المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مقابلة خاصة مع الخبير في الجغرافية والتنمية

ومدير مكتب "عدالة" في النقب

*لا نبالغ حين نقول إن "خطة برافر" ستتسبب بنكبة صغيرة أخرى نظرًا إلى أنها تتضمن ترحيل 45 ألفًا على الأقل من العرب البدو من القرى غير المعترف بها*

كتب بلال ضـاهـر:

صادقت حكومة إسرائيل، في نهاية العام الماضي- 2011، على ما يعرف بـ "خطة برافر" لترحيل المواطنين العرب البدو من قرى غير معترف بها في النقب وتجميعهم في البلدات البدوية التي أقامتها السلطات الإسرائيلية في سنوات السبعين.

وتلقى هذه الخطة معارضة مطلقة من جانب عرب النقب والأحزاب والهيئات التي تمثل الأقلية العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر.

وحول هذه الخطة تحدث الخبير في الجغرافية والتنمية ومدير مكتب النقب لمركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، الدكتور ثابت أبو راس، إلى "المشهد الإسرائيلي" في هذه المقابلة المطولة، قائلا إن "خطة برافر هي خطة حكومية، تم إعدادها في أعقاب توصيات [قاضي المحكمة العليا ومراقب الدولة السابق] إليعازر غولدبرغ، بشأن إسكان البدو وحل قضية القرى غير المعترف بها وأراضي عرب النقب. وجاءت توصيات غولدبرغ بعيدة عن توقعاتنا في كل ما يتعلق بالأرض وملكيتها، ولكنها أوصت بالاعتراف بأكبر عدد ممكن من القرى غير المعترف بها، ودعت إلى ’تبييض’ الغالبية الساحقة من البيوت العربية في النقب المهددة بالهدم. وهذا يعني أن هناك جوانب إيجابية في توصيات غولدبرغ المتعلقة بالقضايا التخطيطية، لكنها أخفقت في القضايا الأساسية وبوضع حل يرضي عرب النقب. وقضت إحدى التوصيات بتشكيل لجنة لتطبيق توصيات تقرير غولدبرغ، وهذه اللجنة هي لجنة برافر. وعملت هذه للجنة الأخيرة على مدار سنتين ونصف السنة، ووضعت خطة بعيدة كل البعد عن توصيات غولدبرغ وعن قضايا عرب النقب ورغبتهم في حل قضاياهم. ولهذا السبب هم يعارضونها. فقد جاءت بشيء جديد مختلف عن توصيات غولدبرغ. وبرافر نفسه هو اليوم رئيس قسم السياسات في ديوان رئيس الحكومة. وكان في عضوية لجنته سبعة أعضاء غيره، ولم يكن بينهم أي مواطن عربي من النقب، أي أنه لم يتم إشراك عرب النقب في تقرير مصيرهم، فضلاً عن أن خطة برافر غير قابلة للتطبيق".

(*) "المشهد الإسرائيلي": ولماذا هي غير قابلة للتطبيق؟

أبو راس: "أولا لأن خطة برافر تتحدث عن تعويض عرب النقب بنسبة 50% من الأرض. لكن حساباتنا أظهرت أن نسبة التعويض بعيدة جدا حتى عن الخمسين بالمئة. وتبين لنا أن نسبة التعويض ستصل إلى 16% أو 17% من ادعاءات الملكية التي يطالب بها عرب النقب. وهناك قضايا كثيرة لم تأخذها الدولة بالحسبان من خلال تقرير برافر. وحتى لو أعطوا عرب النقب خمسين بالمئة من قيمة الأرض فإنهم يعارضون هذا الاقتراح. إذ كيف يمكن أن يحدث أن تتم مطالبتي بإثبات ملكيتي للأرض وبالمقابل تريد الحكومة إعطائي خمسين بالمئة من قيمة الأرض. فإذا أثبتّ أن الأرض بملكيتي فلماذا يجب تعويضي بنصف قيمتها. الأمر الثاني هو أننا نعارض خطة برافر لأنها أغلقت بعض المناطق أمام عرب النقب، سواء كان ذلك من حيث تعويض في الأراضي أو السكن في مناطق معينة. والحديث يدور على غربي شارع رقم 40 المؤدي إلى مدينة بئر السبع. أي أن كل منطقة ادعاء الملكية البدوية بين بئر السبع وقطاع غزة هي منطقة ممنوعة عن العرب. عدا عن ذلك، نعارض الخطة لأنها غامضة جدا. فلا يوجد فيها اسم قرية واحدة، وليست واضحة ولا يمكن حتى فهمها. ويستشف من قراءة ما بين السطور أن الخطة تقضي بترحيل 30 ألف عربي في النقب عن قراهم وهدم أكثر من 25 ألف بيت، علما أن حساباتنا تبين أن الترحيل سيشمل أكثر من 45 ألف بدوي، بينما تحدثت ملفات ويكيليكس عن ترحيل 65 ألف بدوي، يعني كل سكان القرى غير المعترف بها تقريبا. وثمة سبب آخر يجعلنا نقف ضد خطة برافر هو أنها تميز بين عرب وعرب، أي بين الساكنين في أرضهم الذين تم ترحيلهم عن أراضيهم في سنوات الخمسين الأولى بعد النكبة وكانوا يسكنون غربي الشارع رقم 40، والآن الدولة مستعدة لأن تعطيهم تعويضا ماديا فقط، وبين الساكنين في أرضهم ولم يتم ترحيلهم وهؤلاء الدولة مستعدة لتعويضهم بقسم من الأراضي وببعض المال، أي بنسبة 16 – 17% بينما الدولة تدعي أنها ستعوض بنسبة 50%. ونحن نرى في تعويض السكان الذين كانوا يقطنون غربي الشارع رقم 40 بالمال سابقة خطيرة، وستكون عمليا قانونا يفتح الباب على قضية مهجري الداخل من خلال تعويضهم ماديا فقط".

(*) حكومة إسرائيل أكدت أنها تعتزم تحويل خطة برافر إلى قانون وسنه في الكنيست.

أبو راس: "الحكومة صادقت على خطة برافر في 11.9.2011، والآن يتم إعدادها كقانون لسنه في الكنيست، على ما يبدو في بداية الشهر المقبل. ونحن ضد خطة برافر لأنها تميز أيضا بين اليهود والعرب. فعرب النقب موجودون قبل قيام إسرائيل. ولا يمكن القبول بأن عرب النقب يجب أن يسكنوا في مدن، في الوقت الذي يستطيع فيه المواطن اليهودي السكن في مدينة أو كيبوتس أو موشاف أو مزارع فردية. وفي المقابل على عرب النقب أن يتجمعوا. وهكذا، سكان البلاد الأصليون يتم تجميعهم في أصغر رقعة من الأرض. لا يمكن القبول بخطة برافر لأنها تطرح حلولا وتنقلا مرحليا. ففي سنوات الخمسين تم ترحيل قسم من عرب النقب وأبلغتهم السلطات الإسرائيلية بأن الترحيل مؤقت، مثلما حدث مع قريتي إقرث وكفر برعم. لكن الحلول المرحلية والتنقل المرحلي سيكون حلا دائما حسب رأينا. وتضع خطة برافر شروطا تعجيزية، مثل موافقة جميع الورثة على الحل المطروح. القضية تكمن في أن ادعاءات ملكية تم تقديمها للدولة في سنوات السبعين، وبلغ عدد الإثباتات على الملكية 3200 طلب، وفي هذه الأثناء توفي هؤلاء، وأصبح عدد أبنائهم، أي الورثة، 24 ألف نسمة. وتضع الدولة الآن شرطا تعجيزيا يقضي بأن يوافق جميع الورثة على الحل المطروح. ويكفي أن يكون في بيت واحد أخت متزوجة في عشيرة أخرى وتقول لا، كي لا يتم تطبيق الحل. ولنفرض أن عرب النقب يريدون أن يكونوا ’مواطنين صالحين’ مثلما تريد دولة إسرائيل ويوافقون على الحل الذي تطرحه الحكومة، أي خطة برافر. فإذا وافق المواطنون العرب على الانتقال من القرى غير المعترف بها إلى البلدات البدوية، فإن بإمكان كل مواطن أن يحصل على سبع قسائم أرض فقط. ولكننا نعرف أن العائلات البدوية كثيرة الأولاد. فماذا سيفعل أب لديه عشرة أو 12 ولدا؟ وهناك أمر آخر هو أن سياسة الدولة ضد عرب النقب لم تتغير منذ العام 1948. وتركزت هذه السياسة في ثلاثة أبعاد: أولاً، تركيز عرب النقب في منطقة السياج، التي تم فيها تركيز البدو الذين بقوا في النقب بعد النكبة، 11 ألفا من أصل 90 ألفا. وهذه منطقة قاحلة تقع جنوب شرقي بئر السبع؛ البعد الثاني هو تمدين عرب النقب. ولم تأخذ الدولة في الحسبان الأمور التي تهم البدو مثل طبيعة حياتهم وحيز الأرض التي يحتاجون إليه، ويجري هذا تحت شعار عصرنة البدو؛ والبعد الثالث هو إنهاء ادعاءات الملكية من خلال الاستيلاء على أراضي عرب النقب. وتمرير هذه السياسة نجح إلى حد كبير للأسف. وقد نجحت السلطات في حصار وتطويق عرب النقب منذ الانتفاضة الثانية. فقد تم إغلاق قطاع غزة أمامهم وكذلك تم إغلاق جنوب الضفة من خلال بناء الجدار الفاصل في جبال الخليل. وهذه الممارسات الإسرائيلية حاصرت عرب النقب وقطعت شريانا اقتصاديا هاما جدا بالنسبة لهم. فالأسواق التقليدية لعرب النقب، لبيع المواشي والحليب كانت في الخليل. وفي الوقت نفسه فإن الغالبية العظمى من الوظائف الجديدة في النقب اليوم هي في فروع الهاي- تك والحواسيب، وعرب النقب ليس لديهم الكهرباء ولذلك لا تتوقع أن يكونوا رجال هاي- تك".

خطة طرد لا خطة توطين

(*) هل بإمكان عرب النقب مواجهة المخططات الإسرائيلية؟

أبو راس: "السياسة الإسرائيلية تم تمريرها من خلال استغلال الشرذمة الاجتماعية. واليوم نواجه مشكلة كبيرة في توحيد عرب النقب. ومن هنا أدعو لجنة المتابعة العليا لشؤون العرب في إسرائيل إلى فتح مكتب لها ليكون مظلة لكل النشاطات والنضال ضد خطة برافر وغيرها، لأن عرب النقب لوحدهم، حسب رأيي، لن يتمكنوا من الوقوف أمام مد وأبعاد سياسات حكومات إسرائيل. وخطة برافر هي خطة طرد وترحيل وليست خطة توطين. هذه الخطة خالية من أي برنامج لتوطين عرب النقب. وعندما يتحدثون في الخطة عن توطين عرب النقب، فإنه لا يوجد في هذه الخطة إقامة بلدات جديدة أو أماكن يتم نقل عرب النقب إليها، وإنما يتحدثون عن الأرض. بمعنى أن على عرب النقب أن يسلموا أراضيهم ويخرجوا منها. وهذه السياسة لم تتغير منذ العام 1948، وهي عبارة عن عملية ترحيل وليس أكثر من ذلك. ومن الصعب على عرب النقب مواجهة كل هذا لأن المؤسسة الحاكمة تعمل من خلال أربع أذرع: الذراع الأولى هي الذراع الحكومية، أي السلطة التنفيذية وأدواتها المختلفة في النقب، التي عملت طوال الوقت على عدم حل هذه القضية وعلى التخطيط لسياسات تمييز ضد عرب النقب في كل ما يتعلق بأراضيهم وحقوقهم. والنظر إلى عرب النقب على أنهم خطر ديمغرافي وأمني هما مركبان مهمان لتسويق خطة برافر وتركيزهم في بلدات من أجل مراقبتهم. الذراع الثانية هي السلطة القضائية التي لا تجد فيها قاضيا يعترف بحقوق الأقلية الأصلانية، التي تعيش هنا قبل دولة إسرائيل. ومعروف أن الدولة لا تعترف بعرب النقب كأقلية أصلانية لها حقوقها، والمؤسسة القضائية هي جزء من الهيمنة الصهيونية. والذراع الثالثة هي الإعلام الإسرائيلي المجند، وهو إعلام قوي جدا ويحرض ضد عرب النقب ويصفهم بالغزاة وما أشبه. والذراع الرابعة هي الأكاديميا الإسرائيلية، فهناك عدد كبير جدا ممن يسمونهم خبراء شؤون البدو الذين يشرعنون علميا كل ما يحدث مع عرب النقب. ويتم تكريس البعدين الديمغرافي والأمني من خلال الإعلام".

(*) ربما تشير هوية الأشخاص الذين وضعوا خطة برافر إلى طبيعة الخطة وطبيعة السياسة التي تنتهجها السلطات ضد عرب النقب.

أبو راس: "بالتأكيد. فبرافر نفسه كان حتى قبل خمس سنوات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي. والشخص الذي أشرف على تنقيح الخطة وزادها حدة وجعلها تميز أكثر ضد عرب النقب هو اللواء في الاحتياط يعقوب عميدرور، رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، والمعروف كشخص يميني استيطاني. وأجرى عميدرور هذا التنقيح بعد انتقادات وجهها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، وأحزاب اليمين إلى خطة برافر الأصلية. والمسؤول حتى الآن عن المفاوضات مع البدو هو ضابط الشرطة السابق يهودا باخر. وهو يتولى منصب رئيس سلطة توطين البدو في النقب. وقبل شهرين تم تعيين اللواء في الاحتياط دورون ألموغ، القائد السابق للجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، لتنفيذ الخطة على أرض الواقع. وينبغي الإشارة إلى أن هيئات دولية تتهم ألموغ بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وهؤلاء الأشخاص هم الذين يعملون مع عرب النقب، وكأن قضيتهم ذات بعد أمني وعسكري، وليس قضية ذات بعد مدني وتتعلق بمواطنين".

(*) كيف يواجه عرب النقب هذه الخطة؟

أبو راس: "الوضع الحالي هو أننا نناضل على جميع الأصعدة. وبطبيعة الحال الصعيد الأول هو القضائي. وهناك نشاط على الصعيد الجماهيري، وفي إطاره تم إقامة النشاط المركزي في يوم الأرض الأخير في قرية وادي النعم غير المعترف بها. وصعيد آخر هو الإعلامي ومحاولة إقناع الجمهور اليهودي بأن خطة برافر سيئة بالنسبة للعرب واليهود أيضا، وأن ما هو سيء للعرب سيكون سيئا لليهود أيضا. وأنه لا يمكن أن تبقى قرى لا يعترف بها أن تستمر في العيش بدون ماء للشرب، بينما أولاد اليهود يلعبون في برك السباحة. كذلك نقول لهم إنه لا يمكن القبول بأن يكون لدى أولادهم ألعاب الحاسوب بينما لا يوجد كهرباء في القرى غير المعترف بها. ونحن نقوم في هذه الاثناء بحملة واسعة بين اليهود في النقب من أجل إقناعهم بذلك. والأمر الأهم في هذا السياق هو المرافعة الدولية. وكان لي الشرف أن أستضيف هنا عشرات السفراء وبعثات دولية، أهمها زيارتان لمبعوث خاص من الأمم المتحدة. وعلى أثر ذلك أصدرت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العرقي تقريرا حول خطة برافر، أكدت فيه أنها خطة عنصرية ويجب وقفها. وعدت الأسبوع الماضي من زيارة لمقر الاتحاد الأوروبي وسعينا خلالها إلى حث الاتحاد الأوروبي على إصدار قرار مشابه لتقرير لجنة الأمم المتحدة، وتعمل دول أوروبية وخصوصا الدول الاسكندينافية في هذا الاتجاه حاليا. وقبل ذلك زرنا، كوفد مؤلف من ممثلي جمعيات ومؤسسات في النقب، الولايات المتحدة وكنا في الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض. ورغم أنه لا توجد نتائج من جانب الولايات المتحدة حتى الآن، لكننا نرى في قضية المرافعة الدولية والبعد الدولي قضية مهمة جدا. وتبقى القضية الأساس هي صمود عرب النقب في أرضهم، وهناك حاجة لدعم عرب النقب، وخصوصا من جانب عرب 48، لكي يتمكنوا من الصمود في أرضهم".

إقامة بلدات يهودية على أنقاض

القرى غير المعترف بها

(*) في مقابل إقرار خطة برافر أقرت حكومة إسرائيل مخططا آخر يتعلق بإقامة عشر بلدات يهودية في المنطقة التي سيتم ترحيل عرب النقب منها.

أبو راس: "من أجل تبرير سياستها ادعت الدولة أنها بحاجة إلى أراض في النقب من أجل إقامة بلدات فيها. وعرب النقب لا يعارضون تطوير النقب، بل يريدون أن يكونوا جزءا من تطويره. لكن السؤال ماذا يعني تطوير النقب؟ هل يعني مصادرة أراضي عرب النقب من أجل إقامة مستوطنات يهودية؟ إذا كان الأمر كذلك فنحن ضد تطوير النقب وسنكافح ضد ذلك. في الوقت نفسه نؤكد أن هناك مكانا لكافة الأنشطة التي تريد حكومة إسرائيل القيام بها. ويبقى السؤال لماذا تطوير النقب يجب أن يكون على حساب عرب النقب؟ ونحن نؤكد أن عدد عرب النقب يبلغ 200 ألف نسمة ويشكلون 32% من سكان النقب وادعاءات ملكيتهم للأراضي لا تتعدى 5% من مساحة النقب. وهذا يعني أن 95% من مساحة النقب بإمكانها أن تحتمل كافة مشاريع حكومة إسرائيل. وتطوير النقب لن يكون من خلال إقامة مستوطنات يهودية على أنقاض القرى العربية غير المعترف بها، وإنما هو مخطط لإقامة ما يسمى بـ "مستوطنات إقليم عراد". وهذا المخطط يقضي بإقامة عشر مستوطنات يهودية على أراضي القرى غير المعترف بها، مثل قرى تل عراد وعتير وأم الحيران. وهناك مثال جيد على هذه السياسة، وهو أن الدولة تخطط لهدم قرية أم الحيران من أجل إقامة مستوطنة يهودية مكانها باسم ’حيران’ وسيسكن فيها ضباط الجيش بعد تنفيذ مشروع نقل قواعد عسكرية من وسط البلاد إلى النقب. والقضية الثانية التي تركز عليها الحكومة هي تحريج أرض النقب بحيث أنه يجري اليوم تحريج أراض زراعية عربية يمكن أن يستفيد منها المزارعون بين عرب النقب، مثلما حدث في قرية العراقيب. والدولة لا تعترف بملكية عرب النقب لهذه الأراضي، بل إنها تعتبر العرب غزاة فيها. وهناك إمكانية لتحريج هضاب بأكملها في النقب، لكن لا يتم تنفيذ مشاريع التحريج إلا في الأراضي التي يملكها العرب. السياسة الإسرائيلية تعمدت دائما تحريج مناطق القرى العربية المهجرة في الجليل والنقب".

(*) ما هو استنتاجك وردك على هذه الأسئلة التي تطرحها؟

أبو راس: "أعتقد أنها تأتي في إطار ثقافة الخوف والتخويف. الجمهور اليهودي في إسرائيل بعد 64 عاما من قيام الدولة لا يشعر بالأمان أبدا، رغم كل انتصاراته العسكرية. لذلك هو يسعى إلى بناء الجدران، ليس فقط الجدار في الضفة الغربية والجدار عند الحدود مع مصر، وإنما هناك جدران يتم بناؤها داخل المدن والأحياء بين العرب واليهود. كذلك فإن الدولة تحاول السيطرة بشكل أكبر على عرب النقب من خلال قوانين عديدة، وبينها قانون المواطنة الذي يمنع لم شمل زوجين أحدهما مواطن في إسرائيل والآخر فلسطيني من سكان الضفة والقطاع، ومن أجل تحديد الحيز الديمغرافي للعرب في هذه البلاد، وتحديد الحيز المعيشي للعرب في النقب. وذلك إضافة إلى بعد إستراتيجي أراه ماثلا أمامي وهو تقليص الحيز الجغرافي، فحكومة إسرائيل لا تريد أن ترى تواصلا جغرافيا وديمغرافيا بين شطري الدولة الفلسطينية المستقبلية، أي بين الضفة والقطاع. ولذلك تخطط لإقامة مستوطنات جديدة في النقب".

عرب 48 أمام اختبار صعب!

(*) كتبت في أحد مقالاتك أنه في حال تنفيذ خطة برافر فإن ذلك يتضمن رسالة توجهها حكومة إسرائيل إلى الاقلية العربية في إسرائيل. ما هي هذه الرسالة؟

أبو راس: "واضح جدا أن الرسالة الموجهة إلى عرب الداخل تعكس جوهر سياسة الدولة وهي في الواقع سياسة تهجير. وأعتقد أن حكومة إسرائيل تفحص مدى استعدادنا للرد على مخططات معينة. وعلينا التذكير أن يوم الأرض في العام 1976 جاء بعد أن قامت حكومة إسرائيل بمصادرة 20 ألف دونم في قرى سخنين وعرابة ودير حنا في الجليل. والآن يدور الحديث على نصف مليون دونم في النقب. فأين القيادة العربية؟ الوضع عشية يوم الأرض في العام 1976 هو الوضع نفسه الموجود اليوم في النقب. قبل العام 1976 تم إصدار مذكرة أو مخطط يسرائيل كينغ، حاكم لواء الشمال، واليوم هناك خطة برافر، في حينه تحدثوا عن تطوير الجليل من أجل إقامة المناطر المشرفة على القرى العربية واليوم يتحدثون عن تطوير النقب. في حينه تم التحريض على قيادة الجماهير العربية ورؤساء المجالس المحلية، واليوم يطالبون رؤساء المجالس بالتعاون مع المخططات الحكومية. أين نحن من كل هذا؟ إن ترحيل 65 ألفا، أو حتى أقل من هذا العدد، ترحيل 45 ألف نسمة رغما عنهم هو نكبة صغيرة جديدة. وإسرائيل تستغل اليوم هدوء الحدود وانشغال العالم العربي بقضاياه، بربيعه أو خريفه، والعالم الإسلامي بقضاياه الاجتماعية والفقر وما شابه، والشرذمة الحاصلة بين القيادات والأحزاب العربية في الداخل، وتستغل انشغال العالم، أوروبا وأميركا، بمشاكلهم الاقتصادية، وتفعل حكومتها ما تريد. والمطلوب من الجماهير العربية في الداخل هو دعم صمود أشقائنا في النقب. وقضية قرية العراقيب هو مثل يحتذى به. فقد هدمتها السلطات الإسرائيلية 36 مرة وتم بناؤها 36 مرة أيضا".

(*) حكومة إسرائيل تتحدث عن ترحيل 30 ألف عربي من قراهم في النقب. ماذا عن باقي القرى غير المعترف بها؟

أبو راس: "الحكومة تتحدث عن ترحيل 30 ألفا. وعدد سكان القرى غير المعترف بها يقارب السبعين ألفا. لكن الحكومة لا تقول ما هي القرى التي تريد ترحيلها. وفي شهر تشرين الثاني الماضي تم توزيع إخطارات بهدم بيوت قرية وادي النعم، وهي أكبر قرية غير معترف بها في النقب وعدد سكانها ستة آلاف نسمة. وطلبت هذه الإخطارات من السكان مغادرة بيوتهم ومنحتهم مهلة 48 ساعة. لكن السلطات لم تقل للسكان إلى أين يذهبون. لذا هذه خطة ترحيل وليس خطة توطين".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات