المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*المدرسة العربية لا تتعامل غالبا مع موضوع القيم وتتعامل أكثر مع موضوع التحصيل وحان الوقت لتغيير ذلك*

*المدرسة العربية لا تتعامل غالبا مع موضوع القيم وتتعامل أكثر مع موضوع التحصيل وحان الوقت لتغيير ذلك*

كتبت هبة زعبي:

أصدر "معهد مسار للأبحاث" في حزيران 2012 كتاب "التربية للقيم في مجتمع مأزوم"، من تأليف د. خالد أبو عصبة.

ويبحث الكتاب (256 صفحة) أوضاع جهاز التربية والتعليم لدى فلسطينيي الداخل، ويتم تناول الموضوع من خلال عدة قضايا وزوايا يطرحها الكتاب ويناقشها بصورة معمقة، ويركز من خلاله على ضعف المنظومة القيمية داخل المجتمع الفلسطيني والتي جاءت جراء ضعف المدرسة وتقصيرها في أداء دورها في هذا الجانب وتركيزها على الجانب التحصيلي للطلاب. ويحاول الكاتب أن يخرج في نقاشه هذا من إطار المدرسة إلى المجتمع والواقع والتناقضات لدى المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، وأن يطرح الإشكاليات والأسباب التي أدت إلى هذا "الواقع المأزوم".

ويرى الكاتب أن المجتمع العربي مصيره الى التفكك والانهيار إن استمر الوضع على ما هو عليه، ويقترح خطة ليست مدونة في صفحات الكتاب تحمل حلا لهذه الأزمة القيمية.

وقد حاور "المشهد الإسرائيلي" الباحث أبو عصبة من خلال هذا اللقاء الذي تناول نقاطًا هامة ومركزية ناقشها الكتاب.

(*) سؤال: ما الذي دفعك إلى تأليف هذا الكتاب؟

جواب: جاء هذا الكتاب استمرارا لكتاب آخر صدر العام 2003 عنوانه "تسيير ومعضلة التربية للقيم في المدرسة العربية"، وتناول موضوع القيم، وادعيت فيه أن المدرسة العربية لا تتعامل غالبا مع موضوع القيم، وتتعامل أكثر مع موضوع التحصيل، وحاولت خلاله شرح السبب الذي يدفع المدرسة العربية للتركيز على التحصيل وإهمال موضوع القيم، وبعد مرور 9 أعوام حاولت أن أطور هذا الكتاب لكن بأن يُكتَب باتجاه جديد وأن أطرح خلاله "معضلة القيم"من زاوية أخرى وأعرض ما هي القيم التي يجب أن نربي عليها في واقعنا الاجتماعي القائم اليوم، وذلك من خلال رؤيتي للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وقراءتي الشخصية له كعامل تربوي لامست المفارقات العديدة فيه، وهذا الأمر دفعني إلى إعداد الكتاب جراء الحاجة إلى دراسة الواقع الاجتماعي والثقافي في المجتمع العربي بشكل أعمق في ظل التغيرات التي يمر بها في الفترة الأخيرة وبالذات في الأعوام العشرة الأخيرة.

(*) سؤال: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر وضع جهاز التعليم العربي الحالي على الجانب الأخلاقي والقيمي للأجيال الصاعدة؟ أي جيل مستقبلي يمكن أن يخلق؟

جواب: بإمكان جهاز التعليم أن يؤثر على الجانب الأخلاقي من خلال التربية للقيم، هذا الأمر يقف في صلب أي جهاز تربوي، بغض النظر إن كان في الوسط العربي أو اليهودي، أو في وسط غربي أو شرقي. للجهاز التربوي وظيفتان أساسيتان، الأولى نقل الموروث الحضاري من جيل إلى جيل ضمن التغيرات التي تحدث، أما الثانية فهي إتاحة الفرصة للطالب كي يستغل جميع قدراته الذهنية من أجل التحصيل. ولقد تم التركيز فقط على الجانب الثاني وتم ذلك بصورة غير ناجحة لأننا لا نمنح الطالب إمكان استغلال جميع قدراته وأهملنا نهائيا كل قضية التربية للقيم، فجهاز التعليم العربي يهرب من هذه المهمة إلى الجانب التحصيلي، وفي مثل هذه الحالة التي لا يقوم فيها جهاز التربية بمهمته التربوية الأساسية يقع كل عبء التربية القيمية على كاهل الأهل والمجتمع، وهما ليسا قادرين على تحمل هذا العبء. الجهاز التربوي مشوه وعمله التربوي منقوص لا يستطيع فقط الاكتفاء بإكساب المعلومات للطالب، فاليوم المدرسة هي آخر محطة ممكن أن تكون مصدر المعلومات للطالب، ومصادر المعلومات موجودة خارج إطار المدرسة، والوظيفة التي يجب أن تنتهجها المدرسة هي تنشئة اجتماعية وتهيئة وبناء الإنسان من خلال القيم وإكسابه مهارات للتعلم والمدرسة لا تقوم بهذا الدور. حاولت من خلال الكتاب طرح هذه القضية أمام جهاز التربية والتعليم وجعله يتعامل مع قضية "القيم" وقضية "التنشئة" وعدم الاكتفاء بالاهتمام بالجانب التحصيلي.

(*) سؤال: كيف ترى وتقيم مسببات هذا التراجع في المحافظة على المنظومة القيمية داخل المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل؟

جواب: من المفروض أن تتواجد هذه المنظومة القيمية في كل مجتمع، ويجب عليها أن تكون جامعة وشاملة يحتكم إليها الفرد والجماعة في أمر السلوك السوي، والمجتمع العربي يمر في مراحل تغيير رهيبة نتيجة انكشافه على مجتمعات أخرى، ونتيجة أزمات سياسية واقتصادية تعصف به، وشح الموارد والعيش في واقع صعب يدفعان المجتمع إلى أن يبدأ بفقدان المنظومة القيمية الجامعة والموحدة للنسيج الاجتماعي الموجود وأن تتخلخل هذه المنظومة القيمية، واقعنا الاجتماعي الصعب وكل ما نجده فيه من عنف ومن سلوكيات ومظاهر تبدو وكأنها غربية ولكنها بالأساس هي مجرد قشور غربية وهي ناتجة عن الانكشاف وعن فقدان البوصلة لمنظومة قيمية موجودة داخل مجتمعنا، المدرسة هي إحدى مؤسسات المجتمع وهي فقدت السيطرة على الأبناء وعلى توجيههم، وهي أصلا التي أفقدت نفسها هذه السيطرة بعد إهمالها الجانب التربوي وتركيزها على الجانب التحصيلي، وبهذا الجانب أيضا اكتشف الطلاب أنها ليست الوحيدة التي توفر لهم هذه المعلومات، فبدأت مركزيتها تتدهور في نظر الطلاب، وليس من الغريب ما يحدث داخل المدارس اليوم من تدهور مكانة المعلم وتدهور مكانة كل جهاز التربية والتعليم.

(*) سؤال: هل التراجع في المنظومة القيمية للأجيال الصاعدة يمكن أن يؤثر على تماسك المجتمع ويدفع مثلاً نحو أسرلته واندماجه في المجتمع الإسرائيلي؟

جواب: فقدان المنظومة الشمولية أو الموحدة أو الجامعة تؤدي إلى فقدان النسيج الإجتماعي وفقدان الأسس لمجتمع يمتلك مرجعياته المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية والخ ...هذا بدوره يؤدي إلى "الفردانية"، هذه "الفردانية" نجدها في المجتمعات الغربية الأخرى لكن هناك يوجد من يأخذ هذه الطاقات من الفردانية ويحولها لصالح الجماعة، لكن لا تتوفر لدينا مثل هذه المؤسسات التي تقوم بهذه العملية، لذلك فالفردانية في مجتمعنا تتحول إلى عشوائية، وكل شخص يتناول الأمور على هواه، وفي هذه الحالة يمكن حتى للخيانة أن تتحول إلى وجهة نظر، ويصبح كل شيء مسموحا ومباحا، ومرجعياتنا وقياداتنا لا تمتلك الثقل الذي يجب أن تملأه، مثلا حين يتم الإعلان عن اتخاذ أية خطوة جماعية فإننا لا نجد التجاوب العام والملائم لها، القضية هنا ليست أسرلة بمفهوم الأسرلة وإنما أننا بتنا نفقد الخصوصية والنوعية والتمايز لمجتمعنا من الناحيتين الثقافية والتاريخية، وفي النهاية فإن هذا الأمر سيؤدي إلى تبعثر هذا المجتمع بصورة نهائية.

(*) سؤال: كيف استطاع هذا المجتمع المأزوم أن يتأثر من الانكشاف على الحداثة والحضارة الغربية؟ وإلى أي مدى أثرت على حضارته؟ هل ترى أن هذا التأثير سلبي أم ايجابي؟

جواب: أنا لا أدعي بأن علينا أن ننغلق على أنفسنا وألا ننكشف على حضارات أخرى، أو ألا نتحاور مع حضارات أخرى، لكن من أجل خلق حوار مع الآخر يجب أن يتوفر شرط أطلق أنا عليه "النِدِّيَة"، وأن تكون مساويا له حتى تستطيع أن تتحاور معه، وألا تنظر له نظرة كما لو أنه فوقي، نحن ننظر للحضارة الغربية كما لو أنها فوقية، والغرب ينظر إلينا نظرة دونية، ومن هنا يتم افتقاد أسس الحوار مع الثقافة الأخرى. ولا شك في أننا تأثرنا من الحضارة الغربية وكذلك من الحضارة الإسرائيلية والتي دخلت ومزجت مفرداتها في لغتنا (عبرنة اللغة العربية)، وقد تأثرنا منها في سلوكياتنا اليومية، قضاء أوقات الفراغ وعلاقتنا الاجتماعية، وتأثرنا في جوانب كثيرة أخرى، أنا أدعي في كتابي بأني أستطيع أن أتأثر وأقبل أن أتأثر في المجالات الإيجابية التي تصب في مصلحة مجتمعي، لكن بشرط المحافظة على تميزي وخصوصيتي وألا أفقد هويتي السياسية والاجتماعية والثقافية، وأساس الهوية الثقافية هي اللغة وحين أفقدها فإني أفتقد كل شيء، فمثلا يؤلمني أن أجد العديد من طلابي غير قادرين على كتابة نص باللغة العربية.

(*) سؤال: هل كل هذا التغيير خلق لدى المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل أزمة في الهوية والانتماء؟ وإلى أي مدى أفلحت سياسات الحكومات المتعاقبة في التأثير على هذا الجانب؟

جواب: تعمل السياسات المنتهجة من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة في ما يخص المجتمع العربي، وخصوصا في كل ما يتعلق بمجال التربية والتعليم، على تشويه الهوية إلى درجة تجعلك لا تفتخر بكونك عربيا ينتمي إلى الأمة العربية وإلى الشعب الفلسطيني، والرواية الفلسطينية مفقودة في جهاز التربية والتعليم، والتربية القيمية المنتهجة في الوزارة تدعي بأنها تربي على الانتماء، لكنها تربي فقط على الانتماء للمحلية وليس الانتماء للوطن، نحن لا نستطيع أن نربي على الانتماء في جزئياته فقط كما هو منتهج حيث يربون على الانتماء للأسرة والعائلة والانتماء للبلد، يخرجون لنا بكتب "موطني" و"بلدي" و"مدينتي". أيضا حينما نراجع كافة النصوص المدروسة ونبحث عن أي قيم تربي نجد أنها تربي على قيم عامة (ممنوع أن تكذب، ممنوع أن تسرق الخ...أي الوصايا العشر) لكن هذه الوصايا والتي أطلق عليها "القيم العامة" تلقن في كل دول العالم، لكن حين نبحث عن وجود القيم الخاصة التي يجب أن تلقن لطالب يتمتع بتمايز ثقافي وحضاري لا نجدها في مدارسنا، وعلى النقيض فإنه يتم تلقين الطلاب اليهود في المدارس اليهودية قيمهم الخاصة كالقيم الصهيونية والحب والانتماء للوطن والأرض ولا يسمحون للطالب العربي أن يلقن قيمه، لذا ما من شك في أنه يوجد تشويه لهذا الإنسان الذي يخرج مفتقدا أسس الانتماء لمجموعته ولوطنه ودينه وأرضه وانتمائه.

(*) سؤال: هل حالة تفشي العنف في مجتمعنا مرتبطة مع تدهور المنظومة القيمية لمجتمعنا؟ وهل يتحمل جهاز التربية والتعليم جزءا من المسؤولية عن ذلك؟

جواب: لا شك في أن هناك إسقاطات وانعكاسات لعدم الخوض في "موضوع القيم" في مدارسنا، وعدم الخوض فيه يؤدي إلى تشويه المجتمع وعدم تماسكه، أضف لذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعيشها المجتمع، ما يؤدي بدون شك إلى تفشي العنف والسلوكيات الخطيرة في مجتمعنا كاستخدام المخدرات وشرب الكحول والاغتصاب... المؤسسة التربوية هي مؤسسة مجتمعية تتحمل قسطا من المسؤولية عن هذا الموضوع، فوظيفة المدرسة لا تنحصر في التعليم فقط، والمدرسة تتهرب من تحمل مسؤوليتها إلى التعليم، وقامت بأسوأ من ذلك بأن أقنعت الأهالي بأن دورها هو التعليم فقط حيث بدأ الأهالي بالإيمان في ذلك وهذا أمر خاطئ، فالمدرسة مؤسسة تربوية تتحمل مسؤولية ما يحدث في المجتمع ولا يمكن فصلها عن الحيز الاجتماعي ولا يجوز ألا نحملها مسؤولية ما يحدث.

(*) سؤال: هل استطاع المجتمع العربي في إسرائيل الحفاظ على ثقافته؟

جواب: عليّ أن أشير هنا إلى أن المجتمع الإسرائيلي ليس مجتمعا متعدد الثقافات، بل إنه مجتمع فيه ثقافات عديدة وهذا الأمر مختلف، لأن الأمر الأساس الأول في التعددية الثقافية هو "النِدِيّة" بين الثقافات والمساواة في ما بينها ووجودها على خط واحد، مع اقتسام الموارد بشكل متساو ومنها الموارد الثقافية، لذلك نحن لا نعيش في واقع اجتماعي إسرائيلي كمجتمع متعدد الثقافات بل مجتمع فيه ثقافات عديدة نتيجة للهجرة اليهودية إلى داخل إسرائيل. المجتمع العربي حافظ نوعا ما على ثقافته، لكن كل هذا آخذ في التآكل مع مرور الزمن، والمجتمع آخذ في التفكك أكثر وأكثر، والأجيال القادمة سيكون واقعها أسوأ من الواقع الحالي.

(*) سؤال: ما هي الحلول التي تراها ويمكن أن تساهم في خلق مجتمع متماسك ومتوازن وغير مأزوم؟

جواب: لم أكتف بالكتاب، وقمت بوضع خطة أطلقت عليها اسم "نحو مجتمع آمن"، ويجب أن تشترك في تنفيذها كافة مؤسسات المجتمع العربي وأن تلعب دورا هاما بها، وأحمل المدرسة دورا كبيرا بأن تبدأ هي بالذات في عصر التكنولوجيا بالتعامل مع قضية "القيم" وأن تنميها لدى الطلاب، وهناك حزمة من القيم يجب التعامل معها، والمواطن شريك، وكذلك المجتمع المدني، والسلطات المحلية والبلديات. العملية متكاملة، والسؤال هو من سيتولى زمام القيام بهذا المشروع الثقافي والحضاري؟. لا يوجد عندي جواب فالأمر يحتاج إلى موارد.

(*) سؤال: على أي قيم يمكن أن نربي وفق خطتك؟

جواب: قيم المساواة، التسامح، الانتماء والعطاء، وأن يتم بناء برامج عديدة عليها، وتوجد في موروثنا الحضاري وأدبياتنا، وفي حضارتنا وثقافتنا وديننا، مرجعيات لهذه القيم، فنحن لم نأت من هامش التاريخ، بل نملك امتدادا ثقافيا وحضاريا لا نستطيع تجاهله والتخلي عنه، لذلك يجب أن نؤسس على الحداثة بمفهومنا الخاص وأن نستقيها من مفهومنا الحضاري والثقافي وليس من قيم وافدة جاءتنا من الغرب، فهذه القيم الوافدة أتت في سيرورة تاريخية كانت موجودة في أوروبا (حرب ضد الكنيسة، الثورة الصناعية، الثورة الفرنسية، حرب عالمية الخ...) ولا يمكننا تناول هذه القيم وأن نذوتها في حضارتنا، ولذا يجب أن نؤسس على سيرورة تاريخية خاصة بنا.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات