أي لا ترى الشعب الفلسطيني ولا تحسب له حسابا، فإنه سيتم إيقاظ العرب من نومهم. وهو عمليا يقول للحركة الصهيونية إنه إذا استمرت بالمس بالفلسطينيين والحصول على أراضيه فإن الفلسطينيين سينتفضون. ومن الناحية التاريخية كان إبشتاين على حق. فالحركة الوطنية الفلسطينية في العام 1907 لم تكن مثلما كانت في 1936- 1937. واليوم، في العام 2012، يوجد نقاش حول ’غفعات هأولبانا’. وهذا مجرد مثال لأنه يوجد نقاش دائم هنا حول البناء الاستيطاني. ويشارك في هذا النقاش جانبان، هما الحكومة اليهودية الإسرائيلية والمستوطنون اليهود الإسرائيليون. وهذا نقاش كارثي. والمستوطنون يفاوضون الحكومة على حجم التعويض الذي سيحصلون عليه مقابل سلب أراض فلسطينية. ولا يوجد ذكر للفلسطيني في هذا النقاش. وما أقوله هو أن هذا النقاش الإسرائيلي الداخلي لا يهدف إلى تغييب الفلسطينيين وإنما لا يرى الإسرائيليون، في هذا النقاش، الفلسطينيين كشعب وكجهة يجب التعامل معها وحتى كجهة إنسانية. وهذا يدل على الوجه الحقيقي للمجتمع الإسرائيلي. إنه لا يرى الآخر. فإسرائيل انسحبت من قطاع غزة من دون أن تتحدث مع أحد في غزة. وانسحبت من جنوب لبنان من دون أن تتحدث مع أحد في لبنان. وحاولت اغتيال خالد مشعل في الأردن من دون التفكير بالحكم في الأردن".

(*) حذرت مجموعة من المستشرقين الإسرائيليين نتنياهو مؤخرا من احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة إذا ما استمرت اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وخصوصا على مقدساتهم وإذا ما استمر توسيع المستوطنات. ما رأيك في ذلك؟

مندل: "أولا، من الجائز أن هذا مرتبط بما تحدثنا عنه أعلاه فيما يتعلق بانضمام حزب كاديما للحكومة. وربما نتنياهو يحاول إعطاء شرعية لخطوة سياسية ما. فهو لا يستطيع أن يفاجئ وزراءه اليمينيين بخطوة سياسية تجاه الفلسطينيين من دون التمهيد لها. وبالنسبة للمستشرقين والخبراء الذين حذروا نتنياهو فإنه كان بينهم مستشرقون تقليديون، لكن كان بينهم أيضا خبراء نقديون. وهذا يعني أن نتنياهو لم يأخذ أكاديميين من اليمين فقط وإنما أخذ أكاديميين يمثلون عدة آراء داخل إسرائيل. لكني لا أحب التقييمات بأنه يجب فعل شيء ما لأن هناك تهديدا باندلاع انتفاضة، فهذا نقاش يؤكد أنه لا ينظر باتجاه الفلسطينيين وإنما هو ينظر إلى المجتمع الإسرائيلي. ويبدو أن الخبراء أوضحوا لنتنياهو أنه توجد حدود للقوة، وأنه لا يمكن استخدام القوة وسلب الأرض وتوسيع الاستيطان من دون أن يكون لذلك ثمن".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات