المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*رئيس الحكومة حظي بأغلبية 77% لرئاسة الليكود وكان هدفه الفوز بـ 80% * المستوطنون يحققون قوة تنظيمية في هيئات الليكود أكثر مما أراد نتنياهو ولا يستطيع تجاهلها * قلق نتنياهو نابع من سعيه الدائم للسيطرة الكاملة على حزب الليكود بدون أي أصوات معارضة له تنظيميًا*

*رئيس الحكومة حظي بأغلبية 77% لرئاسة الليكود وكان هدفه الفوز بـ 80% * المستوطنون يحققون قوة تنظيمية في هيئات الليكود أكثر مما أراد نتنياهو ولا يستطيع تجاهلها * قلق نتنياهو نابع من سعيه الدائم للسيطرة الكاملة على حزب الليكود بدون أي أصوات معارضة له تنظيميًا*

على الرغم من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فاز بأغلبية 77% من أصوات حزب الليكود، وبولاية جديدة في رئاسة الحزب، كما بينت نتائج الانتخابات التمهيدية لهذا الحزب التي جرت يوم 31 كانون الثاني الفائت، إلا أن أمرين اثنين "عكّرا" صفو فرحته بهذه النسبة العالية، أولهما أنه لم يجتز نسبة 80% كما رغب بذلك جهارًا، وثانيهما أن كل محاولاته للجم المعسكر "الإشكالي" من ناحية تنظيمية بالنسبة له، وهو معسكر جمهور عصابات المستوطنين، لم تنجح، وسجل هذا المعسكر لنفسه قوة ذات وزن كبير في المجلس المركزي للحزب، بسيطرته على نحو 20% من أعضاء المركز وفقًا للتقديرات.

وكان نتنياهو قد بادر قبل نحو شهرين إلى انتخابات سريعة لرئاسة الحزب، بذريعة التوفير على الحزب، لتكون الانتخابات سوية مع انتخاب هيئات الحزب العليا وقيادات الفروع، وقبل ذلك، كان نتنياهو قد بادر إلى تغيير تنظيمي في هيئات الحزب بهدف لجم قطاع المستوطنين في الحزب، الذين يرمون بثقلهم في كل انتخابات داخلية لتشكيل لائحة الحزب البرلمانية، وبشكل لا يتلاءم مع انتشار قوة الحزب في البلاد.

وقد أقرت السكرتارية القطرية لحزب الليكود اقتراحات نتنياهو بشأن تركيبة المجلس العام للحزب، ومنه السكرتارية القطرية للحزب، وبفعل هذه التغييرات كان من المفروض أن يتم لجم تمثيل ممثلي المستوطنين، ليهبط من 18% في المجلس السابق إلى 10% في المجلس الجديد، ولكن هذا لم يتحقق، وكان في صلب التغيير، ضمان تمثيل جميع منتخبي الجمهور لحزب الليكود في مجلس الحزب، وإعطاء وزن أكبر لفروع الحزب، بحسب كمية الأصوات التي حققتها كل بلدة ومدينة للحزب في الانتخابات البرلمانية، كما تم رفع عدد أعضاء المجلس المركزي من 2500 عضو إلى 3500 عضو، وهناك من يتحدث عن 4 آلاف عضو.

وفور صدور النتائج، ألقى نتنياهو خطابا أعرب فيه عن رضاه من نسبة التصويت العامة التي اعتبرها جيدة في ظروف غياب أجواء انتخابية عامة، إذ بلغت نسبة التصويت 50%، ولكنه في نفس الوقت سعى إلى خلق بلبلة في ما يتعلق باحتمالات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في العام الجاري، ففي حين صدرت كبرى الصحف الإسرائيلية في اليوم التالي لانتخابات الليكود تنقل أقوال "مصادر" في محيط نتنياهو وفيها أن الأخير يستعد لانتخابات مبكرة، ليستغل ما وصفوه بـ "حالة الرضا" في الجمهور عن حكومته، وكي يضبط المعارضة وهي ليست مهيأة بشكل كامل لانتخابات مبكرة، وأيضا كي يتفادى الضغوط الائتلافية لدى إعداد الموازنة العامة للعام 2013، وربما أيضا موازنة 2014 في نفس الوقت، فإن نتنياهو ذاته وقبل صدور تلك الصحف بساعات قليلة، قال لأنصاره إنه ما زال وقت كبير للانتخابات البرلمانية.

واعتبر نتنياهو في خطاب له أمام مناصريه بعد صدور النتيجة أن "حزب الليكود الحقيقي قد انتصر"، في إشارة إلى هزيمة المستوطن المتطرف موشيه فايغلين. وتابع قائلا إن الليكود يعبر اليوم عن وحدته، فليس من المألوف أن يتجه عشرات الآلاف إلى صناديق الاقتراع في انتخابات حزبية داخلية، "في ظل غياب أجواء انتخابات برلمانية لا تزال بعيدة".

أما فايغلين فقد اعتبر نفسه منتصرا في هذه الانتخابات، لكونه تجاوز حاجز الـ 20% الذي فرضه نتنياهو، واعتبر نفسه أنه يتقدم في الحزب، خاصة وأن نتنياهو بادر إلى تغيير أنظمة قبيل الانتخابات البرلمانية السابقة في العام 2009، كي يبعد فايغلين عن الفوز بمقعد برلماني ضمن كتلة الليكود.

المستوطنون يحققون

قوة جدية

بعد يومين من الانتخابات في حزب الليكود بدأت تتكشف حقائق عن حجم تأثير المستوطنين، وقبل ذلك تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن 30% من الذين انتسبوا لحزب الليكود في العام الماضي كانوا من جمهور المستوطنين، وبذلك باتت نسبتهم العامة من بين 126 ألف منتسب لليكود في السنوات الأخيرة حوالي 9%.

وقالت "هآرتس" إن قسما كبيرا من المنتسبين هم من التيار العنصري الأيديولوجي، وأن هناك طاقما، يسمى "الطاقم القومي"، شرع بحملة من أجل جمع أكبر عدد من المستوطنين للانضمام إلى حزب الليكود، من أجل التأثير عليه وضمان انتخاب مناصرين للمستوطنين كمرشحين على لائحة الحزب للانتخابات البرلمانية لدى تشكيلها.

وجاء في موقع "الطاقم القومي" في شبكة الانترنت: "إننا لا ندعوكم للتصويت لحزب الليكود، وإنما فقط الانتساب له". وجاء أيضا: "إن قسما من أعضاء الكنيست من حزب الليكود ينشط بهدف الحفاظ على موقعه السياسي، ولذا يجب فرض تسعيرة سياسية أمامه، فإذا عرف عضو كنيست أو وزير أنه قد يفقد مستقبله السياسي في الانتخابات الداخلية للحزب، فإنه سيحسب عشر مرات قبل كل تصويت"، بمعنى أن يبقى مؤيدا لقضايا المستوطنين في الكنيست والحكومة، كي لا يٌعاقب في الانتخابات الداخلية في الحزب.

لكن من ضمن سلسلة التقارير التي ظهرت لاحقا، قالت صحيفة "معاريف" إن جمهور المستوطنين جند 27 ألف عضو لحزب الليكود، وقد يكون ضمن هؤلاء كل من المستوطنين في القدس المحتلة، ومناصري التيار "الديني القومي الصهيوني" المقيم في إسرائيل مثل المستوطنات، رغم أن هذا الجمهور يصوت بغالبيته الساحقة جدا لقوائم المستوطنين وحزب "المفدال" الديني (هبايت هيهودي- حسب تسميته الجديدة).

وبحسب معطيات نشرتها الصحيفة ذاتها فإن عناصر معروفة من تيار المستوطنين، وبشكل خاص تيار موشيه فايغلين، نجحوا في السيطرة على 20% من أعضاء المجلس المركزي للحزب، بمعنى ما بين 750 إلى 800 عضو، وكما يبدو فإن من بين هؤلاء مستوطنون وأنصارهم في داخل إسرائيل.

وكان فايغلين قد حصل في المستوطنات على أغلبية 80% مقابل 20% لصالح نتنياهو، وفي المستوطنات الصغيرة، حيث العصابات المتطرفة، حصل على 90% وأكثر من أصوات المستوطنين المنتسبين لحزب الليكود، ولهذا سيكون من الملفت للنظر في الانتخابات البرلمانية القادمة، كم من الأصوات سيحصل الليكود في تلك المستوطنات عينيا، فهل مرّة أخرى سيحصل الليكود على عدد أصوات أقل من عدد المنتسبين له، بدلا من عكس ذلك؟.

ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة شكلت أصوات المستوطنين من الضفة الغربية من دون القدس، 4% من مجمل أصوات حزب الليكود، بمعنى أن الليكود حاز على 20% من أصوات المستوطنين، التي راحت بغالبيتها الساحقة للقائمتين اللتين تمثلان المستوطنين.

لكن فايغلين ليس وحده يمثل العصابات المتطرفة في الليكود، بل تبين أن قادة عصابات "شبيبة التلال" التي تنفذ جرائم "جباية الثمن" انتسبوا لحزب الليكود، ومن بينهم من بات عضوا في المجلس المركزي، مثل المدعو مئير باتلر القابع باعتقال منزلي بسبب الشبهات التي تنسب له بتورطه بجرائم "جباية الثمن"، وتقول "معاريف" إن باتلر نجح في إدخال 100 عضو من طرفه إلى المجلس المركزي لحزب الليكود، ومثله أيضا المدعو يوسي داغان.

وقال داغان لوسائل إعلام إسرائيلية: "إن هدفنا اليوم كقوة قوية هو دعم الوزراء وأعضاء الكنيست المخلصين لدستور الليكود، بمعنى الاستيطان في أرض إسرائيل ومنع إقامة دولة فلسطينية".

قلق نتنياهو

إذ تمعنا في تفاصيل سياسة نتنياهو التي يصرّح بها، والأهم تلك التي يطبقها على الأرض، من الصعب التخيل أن المستوطنين وأنصارهم ليسوا راضين عنه، فالاستيطان يستشرس، والمفاوضات معطلة، والخطوط العريضة التي يطرحها تمنع عمليا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا يبدو أن نتنياهو في سعيه إلى لجم قوة المستوطنين في حزب الليكود ينوي تغيير سياسته التي يتبعها.

لكن في نفس الوقت، فإن نتنياهو قلق من النتيجة، لأنه سعى كل الوقت إلى إطباق قبضته على الحزب، كي يكون القوة الأولى من دون منازع، وكي يستطيع أن يحدد إلى أقصى حد شكل لائحة الليكود للانتخابات البرلمانية.

وفي الوضع القائم، وخاصة إذا صحت التقديرات بأن المستوطنين يسيطرون على 20% من مقاعد المجلس المركزي، فإن هذه قوة ستكون أكبر من حجمها لدى التطبيق، وهذا لعدة أسباب، فالمستوطنون وأنصارهم فعالون سياسيا أكثر من أي قطاع آخر في إسرائيل، وهذا برز أيضا في انتخابات الليكود العامة، فنسبة التصويت في المستوطنات اجتازت بكثير نسبة 70%، وفي المستوطنات الصغيرة تجاوزت 80% وحتى 90% في بعض الحالات، بينما نسبة المصوتين العامة في فروع الليكود في داخل إسرائيل لم تتجاوز نسبة 45%، وهذا زاد من قوة المستوطنين.

وبناء على ذلك، فحينما سيتوجه الليكود إلى انتخابات للائحة الحزب سيكون المشهد مشابها، بمعنى أن تأثير المستوطنين على تشكيل القائمة سيكون أكبر، وبشكل متمرد على إرادة نتنياهو، ولكن الأخطر من ناحية هذا الأخير، هو أن تتجه "جيوب" معارضة له في الليكود، لتتحالف مع المستوطنين كقوة، مثلا خصمه القديم الذي لم ينافسه في هذه الانتخابات سيلفان شالوم. أو مثلا إذا اتجه نتنياهو إلى المجلس المركزي طالبا ضمان مقاعد لوزير الدفاع إيهود باراك ونواب آخرين من كتلة "عتسماؤوت" (استقلال) المنشقة عن حزب "العمل" وضمنت استقرار حكومته، فهذه الخطوة ستشهد معارضة حتى من مؤيدي نتنياهو، مثل الوزراء موشيه يعلون وليمور ليفنات وغدعون ساعر وغيرهم، فمعارضة هؤلاء ستلتقي مع معارضة المستوطنين، وحينها قد يفشل نتنياهو في مساعيه.

إن المشهد الأوضح لوضعية حزب الليكود الحاكم سيتبين لدى التئام المجلس المركزي في الأسابيع القليلة المقبلة لانتخابات السكرتارية القطرية، وعندها من المتوقع أن تظهر موازين القوى بشكل أدق مما هي عليه الآن.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات