المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*ما هي السيناريوهات المتداولة في إسرائيل بشأن مستقبل مصر في ظل رئاسة مرسي؟ *تحليلات كثيرة لا تستبعد أن تتحول مصر في القريب العاجل إلى جمهورية إسلامية تقود المنطقة*

أكد حنان غرينبرغ، المحلل العسكري لصحيفة "معاريف"، أنه حتى إذا لم يعترف أحد بذلك علنا، فإن انتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر لم يكن النتيجة التي صلوا من أجلها في إسرائيل.

وجاء تأكيده هذا في مستهل مقابلة مطولة أجراها مع الجنرال (احتياط) عاموس جلعاد، رئيس الطاقم السياسي- الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، بعد أيام قليلة من إعلان نتائج انتخابات الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة المصرية.

وكشف جلعاد في هذه المقابلة أنه على الرغم من الأحداث المثيرة في مصر في الآونة الأخيرة والتوقع المشدود هناك للإعلان عن هوية الرئيس المقبل، فإن المصريين لا يزالون ضالعين في تحقيق الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس بعد جولة إطلاق نار أخرى على مستوطنات الجنوب.

وقال جلعاد "إنهم (أي المصريين) أدوا في الجولة الأخيرة دورا مركزيا ومهما، ودورهم مهيمن، فمنع انتشار العنف في المنطقة يشكل مصلحة من الدرجة الأولى، لذلك تصرفوا بالشكل الذي تصرفوا به. إنهم دولة تعتبر زعيمة في العالم العربي، وهذا ينطوي على مسؤولية يجسدونها".

وعندما سئل كيف شعر في اللحظة التي أعلنت فيها هوية الرئيس المصري الجديد؟، رد بدبلوماسية: "لقد شعرت بتعاطف مع القول الإسرائيلي بأننا ننتظر منهم أن يحترموا الاتفاقيات، فهذه مصلحة للجميع. ولا يفرق أيضا ما استخلصوا أو لم يستخلصوا من الأقوال التي صدرت هناك، لأن الواقع هو الاختبار الحقيقي. ومصر هي زعيمة العالم العربي، وهي الدولة الأهم مع تأثير في معسكر السلام، وإذا ما تغيرت لا سمح الله، فستكون لذلك عواقب هائلة".

وأضاف جلعاد: "أنا لست معنيا بالغرق في تقديرات قاتمة. لقد رحبت الحكومة بالعملية الديمقراطية التي تمت هناك ودعت إلى احترام الاتفاقيات، وخصوصا في سيناء. وهذه سياسة أعدت للمحافظة على الواقع الإستراتيجي المهم للدولتين، وفي موازاة جهاز الاستخبارات والأجهزة الأخرى الضالعة في الأمر ينبغي أن نكون بالغي الحذر إزاء كل تغيير قد يحدث في المحيط. فليس هناك ربيع عربي، بل هزة، وهناك حاجة إلى قيادة السفينة في مياه عاصفة، بحيث تواصل الإبحار في الاتجاه الصحيح، وهذه التقديرات تتم في الغرف المغلقة".

ويعترف جلعاد بأنه إلى جانب الرغبة في الحفاظ على ما هو قائم، فإن المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل تستعدان أيضا لمواجهة سيناريوهات أخرى، "فنحن نقوم أيضا بتناول تقديرات عميقة جدا في الغرف المغلقة. وهناك دائرتان: الدائرة المباشرة وهي أن نرى كيف نحافظ على الواقع القائم، والدائرة الأبعد وهي فحص التغيرات المحتملة التي قد تطرأ ومعانيها على تغيير سلم الأولويات إذا ما تطلب الأمر، ونشوء سيناريوهات خطرة على الدولة، أو تهديدات على الدولة تستدعي الرد، وكل ذلك يتطلب تقديرات ينبغي أن تبقى سرية".

وأشار غرينبرغ إلى أنه على الرغم من المخاوف الكبيرة، إلا أن جلعاد ليس متشائما تماما بشأن مصر، وإنما يعتقد أن الحكم الجديد هناك لديه في نهاية المطاف مصلحة في القضاء على الإرهاب في سيناء. وهو يقول "أنا أؤمن بقدراتهم، ولا أستطيع القول إننا في خطر الآن، فالمصريون ملزمون بمعالجة شؤونهم الداخلية، الاجتماعية والاقتصادية، وينبغي أن نتذكر أيضا الرسائل الأميركية بأنهم لن يتحملوا الإرهاب. وأعتقد أيضا أنه ينبغي لنا الحفاظ على كل قنوات التحاور معهم وكذلك البقاء مشدودين وتعميق انتباهنا".

ثلاثة سيناريوهـات

وتابع المحلل العسكري نفسه أن المسؤولين في إسرائيل قللوا من الكلام بعد انتخاب مرسي رئيسا لمصر لكنهم يستعدون لمواجهة "عدة سيناريوهات غير بسيطة". وتبدي إسرائيل حذرا من الحديث عن معاني نتائج الانتخابات في مصر، ومع ذلك فإن أجهزة الأمن ترسم عدة سيناريوهات محتملة يمكن أن تحدث على المدى المتوسط والبعيد. وفرضية العمل تكمن في أيديولوجيا حركة "الإخوان المسلمين" وفي مركزها الموقف المعادي لإسرائيل، لدرجة رفض حق إسرائيل في الوجود بل الدعوة لتحدي اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر. وتحاول الحركة أحيانا أن تعرض أمام الخارج خطا معتدلا بغية قبول الرضا من الأسرة الدولية، لكنها فعليا تتمسك بسياسة معادية للسامية بل وتنشر رسائل من هذا النوع. من هنا تشتق السيناريوهات المحتملة التي تقود أيضا إلى سيناريوهات ينبغي لإسرائيل أن تواجهها، وتندرج في ثلاثة سيناريوهات رئيسة هي:


1- السيناريو المتفائل: الحكم الجديد يخضع للمجلس العسكري الأعلى، وينشغل في الغالب بمشاكل مصر الداخلية في مجال الاقتصاد والرفاه، ويخشى من الإقدام على خطوات بعيدة المدى، ويبقى الوضع في سيناء على حاله القائم اليوم، مع انتباه محدود ورسائل مصرية تفيد بأنهم يحاربون الإرهاب خصوصا عناصر القاعدة الذين يعارضونهم. ويواصل المصريون عرض قوتهم كدولة مهمة، ولذلك فإنهم يواصلون كونهم عنصرا يحاول منع انفجار العنف في قطاع غزة.

2- السيناريو المتوسط: ما كان لن يكون، وتتقلص زيارات المسؤولين الإسرائيليين، والأقوال بشأن الحاجة إلى إعادة النظر في اتفاق السلام تتزايد، ورغم أنه في المدى القصير لا تبدو ميدانيا مظاهر توتر مقابل سيناء، إلا أن الجميع يفهم أن الوضع سيتفاقم، وفي الجيش الإسرائيلي يستوعبون الحاجة إلى أن يدخلوا في التدريبات أيضا سيناريوهات تعامل في مواجهة مصر وإعداد خطط طوارئ.

3- السيناريو المتشائم: العلاقات الباردة أصلا مع مصر تزداد برودا جراء أقوال تصدر عن الرئيس المنتخب، الذي لا يخشى كذلك تأييد حركة حماس في "عدوانيتها" في ضوء السياسات الإسرائيلية في القطاع. وتواصل منطقة سيناء كونها غاية تعمل فيها جهات إرهابية ضد إسرائيل، وخلال عام أو عامين تقرر مصر إدخال المزيد من القوات إلى جزيرة سيناء تحت مبررات متلعثمة وانتهاك للملحق العسكري لاتفاق السلام. كما يتم تسخين العلاقات بين إيران ومصر.

لا ينبغي الدخول

في "حالة رعب"!

من ناحيته رأى رئيس "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب الجنرال (احتياط) عاموس يادلين أن "مَن يتأمل في اقتصاد مصر، يدرك حجم الصعوبات التي تواجهها هذه الدولة نتيجة توقف الاستثمارات وتراجع السياحة. فمن المؤكد أن مصر لا ترغب في وقف المساعدات الأميركية لها، والتي تبلغ 3ر1 مليار دولار سنوياً، ناهيك عن أن دخولها في حرب ضد إسرائيل سيزيد من إنفاقها وسيلحق الضرر بمداخيلها من قناة السويس".

وأضاف يادلين، في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية غداة إعلان فوز مرسي، أن "الحرب غير مطروحة. لكن على الرغم من ذلك، وكي لا نتعرض لأي مفاجأة، على الجيش الإسرائيلي أن يعيد بناء قسم من الفرق العسكرية التي قلّصها في إثر توقيع اتفاق كامب ديفيد، وأن يستأنف طلعاته الجوية التي ألغاها"، لافتاً إلى "أن السلام البارد الذي ميز العلاقات بين إسرائيل ومصر سيكون أكثر برودة، وسيصبح سلاماً جامداً، لكنه لن يكون حرباً. فقد نضطر إلى سماع كلام لا نحبه من المصريين، وإلى رؤية أفعال لا نود رؤيتها مثل اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة".

وأعرب يادلين عن عدم مفاجأته من وصول "الإخوان المسلمين" إلى السلطة، "ذلك بأنهم كانوا، بعد سقوط مبارك، الحزب الأكثر تنظيماً والأكثر استعداداً للوصول إلى الحكم"، داعياً إلى عدم الدخول في "حالة رعب"، "إذ لا يوجد بين مصر وإسرائيل تناقض حقيقي في المصالح، أو خلافات على الأرض، أو في مجال الاقتصاد، كما أنه ليس هناك مطالب تاريخية بينهما. فقد جرى نقاش بشأن هذه الموضوعات كافة وتم التوصل إلى حلها ضمن إطار اتفاق كامب ديفيد. لقد ظل السلام بارداً مع مصر نظراً إلى أنها كانت تعتبر نفسها زعيمة العالم العربي، فلم تشأ منح هذا السلام حرارة، وهذا لن يتغير الآن".

أمّا اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، فقال للصحيفة نفسها: "تستطيع إسرائيل أن تخاطر بعدم الشروع في بناء قوة كبيرة في إثر التغييرات في مصر. فلا حاجة في الوقت الراهن إلى شراء سلاح وقطع غيار من أجل إعداد الجيش الإسرائيلي للحرب المقبلة ضد مصر، على غرار ما يجري الإعداد له للحرب ضد سورية وحزب الله أو غزة. ولن تغير تصريحات محمد مرسي شيئاً، مهما يبلغ عددها ومهما زادت حدتها، فالقيود المفروضة عليه ستجبره في نهاية المطاف على مواجهة الفارق الحقيقي بين الكلام وبين الأفعال. إن مصر لا تحصل من الولايات المتحدة على السلاح فقط، بل أيضاً على القمح الذي يُصنع منه الخبز، وهو بالتالي يؤدي إلى زيادة النمو. فإذا لم يتحقق النمو في مصر وتحول الفقر إلى جوع، فإن هذا ما لا يرغب في حدوثه أي رئيس للجمهورية خلال العام الأول أو العامين الأولين من حكمه".

وعلق رئيس "مركز هرتسوغ لأبحاث الشرق الأوسط" التابع لجامعة بن- غوريون البروفسور يورام ميتال على الأحداث في مصر فقال للصحيفة: "إن الأجواء السلبية التي سادت وسائل الإعلام الإسرائيلية تستند بصورة خاصة إلى الافتراض الذي لم تثبت صحته بعد بأن مصر قد تحولت إلى جمهورية دينية متشددة شبيهة بإيران. ويستند هذا الكلام إلى مخاوف ورعب وليس إلى قراءة صحيحة للواقع السياسي الجديد في مصر".

وأضاف أنه "خلال الأعوام الأخيرة تبنى الإخوان المسلمون مواقف أكثر براغماتية، وأوضح زعماؤهم التزام حركتهم بالاتفاقات المعقودة في الماضي مثل اتفاق السلام مع مصر". لكن على الرغم من ذلك يشير ميتال إلى "أن الانتقادات ستزداد ضد السياسة الإسرائيلية وكذلك الخطاب الحاد، نظراً إلى أن مرسي يعتبر إسرائيل دولة معادية لا ترغب في التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. وهو، ومَن يحيطون به، يحمّلون إسرائيل وحدها مسؤولية الوضع".

ازدواجية مواقف مرسي!

ويرى السفير الإسرائيلي الأسبق في الأمم المتحدة والمقرب من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دوري غولد، في مقال نشره في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أنه حينما عرض رئيس مصر المنتخب محمد مرسي خلال العام الماضي مواقفه من اتفاق السلام الإسرائيلي المصري من العام 1979 كان من الواضح أنه يتجاذبه اتجاهان متناقضان، فقد تحدث من جهة حينما وجه كلامه إلى آذان غربية عن حاجة مصر إلى احترام الاتفاقات التي وقعت عليها. ومن جهة أخرى، أعلن مرسي قبل ذلك ببضعة أشهر أن هناك حاجة إلى إعادة فحص اتفاق كامب ديفيد من العام 1978 الذي كان الأساس لاتفاق السلام، وفيما إذا كان الواقع يوجب إبطاله. لكنه في الوقت نفسه أكد أن مرسي وحكومته الجديدة سيضطران إلى أن يجدا التوازن بين أيديولوجيتهما التي لا هوادة فيها نحو إسرائيل وبين القيود التي ستُفرض عليهما من المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة. وأضاف: لقد كتب كثيرون أن حاجة مرسي إلى إطعام عشرات ملايين المصريين الجائعين كل يوم ستجعل سلوك النظام المصري معتدلا كما يبدو. وعلى إسرائيل أن تعمل على إنشاء إجماع دولي يعارض محاولات اللعب بما كان حجر زاوية السلام في الشرق الأوسط، وأحد أهم ركائز الاستقرار الإقليمي.

ويعتقد السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر تسفي مازائيل أن مرسي لن يغيّر جلده كزعيم في حركة "الإخوان المسلمين".

وكتب في مقال نشره في الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" قائلاً:

يشكل انتصار محمد مرسي، القيادي في حركة "الإخوان المسلمين"، في الانتخابات الرئاسية المصرية، انتصاراً للإسلام السياسي الذي لا يفصل بين الدين والدولة، والذي يسعى لفرض الشريعة الإسلامية على نواحي الحياة كافة. فقد فشلت الثورة المصرية في إظهار زعيم جديد كاريزمي، وفي المحصلة اقتصر الصراع في الانتخابات الرئاسية بين الحرس القديم وجماعة "الإخوان" التي تمثل القوة السياسية الرئيسة في مصر منذ ثورة الضباط الأحرار في العام 1952.

وفي العقود الستة الأخيرة، لم يكن هناك في مصر فسحة لنشاط الأحزاب الليبرالية أو الوسطية. وطوال تلك الفترة، منذ أيام جمال عبد الناصر مروراً بأنور السادات وصولاً إلى عهد حسني مبارك، كانت أرض النيل خاضعة لحكم دكتاتوري عسكري يتستّر خلف الحزب الوطني الحاكم الوحيد والخاضع لسيطرته. وكانت حركة "الإخوان"، التي بدأ نشاطها السياسي في عهد الملك فاروق (الذي قتلت أجهزته السرية حسن البنا، مؤسس الحركة، بعد اتهامه بمحاولة قلب النظام)، هي الحركة الوحيدة التي تجرأت على تحدي حكم هؤلاء الرؤساء الثلاثة، لكن جميع محاولاتها للاستيلاء على السلطة باءت بالفشل.

إلاّ أن هذا لم يمنع جماعة "الإخوان" من التغلغل في عمق الشعب المصري، ومن إقامة بنية تحتية خدماتية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ومن مواجهة الدكتاتورية العسكرية والفساد وقمع الشرطة المصرية، وقد تأثر العديد من المصريين بدعوة نشطاء الجماعة الذين جلبوا معهم بشارة الإسلام، والذين وعدوهم بأن الإسلام يشكل الحل لجميع مشكلاتهم، فلم يكن للإخوان المسلمين منافس، من الناحيتين الدينية والسياسية، في الساحة المصرية الداخلية.

ومنذ تأسيس هذه الجماعة في العام 1928، كان هدفها الوحيد هو السيطرة على مصر وتحويلها إلى دولة إسلامية تحكمها الشريعة، أمّا الديمقراطية وقيم حرية التعبير وإعطاء الحقوق المتساوية للأقليات وللنساء، فكانت العدو الذي يجب محاربته. وكانت عقيدة هذه الجماعة دينية متشددة ومعادية للسامية حتى قبل نشوء دولة إسرائيل، وما لبثت أن تحولت إلى نضال لا هوادة فيه ضد هذه الأخيرة. وقد تأسست جميع الحركات الإسلامية المتطرفة، كالجهاد، والجماعة الإسلامية، والقاعدة، وغيرها، بناء على عقيدة "الإخوان المسلمين" المتشددة. ولهذه الجماعة اليد الطولى في التشدد الديني وسط الشارع المصري، وفي العدائية تجاه إسرائيل.

أمّا الآن فيزعم كثيرون، ولا سيما في وسائل الإعلام الغربية، أنه ينبغي نسيان الماضي وتصديق أن جماعة "الإخوان" ليست إلاً حزباً علمانياً سيعمل منذ الآن وصاعداً بالطرق الديمقراطية لتطوير مصر، وذلك على الرغم من أن محمد مرسي نفسه لم يتردد خلال الحملة الانتخابية في طمأنة مؤيديه بأنه سوف يطبق الشريعة الإسلامية ويحرر القدس، كما حرص على أن يخبر الصحافيين الأجانب بأنه سوف يحترم المعاهدات الدولية لمصر ويقيم دولة مدنية، وهو مصطلح غامض غير محدد.

فهل تبخر إيمان مرسي بالإسلام فجأة لدى انتخابه رئيساً لمصر؟ وهل أن محمد بديع، المرشد العام لـ "الإخوان"، ورفاق دربه في مكتب الإرشاد، تحولوا إلى ديمقراطيين بعد فوزهم في الانتخابات؟ وهل أن أعضاء الجماعة البالغ عددهم نصف مليون بدأوا يحترمون نساءهم؟.... يبدو أنهم في العواصم الغربية لا يطرحون هذه الأسئلة، كما أنهم، في البيت الأبيض، مستعدون للسير قدماً إلى جانب "الإخوان".

وتابع مازائيل: أدى مرسي اليمين الدستورية أمام هيئة المحكمة الدستورية. ونقل المجلس العسكري الأعلى فوراً كامل صلاحياته إلى الرئيس الجديد، بما فيها السلطتان التنفيذية والتشريعية بسبب حل البرلمان. وبهذه الطريقة أصبح منذ الآن حاكم مصر الأعلى المنتخب ديمقراطياً من الشعب المصري. صحيح أن المجلس العسكري الأعلى أصدر قبل بضعة أيام إعلاناً دستورياً مكملاً يحدّ من صلاحيات الرئيس في كل ما يتعلق بشؤون الدفاع والجيش، مثل حق إعلان الحرب، وتحديد ميزانية الجيش، وتعيين قائد القوات المسلحة، إلاّ أن هذا الإعلان ظهر كمحاولة مثيرة للشفقة للجنرالات من أجل الاحتفاظ ببعض الصلاحيات قبل عودتهم إلى ثكناتهم.

ما الذي يمنع الرئيس الجديد من تغيير مسار الأمور؟ إذ تسمح له صلاحياته، بما فيها التنفيذية والتشريعية، بإبطال حلّ البرلمان، وبالإشراف على صياغة الدستور والحرص على أن يضمّنه بنوداً تلائم تطبيق الشريعة. ويبدو أنه خلال بضعة أسابيع، سوف يسيطر "الإخوان" على جميع مراكز القوة في مصر: الرئاسة، والبرلمان، والدستور. فما الذي يمنعهم والحال هذه من دفع جنرالات المجلس الأعلى إلى التقاعد؟ هل سيعترض الجيش ويحاول قلب النظام؟ هذا أمر مستبعد. وما الذي يمنع "الإخوان" من البدء بتطبيق برامجهم لإقامة دولة إسلامية في مصر، والسعي لإقامة دول إسلامية مماثلة في منطقة الشرق الأوسط؟ يزعم المحللون الغربيون الذين أصبحوا داعمين للإخوان أن المانع هو البراغماتية والحاجة إلى معالجة الأزمة الاقتصادية الخطرة التي تعاني منها مصر. ربما من الدلائل الأولى على هذه البراغماتية تعهد مرسي بإعادة محاكمة مبارك تحقيقاً للعدالة، والمطالبة بالإفراج عن الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن المتهم بالتحريض على تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك في شباط 1993، والذي يقضي عقوبته في أحد سجون الولايات المتحدة الأميركية.

وعلى النسق ذاته رأى الخبير في شؤون الأمن القومي د. تشيلو روزنبرغ أن مصر في طريق التحول إلى جمهورية إسلامية.

ومما جاء في مقال نشره في صحيفة "معاريف":

مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية يمكننا القول بثقة إن جمهورية إسلامية جديدة قد نشأت بالقرب منا. وحتى قبل نشر النتائج الرسمية، قيل الكثير من جانب المعلقين والصحافيين الذين حاولوا تصوير المستقبل بصورة متفائلة، وبذل عدد من الجيو- سياسيين جهدهم لتهدئة المخاوف. لكن مع الأسف الشديد فإن هؤلاء على خطأ، مثلما أخطأ قادة "العالم الحر" عندما رفضوا الاقتناع بأن لا شيء يمكنه أن يفرض تطبيق الديمقراطية بالقوة.

إن مصر الجديدة لن تكون دولة ديمقراطية، فالديمقراطية كانت مجرد أداة استخدمها "الإخوان المسلمون" من أجل الوصول إلى السلطة، ومن الصعب قيام ديمقراطية في ظل حكم ديني. إن خطاب "الإخوان" هو عبارة عن ديماغوغيا رخيصة لكن مفيدة جداً، فبالنسبة إلى شعب عانى أعواماً طويلة من الفقر المدقع ومن القمع الفظيع، يبقى الله هو الأمل الوحيد، إذ يعتبر "الإخوان" أنهم يعكسون إرادة الله، وبالتالي يعرفون ما ينفع هذا الشعب وما يضره.

ويحاول دعاة تهدئة المخاوف من التغييرات في مصر، ولا سيما داخل إسرائيل، الادعاء أن الثورة لم تنته، وأن شباب ميدان التحرير ليسوا مع الحكم الإسلامي، وأن أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسمحوا للرئيس الجديد بتحقيق سياسته. لكن هذا الكلام لا يعدو أن يكون مجرد افتراضات، فكل مَن لا يرى الحقيقة الماثلة أمامه سيخيب أمله.

إن الافتراض الأساس الذي يتعين على إسرائيل أن تنطلق منه هو أن مصر الجديدة لن تكون مصر مبارك، وعلى مسؤولي الدولة تغيير خطابهم والبحث عن أفضل الأدمغة من أجل الاستعداد لما هو آت. وتواجه إسرائيل مشكلة كبيرة على حدودها مع مصر، وحتى انتهاء الحكم الجديد من ترتيب أوضاعه تستطيع الاعتماد على المجلس العسكري. لكن علينا أن نستعد لحدوث تغيرات كبيرة، مثل خضوع المجلس العسكري والجيش المصري للسلطة الجديدة. وليس في إمكان الحكم الجديد في مصر تجاهل ما يجري في الخارج، وهو بحاجة إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، مثل روسيا، من أجل توطيد سلطته. ومع ذلك ليس مستبعداً أن تتحول مصر في القريب العاجل إلى جمهورية إسلامية تقود المنطقة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات