المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تأثر وضع الفلسطينيين في إسرائيل وظروفهم بشكل عميق بالنزاع الإسرائيلي العربي، ولاسيما النزاع مع الشعب الفلسطيني. وقد طور الفلسطينيون في إسرائيل عبر الزمن، ورغم الصعاب الجمة والتناقضات، هوية مركّب’...

منذ تشرين الأول 2000 والعلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية في أزمة حادة. قد تؤدي هذه الأزمة إلى تدهور كامل في المنطقة بأسرها، و قد تكون، وهنا المفارقة، عاملا مساعدا للوصول إلى السلام. وكما تظهر حالات أخرى من النزاع المرير في العالم فإن "خيار الوضع القائم" ليس ناجحا.

ثمة مؤشرات كثيرة إلى أننا نسير في طريق نوع من الحل للنزاع قد يكون مؤقتا (مرة أخرى ترتيبات مرحلية تسبق الانفجار المقبل)، وقد يكون حلا أشمل يحظى بدعم الدول العربية والمجتمع الدولي. في أي حال فإن هناك حاجة ماسة للتطرق إلى ديناميكيات العلاقات بين النزاع الخارجي والنزاعات الداخلية داخل كل من المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. وفيما يلي سنتناول بإيجاز آثار تسوية محتملة للنزاع الإسرائيلي – العربي – الفلسطيني على العلاقات اليهودية – العربية في إسرائيل، وسنتحدث عن الإجراءات التي يجب أن تؤخذ لخلق جو ملائم قد يعمل كحافز للسعي نحو السلام.

لقد تأثر وضع الفلسطينيين في إسرائيل وظروفهم بشكل عميق بالنزاع الإسرائيلي العربي، ولاسيما النزاع مع الشعب الفلسطيني. وقد طور الفلسطينيون في إسرائيل عبر الزمن، ورغم الصعاب الجمة والتناقضات، هوية مكونة من عنصرين: القومية (المركب الفلسطيني العربي)، والمواطنة (الإسرائيلية). هذه الهوية المركبة المتفردة هي نتيجة تجاور مجموعتين مرجعيتين: الأغلبية اليهودية في إسرائيل على مستوى المواطنة، والشعب الفلسطيني والعالم العربي على المستوى القومي. نتيجة لذلك فإن وضعهم غدا هامشيا بشكل مكرر، فهم على هامش المجتمع الإسرائيلي، وعلى هامش الحركة الوطنية الفلسطينية.

ولن يحدث تغيير مؤثر في السياسة الرسمية تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل ما لم يحل هذا التناقض الخارجي. وتبعا لذلك فالمتوقع أن تحسن عملية السلام بشكل كبير من وضع الفلسطينيين في إسرائيل.

خلافا للفهم الخطأ الشائع، نقول إن أي تسوية سلمية للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي لا تأخذ بعين الاعتبار القضايا الاجتماعية الداخلية، بما في ذلك توسيع نطاق الشرعية الاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي (إلى ما وراء الطبيعة الإثنية – القومية الحالية لإسرائيل) سيكون من شأنها فقط تعميق وضع الفلسطينيين في إسرائيل كهامش مكرر، وبالتالي خلق فرصة كبيرة لانفجار قد يعرض للخطر العملية برمتها.

وإذا حكمنا على الأمور انطلاقا من معاهدات أوسلو، فإن الدافع الرئيسي للسعي نحو السلام بالنسبة للجانب الإسرائيلي كان الحاجة إلى الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الحفاظ على الشخصية اليهودية – الصهيونية للدولة، ولمنع تحولها إلى دولة مزدوجة القومية. وقد أعرب عن هذا الرأي القادة اليهود من اليمين واليسار الصهيونيين على حد سواء. ولهذا فقد أدى بدء تطبيق اتفاقات أوسلو (وقبول حكومة نتنياهو الليكودية لهذه الاتفاقات لاحقا) إلى تقليص الفوارق بين اليمين واليسار الصهيونيين في إسرائيل.

لقد زادت اتفاقات أوسلو اضطراب وقنوط اليسار الصهيوني لغياب أي أجندة اجتماعية واضحة لديه. ولم تكن القضايا الاجتماعية (المرتبطة بالفوارق الطبقية، والنساء، والمواطنين العرب، .. إلخ) قط من الاهتمامات الأساسية لليسار الإسرائيلي. ولهذا فقد كان تحمس اليسار الإسرائيلي للسلام مفصولا عن أي مضمون اجتماعي – مواطني.

يمكن للمرء أن يعتقد أنه بالرغم من وجود أغلبية ضمن الجمهور اليهودي تؤيد حلا وسطا للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني مستندا إلى الفصل (كما تظهر عدة استطلاعات رأي)، فإن الأغلبية اليهودية تنحو إلى مزيد من الانغلاق على المستوى المدني، وهذا مرتبط بتغير طبيعة الدولة والسياسة المتبعة تجاه الفلسطينيين في إسرائيل. ولذا فإن فكرة الترانسفير تنال مزيدا من الدعم والشرعية بمرور الوقت في أوساط الجمهور اليهودي الإسرائيلي وفي أوساط صانعي القرار كذلك.

وانطلاقا من ذلك فإن الأزمة في العلاقات اليهودية العربية في إسرائيل اليوم ليست نتيجة لأحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000، عندما قتل ثلاثة عشر مواطنا فلسطينيا على يد قوات الأمن الإسرائيلية. عوضا عن ذلك فإن تلك الأحداث كانت مظهرا للأزمة التدريجية التي تسارع نموها منذ بدء "عملية السلام"، تماماً مثلما انفجرت انتفاضة الأقصى على خلفية الإحباط التدريجي والأزمة العميقة في عملية السلام.

ولهذا فإنه إذا قدر لأي تغيير أن ينال حظا من النجاح فلا بد من حدوث تحول جذري في الاستراتيجية الإسرائيلية لحل النزاع. يجب أن تصاحب حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني – العربي الخارجي أجندة اجتماعية تهدف إلى دعم وتنمية مجتمع مدني في إسرائيل (وفي فلسطين أيضا بالطبع). إن الافتراض بأنه في الإمكان السماح للفوارق الاجتماعية بأن تتفاقم إلى أن تتم معالجة النزاع الخارجي قد أثبت زيفه.

وكما أظهرت التجربة في أماكن أخرى فإن حل النزاعات الخارجية يؤدي غالبا إلى تعميق الانقسامات الداخلية لا إلى تقليلها.

ليس سهلا تطوير استراتيجية مركبة كهذه لحل النزاع على المستويين الخارجي والداخلي، ولاسيما ضمن الظروف الحالية. أحد الظروف الأساسية لبدء عملية كهذه يقتضي إقامة ائتلاف واسع للسلام والمساواة عبر استمرار الحوار، والمشروعات على مستوى القاعدة في مجالات المجتمع المدني والتعليم المتعدد الثقافات، وعبر سلسلة من النشاطات التي تهدف إلى توعية صانعي القرار والجمهور بشكل عام بالنتائج المترتبة على السيناريوهات المختلفة.

ماجد الحاج أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز التعدد الثقافي والبحث التربوي بجامعة حيفا. هذا المقال يستند إلى محاضرات ألقاها المؤلف في إطار سلسلة "التعدد الثقافي في إسرائيل، الحلم، والحقيقة، والبحث عن طريق جديد".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات